رجل وزمان

الزامل.. رائد الاستثمار العقاري

هو أحد روَّاد الاستثمار العقاري في المنطقة الشرقية، وفي مدينة الخُبَر على نحو خاص.. هو أيضاً أحد رجال الرعيل الأول من البنّائين الذين اتّجهوا إلى تجارة الأراضي، وشراء الأراضي الفضاء الخالية من الحياة، ليقيم عليها حياة بشرية وإنسانية، وإقامة مجتمعات سُكانية تعج بالبشر والحركة والحيوية والأنشطة الإنسانية.. بدأ حياته من الصّفر، عندما انطلق من «عنيزة» مسقط رأسه، إلى المنطقة الشرقية، ومنها إلى البحرين، باحثاً عن طموحه وآماله وأحلامه في مستقبل يرى فيه ذاتَه.. اجتهد، وكافحَ، ولم يُضيّع الله تعبَه وجهدَه.. بدأ بتجارة المواد الغذائية والملابس، وشيئاً فشيئاً توسّعَت تجارتُه، ودخل ميدان الأراضي و«العقارات»، واتّسعت أحلامُه، حتى أصبح عبدالله الحمد الزامل أحد كبار المستثمرين في «العقارات».. سطور من حياة أحد كبار «البنّائين» السعوديين الروَّاد، في «الصورة القلمية» التالية..

شق طريقه إلى النجاح بعصامية معتمداً على همته وطموحه اللامحدود، وهو يرى أن النجاح لايتحقق إلا بالصمود في وجه التحديات العاتية، وأن الحياة تحتاج إلى صبر ومثابرة حتى يحقق الشخص مايصبو إليه من أهداف، فوضع التحدي نصب عينيه، وبدأ حياة التجارة من الصفر، بعد أن غادر عنيزه ليلحق بأبناء بلدته الذين سبقوه إلى البحرين، التي كانت مركزاً متميزاً في تجارة اللؤلؤ والتبادل التجاري والتصدير والاستيراد مع عدة دول، خاصة الهند، حين كانت البحرين قاعدة لبريطانيا.. من البحرين بدأ عبدالله الحمد الزامل أولى خطواته التجارية التي كانت اللبنة الأولى لامبراطورية تجارية وصناعية أكملها أبناؤه من بعده.

ابن الـ 19 الذي غادر «عنيزه» بـ 40 ريالاً اقترضها من أخته الكبرى باحثاً عن طموحه

المولد والنشأة

في أحد كتاتيب عنيزه قرأ القرآن واجتهد في حفظه، كما حفظ بعض الأحاديث النبوية، وشيئاً من علوم الفقه والسنة النبوية، وتأثر بتربية والده وملازمته له في نضوجه المبكر، وساعدته سعة مداركه مع صغر سنه، ودرس من خلال مكتبة والده الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد.

بعد أن أشتد عوده وبلغ مبلغ الرجال، أدرك أن طموحه يتجاوز حدود بلدته عنيزه، فغادرها طلباً للرزق، في شهر ربيع الأول من عام 1335 وهو لا يزال ابن التاسعة عشرة من عمره، بصحبة مجموعة من شباب بلدته، على قافلة من الجمال متجهين إلى مدينة العقير على ساحل الخليج العربي في المنطقة الشرقية، وقد وصلوها بعد رحلة استغرقت عدة أسابيع، وكان قد غادر عنيزه ولم يكن معه سوى أربعين ريالاً أخذها من أخته الكبرى، وكان الريال وقتها يسمى «ريال فرنسي».

من العقير استقل الجميع ــ ومن بينهم عبدالله الزامل ــ مركباً شراعياً إلى البحرين التي اختارها ليلحق بزملاء له سبقوه إليها، حيث كانت البحرين المركز التجاري الأول في الخليج، وكانت حينها قاعدة لبريطانيا تصرف عليها الحكومة البريطانية، كما كانت مركزاً نشطاً لتجارة اللؤلؤ ولأنشطة الاستيراد والتصدير والتبادل التجاري، إضافة إلى أن البترول اكتشف بها قبل المملكة العربية السعودية بعشر سنوات، وفي البحرين كان عدد كبير من السعوديين من تجار وفئات مختلفة من العمالة، حتى أن المسؤولين عن تفريغ البضائع في ميناء البحرين كانوا سعوديين يشتغلون بأيديهم، الأمر الذي جعل السعوديين القادمين حديثاً للبحرين لا يشعرون بالغربة، خصوصاً مع طيبة أهلها.

بداية التجارة

بدأ عبدالله الزامل حياته التجارية في المواد الغذائية والملابس، وصادفت بدايات تجارته المراحل الأولى لبداية الانتعاش الملحوظ في اقتصاد البحرين على إثر اكتشاف البترول، ما أدى إلى انتعاشة في تجارة نشطة مع الهند والعراق، حيث كان البحرينيون يصدرون اللؤلؤ ويستوردون بعض المواد الغذائية والملابس من الهند والعراق، وقد استغل الزامل هذه الطفرة فركز جهوده في التجارة، وكان يسافر إلى الشام ليستورد الملابس بأنواعها والغتر بالجملة، ثم يوزعها على صغار التجار في أسواق البحرين، بالإضافة إلى تجارته الأساسية في الأرز والسكر، ثم دخل في أول شراكة له مع الشيخ حمد الروق وأولاده، واستمرت هذه الشراكة لعدة أعوام، كما كوَّن عدة صداقات مع شريحة كبيرة من التجار والأعيان في البحرين، مثل يوسف ابن أحمد كانو وعائلات الفاضل والمؤيد والزياني وآل محمود والكوهجي وغيرهم من العائلات التجارية في البحرين.

تجارة العقارات

يُعد عبدالله الحمد الزامل من أوائل المستثمرين في تجارة العقارات، فبدأ بالاستثمار مع البلدية والأوقاف، لتبدأ قصة مع العقارات القديمة، ثم تجارة الأراضي، فقد اتفق مع الحكومة البحرينية على استثمار بعض المواقع عن طريق هدمها وإعادة بنائها واستثمارها لمدد طويلة، ومن ثم تعود للحكومة، وهذا يدل على عقليته التجارية المتطورة السابقة لزمانه، وبعد توجه نشاطه التجاري إلى العقارات والأراضي، قلل من نشاطه في تجارة المواد الغذائية، فكانت تأتي شحنات الأرز والسكر، التي يتعامل معها بالجملة، فيوزعها في الحال على صغار التجار، ولا ينتظر ارتفاع أسعارها، كما كان يدير أموره التجارية بنفسه، ولم يكن لديه سوى خمسة موظفين.

علاقات مميزة

تمتع عبدالله الزامل بعلاقات مميزة مع الصغير قبل الكبير، داخل البحرين وخارجها، وكانت له علاقات مع الحكومة البحرينية وشيوخ البحرين، تربطه بهم صلات تعارف ومودة، وكان يزور الديوان الأميري آنذاك من وقت لآخر، في غياب سفارة للمملكة العربية السعودية بالبحرين، وعدم وجود دبلوماسي، إلا الاتصال المباشر، حيث كانت إجراءات دخول البحرين ومغادرتها تتم بواسطة ورقة مرور يحصل عليها كل شخص بسهولة.

شُحنة حديد التسليح الذي فوجئ به ملفوفاً يحتاج إلى سحب وتقطيع فأنشأ أول مصنع للحديد في الرياض

ومن الطرائف أن عبدالله الزامل في إحدى سفرياته من المملكة إلى البحرين، كان معه كل من عبدالرحمن المنصور الزامل ويحيى الصالح السليم، وكانا صغيرين سنّاً، ولم يكن معهما أوراق، إلا أنهما دخلا البحرين على أوراق عبدالله الحمد الزامل الذي كتب في ورقة المرور (هذا عبدالله الزامل ومعه «بذرين»، أي طفلين). فقد كانت هناك سهولة كبيرة في إجراءات الدخول، ولم تكن هناك رسميات أو سفارات وكان التعامل مباشراً، وبمعرفة الشخص، أما ورقة المرور فكانت تؤخذ من الرياض أو الأحساء.

وكانت لعبدالله الزامل علاقات مع بعض تجار دول الخليج وخاصة الكويت، وكان من أصدقائه المقربين عبدالرحمن المنصور الزامل وصالح العبدلي وفي دبي السيد جمعه الماجد والغرير وفي قطر الدرويش والجيده.

وفي داخل المملكة، كانت له علاقات صداقة وتجارة مع عدد من رجالات الجبيل، التي كانت المدينة الرئيسة قبل الدمام، ومنهم محمد السليمان القاضي وعبدالرحمن ومحمد الصالح السحيمي وحمد الخنيني وسليمان السعدي وسعد المعجل وكانوا يزورونه في البحرين.

وفي الأحساء كانت لعبدالله الزامل علاقات مع أمراء ورجال أعمال وأعيان مدينة الهفوف عاصمة المنطقة الشرقية آنذاك، وكانت تتميز بالنشاط التجاري والأسواق العامرة وقد اشتهر بالهفوف عدد من تجار نجد وتجار المنطقة ذاتها، وكانوا ينزلون عبدالله الزامل المنزلة التي تليق به، ومن أبرزهم إبراهيم الزامل وسليم الزامل ومحمد الفهد البسام، ومن وجهاء الأحساء أمثال محمد الجندان وسليمان بالغنيم وحمد الجبر ومحمد الموسى وسعد القصيبي وغيرهم.

محطات سعودية

الخبر: عندما بدأت الفرص التجارية تأخذ طريقها وتتسع في مدينة الخبر، بدأ الزامل الاستثمار العقاري في هذه المدينة، وكان من أوائل رجال الأعمال الذين بدأوا الاستثمار العقاري فيها، وفي 1378هـ الموافق 1958 بنى أول عمارة كبيرة في الخبر من ستة طوابق، وكان يقول أريد أن أرى البحرين من هذه العمارة، حيث كانت على البحر مباشرة، وكانت شركة أرامكو تستخدمها للتصوير، وقد استعان بأحد الاستشاريين الدانماركيين للإشراف على تنفيذ بناء هذه العمارة، وكان يتابع مع الاستشاري مراحل البناء، وبعد تنفيذ العمارة، قسمها إلى مكاتب تجارية ووحدات سكنية، وكان الانتقال حينها من البحرين إلى الخبر يتم بواسطة اللنشات، حيث تستغرق الرحلة ثلاث ساعات بالبحر، قبل أن يعرف الانتقال بينهما الرحلات الجوية، وأقام الزامل علاقات مع تجار المنطقة الشرقية، مثل التميمي والمزروعي والقصيبي وغيرهم.

عندما كتب في أوراق دخوله البحرين «هذا عبدالله الزامل ومعه «بذرين»!

الرياض: في 1953 بدأ عبدالله الزامل أول عمل تجاري في مدينة الرياض، عندما استورد باخرة كاملة تحمل حديد التسليح، وكانت المملكة حينها في مرحلة بناء، وفوجئ أن الحديد كان ملفوفاً، ويحتاج إلى سحب وتقطيع، فاضطر إلى إنشاء ورشة كبيرة كانت في وقتها تُعد مصنعاً، وكان أول مصنع للحديد في الرياض، وأنشأه لأن الشحنة كانت كبيرة ولايمكن بيعها ملفوفة، وقام بتوكيل بعض تجار الرياض لتصريف هذه الحمولة من الحديد، بعد تعديله وتهيئته لاستخدامات البناء.

مُحِبٌّ للعلم

لم يكن متعلماً تعليماً نظامياً، لعدم توفر التعليم النظامي آنذاك، لكنه كان يجيد القراءة والكتابة، كما كان محباً للعلم، مؤمناً برسالة التعليم. ومن مظاهر حبه للتعليم أنه كان إذا أتى إلى مسقط رأسه عنيزه، أحضر معه أدوات مدرسية كاملة يوزعها على مدارس عنيزه، ضمن حرصه على تقديم أي شيء نافع لمدينته، وكان حريصاً على أن يقضي بعض الوقت مع الشيخ عبدالرحمن السعدي، وحضور دروسه في جامع عنيزه، كما كان يحرص على حضور أبنائه إلى هذا الجامع، وقد شجع أبناءه على الدراسة وطلب العلم، حيث سافروا للدراسة في الخارج، وعند وفاته كان بعض أبنائه في بدايات الابتعاث للدراسة في الخارج، وبعضهم في المدارس الثانوية والابتدائية في البحرين والخبر، فكان التعليم شغله الشاغل حتى حقق أبناؤه أعلى الدرجات العلمية في مختلف التخصصات بفضل تشجيعه لهم.

حياته الاجتماعية

تزوج عبدالله الزامل ثلاثاً، فكانت الأولى من عائلة الذكير وأنجبت له أبناءه محمد، وعبدالرحمن، وعبدالعزيز، وأحمد، وسليمان، ومن البنات لولوة ومنيرة وحصة وبدرية. أما زوجته الثانيه فكانت من عائلة الزامل، وهي والدة حمد، وزامل، وخالد، وفاطمة. الثالثة كانت من عائلة السويلم، وأنجبت فهد، وأديب، وتوفيق، ووليد.

بنى أول عمارة كبيرة في الخبر من ستة طوابق وقال: أريد أن أرى البحرين من هذه العمارة

كان بيته على البحر مباشرة، وفي نفس المنطقة كان إلى جانبه بيوت القصيبي والبسام والروق، حيث كان معظم السعوديين يتجمعون في منطقة واحدة، وكان الزامل من أوائل الذين استخدموا السيارة في البحرين والخبر. وبالرغم من ثرائه إلا أن ملامح الثراء لم تكن تبدو عليه، حيث كان له رأي في هذا الموضوع، إذ كان يميل إلى البساطة، ويعلِّم أبناءه القناعة، فمهما تظاهر الإنسان بالبذخ، فليس له فائدة أو نهاية، فالثروة الحقيقية هي القناعة وألا يغتروا بالدنيا ومظاهرها، وأن يركِّزوا على التعليم، ويعيشوا بتواضع، حتى صار هذا مبدأهم جميعاً، وأوصاهم أن يعملوا معاً، وأن يحرصوا على التعاون، وألا يتفرقوا.

من أوائل الذين استخدموا السيارة في البحرين والخبر ورغم ثرائه أحب البساطة وعَلّم أبناءه القناعة

وفاته

بعد حياة حافلة بالكفاح والعطاء، والدروس في فن التعامل مع الحياة، ترجل الفارس وألقى عصا «الرحيل». ففي غرة ذي الحجة 1380 الموافق 15 مايو 1961 انتقل عبدالله الحمد الزامل إلى جوار ربه، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.