تقنية

أبرز استثمارات المستقبل، الهواتف الذّكيّة .. الصناعة الغائبة

يكاد يكون استثماراً مَنسيّاً، على الرغم من أن المُعطيات كلها تؤكّد قوة البيئة الاستثمارية السعودية وجاذبيتها التي تُتيح لصناعة الهواتف الذكية بالسعودية نجاحاً كبيراً تتوافرُ كل عناصره، استقطاباً للشركات وإغراءً لها بالاستثمار في هذا القطاع الذي يتحول يوماً بعد يوم إلى قاطرة للاقتصاد العالمي، ودعامة لأيّ نمو أو تطور يتّجه إليه في المستقبل.

الأرقام وحدَها تتكلم، فلا يُنازعها أحد، إذ هي أصدقُ أنباءً، وفيها فصل الخطاب، فالواردات السعودية من أجهزة الهاتف والشبكات الخلوية والجوال تُقَدّر بـ 20 مليار ريال سنوياً، فيما يقدر حجم سوق الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية بـ 136 مليار ريال بنهاية 2017، وسوقها الاستهلاكية تضم 33 مليون نسمة، و25 مليون هاتف، وتتبنى وزارة الاتصالات خطة طموحة لإنشاء منصات رقمية تشكّل قاعدة لاستثمار ناجح، تضمنُها التشريعات والسياسات التنظيمية والخدمات وبنية تحتية تؤكّد أن السعودية مؤهّلة لاحتلال القمة في سوق الهواتف الذكية، ليس على مستوى المنطقة العربية وحدها، بل في الشرق الأوسط، والمنافسة في السوق العالمية لصناعة الهواتف الذّكيّة. المعطيات تقول، والموارد البشرية والكفاءات تؤكّد، ومقومات النجاح متوافرة. «الاقتصاد» ترصد هنا صورة الواقع، وتستشرف صورة المستقبل، في صناعة الهواتف الذكية.

20 مليار ريال سنوياً واردات سعودية من أجهزة هاتف الشبكات الخلوية والجوال

يُعد الاستثمار في صناعة الهواتف الذكية من الاستثمارات المجدية التي لها مردود مالي كبير، وباتت بمثابة ركيزة أساسية يحتاج إليها أي اقتصاد يتطلع لملاحقة عصر العولمة والتكنولوجيا المتطورة والنمو بعيداً عن الاعتماد على مصدر دخل ثابت. وعلى الرغم من التطور الكبير الذي تشهده السعودية في مختلف مجالات الحياة ومواكبتها لأحدث الصناعات، إلا أنها مازالت تفتقد توطين تلك الصناعة وتعتمد على الهواتف المستوردة، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تسارعاً وحركة نمو كبيرة ومنافسة شرسة من أجل ريادة قطاع صناعة الهواتف والاستفادة من أرباحه الكبيرة، وفرص العمل الوفيرة. وهناك دول عربية مثل الإمارات ومصر وتونس والجزائر والمغرب بدأت في تصنيع الهواتف الذكية على أرضها، وذلك على الرغم من توافر الإمكانات الكبيرة على أرض السعودية لتوطين تلك الصناعة بنجاح، وفي طليعتها الإمكانات المالية والبشرية، وارتفاع معدلات استعمال الهواتف الذكية، واستخدام الإنترنت بين أبناء السعودية، وكذلك ارتفاع متوسط الدخل السنوي للأفراد مقارنة ببقية دول المنطقة.

من مُستهلك إلى مُنتِج

متي تتحول السعودية من سوق مستهلك للهواتف الذكية إلى دولة منتجة تنافس بقوة في السوق العالمية لصناعة الهاتف الذّكي، التي أصبحت من ركائز المستقبل للاقتصاد العالمي، لاسيما أن الهواتف لم تعد فقط وسيلة اتصال، وإنما باتت أكبر من ذلك بكثير في ظل الاعتماد على تطبيقات الهواتف في حياتنا اليومية؟

«رؤية 2030» أشارت إلى معالم الطريق، وأنارت دروبه أمام قادة المال والأعمال، وحفزتهم للاستثمار في هذا المجال، ودفعت بكل قوة إلى الاستثمار في صناعة أول هاتف سعودي، بعدما وضعت ضمن محاورها الاستراتيجية مشروع التحول الرقمي المتمثل في الاستراتيجية الجديدة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، حيث تطمح السعودية من خلالها إلى أن تكون ضمن أفضل دول العالم تقنياً بحلول 2030، والوصول إلى اقتصاد رقمي وصناعة مبنية على الثورة الصناعية الرابعة، ومن شروطها بالتأكيد توطين صناعة الهاتف الذكي، بعد أن أصبح وجودُه شرطاً مهماً لأداء المؤسسات والأجهزة، والمجتمع ككل، لا ينضبطُ العملُ العام والخدماتُ المجتمعية في الحياة العامة بدونه، وبعدما أصبح ضرورة في حياة المواطن وجزءاً أساسياً في أدائه اليومي لا يستطيع الاستغناء عنه، في ظل تنامي الاعتماد على تطبيقات الهواتف في كثير من معاملات حياة الناس اليومية في كل مكان.

السوق الاستهلاكية لـ 33 مليون نسمة و25 مليون هاتف وخطة إنشاء منصات رقمية تشكّلان قاعدة لاستثمار ناجح

وتتوافر عناصر النجاح بصورة كبيرة أمام الاستثمار في صناعة الهواتف الذكية على أرض السعودية، إذ تقدر قيمة الواردات السعودية من أجهزة هاتف الشبكات الخلوية والجوال بأكثر من 20 مليار ريال سنوياً، وأبرز الدول التي تستورد منها السعودية هي الصين، فيتنام، كوريا الجنوبية، أمريكا، الإمارات، الهند، تايلاند، وتايوان. ويعزز إنتاج هاتف محلي من تراجع فاتورة الاستيراد، كما أن فرص تصدير الهاتف السعودي لدول منطقة الشرق الأوسط تبدو سانحة إذ تقدر أعداد مستخدمي الهواتف الذكية في المنطقة حالياً بأكثر من 130 مليون مستخدم، وفقاً لتقديرات شركة تكنو موبايل، إذ تعتمد غالبية دول المنطقة على الاستيراد لسد حاجة مواطنيها من الهواتف الذكية.

التحول الرقمي

هناك عدة عوامل أخرى تطمئن رؤوس الأموال المحلية والأجنبية إلى إمكانية النجاح الكبير في الاستثمار بصناعة الهواتف الذكية في السعودية، أولها خطة وزارة الاتصالات نحو التحول الرقمي، والتي تنطوي على إنشاء منصات رقمية لإثراء التفاعل والمشاركة المجتمعية الفعالة، بما يسهم في تحسين تجربة المواطن والمقيم والسائح والمستثمر في السعودية، وثانياً سوق استهلاكية محلية ضخمة تضم أكثر من 33 مليون نسمة يستخدمون نحو 25 مليون هاتف ذكي. كما يشهد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية تطوراً لافتاً عبر زيادة قدرته التنافسية، وتطوير السياسات التنظيمية والتشريعات، وإفساح المجال أمام دخول خدمات جديدة ومتطورة تفي باحتياجات المستفيدين في جميع أنحاء السعودية. ويُعد سوق الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية من أكبر أسواق الاتصالات وتقنية المعلومات في منطقة الشرق الأوسط، إذ تجاوز حجم الإنفاق عليه مبلغ 136 مليار ريال بنهاية 2017، حسب بيانات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وتقدر مساهمة القطاع المباشرة وغير المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 6%. كما أن اتفاقيات التجارة الموقعة عليها السعودية مع عدد كبير من دول منطقة الشرق الأوسط والعالم يمثل حافزاً أمام المستثمرين لتصنيع الهواتف على أرض السعودية وسهولة تصديرها إلى بقية أسواق المنطقة.

توطين الصناعة

الطريق إلى توطين تلك الصناعة ليس بغريب فقد سبقتنا إليه دول عدة، وتبدأ أولى خطواته بدعوة شركات عالمية مثل سامسونج وهواوي وآبل، لإقامة مصانع لها على أرض  السعودية، مما يحفز قادة المال والأعمال السعوديين بجدوى استثمارهم سواء في الإنتاج المتكامل أو الجزئي، كما أن تميز السعودية بقاعدة صناعية وبنية تحتية أكثر تطوراً من الدول المحيطة بها، وتوفر موارد هائلة من المواد الخام والمواد الأساسية، لاسيما البلاستيكيات المبتكرة، والطاقة بأسعار مناسبة وقد تكون تنافسية، مع وجود مزايا نسبية توفرها مراكز الأبحاث التي تمتلكها السعودية لتطوير هذه الصناعة والاستثمار فيها، وقيمة إعادة تصدير الهواتف وقطع الغيار التي يشهد الإقبال عليها في منطقة الشرق الأوسط نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، تعد جميعها عوامل محفزة للشركات خلال الفترة المقبلة.

هواتف عربية الصنع

تجربة توطين صناعة الإلكترونيات والهواتف الذكية التي خاضتها دول عربية شقيقة جديرة بأن نتوقف أمامها، للتعرف على خطواتهم في توطين تلك الصناعة.

ففي مصر بدأ الأمر بمنح شركة سامسونج الكورية مزايا عدة تتمثل في أرض بالمنطقة الصناعية ببني سويف، وتتوافر لها بنية تحتية بما فيها شبكة طرق جديدة تسهل نقل منتجات الشركة إلى موانئ البحرين الأحمر والمتوسط، كما وفرت لها مناخاً استثمارياً جيداً أفضل مما هو موجود في كثير من الدول الإفريقية، حيث كانت تفاضل سامسونج بين عدة دول في القارة السمراء لإقامة أول مصنع لها. ونجحت الحكومة المصرية في إقناع الشركة، وأصبح مصنع سامسونج في المنطقة الصناعية ببني سويف أول منصة إنتاجية إلكترونية حديثة تحمل شعار صنع في مصر، وأسهم المصنع منذ تدشينه عام 2013، في زيادة حصة مبيعات سامسونج في أسواق منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا من الأجهزة الإلكترونية، وبلغ حجم صادرات مصنع «سامسونج إلكترونيكس مصر» نحو 550 مليون دولار لنحو 36 دولة، تمثل النسبة الأكبر من حجم صادرات القطاع التكنولوجي بمصر، وهو ما أسهم في تشجيع مستثمرين مصريين للمضي قدماً في توطين صناعات تكنولوجية أخرى كالهواتف الذكية والحواسيب اللوحية وتأسيس شركة تحمل اسم «سيكو تكنولوجي Sico Technology» متخصصة في إنتاج الهواتف. وأسهمت الشركة بإنتاجها في تقليل اعتماد السوق المحلية على الاستيراد، بل وتسعى حالياً إلى تصدير إنتاجها لدول المنطقة وإفريقيا، مما يعزز فرص توسع تلك الصناعة على أرض مصر ونموها في المستقبل.

منافسة عربية على سوق الهواتف الذّكية بالمنطقة والبيئة الاستثمارية السعودية أقواها تأهلاً للفوز بالقمّة

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد قطعت خطوات كبيرة في توطين صناعة الإلكترونيات والهواتف الذكية على أرضها عبر شركة «ياهلا» لخدمات المحمول التي تأسست عام 2015 في إمارة دبي من قبل رائد الأعمال بدر طيب، وعكفت الشركة على مدار عام كامل في إجراء التصاميم والأبحاث اللازمة قبل أن تتمكن في عام 2016 من إنتاج أول هاتف محمول ذكي إماراتي الصنع 100%، إضافة إلى تابلت ذكي، وتستهدف الشركة حالياً طرح هاتف «يا هلا باء» في أسواق الإمارات والخليج والشرق الأوسط وإفريقيا وتتوقع بيع أكثر من 300 ألف وحدة منه خلال عام.

كما دخلت الجزائر مجال صناعة الهواتف الذكية من خلال شركتي «كوندور Condor» التابعة لـمجموعة بن حمادي التي تأسست عام 1998 في مدينة برج بوعريريج شرق الجزائر العاصمة، وكذلك شركة «إريس سات IRIS SAT» تأسست عام 2004 في ولاية سطيف، وتختص كلتا الشركتين بإنتاج الإلكترونيات والهواتف الذكية، وقامتا في العامين الماضيين بالتوسع، وإطلاق أكثر من موديل للهواتف في الأسواق الجزائرية، وتطمحان للتوسع وفتح أسواق جديدة أمامها في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وفي تونس توطنت صناعة الهاتف الذكي على أرضها عبر شركة «إيفرتاك Evertek» التي تأسست عام 2006 وفي عام 2012، أطلقت أول هاتف ذكي لها بنظام أندرويد تحت اسم «EverGlory» وأول حاسوب لوحي يحمل اسم «EverPad» ثم أطلقت بعد ذلك أكثر من موديل هاتف وتوسعت في الإنتاج في السوق التونسي والإفريقي، حيث توفر هواتفها بسعر منخفض التكلفة، مقارنة بالهواتف العالمية المستوردة.

وجاءت تجربة المغرب مع تصنيع الهواتف الذكية عبر شركة «أكسنت Accent» التي تأسست في الدار البيضاء، وتنتج كذلك الأجهزة اللوحية والحواسيب، وتوجد منتجاتها في كل من المغرب ودول غرب إفريقيا، وتخطط للمنافسة في أسواق منطقة الشرق الأوسط وجنوب أوروبا، خلال الفترة المقبلة.

الخلاصة هو أننا أمام تنافس عربي لإنتاج الهواتف الذكية واستقطاب الشركات العالمية العاملة في هذا المجال، بينما الاقتصاد السعودي الأكبر في المنطقة غائب حتى الآن عن توطين تلك الصناعة التي نحتاج إليها بشدة في دعم وتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي متنوع ضمن رؤية 2030.

136 مليار ريال حجم سوق الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية بنهاية 2017

السوق العالمية

تسيطر 5 شركات على سوق صناعة الهواتف في العالم، وفقاً لمؤشرات المبيعات خلال الربع الثالث لعام 2018 والذي شهد إجمالي مبيعات بلغ 355.2 مليون هاتف ذكي حول العالم، وتشتد المنافسة بين تلك الشركات لكسب مزيد من الحصص السوقية خلال الفترة المقبلة، والشركات هي:

سامسونج Samsung: تأتي الشركة الكورية الجنوبية في الصدارة عالمياً بحصة سوقية بلغت 20.3%، وبحجم مبيعات بلغ 72.2 مليون جهاز، وفقاً لنتائج الربع المالي الثالث لعام 2018، بينما بلغت الحصة السوقية للشركة في السوق السعودية نحو 33٪ من إجمالي مبيعات الهواتف. وتبلغ قيمة العلامة التجارية لشركة سامسونج عالمياً نحو 47.6 مليار دولار.

هواوي HUAWEI: تأتي في المركز الثاني عالمياً في حصة السوق من مبيعات الهواتف الذكية، بنسبة 14.6%، وبلغت مبيعاتها 52 مليون هاتف ذكي خلال الربع المالي الثالث لعام 2018، وذلك وفقاً لبيانات شركة أبحاث السوق IDC، والتي ترجح أن تصبح هواوي في صدارة شركات إنتاج الهواتف مطلع عام 2020. وتقدر قيمة علامتها التجارية حالياً بنحو 8.4 مليار دولار. وتبلغ الحصة السوقية لـ «هواوي» في السوق السعودية حالياً نحو ٢٧% من إجمالي مبيعات الهواتف، كما تستحوذ على حصة سوقية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تبلغ 21.5%، وهي شركة صينية متعددة الجنسيات، تأسست عام 1987، وتقوم بصنع الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية.

آبل Apple: شركةٌ أمريكية متعددة الجنسياتِ تعمل في مجال الإلكترونيات، ومن ضمنها الهواتف الذكية وتأتي في المركز الثالث عالمياً بحصة سوقية بلغت 13.2%، وبإجمالي مبيعات 46.9 مليون هاتف ذكي في الربع الرابع من سنتها المالية المنتهية في سبتمبر الماضي. كما تستحوذ الشركة على حصة سوقية قدرها 28% من مبيعات الهواتف في السوق السعودية. وتقدر القيمة السوقية للشركة بنحو تريليون دولار، وقد تأسست عام 1976 في مرآب مؤسسها المشارك ستيف جوبز.

شاومي Xiaomi: تصنف في المركز الرابع عالمياً بحصة سوقية تقدر بـ 9.7%، وبحجم مبيعات بلغ 34.3 مليون هاتف ذكي خلال الربع الثالث لعام 2018. وأعلنت شاومي عن صافي أرباح بلغ 357 مليون دولار من مبيعات بلغت 7.3 مليار دولار، منها 5 مليارات في مجال الهواتف الذكية. وشاومي شركة صينية خاصة تأسست عام 2010 في بكين، وتقدر قيمتها السوقية حالياً بنحو 44 مليار دولار.

أوبو OPPO: خامس أكبر شركة منتجة للهواتف عالمياً بحصة سوقية بلغت 8.4% وبحجم مبيعات يقدر بـ 29.9 مليون هاتف ذكي خلال الربع الثالث لعام 2018، وهي شركة صينية تأسست عام 2004 وتعمل في مجال الإلكترونيات، ومقرها الرئيس في دونغقوان، غوانغدونغ، في الصين، كما تتوسع فى 30 دولة بالشرق الأوسط وإفريقيا وتتيح منتجاتها في 400 ألف متجر تجزئة بالعالم، ولديها أكثر من 22 ألف براءة اختراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Comment moderation is enabled. Your comment may take some time to appear.