تدوير لاڤندر

طاقة عضوية.. البديل الواعد

الخلايا العضوية تزيد من كفاءة توليــد الكهربــاء 1.5 مرة مقارنةً بألواح السيليكون ويتوقع أن تحظى بنمو سنوي يصل إلى 12.5% بحلول عام 2027م

 

تتطور تقنيات صناعة الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا الخضراء بصورة مذهلة، حيث التسابق العالمي نحو الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة الشمسية، وتحقيق أقصى استفادة منها في إنتاج الكهرباء النظيفة والمستدامة، ويواصل العلماء والباحثون دراساتهم لابتكار أنواع جديدة من الطاقة منها ما يسمى بـ “الخلايا الشمسية العضوية”، التي يؤكد مختصون أنها البديل الواعد لألواح الطاقة الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون.

وتعرّف الخلايا الشمسية العضوية بأنها رقائق قادرة على توليد الكهرباء، وهي أخف 10 مرات من الألواح التقليدية، ويمكن لصقها في أي مكان، خاصة أن لها أشكالا وألوانا هندسية مختلفة، وفي هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لشركة “HELIATEK” الألمانية، يان بيرنشتوك: “يتيح تركيب الألواح العضوية في أماكن لم تكن متاحة من قبل، والكل يتحدث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء لكل مبنى، ولدينا العديد من الأسطح وواجهات المباني لم نستغلها بعد، ولا يمكن استخدامها لتركيب الخلايا الشمسية التقليدية، لا يوجد لدينا أي مواد نادرة أو سامة، وكل ما نستخدمه متوفر على الأرض وبكميات لا حصر لها”.

مزايا عديدة

وبالإضافة إلى خفة الوزن، ثمة مزايا أُخرى للخلايا الشمسية العضوية، كانخفاض تكلفتها بنسبة لا تقل عن 50% بالمقارنة مع الألواح التقليدية، كما أن تصميمها بشكل شبه شفّاف يضيف لمسة جمالية على المباني والنوافذ والواجهات الخارجية للمباني، كما يمكن استخدامها في منتجات عديدة مثل أجهزة الاستشعار والأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء.

ويتزايد اهتمام العلماء ومراكز الأبحاث في مختلف دول العالم يومًا بعد يوم، لتطوير تقنيات الألواح الشمسية العضوية، لإنتاج الطاقة الكهربائية، حيث أعلن الباحثون في معهد “فراونهوفر “الألماني للطاقة الشمسية ومركز أبحاث المواد التابع لجامعة فرايبورغ، عن تسجيل رقم قياسي عالمي جديد، بشأن كفاءة قياسية بنسبة 15.8% لخلية شمسية عضوية بمساحة (1 سم مربع)، باستخدام طلاء مضاد لانعكاس الضوء، يمكنها من توليد طاقة أكبر مقارنة بالتقليدية.

كما طوّر باحثون في جامعة هونغ كونغ للفنون التطبيقية شكلاً جديدًا من الخلايا الشمسية العضوية، والتي سجلت كفاءة تحويل الطاقة بنسبة 19.3%،  باستخدام تقنيات مبتكرة، ساهمت في خفض الحرارة المهدرة بنسبة 20%، فيما طوّر العلماء في جامعة الأورال الفيدرالية في روسيا نوعًا مبتكرًا من خلايا “البيروفسكايت الشمسية” التي تتميز بقدرة أكبر على امتصاص الضوء، وإنتاج كميات كبيرة من الكهرباء بتكلفة تقل بنحو 50% مقارنة بخلايا السيليكون التقليدية، حيث تشير تقارير إلى أنه خلال السنوات الماضية، ارتفعت كفاءة تحويل الطاقة من هذه الخلايا من 4% إلى 25%.

وهو ما يؤشر بأنه إذا تم اعتماد صناعة الخلايا الشمسية العضوية وإنتاجها وطرحها في الأسواق، فإنها قد تؤثر بشكل كبير على سوق الألواح الشمسية من السيليكون (تمثل 90% من حجم السوق العالمي للخلايا الشمسية ويطلق عليها الجيل الأول)، وثمة تقديرات تشير إلى أن حجم هذه السوق بلغ 2.3 مليار دولار عام 2022م ومن المتوقع أن يصل إلى 4.3 مليار دولار بحلول 2030م وأن يحقق معدل نمو سنوي مركب يزيد عن 8%، خاصة مع تنامي الاتجاه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة المستدامة.

ولا يمكن التقليل من مصادر الطاقة الشمسية التقليدية، التي تعد بالفعل نجاحًا في مجال الطاقة الخضراء، حيث توفر ما يقرب من 3% من إجمالي الكهرباء على الكوكب، وهي أكبر مصدر جديد للطاقة يضاف إلى الشبكة، حيث يتم توفير أكثر من 200 جيجاوات سنويًا، وهو ما يكفي لتزويد 150 مليون منزل بالطاقة، لكنها ـ في الوقت ذاته ـ لا تنمو بالسرعة الكافية لتلبية الطلب المتزايد، لذا يتجه العلماء إلى تطوير منتجات جديدة، بتكلفة أقل ولا تحتاج إلى مساحات واسعة لتركيبها، وقادرة على مواجهة هذا الطلب.

طفرة مرتقبة

وثمة توقعات أن يكتسب سوق الخلايا الشمسية العضوية العالمي زخمًا من التطور السريع، نظرًا للنمو الهائل في مشروعات البنية التحتية والنمو السكاني المطرد،  الذي من شأنه أن يتواكب مع ارتفاع الطلب على وسائل الطاقة النظيفة، ما يؤدي إلى ظهور منتجات الخلايا الكهروضوئية المدمجة في المباني إلى تسريع نمو سوق الخلايا الشمسية العضوية في السنوات القادمة، وتوفر هذه المنتجات العديد من الوظائف المحسنة للمباني على عكس مواد البناء التقليدية، حيث يمكنها تحويل المباني بشكل فعال إلى إنتاج الطاقة بدلاً من استهلاكها، كما أنها قادرة على حماية المباني من الضوضاء والظروف المناخية القاسية، وأنه من المتوقع أن تحقق سوق الخلايا الشمسية العضوية معدل نمو سنوي مركب في حدود 12.5% بحلول عام 2027م بقيمة 101 مليون دولار، مقارنةً مع 56 مليون دولار في 2019م.

وقام أستاذ الفيزياء في جامعة دريسدين التقنية الألمانية، وأحد الباحثين البارزين في مجال الخلايا الشمسية العضوية، “كارل ليو”، بتأسيس شركة مع مجموعة من الخبراء والمختصين تقوم بإنتاج  مليوني متر مربع من هذه الرقائق سنويًا، وفي جامعة إلينوي الأمريكية، تم الإعلان عن تقنية جديدة لإنتاج ألواح طاقة شمسية، تزيد من كفاءة توليد الكهرباء بواقع 1.5 مرة مقارنة بألواح السيليكون، عن طريق دمج مادة جديدة من أشباه الموصلات هي أرسنيد الكاليوم فوسفات داخل مادة السيليكون، كما تمكن باحثون من الصين والولايات المتحدة الأمريكية من تطوير خلايا شمسية مناسبة للنوافذ وواجهات المباني، قادرة على توليد الطاقة الكهربائية، وتسمح بالرؤية في الوقت نفسه.

وفي عام 2022م أعلن الباحثون في معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا عن تطوير خلية شمسية عضوية جديدة رقيقة جداً تشبه “الملصق”، يمكن وضعها على أي سطح لتوليد الطاقة، وأشاروا إلى أنها تنتج 18 ضعفًا من الطاقة الكهربائية، مقارنةً بالألواح التقليدية.

كارل ليو

تحديات عدة

ومع هذه المزايا العديدة، فإن قصر العمر الافتراضي، يعد أحد المشكلات التي تواجه الخلايا العضوية، والذي يتراوح في خلايا السيليكون بين 12- 25 عامًا، لذا يعمل فريق من العلماء في جامعة “غراتس التقنية” في النمسا، خلال السنوات الأربعة المقبلة، في إطار مشروع كبير لزيادة متانة هذه الخلايا حتى تصمد مدة أطول خاصة مع درجات الحرارة العالية والعوامل الجوية الأخرى، وذلك بتمويل من المفوضية الأوروبية بقيمة 2.7 مليون يورو.

وأوضح مدير المشروع “جريجور تريميل” أن هناك الآلاف من مجموعات المواد التي يمكن استخدامها لإنتاج الخلايا الشمسية العضوية، نريد معرفة أي منها هو الأكثر ملاءمة، وخاصة المتانة، والفعالية من حيث إنتاج الكهرباء، وأضاف بقوله بأنه  لا يزيد سمك الخلايا الشمسية العضوية عن 200 نانومتر، ولكي نتمكن من عزل منتجات التحلل فيها، هناك حاجة إلى أساليب وأدوات خاصة جدًا، وبالإضافة إلى الاختبارات الفيزيائية، سيتم إجراء عمليات محاكاة رقمية للمركبات الكيميائية للعثور على المواد الأكثر ملاءمة للجيل القادم من الخلايا الشمسية العضوية”.

وإلى الآن لم يتم اختبار الألواح الشمسية العضوية على مدى واسع، فلا يزال استخدامها في الوقت الحالي يتم في المختبرات أو في نماذج صغيرة، وأن كيفية تكاملها مع البطاريات التي تقوم بتخزين الطاقة الكهربائية هي مسألة مازالت قيد البحث والتطوير، فضلاً عن تأمين احتياجات هذه الألواح من المواد الخام التي يتم تصنيعها منها، ولكن الحاجة المتزايدة لكافة دول العالم إلى الكهرباء النظيفة والأقل كلفة، هي التي ستدفع إلى التغلب على هذه التحديات، وتحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات المتطورة.

ويمكن القول بأن من أكبر التحديات التي تواجه مشروعات الطاقة الشمسية في العالم هو حاجتها إلى مساحات كبيرة لتركيب الألواح التقليدية، ولا يمكن استغلال هذه المساحات لإقامة أية أنشطة أُخرى، كما أن ارتفاع تكلفتها يحول دون التوسع في استخدامها في المنازل، فضلاً عن المشكلات المتعلقة بندرة بعض المواد الخام اللازمة وتذبذب سلاسل الإمداد العالمية، علاوةً على التكلفة المرتبطة بعملية فقد الطاقة الكهربائية الناتجة عنها، حيث ستفتح هذه التحديات الطريق أمام التوسع في استخدام الخلايا العضوية، والاستفادة من مميزاتها العديدة، وقد تشهد السنوات القليلة المقبلة، منافسة قوية مع نظيرتها التقليدية.