في مسيرة التحولات السعودية الحديثة والمتسارعة، سلسلة تغييرات مترابطة ـ غالباً ـ في شؤون المجتمع والثقافة، تترك أثرها في رحلة تطوير الاقتصاد، وتطوير الفكر الاقتصادي لدى الأفراد، وربما تغيير أنماطاً معينة من العيش، والعلاقات، تغييراً أحسبه سيكون نحو الأفضل.
أحد الأمثلة الجديدة التي ربما تكون منجماً مهماً للدراسات الاجتماعية وتحديداً دراسة الآثار الاقتصادية للتغيرات الاجتماعية، هي التغييرات الأخيرة في الأنظمة المدنية التي أعطت المرأة إجمالاً والأمهات بشكل خاص، حقوقاً تأخرت لأسباب ليس هذا مقامها، لكنها وصلت، وهي تأتي ضمن إطار واسع شامل هو تمكين المرأة، وإذا أردت الوصف الذي يروق لي فهو تمكين المواطن السعودي، أياً كان جنسه.
يعتمد أي أمر تنظر إليه، على الزاوية التي تنظر منها، البعض نظر من زاوية «الولاية» القضية الشائكة التي ربما لا تحس بها وبسوء استغلالها معظم العائلات السعودية السوية، لأن علاقاتها ترتكز على ثقافة دينية أصيلة، وأعراف اجتماعية معقولة نسبياً. وبعض آخر نظر من زاوية «الرشاقة» أي تخفيف أعباء من على كاهل الحكومة ممثلة في الأجهزة المعنية خاصة العدلية والأمنية منها، وأيضاً من على كاهل الفرد / الرجل الذي يثق في نتاج تربيته أو أبوته أو إخوته، أو بنوتة لامرأة، ويعرف أن كثيراً من هذه التطورات لا تخصه أو تخص نساءه، وبالطبع من على كاهل النساء، خصوصاً اللاتي كن يعانين من أوضاع استبدادية أو استنزافية معينة.
معظم التغيرات التي تحدث في المجتمعات تمر بعدة مراحل ـ على ذمة علماء الاجتماع ـ مرحلة التحدي وتعد هي البداية، حيث النظرة إلى التغير وكأنه تحد للعادات المتبعة، فتقابل بالقبول أو الرفض، وكلما كانت العادة أو النظام في شيء طال عليه الزمن، كانت المعارضة أقوى نسبياً، ثم تأتي مرحلة الانتقال، حيث يبدأ تبني الأفكار الجديدة، ويبدأ النقاش حولها بين المؤيدين والمعارضين وهي المرحلة الأكثر حساسية.
تأتي بعد ذلك مرحلة التحول، تحول بعض المعارضين إلى مؤيدين أو محايدين، ثم تعقبها مرحلة التطبيق. وفي حالتنا في السعودية يجب الاعتراف بتبني الحكومة، أو بعبارة أدق تبني قائد الرؤية السعودية ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لمعظم هذه المراحل، وتسريع الانتقال بينها، خاصة أنها عادة تتداخل، وفي حالتنا السعودية يزداد هذا التداخل بالنظر إلى المرحلة التي نعيشها، وهي المرحلة الموسومة في معظم المجالات بالتغيير والتطوير، والاستيقاظ من سبات اجتماعي واقتصادي.
حسناً، لسنا بدعاً عن العالم، ودخول المرأة إلى «جيش الإنتاج» زاد كماً، ويحتاج للوقت لكي يزيد نوعاً، لكنه بمثابة تحريك نصف قدرات الشعب، النصف الذي لم نستغل منه إلا النزر اليسير، وبولادات عسيرة.
في تأمل اقتصادي بسيط، انظر إلى كم الوظائف التي شغلتها النساء، وإلى نسبة ما تمت سعودته من أعمال لم يكن بين السعوديين وبينها سوى حواجز الوهم، وعقبات التستر، وتكريس أفكار سطحية أفرزتها الطفرة وكرسها بعض أفراد المجتمع ـ خاصة أصحاب الأجندات ـ انظر وتخيل حجم العائد على الدورة الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.
لا تنظر لسوء استغلال بعض الشركات ـ وربما الجهات ـ للحالة الانتقالية، وفصل الذكور مقابل تعيين الإناث، فهذا أولاً حصل بشكل محدود، وهو ثانياً يحدث أحيانا من شركات ومؤسسات يديرها أو يتحكم فيها أجانب يريدون إجهاض المشروع برمته، وثالثاً ـ وقد تبدو هذه جريئة ـ هناك عالم جديد في خارطة القوى العاملة يريد الجميع تجربته واستكشافه.
هذا المثال التأملي ربما يبدو صغيراً على لوحة التغير الكبيرة، وعلى لوحة «طبيعة الأشياء» ومجتمعات العالم، لكن القادم أكثر وأكبر، فالمعادلة دوماً هي أن مزيداً من الحقوق يعني مزيداً من الواجبات، وسنرى في الأجيال الجديدة تغيرات كثيرة لجهة العلاقة «الرعوية» التي كانت تربط الرجل بالمرأة في كثير من الأسر، والتي ستتجه أكثر إلى التكاملية، وهذه في زعمي أخبار سعيدة لأرباب الأسر في المستقبل.
الأوقات صعبة هذه الأيام في ساحات الاقتصاد العالمي، وسيساعدنا في تخطي بعض هذه الصعوبة اتكاؤنا أكثر على مواطنينا، ودخول «النواعم» ـ لا أظنهن يفرطن في هذه الصفة مهما حدث ـ إلى قوة العمل والإنتاج باستقلال نظامي مرتكز على قناعة اجتماعية، سيزيد من قوة وثقل اقتصادنا في وجه الرياح التي يعرف الغالبية أنها ستهب، لكنهم لا يعرفون متى تحديداً، ومن أي اتجاه.