توقعات بنمو قوي لسوق السيارات الطائرة العالمي خلال العقد المقبل بقيمة 4.9 مليار دولار بحلول 2033م.
سوق السيارات الطائرة تقدم فرص كبيرة للابتكار والاستثمار خاصةً مع تطوير البنية التحتية والإجراءات التنظيمية.
العالم بحاجة إلى صناعة طيران خضراء و”حلم امتلاك سيارة طائرة على وشك الحدوث“.
رغم أن بعض الأدوات التكنولوجية الفائقة، والاختراعات المستقبلية التي نشاهدها في أفلام الخيال العلمي، مثل ألواح التحليق والسيارات الطائرة، لم تتحقق تمامًا في الحياة اليومية، إلا أنها أشعلت الخيال ومهدت الطريق للابتكارات الحقيقية التي قد تشكل المستقبل القريب، حيث لن يكون من المستغرب أن نسمع عن ازدحامات مرورية، لكن هذه المرة لن تكون في الطرق والشوارع التقليدية، لكنها في السماء!

القيادة المزدوجة
خطفت شركة “إكس بينج إيرو إتش دي” الصينية، الأنظار وأحدثت ضجة كبيرة، في معرض “سي إي إس 2025م”، في لاس فيجاس بالولايات المتحدة الأمريكية، عندما كشفت عن حاملة طائرات أرضية تعرف باسم “السفينة الأم”، وهي عبارة عن مركبة بست عجلات، تحمل طائرة مروحية في صندوقها الخلفي، وتستطيع الإقلاع والهبوط بشكل عمودي ومستقل يطلق عليها اسم “إي في تول”.
وأوضحت الشركة، أنها تلقت 2000 طلب شراء لسياراتها الطائرة في المعرض، فضلًا عن 3000 طلب مُسبق في الصين، لافتةً إلى أن %80 من العملاء من رواد الأعمال والرؤساء التنفيذيين والمشاهير وعشاق الطيران، مشيرةً إلى أنها بصدد إنشاء وحدة متكاملة لتصنيع السيارات الطائرة، بطاقة 10 آلاف سيارة سنويًا، بأسعار تبدأ من 300 ألف دولار.
كما كشف فريق بحثي في جامعة “ساوث إيست” الصينية، النقاب عن أول سيارة برية وجوية متكاملة، تجمع بين القدرة على الحركة الأرضية، بالإضافة إلى قدرات الحركة للمركبات الجوية، وذكر قائد المشروع وأستاذ الهندسة الميكانيكية بالجامعة، “يين جودونج”، أن “هذه هي أول سيارة طائرة صينية تعتمد على تقنية الدفع الكهربائي المُوزع، باستخدام سيارة كحاملة أساسية لها، بدلاً من الاعتماد على تقنية الطائرات بدون طيار، مما يتيح انتقالات سلسة بين القيادة على الأرض والطيران في الهواء”.
ويصل وزن الإقلاع للسيارة الطائرة المبتكرة إلى 500 كيلوجرام، وتتمتع بقدرة طيران لا تقل عن 20 دقيقة، وتصل إلى أقصى ارتفاع طيران يزيد على 300 مترًا، وفي الوضع الأرضي، يمكنها تحقيق سرعة قصوى تبلغ 60 كيلومترًا في الساعة، كما تعتمد حاليًا على بطارية طاقة عالية السعة، حيث يعمل فريق البحث على تمديد مدة الطيران إلى أكثر من ساعتين في سيارات الجيل الثاني.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة “شيري” الصينية لتصنيع السيارات، أن طرازها من السيارات الطائرة، الذي يحمل اسم “لاند آند أير”، قد قطع مسافة اختبارية ناجحة تبلغ 80 كيلو مترًا، مشيرةً إلى أن سيارتها الطائرة ذات الأجنحة الهجينة ثلاثية الهياكل لا تحتوي على عجلة قيادة ولا دواسة وقود وتتكون من ثلاثة أجزاء: الطائرة، مقصورة القيادة الذكية، والهيكل الذكي، ويمكنها التبديل بين وضعي الطيران المستقل والقيادة الأرضية المستقلة المصممة للتنقل لمسافات قصيرة في المناطق الحضرية للحد من مشكلات الازدحام المروري، لافتة إلى أن السيارة مصممة لحمل شخصين، ويبلغ ارتفاع طيرانها أقل من 1000 متر، ويمكن أن تصل سرعتها القصوى إلى 120 كيلو مترًا في الساعة، ومدة الرحلة حوالي 40 دقيقة.

تسلا تُشعل السباق
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تتسابق الشركات للاستثمار في مجال السيارات الطائرة، خاصةً بعد إعلان “إيلون ماسك” صاحب موقع التواصل الشهير “إكس”، عن تطويره سيارة “تسلا رود ستار” القادرة على الطيران، إذ أعلنت شركة “يونيتد إيرلاينز”، عن استثمارات بقيمة 10 ملايين دولار في شركة “آرتشر أفييشن”، ومقرها ولاية كاليفورنيا، لتصنيع أول سيارة أجرة طائرة، كما استثمرت شركة طيران “دلتا” 60 مليون دولار في شركة “جوبي” لنفس الغرض.
ومن جانبها، أعلنت شركة “آرتشر للطيران” الأمريكية، العام الماضي، عن توقيع صفقة لبيع 166 سيارة كهربائية طائرة من طراز “ميد نايت”، إلى شركة “فيوتشر فلايت جلوبال”، المتخصصة في تشغيل طائرات رجال الأعمال، بقيمة 580 مليون دولار، مشيرةً إلى أن الصفقة ترفع إجمالي مبيعات الشركة إلى 6 مليارات دولار، وتخطط الشركتان لإطلاق خدمات سيارات الأجرة الجوية في جنوب شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، لافتةً إلى أن “ميد نايت”، قادرة على حمل أربعة ركاب وطيارًا وأمتعة يدوية، وهي مخصصة لرحلات تتراوح من 20 إلى 50 ميلًا، مع 10 دقائق من وقت شحن البطارية بين الرحلات، كما يمكنها السفر بسرعة تصل إلى 150 ميلًا في الساعة، وتصنف كسيارة طائرة منخفضة الارتفاع.
وقال مدير الطيران في شركة “كاسل سالبيتر آند كو”، المتخصصة في الخدمات المصرفية والاستثمارية، “جوزيف سميث”، هناك شعور مُطلق بأن الوقت قد حان كي تتسابق العديد من الشركات ذات التمويل الجيد لبناء سيارة يمكنها التحليق في السماء في وقتٍ مبكر من العام المقبل.
ورغم إنه لم تمنح إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية الموافقة بعد للأفراد للتحليق في السماء، ولكنها بصدد دراسة الضوابط واللوائح المنظمة لها، ودمجها مع أنماط الطيران الحالية، حيث من المتوقع أن تتم معظم الرحلات الجوية على ارتفاع يتراوح بين 2000 و3000 قدم فوق مستوى سطح الأرض، وكانت في العام الماضي، وضعت بعض القواعد للسيارات الطائرة، منها ضرورة استخدام مطارات الطائرات الهليكوبتر القائمة، بالإضافة إلى وجود طيار بشري، لكنها لم تحدد ممرات مرور خاصة في السماء لهذه المركبات حتى الآن.
ويبدو أن الأسعار المرتفعة والشكوك المستمرة حول جدوى التنقل السريع في المدن الأمريكية، لم تمنع التفكير في المستقبل، خاصةً أن اعتماد السيارات الطائرة، يمكن أن يغير السفر إلى الأبد، حيث قال أستاذ هندسة الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون، “راج راجكومار”، سوف يقلل ذلك من الازدحام من خلال إزالة بعض حركة المرور على الطريق وإنشاء قطاع طيران جديد، مع وظائف جديدة، حيث يمكن لهذه السيارات أن تقلل بشكل كبير من وقت القيادة بين الوجهات التي تخدمها عادةً الرحلات التجارية القصيرة، لذا بدلاً من ركوب رحلة مكوكية من واشنطن إلى نيويورك، يمكنك الطيران هناك بسيارتك الخاصة في جزء بسيط من الوقت الذي كانت تستغرقه القيادة.
وأضاف بقوله، لكن هذه مجرد البداية، فمع تزايد سرعة هذه المركبات وبأسعار معقولة، فإنها تحمل وعدًا بالتنافس مع الطيران التجاري.. تخيل أنك تطير بسيارتك العائلية من ضواحي مدينة الساحل الشرقي إلى فلوريدا لقضاء إجازتك القادمة في وقت أقل من الوقت الذي تستغرقه للذهاب إلى المطار، والعبور عبر الأمن، وانتظار مغادرتك، والطيران، والهبوط، وجمع أمتعتك، واستئجار سيارة أرضية!
وأوروبياً، تعمل “إيرباص” عملاق صناعة الطائرات، على تطوير سيارتها الطائرة الخاصة، حيث تسعى إلى استخدام هذا النوع المبتكر والمتطور من السيارات، لنقل العملاء حول المدن وإلى المطارات المركزية لتجاوز الطرق السريعة المزدحمة.

نمو متزايد
وثمة توقعات بأن تحقق سوق السيارات الطائرة العالمي نموًا كبيرًا على مدار العقد المقبل، بمعدل نمو سنوي مركب في حدود %45 خلال الفترة (2025م- 2033م)، بقيمة سوقية تصل إلى 4.9 مليار دولار، ارتفاعًا من 120 مليون دولار عام 2023م، وتوقعات بأن تبلغ 215 مليون دولار عام 2025م، مشيرةً إلى مجموعة من العوامل الدافعة لنمو السوق، أهمها التوسع الحضري المتزايد والحاجة لمعالجة مشكلات الازدحام المروري، وتبني حلول التنقل الجوي، فضلًا عن الاستثمارات المتزايدة في تقنيات الطيران والقيادة الذاتية، التي تسهم في تسريع الابتكار في هذا القطاع، علاوةً على زيادة الطلب على خدمات سيارات الأجرة الجوية.
ففي حين أن التكاليف الأولية المرتفعة وتحديات البنية التحتية قد تُحد من تنامي القطاع، إلا أنه من المتوقع أن يرتفع الطلب، خاصةً مع التطبيق الفعلي للتكنولوجيات المحسنة التي تجعل السيارات الطائرة أكثر سهولة في الوصول إلى جمهور أوسع.
ومن المتوقع أن تهيمن الصين على سوق السيارات الكهربائية العمودية (يمكنها الإقلاع والهبوط عموديًا)، بنسبة تصل إلى %50، متجاوزة كلَّا من الولايات المتحدة (%18) وألمانيا (%8) بحلول عام 2040م.

طيران أخضر
وتقدم سوق السيارات الطائرة فرصًا كبيرة للابتكار والاستثمار، بالنظر إلى أن الشركات الرائدة في مجالات تطوير أنظمة الدفع الكهربائية والمستقلة في وضع جيد للاستفادة من هذه الصناعة الناشئة، خاصةً مع تطوير البنية التحتية والإجراءات التنظيمية، بما في ذلك شبكات الشحن والموانئ العمودية، التي من شأنها أن توفر فرصًا إضافية للشركات التي تتطلع إلى دعم النظام البيئي التشغيلي لهذه السيارات.
وذكر الخبير المتخصص في وسائل النقل الذكي، “أدوين أوه”، أن السيارات الطائرة ذاتية القيادة، مثل “بلاك بيرد” من شركة “كيلكو تيك” النمساوية، توفر حلولاً لاثنتين من أهم المشكلات التي تواجه عالم النقل الحديث، وهما التلوث والازدحام، حيث تعمل جميع السيارات بالكهرباء، مما يقلل الانبعاثات الضارة التي تعيق جودة الهواء في المناطق الحضرية، مشيرًا إلى أن العالم بحاجة إلى صناعة طيران خضراء باستخدام الطاقة الكهربائية بدلًا من الوقود، وفي هذه الحالة، لن يعد السفر الجوي مدمرًا للكوكب، لافتًا إلى أنه مع الرحلات التجريبية التي تجريها العديد من الشركات في الوقت الحالي، فإن “حلم امتلاك سيارة طائرة (أجرة أو شخصية) على وشك الحدوث”.
ومن جانبه، أعرب خبير صناعة السيارات، والرئيس التنفيذي السابق لرابطة تجار السيارات في ولاية كولورادو الأمريكية، “تيم جاكسون”، عن تفاؤله بمستقبل صناعة السيارات الطائرة، مشيرًا إلى أن خدمات سيارات الأجرة الطائرة يمكن أن تُحدث ثورة في شبكات النقل الحالية، وتوفر طرقًا فعالة بين المراكز الحضرية والمطارات، لكنه اعترف أيضًا بالعراقيل وحالة عدم اليقين، التي قد تعرقل الاستخدام واسع النطاق من قبل المستهلكين، وأبرزها الأطر التنظيمية ومعايير السلامة وجاهزية البنية التحتية.