دراسة بريطانية: زيادة الوقت المرتبط بالعمل بعد الساعات المًحددة تؤثر سلبًا على رضا الموظفين.
74 مليار دولار خسائر الولايات المتحدة من الازدحام المروري عام 2024م ونيويورك على رأس القائمة.
“قطار الرياض” خطوة مهمة لحل مشكلة الازدحام المروري و”عصر جديد من وسائل النقل الحضري”.
إن قضاء وقت طويل أثناء الذهاب إلى العمل يسبب بلا شك استياءً من الوظيفة نفسها، خاصةً في حالات ساعات العمل الطويلة، ففي المتوسط، يقضي واحد من كل سبعة أشخاص ساعتين أو أكثر يوميًا في السفر من وإلى العمل، ويعني ذلك أن الموظفين يصلون وهم يشعرون بالتعب وسيحتاجون بالفعل إلى استراحة عند وصولهم قبل بدء عملهم.
وعلى النقيض، تؤدي السيولة المرورية وقضاء وقت أقل في الذهاب إلى العمل إلى زيادة معدلات الإنتاجية والإنجاز، والشعور بالإقدام وعدم التعرض للمشكلات الصحية والنفسية الناجمة عن صعوبة الوصول إلى أماكن العمل.
القلق وعدم الإنجاز
وكشفت دراسة أجريت في المملكة المتحدة، أن متوسط مدة التنقل بالسيارة كل يوم هو 52 دقيقة، وهذا يعني أن ساعة تقريبًا من يوم العمل قد مضت دون أي نتيجة مثمرة ولا تزال مرتبطة ذهنيًا بالعمل، مشيرةً إلى أنه كلما زاد الوقت المرتبط بالعمل بعد الساعات المحددة، كلما كان التأثير على رضا الموظفين أسوأ، وأضافت الدراسة أنه مع زيادة وقت التنقل تأتي أيضًا بعض الزيادات المقلقة في مشكلات صحة الموظفين، وعليه فإن الموظفين الذين يقطعون مسافات أطول في التنقل لديهم خطر متزايد بنسبة %33 للإصابة بالاكتئاب، مقارنةً بنظرائهم الذين يقطعون مسافات أقصر في التنقل، ويمكن أن يكون للضغط الناتج عن المغادرة إلى العمل والوصول في الوقت المحدد دون مواجهة أي مشكلات، تأثير كبير على شعور الموظفين تجاه وظائفهم وأنفسهم.
وأوضحت أن هناك أيضًا زيادة بنسبة %12 عندما يتعلق الأمر بتجربة الإجهاد المرتبط بالعمل، وأن القلق من قضاء الكثير من الوقت في الوصول إلى العمل ثم الاضطرار إلى إكمال يوم عمل كامل قبل ذلك المجهود الشاق الطويل للعودة إلى المنزل، يمكن أن يتسبب ذلك في الشعور بالقلق وعدم الإنجاز.
في المقابل، سيكون الموظفون أقل إنتاجية إذا كانوا يعانون من هذه الأنواع من المشكلات الصحية، وسوف يزداد الأمر سوءًا إذا لم يتم معالجة هذه المشكلات، علاوةً على معاناة %37 من الموظفين الذين أفادوا بأنهم يقطعون مسافة طويلة للتنقل أيضًا من صعوبات مالية ناجمة عن ذلك، حيث زيادة تكاليف تشغيل السيارات واستهلاك الوقود عند السفر لمسافات أطول أو بسبب تعطل حركة المرور.
ضعف كفاءة وجودة العمل
ومن أوروبا إلى إفريقيا، التي تعاني معظم دولها من الازدحام المروري، خاصةً في غرب القارة السمراء، ففي نيجيريا، تؤثر هذه المشكلة على العمال بعدة طرق، وبشكلٍ خاص على الإنتاجية، حيث أجريت دراسة حديثة، شملت استبيانًا على 60 موظفًا وعاملًا ورئيس قسم في شركة الطاقة القابضة، وأظهرت وجود علاقة سلبية بين الوقت الذي يقضيه العاملون في الاختناقات المرورية وكفاءة وجودة العمل، ومن ثم الرضا الوظيفي بين العمال.
وفي بنجلاديش، توصلت دراسة، أجريت على عينة من 63 موظفًا وعاملًا في مختلف الشركات في دكا، إلى وجود علاقة مباشرة بين سهولة الوصول إلى العمل والإنتاجية، كما أشارت تقديرات إلى أن الخسارة الإجمالية في الإنتاجية بسبب الازدحام المروري في العاصمة وحدها تكلف الدولة %3.5 من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا.
وفي أستراليا، أجريت أول دراسة من نوعها لاستكشاف العلاقة بين طريقة الذهاب والعودة من العمل وإنتاجية الموظف في 3 مدن رئيسة، ووجدت أن مسافة التنقل مرتبطة بشكل ملحوظ بالغياب عن العمل، فضلاً عن وجود ارتباط إيجابي بين التنقل النشط (أي السفر إلى العمل سيرًا على الأقدام أو ركوب الدراجات أو استخدام وسائل النقل الجماعي)، والأداء الوظيفي لدى الموظفين في منتصف العمر.
وبينت نتائج الدراسة، أن اختيارات وسيلة التنقل ومسافة التنقل تؤثر على الغياب من العمل والأداء الوظيفي من خلال التأثير على رضا التنقل والصحة الشخصية، على الرغم من أن مسافة التنقل تحتفظ بتأثير مباشر على الغياب بعد التحكم في التأثيرات غير المباشرة، كما أشارت على وجه الخصوص إلى أن المسافرين السعداء أكثر إنتاجية، كما أن المسافرين النشطين لمسافات قصيرة هم أكثر احتمالية لأن يكونوا من المسافرين السعداء، وبشكل عام، تؤكد هذه النتائج أن سلوكيات التنقل للموظفين تؤثر على إنتاجيتهم في مكان العمل.
خسائر فادحة
وفي ماليزيا، أجرى باحثون دراسة حول الأسباب التي تقف وراء الإجهاد في بيئة العمل، والتي تؤثر بشكلٍ مباشر على الإنتاجية، علاوةً على تحديد العلاقة بين الازدحام المروري وإنتاجية الموظفين، بالتطبيق على عينة من 133 عاملًا في العاصمة كوالالمبور معرضون للازدحام المروري في مناطق المدينة، وخلصت إلى وجود علاقة مهمة بين الإجهاد في العمل والازدحام المروري.
وتوصلت دراسة أجريت في الفلبين إلى نتائج مماثلة، حيث بينت أن الاختناقات المرورية سيئة السمعة في مانيلا تؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول (وهو مؤشر على التوتر) بين المواطنين، وغالبًا ما يقوم العمال والموظفون بنقل هذا التوتر الذي يتعرضون له يوميًا إلى بيئات عملهم، مما يؤثر على أدائهم وعلاقاتهم مع زملائهم.
وفي الولايات المتحدة، لا يتوقف تأثير الازدحام المروري على ضعف إنتاجية الموظفين، لكنه يتعدى ذلك إلى تكبد خسائر اقتصادية فادحة، حيث أشارت “بطاقة الأداء المروري العالمي 2024م”، الصادرة عن شركة تحليل بيانات المرور “إنركس”، أن السائقين خسروا 43 ساعة (أسبوع عمل كامل)، بزيادة ساعة واحدة مقارنةً بعام 2023م، بسبب الازدحام المروري، مشيرة إلى أن تكلفة الازدحام وصلت إلى أكثر من 4 مليارات ساعة ضائعة، تعادل 74 مليار دولار، وتصدرت نيويورك قائمة المدن الأكثر ازدحامًا، بخسائر قدرت بنحو 9.5 مليار دولار، ثم شيكاغو، لوس أنجلوس، بوسطن، فيلادلفيا، ميامي، هيوستن، أتلانتا، واشنطن، سياتل.
الوقت هو المال
وأكد عديد من المختصين وعلماء النفس، على تأثير السيولة المرورية وسهولة الوصول إلى العمل على نفسية الموظفين، وبالتالي الإنتاجية في مكان العمل والشعور بالإنجاز والسعادة والرضا، لكنهم أشاروا إلى أن المسافة الطويلة إلى مكان العمل، وما إذا كانوا سيستخدمون مركبة خاصة أو وسيلة نقل عام، فضلًا عن التنقل عبر الطرق المزدحمة، كلها عوامل تتسبب في حدوث مشكلات نفسية، مثل التوتر والإحباط والتعب والتهيج وحتى القلق والاكتئاب، مما يؤثر بالسلب على الإنتاجية.
وأضافوا أن التوقف المستمر أثناء التنقل عبر حركة المرور ومراقبة الطرق باستمرار يؤدي إلى الشعور بالإرهاق وسوء الحالة المزاجية للموظفين، مشيرين إلى أن تأثير الازدحام المروري هو نفسه بالنسبة لمستخدمي وسائل النقل والسيارات الخاصة، وهذا يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، خاصة مع انشغال الموظفين بأمور ليس لها علاقة بطبيعة العمل أو كيفية القيام به، بالنظر إلى أن مجرد التواجد في حركة المرور لفترة طويلة يمكن أن يقلل من الوظائف الإدراكية، والوقت المخصص للتخطيط لليوم أو التفكير في الأهداف “أنت منهك عقليًا، وتعاني وظائفك الإدراكية والنتيجة: قد تعاني الإنتاجية في العمل أيضًا بسبب السياق الذي تعمل فيه”.
وفي نفس الإطار، ذكر “ويندل كوكس”، مدير شركة “ديموغرافيا” الأمريكية المتخصصة في تطوير السياسات العامة، أـن المقولة القديمة “الوقت هو المال” تظل صحيحة في كل الأحيان، فالشركة التي تستطيع إنتاج منتجات عالية الجودة في وقت أقل من منافسيها من المرجح أن تكون أكثر ربحية وإنتاجية، مضيفًا أن المناطق الحضرية حيث يقطع الموظفون وقتًا أقل للوصول إلى العمل، تعد أكثر إنتاجية من المناطق التي تكون أوقات السفر فيها أطول.
عصر جديد من النقل
ويمكن القول بأن دراسة العلاقة بين أوقات التنقل والصحة العقلية حظيت باهتمام كبير في العديد من الدول وعلى نطاقٍ واسع، فقد وجدت دراسة أجرتها الجمعية الملكية للصحة العامة في المملكة المتحدة أن الركاب الذين يقضون أقل من 30 دقيقة في السفر إلى العمل، أفادوا بارتفاع مستويات الرضا وانخفاض التعرض للتوتر، وهو ما دفع العديد من المدن الكبرى مثل لندن وطوكيو إلى تطوير أنظمة النقل الفعّالة والمريحة، والتي تتضمن رحلات طويلة خالية نسبيًا من التوتر، مما يزيد من تأثيرها الإيجابي على الصحة والإنتاجية في العمل.
وفي المملكة، أعلنت الهيئة الملكية لمدينة الرياض عن اكتمال تشغيل مسارات شبكة “قطار الرياض” الستة بطول 176 كيلو متر، وبدء تشغيل المسار البرتقالي، الذي يربط شرق العاصمة بغربها، ويمتد من طريق جدة غربًا حتى الطريق الدائري الشرقي الثاني بطول 41 كيلو متر، في خطوة اعتبرها مختصون دوليون، في الاتجاه الصحيح للقضاء على مشكلة الازدحام المروري على الطرق التي تعاني منها العاصمة خلال السنوات الأخيرة، مشيرين إلى أنه بمثابة “عصر جديد من وسائل النقل الحضري”، حيث يعد جزءًا من مبادرة أكبر لتحسين النقل العام في المدينة، خاصةً أنه يتضمن شبكة من خطوط الحافلات المصممة لتكملة نظام القطار وتعزيز البنية التحتية.
ومن المتوقع أن يساهم “قطار الرياض” في تخفيف ازدحام السير في العاصمة بواقع %30، حيث يمكنه استيعاب أكثر من 3 ملايين راكب يوميًا، في إطار الجهود المبذولة لتعزيز حلول النقل المستدامة وتطوير وسائل النقل الذكي.