رأي

أسواق الاستدانة تختبر جدوى الحرب على التضخم

أصبحت اجتماعات الفيدرالي الأمريكي هي الحدث الاقتصادي الأهم على الساحة الدولية متى ما انعقد أي اجتماع لتحديد السياسة النقدية الأمريكية والقرارات المصاحبة لكل اجتماع. فمنذ أن بدأ الفيدرالي في مهمته لكبح التضخم في مارس من عام 2022م لم يتم خفض نسب الفوائد خلال أي اجتماع للحرب ضد التضخم، قادتها أدوات نسب الفوائد التي كبحت بالفعل أرقام التضخم من الصعود المتواصل، إلا أنّها لم تخل من الأعراض الجانبية.
أسواق الاستدانة إجمالاً بكافة قطاعاتها المتعددة (الرهن العقاري، وأسواق العقار، وأقساط السيارات، والبطاقات الائتمانية) كان لها نصيب عال من الارتفاعات نظير تغير نسب الفوائد المرتبطة بالمستهلك، وهي المعيار الأهم في قياس تأثير نسب الفوائد على المستهلك .
هذه الديون تضع المستهلك والجهات التمويلية تحت ضغط كبير كما رأينا في شهر مارس من العام الجاري من إعلان عدد من البنوك تعثرها وبالتالي تدخّل الخزانة الأمريكية لدعم الودائع في البنوك المقرضة.
قيمة القروض التراكمية في البطاقات الائتمانية يقدر في الولايات المتحدة الأمريكية بتريليون دولار أمريكي وهي أثنا عشر تريليون دولار أمريكي في أسواق الرهن العقاري، وبسبب فوارق الحجم فإن الجهات المقرضة تفرض نسبًا أعلى على قروض البطاقات الائتمانية عن الرهن العقاري، هذه الارتفاعات في الديون تتضمن أيضًا ارتفاعًا في تكلفة الديون وهو ما يتطلب من الخزانة الأمريكية إصدار المزيد من السندات (أدوات الدين) من أجل الحصول على سيولة يتم ضخها للقطاعات المالية وبالتالي فذلك يحصر الإجراءات في المدى القصير والمفاجآت المتوقعة.
في مطلع أغسطس قامت وكالة فيتش بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأمريكية، فالأسباب كما ذكرت الوكالة تعلّقت بارتفاع نسب الفوائد وارتفاع تكلفة الديون والانفاق المفرط، وبالتالي وضع ضغط على القطاعات البنكية وأسواق الاقتراض.
معنويات السوق والمستثمرين تعاطت مع خفض التصنيف بحذر فمن جهة رأينا انخفاضا في تقبّل المخاطر ولعل المخاوف الكبرى كانت تجاه الأثر طويل المدى على هيكلية الاقتصاد الأمريكي الذي أصبح بحاجة ماسة لتحقيق نسب نمو عالية ذات مداخيل مالية كُبرى تستطيع إطفاء الديون المتعاظمة نتيجة ارتفاع نسب الفوائد، أما من جهة أخرى فأسواق السندات أصبحت تعكس هذه المعنويات السلبية للمستقبل حيث عوائد السندات القصيرة والطويلة أصبحت متقاربة العوائد بشكل يصب في صالح السندات القصيرة الأجل وهي تعكس بكل وضوح تركيز صنّاع القرار في الفيدرالي الأمريكي على المدى القصير.
خلال الفترة التي تزامنت مع رفع نسب الفوائد لاحظنا في البيانات المالية للشركات شبه انعدام قدرته ا على التحوط من ارتفاع تكلفة القروض وهو ما سينقل في المستقبل القريب الأزمة إلى الكثير من الشركات التي اعتمدت على الرافعة المالية والقروض الميّسرة لتسيير أعمالها أثناء فترات الفوائد المنخفضة، فقدرة الخزانة الأمريكية ستمر باختبار حقيقي في حال استطالة هذه الإجراءات مع عدم وجود آلية أُخرى سوى خفض نسب الفوائد وبالتالي العودة إلى سياسة ترويض التضخم.