توطين الصناعات العسكرية ارتفع من %2 عام 2016م إلى %8 عام 2020م وبنهاية عام 2021م بلغت النسبة نحو %11.7
ارتفع عدد المنشآت العاملة في قطاع الصناعات والخدمات العسكرية من قرابة الـ 5 منشآت فقط إلى ما يصل لنحو 187 منشأة تعمل حاليًا
تمثل الصناعات العسكرية مصدرًا للدخل الحقيقي في البلدان المنتجة، وتأتي ضمن مؤسسات الإنتاج الاقتصادية، نظرًا للمردودات المالية الضخمة التي يوفرها، فلا يقتصر الأثر المتوقع للنهوض بالصناعات العسكرية في البلدان عند حدود تنمية القوة الدفاعية للدول فحسب، بل يتسع الأمر ويمتد إلى المزيد من فرص الاستثمار المحلي والانفتاح على العالم الخارجي، فضلاً عن استغلال المواد الخام المتوفرة وإتاحة الآلاف من فرص العمل وإعداد الكوادر البشرية في هذا المجال الخصب.
وهناك العديد من تجارب البلدان التي تمثل الصناعات العسكرية فيها أحد أهم الموارد الاقتصادية، كروسيا والصين على سبيل المثال، فصناعة السلاح تحتل أولوية مقدمة في منظومة الصناعة الروسية، إذ حرصت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أن تبقي على الوسائل والمجالات التي يمكنها من خلالها استعادة قدراتها في الصناعات العسكرية، ومن تلك الوسائل التركيز على قطاع الصناعات الدفاعية والعسكرية والتميّز فيها؛ من أجل أن تكون طرفًا موثوقًا في هذه الصناعات الثقيلة.
كذلك الصين اعتمدت على تنمية قطاع الصناعات العسكرية، كأحد الموارد التي تفيد اقتصاد الصين ككل، ومن هنا يمكن أن ينظر لهذا القطاع على أنه فرصة لتحقيق فوائد متعددة ذات الارتباط بالتنمية الاقتصادية بمضمونها العام.
وهي النظرة نفسها التي أخذت تنظر من خلاها المملكة إلى قطاع الصناعات العسكرية، الذي جاء ضمن أولويات رؤية 2030م، التي أعقبها في أغسطس2017م تأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية المنوط بها تعزيز قدرات التصنيع العسكري وتوطين القطاع في المملكة، والعمل على جعله رافدًا للاقتصاد الوطني؛ وبذلك أصبحت الهيئة هي الجهة المُشرّعة للقطاع والمسؤولة عن تنظيمه وتطويره ومراقبة أدائه، واللاعب المحوري في دعم وتعزيز استقلالية وجاهزية المملكة عسكريًا وأمنيًا.
وقد حدّدت استراتيجية الصناعات العسكرية في المملكة 11 مجالاً مستهدفًا، وصاغت مجموعة من الأُطر التنظيمية التي عزّزت مستويات الشفافية وشجعت على الاستثمار طويل المدى، فضلاً عن تقديم المحفزات للمصنّعين المحليين وإصدار تراخيص التصنيع والتصدير.
ركائز الاستراتيجية الثلاثة
وترتكز الاستراتيجية على ثلاث ركائز أساسية، الأولى وهي للمشـــتريات، والثانية للصناعـــات، والثالثة للبحـــوث والتقنيـــة، وفـــي حيـــن أن لـــكل ركيـــزة أهدافهـــا الرئيســـة، إلا أنها صيغت لتعمل علـــى نحو تكاملـــي لتطويـــر منظومـــة الصناعات العســـكرية بما يضمن خلـــق كفـــاءة الإنفاق، وتعزيـــز التوطيـــن، وتطوير رأس المـــال البشـــري، وتشـــجيع البحـــث العلمـــي والتقنـــي لتعزيـــز الابتكار والاستدامة.
ويبدو واضحًا من ركائز الاستراتيجية الثلاثة أنها استهدفت تمكين المصنعين المحليين في القطاع من خلال زيادة نسبة المحتوى المحلي، فتحسين آلية المشتريات أسهم في إعطاء الأولوية للتوطين في العقود والاستفادة من القوة الشرائية للقوات العسكرية والأمنية، وبالتالي تحقيق أعلى مستويات الكفاءة في الإنفاق، عكس ما كان يتم سابقًا بأن تتولى كل جهة مهمة التفاوض بشكل منفصل، ما يضعف قدرتها التفاوضية، فضلاً عن أنها وضعت أطرًا تنظيمية للاستثمار في القطاع بحيث لا تتضمن أي قيود على المستثمر الأجنبي الراغب في الدخول لسوق الصناعات العسكرية طالما أنه سيكون شريكًا في التوطين والتوظيف ونقل التقنيات.
فإن توطين الصناعة، يُعد ركيزة تنظيمية مسؤولة عن وضع لوائح وتشريعات تعزّز الشفافية في القطاع وتشجع الاستثمار فيه، والاهتمام بالتقنيات والبحوث العسكرية.
العديد من التحسينات
وقد أجرت المملكة في سبيل تعزيز قطاعها للصناعات العسكرية العديد من التحسينات وتبسيط الإجراءات والتأشيرات والتراخيص سواء التي بغرض التصنيع العسكري أو بغرض تقديم الخدمات العسكرية، لتيسير الدخول في سوق الصناعات العسكرية محليًا، بالإضافة إلى تطوير خدمات الجمارك، وتوفير التقنية الرقمية لتسهيل التحركات الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي، الذي ينفتح على العديد من الصناعات الأخرى المُكملة.
برامج المشاركة
وفي عام 2019م اتخذت المملكة من برامج المشاركة في الصناعات العسكرية (IPP) وهو اتفاقيــة بيــن الهيئــة العامــة للصناعــات العســكرية والمصنـع الأصلي للمعـدات، ليكــون البرنامــج المطــوّر لبرنامــج التــوازن الاقتصادي، ويستهــدف الاســتفادة مــن القــدرات المتوفرة وتعزيــز جــذب اســتثمارات جديــدة فــي القطــاع، كمــا يمثــل الممكّن لاسـتراتيجية قطـاع الصناعـات العسـكرية والمساهم بشـكل كبيــر فــي خلــق فــرص اقتصاديــة واعــدة فــي القطــاع، والداعـم للمحتـوى المحلـي وبنـاء قـدرات جديـدة تسـهم فـي تحقيــق الاكتفاء الذاتــي فــي المجالات المســتهدفة بالتوطيــن.
شـــبكة من الخدمات
وثمة مؤشرات بأن يدعم برنامج المشاركة توســيع قاعــدة الصناعــات العســكرية محليـًـا فــي مجالات ذات قيمــة مضافــة، وتقديم شـــبكة من الخدمات والدعم الفني لقطاع الصناعات العســـكرية، وبالتالي تحفيــــــــز الاستثمارات المباشــــــرة والشــــــراكات الاستراتيجية مــع الشــركات العالميــة فــي القطــاع، إضافة إلى نقـــل التقنيـــات والمعرفة فـــي الخدمـــات والصناعة والأبحاث والتقنية وتطويـــر الكـــوادر البشـــرية الوطنيـــة للعمـــل فـــي المجالات الدقيقـــة ذات الارتباط بالمجالات العسكرية، ودعـــم المشـــروعات الصغيـــرة والمتوســـطة ما يضمن مشاركتها فـــي سلاسل الإمداد المتعلقة بالقطاع.
30 فرصة استثمارية
وتُخطط المملكة اليوم لطرح 30 فرصة استثمارية في الصناعات العسكرية بقيمة 32 مليار دولار، وذلك ضمن استراتيجية بعيدة المدى تستهدف توطين %50 من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030م، وبحسب ما أعلنه محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، أحمد العوهلي، على هامش إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة، التي أطلقها سمو ولي العهد بهدف الوصول بعدد مصانع المملكة إلى 36 ألف مصنع بحلول عام 2035م، بأن ثمة 315 تصريحًا تأسيسيًا وترخيصًا حتى نهاية سبتمبر 2022م، وهو ما يؤشر بانتعاش كبير للصناعات العسكرية في المملكة ويفتح آفاقًا واسعةً وفرصًا واعدة ومتعددة أمام القطاع الخاص بخاصة وهي صناعة ذات مدخلات إنتاج متنوعة.
ارتفاع معدلات التوطين
وقد ارتفعت بالفعل نسبة توطين الصناعات العسكرية بما تشمله من معدات وخدمات عسكرية، من %2 عام 2016م إلى %4 عام 2017م ومن ثم إلى %8 عام 2020م وبنهاية عام 2021م بلغت نسبة التوطين نحو %11.7، وارتفع كذلك عدد المنشآت العاملة بقطاع الصناعات والخدمات العسكرية من 5 منشآت فقط إلى 187 منشأة تعمل حاليًا، وزاد عدد الشـركات المحليـة والعالميـة الحاصلـة علـى تراخيـص الهيئـة العامـة للصناعـات العســكرية بنهايــة النصــف الأول مــن عــام 2021م ليصل إلــى 99 شــركة، منها %85 شـركات محليـة و%6 شـركات أجنبيـة والـ%9 المتبقيـة شــركات مختلطــة، ومنحــت غالبيــة التراخيــص للشــركات العاملــة فــي مجــال التصنيــع العســكري بنســبة %60 وفي مجـــال الخدمـــات العســـكرية بنسبة %24 وفي مجـــال توريـــد المنتجـــات العســـكرية بنســـبة %16، ما يدل في مجمله على أن المملكة حققت قفزة نوعيه في أقل من خمس سنوات مضت، ويؤشر بأن القطاع الخاص في المملكة على موعد مع الصناعات العسكرية بكامل مكوّناتها.
بيئة جاذبة للمستثمرين
وأمام المستهدفات التي تضعها المملكة للقطاع وحزمة الإجراءات والتحسينات التي اتخذتها سواء في آليات المشتريات أو غيرها من التراخيص والتأشيرات، يمكن القول إن المملكة أصبحت بيئة جاذبة وخصبة للمستثمرين الدوليين بتملك ما نسبته %100 من استثماراتهم محليًا، وأمامهم فرصة ثمينة للاستفادة من القوة الاقتصادية للمملكة بوجودها في صلب سلاسل الإمداد الدولية لا سيما عبر موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يصل ما بين ثلاث قارات، مما يجعل منها وجهة استثمارية واعدة.