رأي

من أين سيأتي النمو الاقتصادي العالمي؟

بعد نهاية عام 2024م المليء بالانتخابات العديدة في الكثير من دول العالم وعلى رأسها الانتخابات الأمريكية، يشهد الاقتصادي العالمي في عام 2025م إعادة تشكيل واسعة بفعل تغير التوجهات السياسية.

السمات البارزة في المشهد الاقتصادي الدولي الجديد يشهد الكثير من التوترات التجارية المتزايدة وتقلبات العملات العالمية، فالحروب الحمائية وسلاح التعرفة تشهد ارتفاعًا ملحوظًا مع وصول الإدارة الأمريكية إلى البيت الأبيض.

تعمل السياسات الحمائية وسلاسل التوريد والإمداد المتغيرة والتقدم التكنولوجي على تغيير المشهد الاقتصادي العالمي، وفي حين تخلق هذه التحديات حالة من عدم اليقين، فإنها تقدم أيضًا فرصًا جديدة.

السؤال الأهم هو (من أين سياتي النمو الاقتصادي العالمي في ظل الحروب التجارية وحروب العملات وشبه نهاية الاعتماد على التجارة الدولية كوسيلة للنمو الاقتصادي؟)، الاحتمال الأقرب هو أن من المرجح أن يأتي النمو من مزيج من الروافد الاقتصادية الجديدة على رأسها الابتكار المرتبط بالوسائل التكنولوجية، والاستثمار في البنى التحتية الجديدة، وإعادة تنظيم التجارة الثنائية أو الاستراتيجية متعددة الأطراف.

يعمل الذكاء الصناعي على إحداث ثورة في الصناعات خصوصًا الصناعات الاستهلاكية، ومن المتوقع أن يحدث الذكاء الصناعي طفرة إنتاجية مقبلة فيتم استخدام الذكاء الصناعي من أجل دفع الكفاءة التشغيلية والتصنيعية في سلاسل القيمة الصناعية، وبالتالي خلق فرص اقتصادية جديدة.

وتقوم الشركات في جميع أنحاء العالم بدمج الذكاء الصناعي في التصنيع مع الخدمات اللوجستية من أجل زيادة الإنتاجية وانخفاض التكاليف التشغيلية.

كما يعمل الذكاء الصناعي في مجال التصنيع على إعادة توجيه التصنيع من الكم إلى الكيف على حسب متطلبات المستهلك، ومن المحتمل أن تلجأ الأسواق الناشئة، التي اعتمدت تاريخيًا على العمالة منخفضة التكلفة للنمو، إلى استخدام الذكاء الصناعي لتجاوز التصنيع التقليدي، فعلى سبيل المثال، تساعد الأتمتة المدعومة بالذكاء الصناعي دولاً مثل: الهند والبرازيل على تعزيز الإنتاجية دون استثمارات ضخمة في البنية التحتية المكلفة ماديًا و وقتيًا، بالإضافة إلى ذلك، يلعب الذكاء الصناعي دورًا حاسمًا في الخدمات المالية والرعاية الصحية وتحسين سلسلة الإمداد، وهو ما يسهم بشكل أكبر في التوسع الاقتصادي.

أحد أهم سمات المشهد السياسي العالمي هو الخطاب الشعبي والتوجه القومي، وهو ما يعطي مؤشرات صريحة على إعادة التصنيع إلى الداخل ونقل الصناعات إلى أقاليم ومناطق مجاورة، وبالتالي إعادة تنظيم وهندسة سلاسل الإمداد، ومن المتوقع أن تعمل الشركات الكبرى إقليميًا على تنويع مراكز الإنتاج لتقليل الاعتماد على الأقاليم البعيدة لوجستيا، مما يؤدي إلى طفرة في التصنيع والاستثمار في الاقتصادات المحلية.

ويفيد هذا التحول اتفاقيات التجارة الإقليمية، مثل: اتفاقية الولايات المتحدة، والمكسيك، وكندا، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في آسيا، والسوق المشترك لأمريكا الجنوبية، والتجارة الحرة لمنطقة الآسيان، ويعمل هذا التنوع الإقليمي على تعزيز المرونة الاقتصادية، ودفع النمو الاقتصادي المحلي والإقليمي.

وفي خضم حالة عدم اليقين الاقتصادي، تتجه عديد من الحكومات إلى الاستثمار في البنية التحتية كأداة تحفيز، فمشاريع البنى التحتية من شأنها تعزيز الطلب المحلي وخلق فرص العمل، و هي أداة جيدة لتطوير المجتمعات الاقتصادية باستخدام الأدوات المالية للدول، هذه الاستثمارات في البنى التحتية عند تنفيذها على نطاقات واسعة لا تخلق فرص عمل فورية فحسب، بل تضع أيضًا الأساس للنمو الاقتصادي الطويل الأجل من خلال تحسين الخدمات اللوجستية وكفاءة الطاقة و التصنيع و رفع مستوى الخدمات عمليا ة تقنيا بالوسائل التقنية الحديثة.

وقد أدت التوترات التجارية إلى تغذية موجة جديدة من تخفيض قيمة العملات، حيث تسعى البلدان إلى جعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة، ويمكن أن تكون هذه الاستراتيجية مفيدة في الأمد القريب، مما يجعل السلع أرخص في الأسواق العالمية ويعزز الاقتصادات القائمة على التصدير و يخفض نسب التضخم، و لكن حروب العملات و تخفيض قيمة العملات يحمل مخاطر أيضًا حيث يؤدي إضعاف العملة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، مما يؤدي إلى تأجيج التضخم وتقليص القدرة الشرائية للمستهلكين، بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ذلك إلى إجهاد العلاقات الدولية؛ حيث ترد الدول بخفض قيمة عملاتها، مما يؤدي إلى حروب عملة محتملة لا تنتهي بنمو اقتصادي بل انكماش اقتصادي واسع.