مع التطور الكبير الذي يحدث في الهند، تقول التقديرات إنه في عام 2030م، لن تستطيع أن تتعرف على الهند التي ستصبح دولة غالبيتها من الطبقة المتوسطة، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، لأن حوالي %80 من الأُسر هناك ستصبح متوسطة مقابل %50 في الوقت الحاضر، وسيصبح اقتصادها فتياً مع %77 من المواطنين الهنود سيكون عمرهم أقل من 44 عاماً.
عدد سكان الصين والهند أكثر من 2.5 مليار نسمة، وتحتكر الدولتان المركزين الأولين وبشكل بعيد عن باقي الدول، لكن من اللافت أن الرئيس الصيني لديه بنت واحدة فقط، أما رئيس الوزراء الهند ناريندرا مودي ـ 68 عاماً ـ فهو بدون أولاد مع بلد عدد سكانه أكثر من 1.3 مليار نسمة، وستتفوق على الصين سكانياً وتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان في عام 2030م، وتعادل حالياً مرتين عدد سكان أوروبا و3 مرات عدد سكان الاتحاد الأوروبي، وأكثر من أربع مرات عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتنافس الهند وبريطانيا وفرنسا على المركز الخامس كأكبر قوة اقتصادية في العالم، خصوصاً أن حجم الناتج المحلي الإجمالي لكل من هذه الدول هو عند مستويات متقاربة عند حوالي 2.7 تريليون دولار صعوداً أو هبوطاً، لكن ما يميِّز الهند أنها تسجل معدلات نمو أحياناً فوق %7، وبالتالي ستتفوق بل ستبتعد بشكل كبير عن الدولتين، خصوصاً مع تداعيات بريكست بالنسبة لبريطانيا، وأيضاً اقتصاد فرنسا لا يستطيع الوصول إلى هذه النسبة، كما أن الهند مصنفة على أنها من أبرز الدول الناشئة مع معدلات نمو عالية، بينما بريطانيا وفرنسا ضمن خانة الدول المتقدمة، وبالتالي معدلات النمو لا تستطيع أن تصل إلى %3 في أحسن الأحوال.
والهند حالياً هي آخر أكبر أسواق التجزئة التي لم تبلغ طاقتها الإجمالية بعد، وستسجل 250 مليار دولار في عام 2020م، وهناك 120 مليون مستهلك هندي يتسوَّقون عبر الإنترنت هذه السنة، والسؤال المهم ما الذي يشتريه المتسوقون الهنود؟
الأجهزة الإلكترونية هي الأكثر شعبية، وعليها الطلب الأكبر من المتسوقين الهنود، ويعود سبب وجود هذا العدد الهائل من المتسوقين إلى ارتفاع مستويات المعيشة، والقفزة الكبيرة في استخدام الهواتف الذكية، والأرقام سترتفع بشكل دراماتيكي، فبعد 10 سنوات سيكون عندها أكثر من مليار مستخدم إنترنت، وفي كل ثانية سيدخل 3 هنود للمرة الأولى على الإنترنت، وسيتضاعف إنفاق المستهلكين وسيصل إلى 5.7 تريليون دولار، بفارق كبير عن الرقم الحالي الذي هو عند 1.4 تريليون دولار حسب منتدى الاقتصاد العالمي.
ومن مؤشرات التوسع الكبير في التجارة الإلكترونية في الهند، أن الهنديين بيني بانسال وساشين بانسال وهما لا أقارب أو إخوة أن يلفتا الأنظار، وأصبحا محط إعجاب الشباب الهندي، فبعدما كانا يعملان معاً في أمازون، تركا الشركة وأسسا «فليب كارت» لبيع الكتب عبر الإنترنت، وبعدها أصبحت أكبر شركة تجارة إلكترونية في الهند. ونشبت معركة كبيرة بين وول مارت وأمازون للاستحواذ عليها، واستطاعت وول مارت في النهاية أن تشتري %77 منها بـ 16 مليار دولار.
ورغم الطفرة السكانية والاقتصادية التي تعيشها الهند، إلا أن شركات الطيران هناك تواجه مصاعب كبيرة، وحالات إفلاس، لكن في المقابل لتعرف قوة الطلب على الطائرات هناك، تتوقع شركة بوينغ الأمريكية أن تشكِّل الهند %5 من طلبياتها حتى عام 2036م، أما إيرباص الأوروبية فتتوقع أن تبيع طائرة أسبوعياً للهند من الآن وحتى 10 سنوات حسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، والعام الماضي كان هناك حدث مهم بين المملكة والهند، حيث وقَّعت شركة أرامكو السعودية مذكرة تفاهم مع الهند لبناء مصفاة نفط بتكلفة 44 مليار دولار وطاقة إنتاجية تُقدَّر بـ 60 مليون طن سنوياً، ومصنع للبتروكيماويات على الساحل الغربي الهندي بطاقة إنتاجية 18 مليون طن سنوياً. وقال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، المهندس خالد الفالح إن الهند كانت دائماً الوجهة الأولى بالنسبة لنا، قريبة جغرافياً ولديها عدد كبير من السكان مع اقتصاد كبير، وتستمر الهند في شراء مزيد ومزيد من النفط خصوصاً من العراق والسعودية، أكبر المورِّدين، ووصل الاستهلاك العام الماضي إلى مستوى قياسي عند 4.8 مليون برميل يومياً، مع تألق الاقتصاد ومعدلات نمو فوق %7 وأصبحت لاعباً مهماً في دعم الطلب العالمي.
أخيراً بالنسبة لعملة الهند وهي الروبية، فقد تعرضت لهزات عنيفة في الأشهر الأخيرة، وسجلت مستويات تاريخية وصلت إلى 74 روبية مقابل الدولار، وذلك على الرغم من الأداء الاقتصادي الرائع، لكن دائماً ما تتأثر، شأنها شأن عملات الدول الناشئة، بشكل رئيس بأي صعود كبير للدولار الذي يضرب عملات دول مثل إندونيسيا، وماليزيا، وروسيا، والصين، والتي تقف عاجزة عن فعل شيء أمام أية عاصفة صعود للدولار، خصوصاً أن الهند مكشوفة بقوة على أسعار النفط، فهي تستورد %80 من الخام من أجل عجلة اقتصادها، فعند أي ارتفاع لأسعار النفط زائداً عليه تدهور معدل الصرف، فإنها تتلقى ضربة مزدوجة، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في فاتورة النفط الخام للبلاد، خصوصاً أن عملتها في أدنى مستوياتها على الإطلاق.