النفط سيظل السلاح الأهم في القرن الـ 21

سؤال المليون، فكثيرًا ما يتردد هذا السؤال على الألْسِن وفي بعض المناسبات للبحث عن جواب مقنع ومنطقي، وتتكرر الإجابات غير الدقيقة. نعم، سؤال وجيه، كم بقي من البترول؟ بعد هذه السنين الطويلة من الإنتاج والاستنزاف. وأقصر طريق للإجابة ـ غير الصحيحة ـ قسمة الاحتياطي المتبقي على معدل كمية الإنتاج السنوي. ويأتيك الجواب بعيدًا جدًّا جدًّا عن الواقع. وأنت، كرب أسرة ولديك أولاد تريد أن تعرف ماذا يخبئ لهم القدر، ما دمنا نعتمد على الله ثم على دخل البترول ولسنين طويلة قادمة.

بصرف النظر عن المحاولات المستمرة التي نبذلها من أجل إيجاد مصدر دخل مواز وثابت لا يعتمد على البترول. وهناك عِدة أسباب تجعل الإجابة التقليدية على السؤال، رغم أهميته، ليست بذات قيمة. أولها وأهمها أن قسمة الاحتياطي على معدل الإنتاج طريقة غير عملية، لأن الإنتاج بذاته ليس ثابتًا خلال عمر الحقول، بل يبدأ من مستوى القمة وبعد سنوات يأخذ مسار الانحدار التدريجي القسري حتى يصبح غير اقتصادي، بعد أن تُستنزف جميع الوسائل والتكنولوجيا والمحفزات المساعِدة المتوفرة لدينا. وتكون القسمة عليه عند أي مستوى لا قيمة لها. والأمر الآخر، الاحتياطي نفسه الذي يستخدمه الكل الآن لا يمثل إلا ما يطلق عليه البترول التقليدي أو الرخيص. وهو الذي يمد العالم اليوم بـ 90% من الإنتاج. ولا يشمل كميات هائلة من البترول غير التقليدي المعروف وجوده تحت وفوق سطح الأرض.

وبالمناسبة، ليس كل البترول في أعماق الأرض، بل نسبة كبيرة منه فوق سطح الأرض، مختلطة برواسب صخرية ورملية. احتياطيها يقارب تريليوني برميل. وسمي غير تقليدي لأن إنتاجه، بنوعيه، الذي تحت الأرض وفوق سطح الأرض، يتطلب طرقًا غير تقليدية ومكلفة. ومنه البترول الصخري الذي تمكنت أمريكا وحدها من إنتاجه مع أن تكلفته مرتفعة مقارنة مع التقليدي. ويستحيل إنتاجه حاليًّا خارج أمريكا بسبب التكلفة العالية. تحاول الأرجنتين إنتاج كميات قليلة منه رغم ارتفاع التكلفة. والرملي في كندا من فوق سطح الأرض، والثقيل جدًّا بفينزويلا، والصخر البترولي فوق سطح الأرض وهو غير البترول الصخري الذي تحدثنا عنه آنفًا. ومعظم الصخر البترولي يوجد فوق الأرض في ولاية كلورادو الأمريكية. ومنه كميات قليلة في الأردن والمغرب العربي ودول أخرى. ويحتاج إنتاجه سعرًا مرتفعًا لتتحسن جدواه الاقتصادية. وبترول البحار العميقة والمتجمدة، ذات التكلفة العالية، كمثال. كلها من أنواع غير التقليدي.

ومن الملاحظ أنها جميعها لا تُؤخذ بعين الاعتبار عند حساب احتياطي البترول العالمي. مع أن احتياطيها مجتمعة قد يصل بين 3 إلى 4 تريليونات برميل. واحتياطي البترول التقليدي الذي يتكرر الحديث عنه في وسائل الإعلام ويبلغ الآن، حسب التقديرات الرسمية، قريب من تريليون و700 بليون برميل، موزع في مختلف بقاع الأرض. ونسبة كبيرة منه في منطقة الشرق الأوسط. ولكن، هل هذا الرقم أيضا صحيح، أو حتى قريب من الصحة؟ نشك في صحته، أو حتى قريب من الصحة؟ نشك في ذلك. فدول كثيرة، بل ربما جميع الدول التي لديها بترول تقليدي، ما عدا أمريكا الشمالية، لا نقول تضخم احتياطيها، ولكنها لا تهتم بدقة الاحتياطي. تمر على المنتجين عشرات السنين دون تغيير لأرقامه المعْلَنَة، على الرغم من إنتاج عشرات البلايين من البراميل سنويًّا وغياب شبه تام لأية اكتشافات جديدة ذات حجم كبير. ويظل رقم الاحتياطي نفسه يتكرر مع مرور السنين. مما يفقدك الثقة بتلك الأرقام المتدَاولَة وبأية نتيجة تتعلق بمستقبل البترول.

هذا لا يعني أن إنتاج البترول، حتى ولو كان مكلفًا، سوف يتوقف بعد عقود قليلة. بل الأكثر احتمالاً استمرار إنتاجه خلال زمن طويل بالكميات التي تسمح بها الحقول ويتقبلها الاقتصاد العالمي.

ونود أن نشير إلى أن استخدامنا لكلمة نضوب، لا نقصد بها نضوبًا مطلقًا، بل اللفظ أقرب إلى المجاز. فالبترول سوف يظل يتسرّب من مكامنه لسنوات طويلة قادمة، مع استخدامنا لمختلف الوسائل التكنولوجية والمحفزات المتيسرة لنا. ونخشى أن دخل البترول في دول الخليج، حينها، لن يكون كافيًا في الوقت الذي يكون فيه عدد السكان قد تضاعف أكثر من مرة.   

ما دور الطاقة المتجددة؟

يا تُرى، هل استخدام مصادر الطاقة المتجددة، أو ما يطلقون عليها أحيانًا الطاقة البديلة، هو من أجل منافسة البترول، أو إحلالها محله أو بديلاً عنه؟ أبدًا، فمصادر الطاقة البديلة أو المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هي روافد للبترول. ولو كان الهدف هو إيجاد بديل للبترول، لكنا قد شاهدنا مجهود استبدال البترول بالطاقة البديلة قبل عشرات السنين وليس فقط الوقت الحالي. وعلى الرغم من وجود تخمة إنتاج، من وقت لآخر، فنحن اليوم بحاجة إلى مصادر طاقة جديدة تكون رافدًا للمصادر الهيدروكربونية التي ترتفع تكلفتها وعلى وشك انخفاض إنتاجها. خصوصًا أن تكلفة مصادر المتجددة وصلت إلى مستوى تاريخي من الانخفاض بفضل الله ثم تطور التكنولوجيا التي ساعدت على خفض التكلفة بنسب لم نكن نحلم بها. وما تزال تنخفض وترتفع كفاءتها. ولدينا في السعودية هدف نتطلع إلى تحقيقه، وهو بناء مرافق لتوليد الطاقة الشمسية لتغطية حاجتنا المحلية وتصدير الفائض.

الاحتياطي البترولي المؤكد، غالبًا ما يكون حديثا عن المتبقي من احتياطي “التقليدي”، في حدود 1700 بليون برميل، غير شامل للكميات الضخمة من غير التقليدي، كما أسلفنا. وهذا الرقم نفسه ـ 1700 بليون ـ أيضا غير دقيق ولا يمثل حقيقة الاحتياطي المتبقي من التقليدي الرخيص، من جنس عموم بترول الخليج. فهو يشمل ما يقارب 400 بليون برميل من الثقيل الفينزويلي والرملي الكندي. وهما ـ في نظرنا ـ من غير التقليدي، وإضافتهما إلى التقليدي كان تصرفًا غير مقبول من الدولتين، ربما لدوافع سياسية. إضافة إلى ما يقرب من 300 بليون برميل، من الممكن اعتبارها من عوامل التضخيم المرتبط أيضا بالسياسة، لم يكن له ما يبرره. فيكون صافي الاحتياطي العالمي المتبقي من التقليدي الرخيص ـ حسب تقديرنا ـ في حدود تريليون برميل. والإنتاج العالمي الكلي اليوم، من السوائل البترولية، خام تقليدي ومكثفات غازية وغير تقليدي، تقريبًا مائة مليون برميل. يمثل الخام التقليدي منها 75 مليون برميل في اليوم، أي إنتاج سنوي في حدود 27 بليون برميل. فلو استخدمنا الطريقة التقليدية ـ غير المقبولة ـ لمعرفة عمر البترول التقليدي الذي منه معظم الإنتاج، وقسمنا التريليون برميل على 27 بليون، لكانت النتيجة أقل من أربعين عامًا، وهو عمر قصير في حساب عمر الزمن. فأين الخلل؟ على افتراض أن الإنتاج سيظل عند مستواه الحالي حتى تنضب الحقول، وهو خطأ يتجاهله الكثيرون. فالمتوقع والطبيعي أن الإنتاج العالمي، في غياب أية اكتشافات كبيرة، سوف يبدأ رحلة طويلة من الانخفاض التدريجي حتى يصبح غير اقتصادي. وقد يمتد عمر البترول إلى عقود طويلة وإنتاجه يتدرج في الانخفاض القسري.

ذروة الطلب .. وذروة الإنتاج!

تهتم وسائل الإعلام كثيرًا بمستقبل الطلب على البترول. وتركز بشكل ملفتٍ للنظر على توقيت نهاية نمو الطلب العالمي، أو ذروة الطلب كما يطلقون عليه، وتأثيره على الأسواق البترولية. اهتمام جميل، ولكن ماذا عن مستقبل الإنتاج، وهو الأهم؟ أليس له أيضا ذروة، بعدها يبدأ مرحلة طويلة من الانخفاض التدريجي؟

الطلب العالمي اليومي من السوائل البترولية يبلغ حاليًّا مائة مليون برميل. وهو حدث تاريخي، يضعنا عند مفترق طرق، كون الإنتاج والطلب عند مستوى متقارب، وإذا استثنينا الظروف الحالية الطارئة التي سببها وباء كرونا، وما نتج عنه من هبوط حاد في الطلب واستهلاك الطاقة، فإن الأرجح هو عودة الأمور إلى نصابها، واستمرار نمو الطلب العالمي على البترول لسنوات قادمة. بينما يكون الإنتاج قد اقترب من ذروته بسبب نضوب حقول التقليدي الرخيص، ويحدث عدم توازن بين العرض والطلب، يكون لصالح الأخير، حينها سوف يتحرر السعر من كثير من القيود، خصوصًا العوامل السياسية منها، فيسلك مسار الصعود إلى ما شاء الله. إلا أن هناك عوامل أخرى قد تحد من الارتفاع الكبير لسعر البرميل، وأهمها نمو مصادر الطاقة البديلة والمتجددة المنافسة وارتفاع كفاءة الاستهلاك. ومن الصعوبة بمكان التنبؤ اليوم بما سوف يكون عليه الطلب العالمي على البترول خلال العقود القادمة وتحديد مستوىً معينًا للسعر. فذلك سابق لأوانه وعلمه عند رب العالمين.

ومن الأجدر التنويه، بأن كميات إنتاج غير التقليدي عندما يحين وقته وتتهيأ ظروفه، لن تكون بالقدر الذي عليه التقليدي اليوم، بل أقل بكثير، فعلى سبيل المثال، عندما يفقد التقليدي من الإنتاج اليومي قسريًّا عشرين مليون برميل نتيجة النضوب الطبيعي، فلن يكون بإمكان غير التقليدي التعويض إلا نسبة متدنية منه وبتكلفة عالية.

ميكانيكية الإنتاج

عملية الإنتاج من أي حقل تقليدي يصحبها شيء من التعقيد. فهي تعتمد على كميات الغاز الذائب في البترول والضغط في المكامن. وغالبًا وجود كميات كبيرة من الماء، الذي تزيد ملوحته عن مياه البحر بعدة أضعاف ـBrine water  تحت الزيت ـ يساعد بواسطة خاصية عامل التمدد، على دفعه إلى الخروج. هذه العوامل مجتمعة تساعد على جريان البترول إلى أعلى، فيكون في أول مراحل الإنتاج دفعًا قويًّا، يتضاءل مع فقد كميات كبيرة من الغاز الذائب وارتفاع نسبة الماء المصاحب، فينخفض الإنتاج قسريًّا حتى يتوقف. فتبدأ مرحلة جديدة يستخدمون معها مضخات غطاسة أو ميكانيكية تساعد على رفع البترول والغاز مع كميات كبيرة من الماء المصاحب. بينما يعاد ضخ الماء، الملوث عادة بالزيت، في الحقل للتخلص منه والمساعدة على حفظ الضغط في المكمن. وهي بذاتها عملية مكلفة ولكن لابُدّ منها، حيث أنه لا يصلح للاستخدام بسبب ملوحته العالية وتلوثه بالمواد الهيدروكربونية.

وبالمناسبة، فإن إنتاج الصخر البترولي oil shale، والزيت الرملي sand oil، الموجودين فوق سطح الأرض، لا يحتاج إلى حفر آبار، بل يتم الإنتاج عن طريق تجميع الصخور والرمل بواسطة جرافات ونقلها بقلابات عملاقة إلى معامل الصهر لعزل المادة العضوية “كيروجين” تحت درجة حرارة عالية جدًّا وتحويل الكيروجين إلى بترول سائل.

زيادة تكلفة الإنتاج مع الوقت

علاقة تكلفة الاستخراج بكمية الإنتاج عكسية، فكلما انخفض الإنتاج قسريًّا زادت التكلفة. ولو ثبتنا الصرف السنوي operating cost عند مستوى معين، فإن الإنتاج ينخفض تلقائيًّا سنويًّا بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4%. ولذلك، فالمنتجون يرفعون ميزانية الصرف في كل عام جديد لضمان بقاء مستوى الإنتاج ثابتًا. وهو ما يؤدي مع مرور الوقت إلى ارتفاع التكلفة. ثم يصل الوضع إلى مرحلة لا تفيد فيه زيادة الصرف، فيصبح الانخفاض التدريجي قسريًّا حتى يصل إلى أدنى مستوى.   

إضافة معلومة

هل البترول الذي نستخرجه اليوم من باطن الأرض، نجده في مكان تكونه الأصلي؟ الجواب، إذا استثنينا الصخر البترولي oil shale والرمل البترولي sand oil، الموجودين فوق سطح الأرض، والبترول الصخري shale oil المحبوس منذ تكوينه داخل مسام طبقات صخرية صماء، فإن البترول العادي أو التقليدي يتواجد حاليًّا في مكامن أو مصائد يكون في الغالب قد هاجر إليها من أماكن ترسبه الأصلي قبل مئات الملايين من السنين. انتقل إليها بواسطة قوة الدفع الذاتية والضغط الطبيعي في عمق الأرض عبر مسام وممرات الصخور الرسوبية الميكروسكوبية خلال ملايين السنين.

وهذا يقودنا إلى تساؤل، كم يا تُرى من كميات البترول المهاجر، لم تصادف مصائد أو مكامن وهي في طريقها عبر منافذ الصخور وانتهى بها المطاف أما مبعثرة في الطبقات الصخرية أو الانطلاق إلى جو الأرض الرحب! لا أحد يستطيع تقدير الكمية، ولابدّ من أنها كانت كميات هائلة، إذا أخذنا في الاعتبار ضآلة نسبة فرص وجود مكامن في طريقها خلال مسار رحلة الهجرة قبل مئات الملايين من السنين. وقد عرف الإنسان عبر العصور أماكن فوق سطح الأرض تنفث كميات من الزيت والغاز الهارب من الأرض، وبعضها مشتعل ربما إلى عصرنا الحاضر.

هل هناك اكتشافات بترولية جديدة؟

نعم، هناك اكتشافات سنوية جديدة، ولكن جميعها، خلال الخمسين سنة الماضية، كانت وما تزال من الحجم الصغير، قياسًا مع أحجام حقولنا في الخليج. فآخر اكتشاف عملاق على مستوى العالم من نوع التقليدي كان حقل شيبة في السعودية عام 1968. والاكتشافات التي تلت ذلك في السعودية وغيرها من التقليدي معظمها من الحجم الصغير بمقاس حقولنا. وقد اكتشفنا حقولاً كثيرة بعد شيبة، وحقلي الحوطة والنعيِّم جنوب الرياض أواخر الثمانينات من ضمنها. وكانت هناك اكتشافات حول العالم من الحجم المتوسط، ولكن أغلبها من غير التقليدي المكلف، ومنها حقول البحار العميقة ذات التكلفة العالية، البرازيل وخليج المكسيك، والمناطق المتجمدة في روسيا وألاسكا. وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن الأرض قد خلت من حقول جديدة كبيرة، بل لأن ما لم نصل إليه قد يكون في أعالي البحار والمناطق النائية المكلفة.

احتياطي البترول والشفافية

على الرغم من أهمية البترول في حياة الشعوب، إلا أنه لا يحظى بالشفافية المطلوبة حتى يتعرف كل مجتمع على ما له وما عليه، فيما يتعلق بمستقبله، خصوصًا إذا كان من الشعوب التي يعتمد دخلها بنسبة كبيرة على البترول. لنأخذ منظمة الأوبك كمثال، في منتصف الثمانينات قررت دول المنظمة، كل دولة على حِدَة، رفع احتياطياتها البترولية بنسب كبيرة وبجرة قلم، دون أي مبرر فني ولا اكتشافات جديدة. كما هو موضح في الجدول المرفق. وربما كان القصد في ذلك الوقت من تلك الحركة رفع الاحتياطي لاعتبارات سياسية تتعلق بحصص الإنتاج في الأوبك، التي كانت حينها مثار جِدال. ولكن الأغرب هو إبقاء الأرقام الجديدة المضخمة منذ ذلك الوقت دون تغيير، خلال الثلاثين عامًا التي تلت، من جميع الأطراف. على الرغم من إنتاج عشرات البلايين من البراميل وعدم اكتشاف حقول جديدة في معظم الدول. والبعض برر ذلك برفع نسبة الاستخلاص من الحقول الموجودة، وهو إجراء إداري. وكذلك فعلت دول أخرى من خارج منظومة الأوبك. وهذا هو السبب الذي
أوجب افتراض وجود تضخيم في الرقم المتداوَل للاحتياطي العالمي في حدود ثلاثمائة بليون برميل.

نسبة الاستخلاص من الحقول

لعله من نافلة القول أن نذكر في هذا المقام كمية البترول التي من الممكن استخراجها من حقول البترول بالطرق والتكنولوجيا المعروفة لدينا اليوم. ففي معظم الأحوال، ما يتم إنتاجه خلال عمر الحقل في حدود 40% فقط من مجموع ما يحتويه مكمن البترول، ويطلق عليه oil in place  وتسمى نسبة الاستخلاص أو recovery factor. والباقي 60% يظل داخل مسام الصخور إلى الأبد، ويستحيل سحبه. وهناك طرق نستطيع من خلالها رفع نسبة الاستخلاص إلى ما فوق 50% من بعض الحقول. وبالمناسبة فإن نسبة الاستخلاص من حقول الصخري قريبة من 15% فقط.

تكلفة الإنتاج

تختلف تكلفة الإنتاج من حقل إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. ونحن في السعودية ـ من فضل الله ـ حتى اليوم ربما الأرخص أو الأقل تكلفة من بين جميع المنتجين في العالم. يعود السبب لغزارة إنتاج حقولنا ـ الله ينزل فيها البركة. وهناك أكثر من طريقة لحساب التكلفة، بعض المنتجين يحسبون التكلفة على أساس الصرف السنويoperating cost  annual. وآخرون يضيفون إلى التكلفة السنوية نسبة من المبالغ التي كانت قد صرفت على الحقول منذ بداية الاستكشاف، بما في ذلك تكلفة بناء جميع مرافق الإنتاج المتعلقة بالبترول، وهذا هو الأقرب إلى الصواب.

وعلى وجه العموم، يتراوح معدل التكلفة الكلية لإنتاج التقليدي من أقل من 10 دولارات إلى 45 دولارًا للبرميل، وتكلفة معظم إنتاج الصخري الأمريكي الآن من 40 دولارًا للبرميل إلى ما فوق الـ 60 دولارًا. وفي جميع الحقول والحالات، بما في ذلك الصخري، فالتكلفة ترتفع تدريجيًّا مع مرور الوقت واستمرار الإنتاج حتى تصل إلى مرحلة يصبح فيها غير اقتصادي.

ونود توضيح نقطة مهمة، ففي آخر المطاف سوف يتحول إنتاج البترول التقليدي الرخيص إلى إنتاج غير تقليدي مكلف. والذين يتحدثون أحيانًا عن احتمال انخفاض تكلفة البترول الصخري إلى مستوى التقليدي، يجانبهم الصواب، فالعكس هو الصحيح، أي ارتفاع تكلفة التقليدي إلى مستوى تكلفة الصخري، حيث يندرج التقليدي مع غير التقليدي من حيث التكلفة وكمية الإنتاج، مثل الصخري وبقية النفوط غير التقليدية. ولمن يود معرفة المزيد عن البترول الصخري، طبيعته ومستقبله، يجد ذلك في الرابط

أهمية البترول

يركز الكثيرون عند الحديث عن مستقبل البترول، على أنه لا يعْدو أن يكون أحد مصادر الطاقة، يُستغنى عنه عند وجود البديل. والواقع أن البترول، إلى جانب كونه أهم وأفضل مصدر لتوليد الطاقة، إلا أنه أيضا مصدر مهم لصناعة ما لا يُعدّ ولا يحصى من المنتجات الاستهلاكية والصناعية. وما عليك، وأنت جالس الآن في بيتك أو في مكتبك، إلا أن تلقي نظرة سريعة، يمينًا وشمالاً ومن حولك، سوف تجد أن ملابسك وأثاث بيتك ومكتبك وأجزاء من بيتك نفسه ومركبتك، بما في ذلك السيارات الكهربائية، والطائرات في الجو والبواخر في البحار، وتعبيد الطرق والساحات، كلها أو جُلّها من مواد بترولية، وهي في ازدياد مستمر. فلا يصح منطقيًّا أن نتحدث، بأي حال من الأحوال، عن موضوع الاستغناء عن البترول، وبدلاً من الخوض في موضوع الاستغناء عنه، فالأفضل أن نتحدث عن كيف نحافظ عليه ونطيل عمره من أجل بقاء ورخاء ورفاه أجيالنا القادمة، وفي الوقت نفسه، نبذل أقصى جهد لإيجاد اقتصاد وطني ذي قيمة مضافة.

نخشى النضوب!

من المواقف الطريفة التي تصادفنا، قديمًا وحديثًا، الدعوة إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من البترول وبيعه بأي ثمن مُتاح، خوفًا من بواره والاستغناء عنه، وهو رأي غريب، كنا نسمعه قبل عشرات السنين من جهات غير وطنية، وبقدرة قادر، انتقل هذا الفكر الشاذ إلى أفراد من أبناء الوطن، اجتهاد في غير محله، وما كل مجتهد مصيب.

فلنفترض أننا ـ لا قدر الله ـ أخذنا بهذا المبدأ، وقضينا على ثروتنا بعد ما يشاء الله من السنين، ثم اكتشفنا لاحقًا أن العالم لم يستغن عن البترول، بل زادت أهميته والحاجة إليه، لكونه مصدرًا أساسيًّا لكثير من حوائج الدنيا، هل يكفي حينها أن نعض أصابع الندم، يوم لا ينفع الندم!.

هل تخفيض الإنتاج خسارة!

دعوني أحكي لكم قصة من الماضي ومن التقليد عِبرَة!

في أوائل عهدنا بالبترول، كانت هناك 7 شركات عالمية، أمريكية وأوربية، تتحكم بإنتاج وصناعة البترول. كانت تسمى آنذاك الأخوات السبع. وهو تعريف أطلقه عليها جنرال إيطالي لا يخلو من الطرافة والتعبير عن شراستها وقوة شكيمتها في مجال التفرد باستغلال تجارة وصناعة البترول والتحكم بإنتاجه وأسعاره. ولكن لم يكن ذلك بدون وجود شرعي لها، فقد كان لتلك الشركات العملاقة الفضل ـ بعد الله ـ في اكتشاف البترول، وكانت تدير شئون البترول بموجب عقود قانونية، ذات زمن محدد، بينها وبين أصحاب الأرض، ولذلك كان هدفها الرئيسي إنتاج أكبر كمية ممكنة وبأقل تكلفة ليتم استنزاف أكبر قدر ممكن منه قبل انتهاء مدة العقود، حتى أنها كانت تنتج البترول وتحرق الغاز لضآلة مردود استغلاله اقتصاديًّا، ولم يكن في حسابها سلامة مستقبل حقول البترول ولا ما نسميه اليوم نصيب الأجيال.

وخلال قمة سيطرتها على السوق البترولية وعنفوان استبدادها والتلاعب بالأسعار لصالح شركاتها ومساهميها، وُلِدَت منظمة الأوبك عام 1960، لحماية مصالح أصحاب الأرض.

ويريد الله وتنتهي بعد سنوات تلك العقود مع الأخوات السبع، وتنتقل ملكية ومسئولية الإنتاج إلى الأيدي الوطنية، وهو أمر طبيعي بعد النضوج العلمي للعنصر الوطني واكتساب الخبرة في معظم بلاد البترول. هنا، كان من المنطقي أن تتغير سياسات الإنتاج في البلدان التي تحررت من سيطرة الشركات الأجنبية، ويتغير الهدف من إنتاج أكبر كمية ممكنة، إلى التركيز على بناء اقتصاد وطني توطيني يقلل من الاعتماد الكلي على دخل البترول الناضب من أجل مستقبل أفضل. لم يكن ذلك أمرًا سهلاً، فاستحب أغلب المنتجين الوطنيين التمسك بما كانت عليه شركات البترول السابقة، اختيار المنافَسَة في الإنتاج، وهو سلاح ذو حدين، ولكنه يعفيهم من وجع الرأس والعمل المضني من أجل خلق اقتصاد وطني بأيد وطنية، تحقيقه شبه مستحيل، بدون جهود غير عادية.

والأجدى لمستقبل الشعوب، حسب رأينا، أن تكون المنافسة في خفض الإنتاج وليس رفعه. فالموضوع يتعلق بمصدر قابل للنضوب. واليوم، لا يشغل بالنا أمر أكثر أهمية من الخوف على مستقبل أجيال قد تجد نفسها ـ لا قدر الله ـ في يوم ما بدون بترول وبدون اقتصاد منتِج. وفي بلادنا نترقب ـ وكلنا أمل ـ نجاح الرؤية المباركة 2030 وما يعقبها من رؤى متتالية من أجل مستقبل أجمل لأجيالنا ـ بإذن الله. ومن الأفضل والمنطقي ألا يعتبر منتجو البترول السوق البترولية مجالًا للمنافسة، أيهم يكون أكثر إنتاجًا، كما هي حالنا اليوم، بل يصبحوا روافد لبعضهم، والسوق اليوم تتسع للجميع، وليس من صالح أحد الإصرار على استنزاف هذه الثروة الثمينة بأي ثمن وفي أسرع وقت ممكن.

ونود التوضيح والتأكيد على أن تخفيض الإنتاج لغرض المحافظة على السعر، ليس خسارة إنتاج كما يسوغ للبعض تسميته، أو عبئا يتحمله المنتِج كما نسمع من بعض المحللين، بل هو مكسب مضاعَف، يزيد الدخل ويحفظ فائض الثروة للمستقبل.

ومما كان سائدًا زمن الأخوات السبع، أنها كانت تعتبر قيمة برميل البترول، الذي ما يزال في باطن الأرض صِفرا، أي لا قيمة له. ولم نكن حينها نلومهم، لأن ذلك كان يتوافق مع مبدئها، إنتاج أكبر كمية من البترول بأقل ثمن، إلا ما نصت عليه الاتفاقيات ورضي به الجانبان. ولكن الذي غير مقبول لدينا اليوم هو فكرة الاستمرار في تطبيق المبدأ نفسه على الثروة التي أصبحت ملكا لنا، سواء كانت تحت الأرض أو فوق الأرض، فقيمتها واحدة. ومن حسن الحظ أن الفكرة القديمة بدأت تتلاشى لصالح اعتبار أن ما تحت الأرض له قيمة ويدخل في حساب دراسة الجدوى الاقتصادية لمشاريع بدائل الطاقة التي يكون البترول طرفًا فيها.

تقلبات أسعار البترول

لا نبالغ إذا قلنا إن أهمية البترول في حياة الإنسان، تأتي بعد الهواء والماء والشمس! ومع ذلك فنحن ما نزال نتعامل معه، عند البيع والشراء، كسلعة ثانوية، وننتجه كما لو كنا ننزح من ماء البحر، نتفاخر بهدره، أيُّنا أكثر إنتاجًا، مع علمنا بأنه مُنتَج قابل للنضوب! فخلال سنوات قليلة، تراوحَ سعر البرميل بين 147 دولارًا وقيمة متدنية جدًّا، أي قريبة من الصفر، وقالوا عنه الكثير، مما لا يليق بحقه ولا بأهميته.

العرض والطلب

سؤال يتكرر، هل يخضع البترول لقانون العرض والطلب! نعم، ولا شك في ذلك، فأية سلعة يتم عرضها للبيع لابُدّ من خضوعها لقانون العرض والطلب، والبترول ليس استثناءً! والذي يحرك سعر برميل البترول هو ما وراء العرض والطلب، فلا نقلل من تأثير العوامل السياسية التي قد تتحكم بإنتاج الكمية المعروضة، سلبًا أو إيجابًا، بما تمليه المصالح الخاصة والظروف السائدة، ما أمكن ذلك، فتزيد أو تنقص المعروض، ويتأثر السعر صعودًا وهبوطًا. والحاضر الغائب هنا، هو كون البترول مصدرا ناضبا، وما ننتجه ليس له تعويض، أي غير متجدد، ولكم أن تتخيلوا مدى صدمة الجيل الذي سوف يزامن انتهاء عصر البترول الرخيص، ونحن اليوم نسبح في بحيرات منه، ونتداوله بسعر يكاد أحيانًا يكون سالبًا، ونستهلكه كما لو أن ليس له نهاية!.

الثقافة البترولية

يتندر بعضهم عندما نقول بضرورة نشر الثقافة البترولية في أوساط أفراد المجتمع، فظنوا أننا نريد من الشعوب معرفة هيئة وقوانين تركيبات البترول والغاز الكيميائية والفيزيائية، ونظرياته المعقّدة، ولم يكن ذلك هو المقصود، فيكفي معرفة طبيعة تكوينه داخل مسام الصخور الرسوبية، وانتهاء عصر نشأته بحيث أصبحت مكامنه بحيرات بدون روافد، وكم من البترول نستطيع استخراجه، ونسبة الاستخلاص، والزمن الذي يستغرقه، واختلافه من حقل إلى آخر ومن دولة لأخرى، وتكلفة الإنتاج التي تتغير صعودًا مع مرور الوقت، ومعلومات أخرى متيسرة ومفهومة، مثل الطلب العالمي مقارنة مع الإنتاج العالمي، حتى نكون على علم ودراية بما سوف يواجهنا في المستقبل، أو بالأحرى يواجه أجيالنا القادمة. ومعرفة الحقيقة سوف تعيننا على اتخاذ القرارات المناسبة والصائبة فيما يتعلق بإيجاد مصادر دخل موازية للبترول قبل نضوبه.

فكم هم، في بلادنا، الذين يدركون اليوم أهمية بناء اقتصاد وطني منتج ومستديم، وبأيدٍ وعقول وطنية استعدادًا لما بعد البترول! نخشى أن الأكثرية لا تجد لديهم الدوافع لبذل مجهود كبير في هذا المجال، لسبب بسيط، وهو أن لديهم يقينًا أو شعورًا بأن الخير كثير والوضع الحالي سوف يستمر لعقود طويلة وأجيال عديدة، ولا داعٍ للقلق، وهذا يجانب الصواب، والمجتمع الواعي خير مُعين للمسؤولين على أداء مهماتهم وواجباتهم على الوجه الأكمل.

نعود إلى أهمية البترول في حياة البشرية، ونقول إنه يستحق منا أن نرفع من قدره ونتعامل معه بما يليق بمقامه، ونحافظ عليه ولا نسمح لأسعاره بالهبوط الكبير ولا بهذا التذبذب غير المنطقي، وهو الأكثر أهمية من بين جميع السلع والمنتجات المعروضة للبيع والشراء.

هل للبترول سعر عادل؟

كثيرًا ما نسمع عن السعر العادل للبترول، والسعر المطلوب لملأ فراغ أو سَدْ عجز الميزانية، والسعر المقبول! كل هذه العبارات والمسميات لا تهمنا ولا تعنينا في شيء، فالبترول مصدر قابل للنضوب، وسعر المادة الناضبة ليس له حدٌّ أعلى، يرتفع مع اقتراب النضوب، تبعًا للندرة، وأعجب من عدم اهتمام أصحاب التخصصات الاقتصادية في بلادنا، باقتصاديات الموارد الناضبة، إلا ما ندر منهم، وهم يدركون دون شك أننا وأجيالنا مرتبطون بمستقبل البترول.

والسؤال الذي تصعب الإجابة عليه، هو لماذا التذبذب اليومي لسعر البترول وحده من بين السلع الاستراتيجية، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، الأرز، سعره معظم الوقت ثابت! مع أنه مُنتَج متجدد، ولا خوف عليه من النضوب. ولا يُعرَض منه إلا بمقدار الحاجة. بينما البترول الناضب يتنافسون في إنتاج أكبر كمية ممكنة منه، حتى ولو أدى ذلك إلى وجود تخمة في السوق البترولية أو فائض إنتاج، ومن ثم بيعه بثمن بخس. وهذا ليس من صالح، لا المنتِج ولا المستهلك.

والخلاصة، أن البترول لن ينتهي بل يصعب استخراجه ويقل إنتاجه وترتفع تكلفته مع مرور الوقت، ويصبح دخله وحده لا يفي بجميع متطلبات المعيشة، وما لدى الآخرين من البترول، تقليدي أو غير تقليدي، خارج بلادنا لن ينفعنا بشيء ولن يروي ظمأنا ولا يشفي غليلنا ويُعَوِّض علينا. وعلينا استغلال دخل بترولنا، قبل النضوب، لبناء اقتصاد وطني مستديم منتج وبأيد وعقول وطنية، من أجل بقاء ورفاه أجيالنا. ونستخدم كلمة نضوب مجازيًّا، والقصد انخفاض الإنتاج إلى مستويات متدنية.

‏في أمريكا، الوضع مختلف، فهم يستأجرون الأرض من مالكها لإنتاج بترولها. ويكون لزامًا إنتاج أكبر كمية ممكنة بأسرع وقت. ولكن عندما نكون نملك الأرض وبترولها، فالتأني في استخراج البترول أفضل لنا وأكبر مردودًا، ناهيك عن مستقبل أجيالنا فوق أرض هذه الصحراء، فرفقًا بهذه الثروة المحدودة.

حول الكاتب

عثمان الخويطر

عثمان الخويطر

مهتم بشؤون مستقبل مصادر الطاقة
واقتصاد ما بعد النفط
تويتر: @OHK66