أتمتة اللحوم كرييتڤ

أتمتة اللحوم!

%25 من الشركات الأوروبية سيتم أتمتة عملياتها بالكامل نهاية 2024م و%30 زيادة في إنتاجية مصانع اللحوم بسبب الذكاء الاصطناعي.

فرص استثمارية واعدة في قطاع اللحوم بالمملكة وتوقعات بأن تبلغ قيمته 1.5 مليار دولار.

يبدو أن آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تتوقف عند حدٍ معين، فكل يوم تكتسب الروبوتات أرضًا جديدةً، ويتم الاعتماد عليها في أداء مهام عالية الدقة، كنا نظن بأنه لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشري فيها، فليس من المستغرب أن نرى الآلة الإلكترونية تقوم بكل شيء في المستقبل خاصة في القطاعات الأكثر توظيفًا للعمالة حول العالم، ومنها صناعة اللحوم.

استثمارات ضخمة

ففي الولايات المتحدة، توسعت أتمتة صناعة اللحوم بشكلٍ كبير خلال الفترة الماضية، إذ يتم الاعتماد على الروبوتات في رعاية الحيوانات في المزارع، وتقطيع اللحوم والدواجن في المصانع، ونجحت في الانتقال من الإنسان إلى الآلة بصورةٍ ملحوظة، في أكثر القطاعات التي تشهد معدلات دوران للعمالة.

وقامت شركة “كارجيل” بولاية مينيسوتا، وهي من كبرى شركات تصنيع اللحوم في الولايات المتحدة، باستثمار 300 مليون دولار في إدخال الأتمتة في منشآتها، مع خطط لاستثمار 400 مليون دولار إضافية في الأتمتة والتحليلات التنبؤية والذكاء الاصطناعي كجزء من مصنعها للصناعات الغذائية، كما أطلقت “مبادرة المستقبل” العام الماضي، بهدف توسيع استثماراتها في الأتمتة، لتحسين خدمة العملاء وجعل مصانعها أكثر كفاءة.

وفي السياق نفسه، أعلنت شركة “تايسون فودز” الأمريكية لتصنيع اللحوم، عن استثمار أكثر من 1.3 مليار دولار في إضافة المزيد من الأتمتة إلى مصانعها على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وذكر “مارتي لين”، مدير التطوير التكنولوجي بالشركة، أن شركات تصنيع اللحوم الكبرى تستثمر في أتمتة عمليات التعبئة والتغليف والشحن، لأن هذه التقنيات منخفضة التكلفة والمخاطر، وتناسب الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ترغب في استخدام هذه التكنولوجيات المبتكرة.

وحصل معهد جورجيا التقني وجامعات أمريكية على منحة بقيمة 5 ملايين دولار لزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في معالجة لحوم الدجاج لتقليل الهدر في نزع العظام واكتشاف مسببات الأمراض.

وأوضح أحد خبراء البحوث الزراعية بوزارة الزراعة الأمريكية، “سوبياه إن جيف بور”، أن خطوط تجهيز الدواجن بدأت منذ 70 إلى 80 عامًا، ومنذ ذلك الحين، لم تكن هناك سوى تغييرات تدريجية في التكنولوجيا، واليوم ثمة حاجة إلى تغيير جذري، فيمكن للإنسان أن يشعر عندما يضرب السكين العظم، لكن في المقابل، فإن الأتمتة الحالية في معالجة الدواجن، مثل أجهزة نزع العظام، تهدر الكثير من اللحوم”، مضيفًا: “يترك عمال إزالة العظام حوالي %13 من اللحوم على العظام، وتترك أجهزة إزالة العظام الآلية ما بين %16 إلى %17، وهذه خسارة كبيرة في القيمة، وسوف نستخدم الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لتحسين الدقة وتقليل الهدر.

وأضاف الخبير الأمريكي أن الأتمتة يمكن أن تعالج مشكلة نقص العمالة، وفي البداية قد يساعد الأشخاص الذين يعملون عن بُعد في تعزيز المعالجة الآلية، حيث يقوم العمال بتسجيل الدخول من المنزل باستخدام نظارات الواقع الافتراضي وقفازات اللمس للتحكم في الروبوتات الموجودة على بُعد أميال، وأثناء العمل عن بُعد، ستقوم القوى العاملة بتعليم الذكاء الاصطناعي كيفية تقطيع الدجاج بأحجام وأشكال مختلفة.

اعتماد متزايد على الروبوتات

وفي كندا التي بلغت قيمة صادراتها من لحوم البقر عام 2022م نحو 4.7 مليار دولار، اتخذت الشركات المصنعة للحوم خطوات متقدمة نحو الاعتماد على الروبوتات، خاصة في مجال نقل الحيوانات المذبوحة إلى أماكن التقطيع والتغليف، لكن الأمر لا يخلو من تحديات، كشف عنها كبير مسؤولي المعلومات والتكنولوجيا في شركة “مابل ليف فودز”، “أندرياس ليريس”، بقوله إن “تكرار العين البشرية واللمس هما أبرز التحديات حتى الآن، حيث لا يستطيع الجزارون الآليون إجراء عمليات تقطيع دقيقة، ويمكنهم أيضًا أن يواجهوا صعوبة في تحديد الفرق بدقة بين الجلد والدهون والعظام واللحوم في منشآت الدجاج والديك الرومي”.

وثمة اتفاق عام بأن قطاع تجهيز وتصدير اللحوم يمكن أن يستفيد من التكنولوجيا المُحسنة للتغلب على نقص العمالة، وتحسين سلامة الأغذية، والبقاء قادرًا على المنافسة أمام البدائل الأخرى مثل البروتينات النباتية.

 

التوسع في التقنيات

وباعتبارها أول شركة في صناعة اللحوم والأغذية في أستونيا، أعنلت شركة “نيو ميت فاكتوري”، بالتعاون مع معهد علوم الكمبيوتر في جامعة تارتو، عن إجراء اختبارات حلول الذكاء الاصطناعي والروبوتات الجديدة التي ستساعد على تحسين الإنتاج وتحسين مراقبة جودة المنتجات.

وبشأن الرغبة في اختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي، ذكر الرئيس التنفيذي للشركة، “راغنار لوفا”، أنه فيما يخص صناعة الأغذية، فإن رقمنة الإنتاج أمر لا مفر منه إذا أردنا التوسع في الأسواق الخارجية، وتحسين التكاليف وجعل الإنتاج أكثر كفاءة.

ووفقًا لأستاذ الذكاء الاصطناعي في معهد علوم الكمبيوتر، “أردي تامبو”، فإن تقنيات التعلم الآلي ناضجة بما يكفي لاستخدامها في صناعة اللحوم لمراقبة العمليات واكتشاف الأخطاء، وأضاف: “أعتقد أنه بفضل النماذج مفتوحة المصدر، ستصبح حلول التعلم الآلي متاحة قريبًا مثل مواقع الويب، إنها مجرد مسألة تعديل طفيف للأدوات الموجودة بناءً على حالات الاستخدام وتعبئتها بشكل صحيح للمستخدم”.

وفي النرويج، تعتزم شركة “فولور”، وهي شركة ناشئة متخصصة في برمجيات الذكاء الاصطناعي، قيادة نهجًا تحويليًا لصناعة اللحوم في البلاد، من خلال استغلال قدرة البيانات والتكنولوجيا على تحسين عملية صنع القرار وتحسين عمليات التقطيع والفرز، مع توفير مكاسب بيئية في الوقت نفسه لصناعة تمثل %14.5 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.

وذكر الرئيس التنفيذي للشركة، “روبرت إكريم”، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على حل مشكلات صناعة اللحوم في العالم، مشيرًا إلى أنه يتم فقد %24 من اللحوم الحيوانية في الوقت الحاضر من خلال سلاسل التوريد بأكملها، وأن الجمع بين المعرفة التقنية والصناعية العميقة، يمكن أن يحقق أقصى استفادة من الحيوانات في صناعة ذات هوامش ربح منخفضة.

وتواجه مرافق تجهيز اللحوم في أستراليا عديدًا من التحديات بسبب البيئات القاسية داخل مرافق التخزين الباردة، والتي تشكل مخاطر على العمال، وصعوبات في الحصول على العمالة الماهرة، علاوةً على المشكلات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية، لكن شركة “ديمتاك” وفرت حلول تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يتم استخدامها في عديد من مصانع اللحوم، من خلال تقديم روبوتات تعمل بتقنيات عالية على مدار الساعة في بيئات التخزين الباردة.

تحسين الإنتاجية

وفي نيوزيلاندا، وبعد ما يقرب من عقدين من بدء العمل عليه، تم تركيب نظام آلي جديد لتقطيع لحوم الضأن في مصنع “فينيغاند” التابع لمزارع “سيلفر فيرن”، حيث يتم الاعتماد على تقنيات الأشعة المتقدمة والتصوير ثنائي وثلاثي الأبعاد، لمساعدة الروبوتات في عملية التقطيع وتحديد أماكن العظام واللحوم بشكل دقيق.

ويقول مدير المصنع “برونوين كيرنز”، إن الروبوتات تحل محل 7 أشخاص تم نشرهم في أماكن أخرى بالمصنع، لافتًا إلى أن الدوافع وراء إدخال هذه التكنولوجيا هي تحسين الصحة والسلامة ودقة التقطيع لتحسين إنتاج اللحوم، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الإيرادات، مضيفًا أن: “إدخال التكنولوجيا يضمن اتساق المنتج والإنتاجية، كما أن دقتها ستعزز التحرك لإنتاج مزيد من المنتجات ذات القيمة المضافة، فقد عملت في الصناعة لمدة 40 عامًا، ولم أكن أتخيل أبدًا أن تقوم الروبوتات بهذه المهام”.

نمو متزايد في المملكة

وفي السنوات الأخيرة كانت عمليات الأتمتة المُحسنة في دائرة الضوء، حيث كان الهدف الرئيسي هو تحسين الإنتاجية، وخفض تكاليف العمالة وهدر الطعام، إذ يعتمد تصنيع اللحوم بشكل كبير على العمالة، حيث يمثل العمال ما بين 10 إلى %15 من تكاليف الشركات، وأن %25 من الشركات الأوروبية تسعى إلى الأتمتة الكاملة بحلول نهاية 2024م، مقارنةً مع %10 فقط عام 2019م، فقد شهدت المصانع التي تم أتمتة عملياتها بالكامل زيادة في الإنتاج بنسبة %30، مع عدد موظفين أقل بنفس النسبة تقريبًا.

ويمكن لسوق اللحوم المتنامية في المملكة الاستفادة من هذه التقنيات المبتكرة، فثمة تقديرات تشير إلى تحقيق سوق اللحوم الحمراء معدل نمو سنوي مركب قدره %2.2 خلال الفترة (2024م – 2029م)، من 1.3 مليار دولار عام 2024م إلى 1.5 مليار دولار بحلول عام 2029م، وبالتالي توفر هذه التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي فرصًا استثمارية واعدة.

وأوضح الخبير في مجموعة بوسطن الاستشارية، “ديكر ووكر”، أن عملية الأتمتة لا تعني فقط “دعونا نضع روبوتًا هناك ونحله محل الإنسان”، فهناك حقيقة عملية للغاية وهي أن التكنولوجيا ليست موجودة فقط لأتمتة العديد من هذه الخطوات، وأن الهدف النهائي لا يتمثل في استبدال العمال بالكامل في مصانع معالجة اللحوم والدواجن، ولكن بدلاً من ذلك إيجاد طرق لزيادة أو تحسين تجربة العمال والإنتاجية، حيث يمكن للعنصر البشري أن يراقب قيام الأذرع الإلكترونية والروبوتات بمهام عملها.

ويمكن القول بأنه لا يمكن مقارنة استخدام الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في صناعة اللحوم، بالتقدم الذي حققه قطاع السيارات والإلكترونيات، لكن هذه الصناعة يمكنها الاستفادة من هذا التقدم، خاصةً فيما يتعلق بتحقيق إنتاجية وأرباح أكبر، ويمكن للمستثمرين في هذه الصناعة الحيوية، أتمتة بعض الوظائف المتكررة، حيث أن الروبوتات أسرع من العمل باليد، ولا تحتاج إلى فترات راحة، فضلاً عن الاستعانة بها في عمليات القص والتغليف والتعبئة، كما أن هناك روبوتات منخفضة التكلفة خاصة فيما يتعلق الأمر بمسألة الصيانة، وهذه ميزة إضافية يمكن استغلالها.