نموذج الفاتورة الضريبية يشمل 8 عناصر أبرزها المقابل الواجب سداده نظير السلع أو الخدمات
إمكانية تقسيط سداد الضريبة عبر تقديم طلب على الموقع الإلكتروني لهيئة الزكاة والدخل
324 ألف شهادة تحمل القيمة المضافة في برنامج سكني حتى النصف الأول من العام الجاري
50 مليار ريال عوائد ضريبية متوقعة في النصف الثاني من العام الجاري
هي ـ باختصار شديد وبتكثيف أشدّ ـ “معادلة” بالغة الصعوبة والتعقيد، في ظل وباء عالمي، لم تفلت منه دولة في العالم، جائحة كورونا أو كوفيد 19 فرضت على كل دولة أن تُقدم على إجراءات أكثر شبها بالجراحة التي تستدعي استخدام المشرط، بدلا من المُسكّنات والعقاقير التي تستغرق وقتا أطول، دون أن تحسم المواجهة. هكذا كانت قفزة “القيمة المضافة” التي أقدمت عليها السعودية، والتي لم تستهدف زيادة إيرادات الدولة فحسب، بل سعت إلى تحقيق سياسة أكثر عُمقا، تهدف من خلالها إلى ضبط التوازن المالي والمحافظة على الاحتياطيات مع تقليص النزعة الاستهلاكية، ما يُتيحُ للحكومة أن توفّر مزيدا من الخدمات اللازمة، مع تطوير الخدمات، وتقديمها على نحو أفضل، والمحافظة على الوظائف التي اضطرّت الجائحة أكثرَ دول العالم إلى تقليصها، وعلى العكس من ذلك، وعلى الرغم من تعقيدات الموقف وصعوبته، بل وبدلا من شبح البطالة، تسعى حكومة المملكة إلى توفير وظائف جديدة، وهو ما يُعَدّ انتصارا على الجائحة التي زلزلت الاقتصاد العالمي، وهزّت أركانَه. الضريبة المُضافة المعدّلة “السعودية” أسلوب علاج ومواجهة، لا مجرد بحث عن تعويض موارد مفقودة!.
فقد انطلق رسميا في المملكة بدءاَ من يوليو الماضي العمل بضريبة القيمة المضافة المعدلة، التي أعلنت عنها وزارة المالية في إطار خطة لتدعيم مالية الدولة، جراء تداعيات فيروس كورونا المستجد، حيث يعيش القطاع الخاص والمستهلكون في السعودية تجربة زيادة قيمة الضريبة المضافة، في تطور جديد بعد أن كانوا قد خاضوا تجربة تطبيق العمل بها منذ مطلع 2018.
ويجمع الخبراء الاقتصاديون في المملكة على أن مضاعفة القيمة المضافة ـ التي أقدمت عليها حكومة المملكة ـ تستهدف بالدرجة الأولى سياسة أعمق، تتخطى رفع الإيرادات المالية إلى الدفع بمزيد من ضبط التوازن المالي للبلاد، من خلال المحافظة على الاحتياطيات وتقليص النزعة الاستهلاكية، ما يمكنها من توفير الخدمات اللازمة، لاسيما الرعاية الصحية والمحافظة على الوظائف، إضافة إلى رفع كفاءة الاقتصاد الوطني ومكوناته الجيدة.
وتعترف وزارة المالية ـ الجهاز المعني بالإنفاق في الدولة ـ بأن تأثيرات تفشي فيروس كورونا ألقت بظلالها على الوضع العالمي، ما انعكس على موارد المملكة، مما يفرض إجراء تغييرات في سياسات الصرف مع وضع الأولوية للإنسان، والاهتمام بتوفير الرعاية الصحية للمواطن في ظل استمرار الجائحة.
ولايمكن قياس تجربة مضاعفة القيمة المضافة لعوامل عديدة، أبرزها قصر المدة واستثنائية الظروف الجارية، بيد أن المطالب تتزايد بأهمية رصد التجربة الحالية، والنظر في انعكاساتها في تحقيق الهدف الذي أقرت من أجله. في هذا التقرير نستعرض الخلفيات الكاملة لتطبيق الضريبة المضافة المعدلة، والاطلاع على مرئيات الخبراء والمختصين الاقتصاديين، كل من زاويته. إلى نص التقرير:
الجدعان: إجراءات تطبيق الضريبة أكثر ملاءمة وأقل ضررا وأخف حدة وتوفر 100 مليار ريال للخزانة العامة
السويلم: الضريبة المعدلة ليست لزيادة إيرادات الدولة بل لدعم الاحتياطي والتوازن المالي
الربدي: ضريبة القيمة المضافة من الحلول الرئيسة لتعزيز الإصلاح المالي في السعودية
الفواز: زيادة الضريبة المضافة تستهدف إعادة تحجيم الاقتصاد ليدير موارده بكفاءة أعلى
البرجس: رفع ضريبة القيمة المضافة خيار بديل لحلول أصعب لمعالجة الأزمة بأقل التأثيرات
العمري: الأراضي البيضاء وعاء ضريبي قادر على ضخ 275 مليار ريال لخزينة الدولة
الشهراني: التوازن بين التدابير المالية والضريبة عامل لتحفيز الاقتصاد الوطني
أكثرها ملاءمة وأقلها ضررا
أعلنت وزارة المالية السعودية في مايو المنصرم عن اتخاذ قرارات، قالت إنها ضرورية لحماية الاقتصاد الوطني من صدمات آثار كورونا، معلنة عن إجراءات عملية مرتبطة بالسياسات المالية، بعد برامج حزم الدعم والتمويل والتحفيز المقرة منذ مارس الماضي. وشملت السياسات المتخذة رفع الضريبة المضافة من 5 إلى %15، وإيقاف بدل غلاء المعيشة الذي كان يضاف إلى رواتب موظفي الحكومة، في خطوة لضبط التداعيات المالية والاقتصادية الناجمة جراء جائحة الفيروس.
وفي مؤتمر صحفي افتراضي عقده وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلّف حينها محمد الجدعان، أكد أهمية هذه السياسات كإجراءات لتجاوز أزمة الجائحة العالمية غير المسبوقة وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة. وشُكلت لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين المدنيين ومن في حكمهم الذين لا يخضعون لنظام الخدمة المدنية في الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات والمراكز والبرامج الحكومية، في سبيل رفع كفاءة الصرف.
وينتظر أن تسهم هذه الإجراءات في توفير 100 مليار ريال للخزانة السعودية، بينما تستمر برامج الدعم الاجتماعية رغم تداعيات الأزمة، حيث أكد الجدعان استمرار برنامج “حساب المواطن”، مشيرا إلى أن وزارتي المالية والاقتصاد والتخطيط قامتا بعرض التطورات المالية والاقتصادية والإجراءات المقترحة لمواجهة هذه التطورات، وصدر التوجيه باتخاذ أكثر الإجراءات ملاءمة وأقلها ضررا وأخفها حدة، وشدد على أن الإجراءات التي تم اتخاذها وإن كان فيها “ألم” إلا أنها “ضرورية” وستكون مفيدة للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل على المديين المتوسط والطويل، لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
الضريبة المتوقعة
ووفقا للتقديرات المبدئية واستنادا إلى بيانات سابقة نقلا عن وزير المالية محمد الجدعان خلال كلمته في افتتاح “مؤتمر الزكاة والضريبة” في الرياض نوفمبر من العام الماضي 2019 فإن إيرادات ضريبة القيمة المضافة، بلغت في أول عام من تطبيقها 46.7 مليار ريال، ويمكن تقدير أن يصل حجم الإيرادات المنتظرة للنصف الثاني من العام الجاري ما يقارب من 50 مليار ريال، باعتبار أن نصف المحقق في العام الماضي بلغ 23.3 مليار ريال، مضروبة في الضعفين تبلغ 70 مليار ريال مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية الجارية على الاستهلاك وتراجع أسعار النفط عن العام الماضي، بما يتيح بين 25 و%30 عوامل انكماش ضاغطة.
وكانت تجربة السعودية في مجال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، الذي نفذ في زمن قياسي، استغرق الإعداد وتحضير الأدوات النظامية واللوائح والتجهيزات التقنية والإدارية حوالي 8 أشهر، فيما تجاوزت نسبة الالتزام جميع التقديرات التي وضعت من قبل الهيئة، وكذلك بعض المنظمات الدولية لتصل إلى %90 بينما كانت التقديرات ما بين 60 إلى %70. وبلغ إجمالي العوائد المسجلة لإيرادات الضرائب على السلع والخدمات خلال الفترة الماضية، بحسب بيانات المالية العامة خلال العام المالي الماضي 2019، قرابة 146.8 مليار ريال، أي %15.8 من إجمالي الإيرادات الحكومية.
التوازن والاحتياطي
من جانبه، يرى الخبير السعودي الدولي غير المقيم في جامعتي هارفارد وستانفورد الأمريكيتين الدكتور خالد السويلم أن قفزة القيمة المضافة التي أقدمت عليها السعودية لم تكن تستهدف بالأساس زيادة إيرادات الدولة فحسب، بل ترمي إلى سياسة أعمق، حيث تبحث من ورائها عن ضبط التوازن المالي، والمحافظة على الاحتياطيات، مع تقليص النزعة الاستهلاكية، ما يمكن الحكومة من توفير الخدمات اللازمة والمحافظة على الوظائف.
وأوضح د. السويلم أن قيمة الضريبة المضافة المعدلة مؤخرا، لا يصلح أن يتم التدرج فيها، لأن الهدف منها، ليس أن تكون موردا ماليا بحد ذاتها، بل أن تكون عامل ضبط للتوازن المالي في البلاد. وقال السويلم في لقاء افتراضي بعنوان “الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا محليا وعالميا” نظمه مركز التواصل والمعرفة التابع لوزارة المالية الشهر الماضي، إن التدرج في زيادة القيمة المضافة يتم عندما يكون الهدف منها زيادة الإيرادات فقط، لكن في وضع الأزمات كالظروف الحالية، فالمستهدف أعلى من ذلك، حيث يرمي إلى المحافظة على الوضع المالي والاحتياطيات النقدية من خلال ضبط الاستهلاك المحلي، وبالتالي تمكين الدولة من الصرف على الرعاية الصحية، والحفاظ على وظائف المواطنين في القطاع العام والخاص، والاستمرار في توفير الخدمات اللازمة للمواطنين.
وذكر السويلم أن التدرج والتأخير في تطبيق الضوابط، لا يحقق المطلوب في مثل هذه الأزمات، بل قد يأتي بنتائج عكسية، مبينا أن الظرف الراهن يبين أهمية ضبط السياسة المالية، وبناء احتياطيات كافية لمواجهة الأزمات، لأنه لا يمكن القفز إلى القطاعات المختلفة من ناحية تطويرها وتنويع الاقتصاد، دون التأكيد على ضبط السياسة المالية واستدامتها على المدى البعيد.
وأضاف أن هذا ما فعلته الدول الآسيوية التي خاضت تجربة الأزمة المالية 1998، حيث صممت على بناء مدخرات كافية من العملات الأجنبية لحماية اقتصادها واستقرارها المالي، وأصبحت تلك الدول دولا رئيسية ناجحة خلال العشرين سنة الماضية كالصين وكورويا الجنوبية وسنغافورة، والتي تمتلك أكبر الصناديق السيادية في العالم، ما يمثل سورا يحمي مختلف قطاعاتها الصناعية والتنموية. والمملكة في رؤية 2030 تسير في خط مشابه، وكأنها تختصر الزمن لتعويض ما فات خلال سنوات الطفرة، حيث الخطط الخمسية خلال الخمسين سنة الماضية، موضحا أن هذه الأزمة والتحولات المستقبلية ستزيد من إصرار المملكة على تحقيق الإصلاحات.
وأوضح السويلم أن تركيبة الاقتصاد في المملكة تختلف عن بعض النماذج في الاقتصاديات المتقدمة المتنوعة، إذ أن الاقتصاد السعودي يعتبر من اقتصاديات الموارد الطبيعية، الذي يعتمد على النفط والإنفاق الحكومي، لذلك تنبع أهمية الاستدامة والاستقرار المالي والرفاه للمواطن، مبينا أن السعودية حققت نتائج متقدمة من ناحية المحافظة على وظائف القطاعين والخدمات بينها الرعاية الصحية.
الضريبة إصلاح
إلى ذلك ذكر عضو الجمعية المالية السعودية عبدالله الربدي، أنه كان لابد من حلول للإصلاح المالي في المملكة التي يأتي من بينها ضريبة القيمة المضافة، مشددا على أن مضاعفتها يأتي في إطار التعزيز المالي، حيث لا يتعدى تأثير الاستهلاك على الاقتصاد السعودي نسبة %38، وعليه فإن تقليص الضريبة، كما طبق في بعض الاقتصاديات، سينجم عنه تحفيز الاستهلاك، وهو أمر ليس مرادا في السعودية خلال هذه الفترة، نظرا لاختلاف طبيعة مكون الاقتصاد ذاته، مضيفا أن هناك فارقا في بلدان كالولايات المتحدة حيث يعتمد الاقتصاد الوطني بنسبة %70 من الناتج المحلي الإجمالي على الاستهلاك، وبالتالي من مصلحتها تخفيض الضريبة لتحفيز الاستهلاك. وأشار إلى أنه لابد من عدم الوثوق في أسعار النفط مع بوادر تحسن الأسعار حاليا، مشيرا إلى أنها لن تستمر في الصعود الدائم، لذلك لا نرهن مستقبلنا واستقرارانا المالي والاقتصادي على النفط.
تحجيم الاقتصاد
في بعد آخر للضريبة المضافة المعدلة التي بدأ العمل بها، يصف الكاتب الاقتصادي فواز الفواز خطوة رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى %15 في إدارة الاقتصاد السعودية بـ “المفاجأة والشجاعة”، وقال إن هناك إجراءات احترازية وأخرى قيادية، وقد أعجبتني الخطوة لأنها قيادية في وقت صعب.
وأضاف الفواز أن هناك أنواعا من الضرائب، لكن الإدارة الاقتصادية اختارت ضريبة القيمة المضافة لأسباب موضوعية، إذ أن ضريبة الدخل على الأفراد ليست الأنسب، لأسباب منها أن الأغلبية موظفو قطاع عام في اقتصاد طابعه استهلاكي، ووافدون أغلبهم رواتب ليست عالية، كما أن البلد تعتمد على استيراد أغلب السلع، فكان الخيار الأفضل ضريبة القيمة المضافة. ويرى أن التوجه الاقتصادي العميق من وراء القرار هو إعادة تحجيم الاقتصاد، ما يجعل من خطوة رفع الضريبة المضافة إجراء يصب في الاتجاه الصحيح، لكنها مرتبطة بخطوات أخرى تكاملية، ولا يمكن لخطوة واحدة مهما كانت جريئة أن تكفي للتعامل مع تغيير اقتصادي جوهري.
ويبين الفواز في طرح له عقب الإعلان عن خطوة زيادة الضريبة المضافة، أن رفع الضرائب عادة لا تنتج عنه عوائد مالية متماثلة، أي أن رفع الضريبة بنسبة %200 لا تنتج عنه زيادة في المردود المالي بالنسبة نفسها، لأن هناك تغيرا في التصرفات وربما مستوى الطلب، لكن الهدف العميق، تغيير التصرفات وليس جني الأموال.
ويبين الفواز أن أحد التأثيرات الإيجابية للتوجه الأخير يتمثل على سبيل المثال في السيطرة على ارتفاع أعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة غير الحميد ـ تلك التي يكون التستر الأسود أو الرمادي هو سمتها الرئيسية ـ مضيفا أن تعامل القطاع العام مع الضريبة بمنطق اقتصادي، لكن الأهم في المدى البعيد هو القوى البشرية. ولابد من إعادة مراجعة للقوى البشرية خارج ما اعتدنا عليه، إذ لا بد من تقليص الوافدين بداية بالوظائف الوسطى الإدارية والمحاسبية في القطاع العام المباشر وغير المباشر وكل شركة تملك فيها صناديق التقاعد والتأمينات، مشيرا إلى أن الهدف القريب رفع أجور المواطنين في القطاع الخاص، والسيطرة على مستويات تحويل النقد الأجنبي، بينما الهدف البعيد يصب في اتجاه المصلحة نفسها من ضريبة القيمة المضافة للاقتصاد الوطني تحجيم الاقتصاد لإدارة موارده بفاعلية أعلى.
ويضيف الفواز أن القطاع العام كذلك التحق به كثيرون برواتب عالية في الأعوام القليلة الماضية، ولذلك لابد من المشاركة مع المستهلكين في تحمل تبعات الضريبة، مشيرا إلى أن الجميل في التعامل مع العامل البشري أنه مهم جدا معنويا، إذ أن الرسالة العامة جوهرية لحشد الجميع نحو الإصلاح الاقتصادي.
ويختتم الفواز رؤيته بأن التحدي المالي كبير رغم أن المركز المالي للمملكة مازال مريحا نسبيا، ولذلك توقيت الإصلاحات مقبول على أمل أن تصب كلها في الاتجاه نفسه، إعادة تحجيم الاقتصاد ليدير موارده بكفاءة أعلى.
البديل الصعب
إلى ذلك يجيب الاستشاري الاقتصادي برجس حمود البرجس عن التساؤل “لماذا رفعت ضريبة القيمة المضافة؟”، بقوله إن المملكة أنفقت بسبب آثار الجائحة أكثر من 200 ملیار ریال على دعم القطاع الخاص لحمایة الشركات والوظائف بشكل مباشر، مكثفة الصرف على میزانیات الصحة والعلاج، في المقابل رفعت ضریبة القیمة المضافة %10، وخفضت من بعض عقود التشغیل والصیانة للمرافق، وأجلت بعض مشاریعھا الرأسمالیة، لافتا إلى أنه كان أمام المملكة خیارات عدة للتعامل مع إدارة الأزمة المالیة، بيد أن أولویاتھا المحافظة على دفع الرواتب والبدلات الأساسیة للوظائف الحكومیة، ودعم عدة برامج للمساھمة المباشرة في إبقاء وظائف القطاع الخاص، وبكل تأكید أية قرارات ستكون مؤلمة لكن بعضھا أقل ألما من خیارات أخرى.
ويضيف البرجس أن المملكة بدأت بخفض الاعتماد على مصادر الدخل من النفط تدریجیا، موضحا أنه عند اكتمال المشاریع خلال السنوات القلیلة المقبلة سیكون اعتمادھا أكثر على مصادر الدخل غیر النفطیة، وأقل عرضة للتقلبات الاقتصادیة في مثل ھذه الأزمات، مبينا أن الجمیع یتمنى الحلول المثلى والأقل تأثیرا في مثل ھذه الأزمات، وعند استعراض الخیارات، یظھر أن المملكة استبعدت خیارات صعبة، منھا خفض الرواتب والبدلات الرئیسیة، بيد أنها اكتفت برفع ضریبة القیمة المضافة وخفض مصاریف المشاریع والمیزانیات.
رسوم الأراضي
إلى ذلك طرح أحد أبرز الكتاب الاقتصاديين المعنيين بالملف العقاري عبدالحميد العمري في طرح له بعنوان “ضريبة القيمة المضافة ورسوم الأراضي”، يقول فيه إن من بين البدائل المتاحة خلال الفترة الراهنة أمام المالية العامة لعوائد مباشرة وعالية جدا، تطبيق جميع المراحل الأربعة التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يغطي أكبر 30 مدينة من حيث عدد السكان في المملكة، وتمثل تلك الأراضي البيضاء بمساحاتها الشاسعة قطاعا غير منتج اقتصاديا، وغير موظف للعمالة من مواطنين وأجانب، وتقبع كأصول معطلة لا تخضع للانتفاع والاستخدام في أي شكل من أشكال التنمية الاقتصادية والمجتمعية، بل على العكس تساهم في التضخم المستمر للأسعار.
وأضاف العمري أننا بمواجهة وعاء ضريبي، تناهز تقديرات قيمته السوقية سقف 11 تريليون ريال أي 3.7 ضعف حجم الاقتصاد الوطني بأكمله، موضحا أنه وفقا للنسبة الراهنة للرسوم على الأراضي البيضاء البالغة %2.5 من القيمة السوقية للأرض، يقدر أن تصل العوائد المحتملة خلال العام الأول نحو 275 مليار ريال، أي 1.9 ضعف كامل إيرادات ضرائب السلع والخدمات 2019، موضحا أن ذلك يعني حقيقة الوصول إلى بديل مالي عملاق، سيكون لجني عوائده كثير من الفوائد على المالية العامة، وفي الوقت ذاته تحمل عوائده غير المباشرة فوائد أكبر على الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص والمجتمع بكل شرائحه.
الإسكان والخدمات
تدخل الخدمات في مجال الضريبة المضافة وفق التعديلات الأخيرة، حيث أكدت مشرفة التدقیق في ھیئة الزكاة والدخل عفاف الفیفي، في لقاء افتراضي نظمته غرفة مكة المكرمة مؤخرا أن جمیع الخدمات تدخل ضمن الإطار الضریبي، مستدلة على ذلك بشمول الضريبة المضافة عقود المحاماة، مبینة إمكانیة تقسیط سداد الضریبة من خلال تقدیم طلب خاص بذلك على الموقع الإلكتروني للھیئة.
من جانب آخر، كشف تقرير أصدره برنامج “سكني” التابع لوزارة الإسكان في يوليو الماضي، أن أعداد الشهادات التي تحمل القيمة المضافة منذ انطلاق البرنامج حتى منتصف العام الحالي 2020 بلغت 324.2 ألف شهادة منها 42.5 ألف شهادة لمستفيدين خارج الوزارة و281.7 ألف شهادة لمستفيدين من وزارة الإسكان والصندوق العقاري.
السياسات الفاعلة
رؤية وزارة المالية حول تصورها لفرض الضريبة المضافة المعدلة، يمكن أن تضع ختاما لتقريرنا هذا، حيث يقول وكيل وزارة المالية لشؤون السياسات المالية والكلية الدكتور سعد الشهراني إن السياسات الأخيرة ترمي للتحفيز الاقتصادي بين توازن التدابير المالية والضريبية، مشيرا إلى أنه ليس هناك وقت أحوج لتطوير السياسات الضريبية في الدول المصدرة للنفط أكثر من الوقت الراهن، لافتا إلى أن أزمة الجائحة أظهرت هشاشة الاقتصاد العالمي ومخاطر الاعتماد على مصدر وحيد رئيسي لإيرادات الدولة، مفيدا خلال مشاركته في الاجتماع الاستثنائي الافتراضي لصندوق النقد العربي في يوليو الماضي، أن التغيرات الجوهرية في أسواق النفط على جانبي العرض والطلب قد تمتد إلى فترة أطول، وهو ما يستدعي زيادة الاعتماد على إيرادات غير نفطية منتظمة وذات فاعلية تدعم تنويع مصادر الدخل لضمان واستدامة تمويل المشاريع التنموية وقنوات الحماية الاجتماعية.
وأوضح د. الشهراني أن السياسات ذات الفاعلية لا تكون عادة من خلال سياسات فردية منفصلة، إذ لابد أن تكون مجموعة سياسات متكاملة تغطي عدة جوانب في آن واحد لضمان كفاءة الفاعلية، لافتا إلى أن الحكومة السعودية تبنت مجموعة من السياسات على محاور مختلفة انطلقت من القرارات الوقائية الاحترازية، تلتها سياسات تحفيزية مساندة للقطاع الخاص والعاملين ثم سياسات الضبط المالي والاستقرار والاستدامة، خاصة على المدى المتوسط، وقد استهدفت سياسات الضبط المالي عددا من الإجراءات، كتوفير النفقات وتوجيهها للقطاع الأشد حاجة مثل القطاع الصحي، إضافة إلى التخطيط للسيطرة على معدلات العجز والدين العام مع الحفاظ على الاستدامة المالية.