تستخدم منتجات “تيراكسي” في متنزه “وادي قديد” الوطني ومشروع حديقة الملك سلمان.
منتج “كاربو سويل” بمثابة ثورة في الزراعة المحلية، حيث يرفع كفاءة التربة ويحافظ على الموارد الطبيعية.
المملكة تزرع الحياة في قلب صحاريها بخطوات طموحة مدعومة بالاستثمار في التقنيات الخضراء.
توفر البنية التحتية الخضراء قيمة اقتصادية وبيئية واجتماعية أكبر من الصحاري، وتجذب النمو الاقتصادي والاستثمار، كما ويزيد تخضير الأراضي قيمة الأراضي والممتلكات ويحسن التوظيف والإنتاجية والسياحة، فضلاً عن الحد من آثار تغير المناخ والتلوث وتحسين مستويات الصحة العامة.
ويبدو أن المملكة على موعدٍ مع حدثٍ مهم، قد يجعل من حلم “تخضير الصحراء” حقيقة على الأرض، حيث لن تعود مناطق قاحلة، بل ستتحول إلى أراضٍ خصبة، ومناظر طبيعية خلابة تزدهر فيها النباتات والأشجار في المستقبل القريب، وذلك بفضل التقدم التكنولوجي وإفساح المجال أمام الشركات الناشئة لتبتكر منتجات متطورة تقودها بدورها “ثورة زراعية” مرتقبة.
فبعد سنوات من الدراسة والبحث، أسس الكيمائي البرازيلي المولد “أدير جالو جونيور”، شركة “تيراكسي” الناشئة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، بالتعاون مع أستاذه الهندي “هيمانشو ميشرا” والتي طورت تقنيات زراعية واعدة، أبرزها ” كاربو سويال وساند إكس”، والتي تساعد التربة الصحراوية على الاحتفاظ بالمياه والعناصر المغذية لنمو النباتات، وذلك في إطار مبادرة “السعودية الخضراء”، الهادفة إلى تخضير المناطق الصحراوية في كافة أنحاء المملكة وزراعة 10 مليارات شجرة.

ثورة زراعية وبيئية
وتؤكد الشركة الناشئة، أن التقنيات المبتكرة تعمل على تعزيز كفاءة الري وخصوبة التربة على المدى الطويل، مما يعزز قدرة النباتات على البقاء والنمو في ظل ظروف شديدة الحرارة والجفاف، بما يتسق مع أهداف رؤية المملكة 2030م، مشيرةً إلى أن تقنية “ساند إكس” تعالج مشكلة فقدان المياه، بينما تحل تقنية “كاربو سويال”، مشكلة التربة الرملية الفقيرة بالعناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات، لافتةً إلى أن هذه التقنيات تقلل من فقدان تبخر المياه بنسبة تصل إلى %80، كما تعزز نمو النباتات بنسبة تصل إلى %70.
وأضافت “تيراكسي”، أنه يتم استخلاص “كاربو سويل” من النفايات العضوية، الذي يغذي التربة، فضلاً عن تخزين الكربون في التربة لآلاف السنين مما يخفف من تغير المناخ، مشيرةً إلى أنه تم استخدام هذه التقنيات لزراعة أكثر من 40 ألف شجرة في جميع أنحاء المملكة.
مساعي شركة “تيراكسي”، لاستغلال النفايات العضوية وتخضير الصحراء والتقاط الكربون، تساهم في حل مشكلة التخلص من هذه النفايات التي تصل إلى حوالي 9 ملايين طن سنويًا في المملكة، حيث إن طمرها يؤدي إلى انبعاثات في الهواء إما على شكل ثاني أكسيد الكربون أو الميثان، وكلاهما من غازات الدفيئة، وهذه مشكلة ضخمة تواجهها البشرية اليوم، وهو ما يجعل المملكة في صدارة دول العالم لحل هذه المشكلة، وتحويل هذه النفايات إلى مورد ثمين، وفقًا لمختصين.
وعلى عكس تقنيات “احتجاز الكربون” الأخرى، فإن “كاربو سويل” فريد من نوعه، لأنه لا يعتمد على استخدام مصدر خارجي للطاقة؛ إذ توفر الكتلة الحيوية نفسها الطاقة المتجددة الخضراء لتشغيل عملية التحويل، وفي حين أن استخدام الأسمدة هو نهج شائع لتسخير إدارة النفايات العضوية لتعزيز خصوبة التربة، فإن الأسمدة لا تستمر في التربة إلا لبضعة أشهر إلى عام حتى تتحلل المادة العضوية إلى ثاني أكسيد الكربون بواسطة الكائنات الحية الدقيقة، وبعد ذلك ينتهي تأثيره تمامًا، وعلى النقيض من ذلك، يخزن “كاربو سويل” الكربون لآلاف السنين، دون الحاجة إلى إعادة التطبيق، مما يوفر حلًا أكثر استدامة وفعالية لتحسين صحة التربة ومعالجة تغير المناخ.

حلول زراعية مستدامة
وتعاونت (كاوست) مؤخرًا مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، لتنفيذ مشروع بحثي لزراعة الأشجار في متنزه “وادي قديد” الوطني، يغطي مساحة 1.3 هكتار، باستخدام تقنيات شركة “تيراكسي”، فضلًا عن مشروع حديقة الملك سلمان.
من جانبها، أكدت مديرة شركة “تراكسي”، “بتول البار”، أن منتج “كاربو سويل”، يوفر حلولًا مستدامة للقطاع الزراعي في المملكة، حيث يرفع كفاءة التربة ويحافظ على الموارد الطبيعية لفترة طويلة، معتبرةً أنه بمثابة “ثورة في الزراعة المحلية”، مشددةً على أنه يعد الخيار المثالي للمزارعين، خاصةً أنه يمتاز بقدرته على الاحتفاظ بالماء والأسمدة لفترة طويلة.
وقال خبير العلوم والهندسة البيئية في (كاوست)، “هيمانشو ميشرا”، إن تقنية “كاربو سويل”، قادرة على تحويل الرمال إلى تربة، حيث يعد مثل “الأسفنج” للاحتفاظ بالعناصر الغذائية والمياه، مع قدرته على تعزيز التنوع البيولوجي الميكروبي، الذي تحتاجه النباتات حتى تزدهر.
وفي السياق نفسه، ذكر مستشار برنامج المناخ العالمي وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، الدكتور “مجدي علام” أن تقنية “كاربو سويل”، تقدم مزايا زراعية وفوائد بيئية واعدة، فهي تقلل الحاجة إلى الأسمدة التقليدية، وبالتالي تسهم في تحقيق الاستدامة البيئية، وتحويل النفايات العضوية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مشيرًا إلى أن عملية التحلل الحراري هي عنصر حاسم في عملية التصنيع، مما يضمن تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة، مضيفًا أن هذه العملية لا تحافظ على خصوبة التربة فحسب، بل تسهم أيضًا في تقليل الحاجة إلى الأسمدة.
المملكة تزرع صحاريها
ويبدو أن المملكة تزرع الحياة في قلب صحاريها، من خلال نهج مزدوج وخطوات طموحة، مدعومًا بالاستثمار في التقنيات الخضراء وتنفيذ حلول مبتكرة على أرض الواقع، في إطار مساعيها لاستعادة 40 هكتار من الأراضي الصحراوية وزراعة مليارات الأشجار، فإن الاستثمار بشكل كبير خاصةً في قطاعات الغذاء والزراعة وابتكارات استخدام الأراضي، يشكل أمرًا بالغ الأهمية لمعالجة ندرة المياه وتعزيز التنمية المستدامة في المملكة.
وأعرب الخبير الهندي في العلوم البيئية، “هيمنشو فيرما” عن اعتقاده بأن تحقيق الهدف الطموح “السعودية الخضراء”، يعتمد بشكلٍ كبير على إدارة المياه والتربة بكفاءة، مؤكدًا أن المملكة تطور حلولاً تقنية واعدة، لتحويل رمال الصحراء إلى أراضٍ خصبة، وأن مفتاح هذا النجاح يكمن في الأسمدة المخصبة بالكربون، والمصنعة من موارد محلية وفيرة مثل مخلفات الدواجن والمصادر العضوية، مشيرًا إلى أنها لا تحتفظ بالعناصر الغذائية الأساسية والرطوبة فحسب، بل إنها تعزز أيضًا التنوع البيولوجي الميكروبي، مما يساعد في تحويل التربة الجافة القاحلة إلى مناظر طبيعية خضراء مزدهرة.

ومن جانبها، أشادت مديرة قسم النظم البيئية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، “سوزان جاردنر”، بجهود المملكة لحماية الأراضي واستعادتها، مؤكدةً أنها تحقق نتائج إيجابية للتنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائد متعددة تتعلق بتحقيق الأمن المائي والغذائي، والتخفيف من آثار المناخ والتكيف معه، مشيرةً إلى أن مبادرة “السعودية الخضراء”، تعكس الإمكانات الهائلة لرأس المال الثقافي والحكمة التقليدية في إدارة البيئة الطبيعية، لاسيما وأن هذه الخطوات، والتي تستند إلى التقاليد والمصممة خصيصًا للسياق المحلي، مهمة للغاية في منطقة تواجه ضغوطًا متعددة تؤدي إلى تدهور الأراضي والتصحر.
ومن المؤكد أن هذه التقنيات المبتكرة، التي لديها القدرة على تحويل التربة القاحلة إلى مناظر طبيعية خضراء، تتيح فرصًا استثمارية واعدة للشركات العاملة في القطاع الزراعي، ليس فقط لاستخدامها في الزراعة المحلية، لكن أيضًا لتحضير وتصدير هذه التربة إلى الخارج، جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا الداعمة لها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يوسع نطاق مبادرات المملكة الخضراء.
مصدر عالمي مبتكر
وثمة دراسات دولية تشير إلى أن المملكة لديها ما يكفي من المواد الخام والمخلفات العضوية التي تعتمد عليها تقنية ” كاربو سويل”، فعلى سبيل المثال، لدى المملكة أكثر من 22 مليون شجرة من النخيل، و26 ألف طن من مخلفات الدواجن سنويًا، وبالتالي فإن تحويل هذه النفايات من المكبات إلى مرافق صناعة الأسمدة غير التقليدية، يفيد – بلا شك- اقتصاد المملكة بإجمالي وفورات صافية تبلغ حوالي 71 مليون دولار سنويًا، وقد استطاعت هذه التقنيات بالفعل تحويل المزارع التجريبية إلى مناظر طبيعية خضراء، وبالتالي قد تصبح المملكة في طليعة دول العالم ومصدرًا عالميًا لهذه المنتجات المبتكرة والتكنولوجيا المستخدمة في إنتاجها.
وأنه مع استمرار الجهود لنشر تقنيات الزراعة الصحراوية المبتكرة، ستتوسع المشاريع التجريبية إلى مزارع تجارية واسعة النطاق، وستتوفر مجموعة متنوعة من المحاصيل، بما يسهم في دعم الخطط الرامية لتحقيق الأمن الغذائي في المملكة، فالصحراء الأكثر خضرة قد تكون حلمًا في الوقت الحالي، ولكن بالوتيرة الحالية للتقدم في مجال التكنولوجيا الزراعية، فمن المرجح أن يحدث ذلك في وقت أقرب مما نتوقع.
وتبذل المملكة جهودًا كبيرة في الحفاظ على الطبيعة وحماية البيئة، إذ تساعد الاستثمارات الكبيرة في الزراعة والبنية التحتية في خلق ظروف مواتية لنمو الغطاء النباتي في الصحاري، بالإضافة إلى ذلك، فإن إدخال تقنيات الري الحديثة والأسمدة والمغذيات الزراعية المبتكرة يجعل من الممكن توفير المياه للنباتات وتعزيز نموها، وهو ما كان مستحيلاً في السابق.