تضاعفت وظائف الطاقة المتجددة بالفترة (2012م إلى 2022م) لتسجل 13.7 مليون وظيفة عام 2022م مقارنة بـ 7.3 مليون عام 2012م.
لم تعد فرص العمل المتاحة في سوق العمل حاليًا، مجرد فرص تقليدية، وانما بدأت أنواع كثيرة من الوظائف تفرض نفسها على الساحة.
الوظائف الخضراء، هي العمل في الأنشطة الصناعية أو التجارية أو الإدارية أو الخدمية التي تسهم بشكل كبير في حفظ أو استعادة الجودة البيئية، وتعد من أهم التطورات الحديثة بسوق العمل، لاسيما في ظل التحديات البيئية المتنامية والمساعي الدولية نحو تحقيق التنمية المستدامة؛ إذ تعترف غالبية حكومات العالم اليوم بأهمية الوظائف الخضراء، وتنفذ السياسات الداعمة لنموها، وتقدم الحوافز الضريبية والإعانات للشركات العاملة في القطاع الأخضر، وتشجع الاستثمار وتخلق فرص العمل، وتنشأ اللوائح وتعمل على تعزيز الممارسات المستدامة وخلق بيئة مواتية لتنمية الوظائف الخضراء.
وتهدف هذه الوظائف إلى تحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة وتعزيز الاستدامة في جميع جوانب الحياة، وتتضمن مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة المخلفات، والزراعة العضوية، والتكنولوجيا البيئية، والنقل المستدام، وغيرها الكثير، كما تسهم هذه النوعية من الوظائف في تقليل التأثير البيئي السلبي، وتعزيز استخدام الموارد بشكل أكثر فاعلية، وتعزيز الأسهم الاجتماعية والنمو الاقتصادي، من خلال فهم أوسع لمفهوم الوظائف الخضراء.
تضاعف وظائف الطاقة المتجددة
وكانت قد تضاعفت وظائف الطاقة المتجددة وحدها بالفترة من (2012م إلى 2022م) لتسجل 13.7 مليون وظيفة عام 2022م مقارنة بـ 7.3 مليون عام 2012م، ويتركز نحو ثلثي وظائف الطاقة المتجددة في آسيا، حيث تستحوذ الصين وحدها على %41 من الإجمالي العالمي للوظائف، كما تستحوذ وظائف الطاقة الشمسية على أعلى نسبة من وظائف الطاقة المتجددة بإجمالي 4.9 مليون وظيفة بالعالم.
وعادة ما يوجه أنصار صناعة الطاقة المتجددة الانتباه إلى إمكانية خلق فرص العمل في هذه الصناعة، على سبيل المثال ذكرت وكالـــة طاقة الرياح الأمريكية أن صناعة طاقة الرياح في الولايات المتحدة وفرت نحو 88 ألف فرصة عمل في بداية عام 2016م أي بزيادة قدرها %20 في سنة واحدة، كما أعلنت مؤسسة الطاقة الشمسية أن هناك أكثر من 240 ألف عامل في صناعة الطاقة الشمسية خلال عام 2018م، حيث زادت القوى العاملة بالطاقة الشمسية بنسبة %159 منذ عام 2010م، مضيفة ما يقرب من 150 ألف وظيفة في أمريكا وعلى النقيض من ذلك وفرت صناعة استخراج الفحم نحو 74 ألف وظيفة.
وبشكل عام، تشير توقعات منظمة العمل الدولية إلى أن التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر سيجلب معه كثيرًا من فرص النمو، فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يكون معدل توليد فرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة أعلى بحوالي %11، وتقول المنظمة: “إن الزيادة في فرص العمل ستكون مدفوعة بارتفاع الطلب على العمالة في قطاعات الطاقة المتجددة مقارنة بالوقود الأحفوري، فضلاً عن التوظيف في سلسلة القيمة الأوسع نطاقًا”، ويشير تحليل المنظمة إلى أنه بالإضافة إلى العمالة المباشرة في الصناعات الخضراء، سيتم استحداث أكثر من مليونيّ وظيفة في تصنيع الآلات اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية وتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
سوق الوظائف الخضراء
وبذلك لم تعد فرص العمل المتاحة في سوق العمل حاليًا، مجرد فرص تقليدية، وانما بدأت أنواع كثيرة من الوظائف تفرض نفسها على الساحة، وخاصة الوظائف المرتبطة بالتطور التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، والمشروعات الخضراء.
ويمكن النظر إلى سوق الوظائف الخضراء على أنه من الأركان الرئيسة في مهمة العالم الحالية نحو تحول الطاقة، الذي لا يمكن النظر إليه من زاوية تكنولوجية فحسب، بل من منظور شامل متكامل يؤمّن مسار هذا التحول، باستجابة أسواق العمل سريعًا لهذا التحول، وعلى الرغم من هذا التوسع، لا يزال عدم التكافؤ هو المسيطر، وهو ما يتطلب جهودًا حثيثة في مجال تطوير التعليم والمهارات بما يتناسب مع احتياجات هذه السوق الواعدة.
وتشمل الوظائف الخضراء مجموعة واسعة من المهن عبر مختلف القطاعات التي تعطي الأولوية للاستدامة والمسؤولية البيئية، ويمكن العثور على هذه الوظائف في الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وإدارة النفايات، والزراعة المستدامة، والبناء الخضراء، والعديد من المجالات الأخرى، وتلعب الوظائف الخضراء دورًا حيويًا في تخفيف تغير المناخ وتقليل بصمتنا البيئية، من خلال الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة واعتماد ممارسات مستدامة، تساعد هذه الوظائف في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية التنوع البيولوجي.
ولا تسهم الوظائف الخضراء فقط في الاستدامة البيئية ولكن أيضًا توفر فوائد اقتصادية كبيرة، وهي تحفز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الابتكار في التقنيات النظيفة، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية فإن الانتقال إلى اقتصاد أكثر خضرة يمكن أن يولد 24 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030م.
الوظائف القابلة للتخضير
وفي إطار سعي المملكة للمضي بثبات في تنفيذ برامجها الاستراتيجية ذات الشأن البيئي وتعاونها المستمر مع شركائها لتحقيق الأهداف التنموية، حرصت على أن تقوم بإنتاج واستهلاك النفط ضمن أُسس ومعايير الاستدامة بالتماشي مع اتفاقيات المناخ من جانب وضامنة لاستمرار توفير مصادر الطاقة والاستفادة من الموارد الطبيعية في إطار مفهوم التنمية المستدامة.
والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر إنما يعني أيضًا التحول في التوظيف إذ يسهم في توليد عدد من الوظائف التي تتناسب خصائصها مع خصائص الاقتصاد الأخضر، وأن تحديد مدى إمكانية تخضير الوظائف في المملكة إنما يتطلب دراسة للقطاعات الخضراء كالطاقة المتجددة والزراعة العضوية وتدوير النفايات وغيرهم الكثير من الوظائف القابلة للتخضير كالوظائف الإدارية والسياحة والبناء والتشييد وغيرهم، وذلك من خلال استعراض المبادرات القائمة والإمكانات المستقبلية للتحول الجديد.
وتأتي الوظائف الخضراء كبرامج لإدارة الموارد البشرية الخضراء، تطبقها المؤسسات (كتقنيات وعمليات) لتقليل الآثار السلبية للبيئة والمجتمع، ودعم الجوانب الإيجابية، إذ إن الهدف والغاية هو استدامة الأداء البيئي والاجتماعي، بالإضافة إلى الأداء الاقتصادي، وفي السياق العالمي اليوم يعمل عديد من المؤسسات على تطبيق ذلك، وللعيش في ظل أنظمة بيئية سليمة نحتاج إلى تعديلات في أنماط حياتنا، لذلك نجد أن الأفكار الهادفة لخلق إنجاز اقتصادي واجتماعي وبيئي متميز تعتمد بشكل أساسي على عنصر رأس المال البشري، من خلال التوعية المستمرة والتي تسعى إليها المؤسسات التي تهتم بالوظائف الخضراء.
زيادة الوعي بأهمية القضايا البيئية
ولقد حظي مجال البحث عن وظائف خضراء لإدارة الموارد البشرية، على الاهتمام في السنوات الأخيرة، فالوظائف الخضراء تدفع بالعاملين إلى إنجاز أكبر من المتوقّع؛ حيث تُعرَّف بأنها وظائف موجهة نحو التخضير، تساعد في استدامة البيئة، وخلق منصة من الخبرات للقوى العاملة عالية الرضا الوظيفي، مما سيؤدي إلى إنتاجية عالية، لذا فإن إتاحة الوظائف الخضراء لها علاقة إيجابية بالأداء البيئي والاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى أنها تؤثر على رضا الموظفين إيجابيًّا، ومن ثمّ تحسين أداء المؤسسات.
ونظرًا لزيادة الوعي بأهمية القضايا البيئية بين منظمات الأعمال، فقد تبنت ما يسمى الوظائف الصديقة للبيئة، والتي تنطوي على الاستقطاب الأخضر والتعويض الأخضر والتدريب الأخضر، وقد اتجهت هذه المؤسسات إلى دمجها مع رؤيتها جنبًا إلى جنب مع وظائف إدارة الموارد البشرية الأخرى التي ستسهم بشكل كبير في تحقيق عديد من العوائد، وأهمها زيادة الكفاءة والإنتاجية، وخفض تكاليف الإنتاج، ورفع مستوى الأداء المستدام لـمؤسسات الأعمال.
وأخيرًا فإن الاستدامة على المدى الطويل تحتاج إلى ترسيخ الثقافة الخضراء، بإيجاد إنسان يتبنى البيئة آخذًا في الاعتبار أن الوظائف الخضراء تعمل على خلق قوة عاملة خضراء يمكنها فهم وتقدير هذه الثقافة، ويمكن للمبادرات الخضراء أن تحافظ على أهدافها الخضراء في جميع مراحل عملية إدارة الموارد البشرية المتمثلة في توظيف وتدريب وتعويض وتطوير ودفع عجلة رأس المال البشري للمؤسسة.
وتجدر الإشارة إلى وجود مجموعة من محفزات الثقافة الخضراء، وهي تطوير المواهب من أجل معرفة ممارسات “التخضير” وتصميم الوظائف الخضراء، واتباع النماذج الخضراء من قِبل الإدارة العليا وتقنيات مشاركة المعلومات والاستقطاب والإبقاء الأخضر على الموظفين، كل تلك العوامل تضمن إحداث التغييرات المطلوبة في السلوك الأخضر المأمول لدى الموظفين، ومن ثمّ المؤسسة، وبالتالي تنعكس إيجابيًّا على التحول الأخضر في البلاد بأكملها.