لماذا يبقى الإنسان مقعداً مريضاً؛ والدواء موجود؟!
- يا أبي سمعت من أعمامي أثناء حديثكم البارحة، أن هناك وقفاً لأجدادي في القرية.
- نعم يا بني إنه بيت جدك القديم.
- أين هو يا أبي؟.
- في قريتنا القديمة سنذهب لزيارته يوماً بعد أن تنهي رحلتك لدراسة اللغة في الخارج.
كان هذا الحوار قد دار بيني وبين أبي منذ زمن تذكرته واستعدته حينما هممت بكتابة هذا المقال.
ففي ظل دراسة وابتعاث الأبناء، وفي ظل هرم الآباء والأجداد، وفي ظل تسارع عجلة التطوُّر في الحياة، وفي ظل الانتقال من القرية إلى المدينة، وفي ظل التحوُّل من المزرعة إلى المصنع.
وفي ظل استبدال الخضراوات بالشيبس، والقهوة بالكابتشينو، والرطب بالشوكولاتة، والخبزة بالفطائر، والمندي بالبرغر، والقرصان بالبيتزا، وطعام البيت بسلاسل المطاعم الشهيرة.
في ظل هذه التغيرات المتسارعة، هناك «شخص» واقف بعيداً، حدّقت فيه النظر، فإذا هو هرِمٌ، لحيته بيضاء، محدودبٌ ظهرُه، متكئٌ على عصاه، يكاد يسقط، أسرعت إليه لأدركه قبل أن يسقط، وأنا أتجه إليه فوجئت بأشخاص حوله، مقاربين له في العمر، لكنهم ساقطون يمنة ويسرة.
مع الأسف هذا هو حال أوقافنا القديمة، بعضها اندثر ومات، وبعضها تعطَّل، وبعضها مريض.
آلت أوقافنا القديمة إلى هذه الحال لأننا انشغلنا عنها، أو أهملناها، أو لأننا لم نواكب فيما يتعلق بشؤونها ظروف المتغيرات، أو لأننا لم نقم بإدارتها إدارة احترافية، أو لأسباب أخرى كثيرة، لا نريد أن نتلاوم فيها الآن!.
لابد أن نتدارك الوقت قبل فواته لـ «إحياء» ما مات، و«إيجاد» ما اندثر، و«توثيق» ما ضاع، و«علاج» ما مرض من هذه الأوقاف المعطلة.
هناك عدد من الحلول المالية التي يمكن للتجَّار أن يسهموا فيها، لإصلاح شأن هذه الأوقاف المعطلة، وهم من أولى الناس بذلك، ألم يبدأ بعضهم ثروته من الصفر، ألم يصل بعضهم إلى حد الإفلاس ثم الغنى مجدداً، ألم يتواكبوا في تجاراتهم مع الظروف المتغيرة الاقتصادية والسياسية والتقنية والاجتماعية؟! ألم ينقلوا ثرواتهم لأجيالهم اللاحقة جيلاً بعد جيل؟.
فليمنح التاجر للأوقاف المعطلة شيئاً من هذه الحلول الإدارية والمالية، والخطط الاستراتيجية والتنفيذية، ولا يستأثر بها لنفسه، وليتصدق بها لإحياء هذه الأوقاف المعطلة احتساباً لوجه الله تعالى. وليعلم يقيناً أن هذا الوقف وهذه الصدقة هي التي تبقى له في الآخرة. يقول تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ» ـ سورة النحل ـ آية 96.