20 صناعة تعتمد بشكل أساسي على أخشاب النخيل التي توصف بـ “الكنوز المخفية المستدامة”.
المملكة لديها طاقة لإنتاج 37 مليون لوح خشبي من سعف النخيل يصل وزنها إلى 1.1 مليون طن.
96 مليار دولار قيمة سوق إعادة تدوير سعف النخيل في العالم بمعدل نمو سنوي %6.4.
ندرك يومًا بعد الآخر، أن بعض الأشياء التي كنا نظن أنها تمثل عبئًا كبيرًا، هي في حقيقة الأمر كنوز مخفية، يمكن استغلالها وتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، ومن أبزر هذه الأشياء سعف النخيل، الذي تسعى كافة الدول العربية وخاصة المملكة لإعادة تدويره، بدلاً من حرقه، وتحقيق أقصى استفاده منه، خاصةً أنه يدخل في صناعات عديدة، بالنظر إلى أن عالمنا العربي يمتلك حصة لا تقل عن حوالي %93 من إجمالي أشجار النخيل في العالم.
فرص استثمارية واعدة
في واحدة من الخطوات الرائدة، لتحويل هذه المخلفات إلى قيم اقتصادية هائلة، تتعاون الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير “سرك”، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، مع جامعة فيصل بالأحساء، على تنفيذ مبادرة لتحويل جريد وسعف النخيل إلى ألواح خشبية عالية الجودة.
يأتي ذلك في إطار المساعي الرامية إلى الاستغلال الأمثل للكميات الكبيرة من مخلفات النخيل، وفي الوقت نفسه، دعم قطاع الصناعة وخاصة الأثاث المنزلي، فضلًا عن خفض تكلفة استيراد الأخشاب من الخارج وخلق فرص العمل، وخفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن حرق هذه المخالفات.
ولا تقل حصة المملكة عن %25 من إجمالي أشجار النخيل في العالم (حوالي 37 مليون شجرة)، وأن استغلال سعف النخيل، يحقق فوائد اقتصادية واستثمارية هائلة، لاسيما أن الخشب الناتج عنه يتسم بالمقاومة العالية للتآكل والصلابة والمرونة، كما أنه أقل تكلفة من الخشب الطبيعي، وأن الخشب المشتق من سعف النخيل له تطبيقات واسعة النطاق، مثل صناعة الأثاث المنزلي والمكتبي والأجهزة المنزلية ومواد البناء.
ولدى شركة “سرك” المتخصصة في قطاع إعادة التدوير، عديد من الشراكات، لتطوير مشاريع جديدة في هذا القطاع، بالتعاون مع شركات محلية وعالمية لتوسيع المشاريع الصديقة للبيئة، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030م ودعم أهداف مُبادرة “السعودية الخضراء”.
ويمكن القول إن مبادرة “سرك” ليست هي الوحيدة في المملكة، إذ أعلن المركز الوطني للنخيل والتمور، مؤخرًا عن مشروعٍ جديدٍ للاستفادة من خامات النخيل في الأحساء، لإنتاج حوالي 8 آلاف طن من الألواح الخشبية سنويًا، والتي تتميز بمميزات فريدة من نوعها، أهمها مقاومتها للرطوبة وطاردة للآفات، كما رعى المركز، أيضًا، توقيع اتفاقية لإنشاء مصنع للخشب المعالج في المدينة الصناعية بالخرج، للاستفادة من حوالي 2000 طن من مخلفات النخيل سنويًا.
وأشار الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للنخيل والتمور، الدكتور “محمد النويران” إلى أهمية الاستفادة من خامات النخيل، كأحد الموارد الطبيعية المتجددة، واصفًا إياها بـ “الفرص الاستثمارية الواعدة والمستدامة”، والتي تحقق القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، فضلاً عن دعم الجهود المتواصلة التي تبذلها المملكة على المستوى الإقليمي والعالمي في مجال حماية المناخ والحفاظ على البيئة.
وفي منطقة القصيم، نجح “مقبل الخلف”، في تنفيذ فكرته بإنشاء مصنع لتدوير مخلفات النخيل، وتحويلها إلى منتجات اقتصادية مبتكرة، مثل خل الخشب، وألواح الخشب، والفحم الحيوي، بتكلفة بلغت 7 ملايين ريال، مشيدًا بالدعم الذي تلقاه من مسرعة أعمال وزارة الصناعة والثروة المعدنية.
من جانبه، أوضح صاحب مشروع “تدوير سعف النخيل” في الأحساء، “سعيد الجبران” أن عملية تحويل جريد النخيل إلى منتجات خشبية مصنعة مثل أخشاب “إم دي إف”، تعد بسيطة، ويتم تنفيذها من خلال إضافة كميات قليلة من المواد الكيمائية، واستخدام ماكينات ضغط مخصصة لذلك.

الكنوز المخفية
وتعد صناعة البناء من بين أكبر المساهمين في الاحتباس الحراري العالمي، وواحدة من أصعب القطاعات في إزالة الكربون، وتمثل عمليات البناء وتصنيع ونقل المواد حوالي %11 من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، وفقًا لمجلس البناء الأخضر العالمي، لذا تسعى العديد من الدول العربية إلى تقليل هذه الانبعاثات وإعادة تدوير مخلفات النخيل، بشكل يسهم في تشجيع الصناعات المحلية.
ففي مصر، تم الإعلان عن إنشاء أول مصنع متخصص لتصنيع ألواح الخشب المضغوط من مخلفات النخيل، بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 100 ألف متر مكعب سنويًا، بالتعاون مع إحدى الشركات الألمانية المتخصصة في هذا النوع من الأخشاب.
وفي الإمارات العربية المتحدة، تم إنشاء أول شركة لإنتاج الخشب الرقائقي “بي إس بي” المُستخدم في الأثاث والأرضيات والجدران، باستخدام مخلفات النخيل، وأشار مدير شركة “ديزرت بورد” ومقرها أبو ظبي، “كمال فرح” إلى أهمية تحويل النفايات الطبيعية إلى منتجات ذات قيمة، لافتًا إلى أن هذا النوع من الأخشاب يتميز بأنه قابل لإعادة التدوير، ومقاوم للحرائق، والرطوبة، والحشرات.
وتوصف مخلفات النخيل بـ” الكنوز المخفية المستدامة” التي من شأن استغلالها تحقيق فرص اقتصادية واعدة، بالنظر إلى اعتماد ما لا يقل عن 20 صناعة، بشكل رئيس على أخشاب “إم إف دي” و”الحبيبي”، الذي يمكن تصنيعه من سعف النخيل، فشجرة النخيل الواحدة تنتج سنويًا ما بين 30-25 جريدة، ويتراوح وزن الجريدة الواحدة ما بين 1 – 1.5 كيلو جرام، أي أن كل شجرة تنتج 30 كيلو جرامًا في المتوسط سنويًا، بما يعادل لوح خشبي واحد لكل شجرة نخيل، وبالتالي فإن المملكة لديها طاقة تكفي لإنتاج ما يصل إلى 37 مليون لوح خشبي من هذه المخلفات سنويًا، يصل وزنها إلى 1.1 مليون طن، وقد تصل قيمة سوق إعادة تدوير سعف النخيل في العالم إلى حوالي 96 مليار دولار بنهاية عام 2025م، بمعدل نمو سنوي مركب في حدود %6.4.
عائد استثماري
وثمة تقديرات تشير إلى أن قيمة سوق المنتجات الخشبية في العالم، بلغت 805 مليارات دولار عام 2024م، مقارنةً مع 788 مليار دولار عام 2023م، ومن المتوقع أن تحقق معدل نمو سنوي مركب في حدود %7.8 لتصل إلى 1.2 تريليون دولار بحلول عام 2028م، وبمعدل نمو يصل إلى %6.7 اعتبارًا من عام 2028م، لتصل قيمته إلى 1.6 تريليون دولار في عام 2033م.
ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الأثاث في المملكة إلى 9.3 مليار دولار العام الجاري، و11.8 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة %4.8؛ حيث تشهد السوق حاليًا مرحلة نمو مستمرة، مدفوعة بمجموعة من العوامل، أهمها التوسع في قطاع العقارات، وارتفاع الطلب في قطاعات عديدة، منها الفنادق والمكاتب التجارية والصناعات ذات الصلة.
وذكر الخبير الدولي في مجال البناء والتشييد، “جيسون روس” أن المشاريع الضخمة في المملكة تدفع إلى نمو هائل متوقع في سوق الأخشاب، مشيرًا إلى أن سوق المنتجات الخشبية من المتوقع أن تصل إلى أكثر من 4.1 مليار دولار بحلول عام 2029م، لافتًا إلى أنها أسرع الأسواق نموًا في الشرق الأوسط، كما أنها برزت كأكبر “قوة خضراء” في المنطقة، تعتمد على مواد صديقة للبيئة في المباني، اتساقًا مع رؤية 2030م.
وتوفر التطورات الجارية في المملكة والتنمية العمرانية الشاملة، فضلاً عن الطلب المتزايد على الأخشاب بيئة مواتية للتوسع في مشروعات إعادة تدوير مخلفات النخيل، واستغلال الإمكانات الهائلة لدى المملكة من هذه الأشجار، بما يدعم صناعة الأخشاب المحلية، والمنتظر أن يلعب قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة دورًا في هذا المجال، بخاصة أن عائد الاستثمار في هذا النوع المبتكر من مشروعات إعادة التدوير يصل إلى %40.