تقرير سياحة داخلية

السفر الداخلي يواصل الانتعاش

%44 نمو في السياحة الداخلية بزيادة %11 في حصتها في قطاع السياحة عام 2024م.

قطاع السياحة أصبح نقطة جذب للمستثمرين الذين يتطلعون إلى الاستفادة من سوق مليئة بالفرص.

المناظر الطبيعية الخلابة في العلا والجبال الوعرة في الطائف تجتذب المواطنين والمقيمين أكثر من الوجهات الدولية.

 

تكتسب السياحة الداخلية في المملكة مزيدًا من القوة والازدهار، وتشهد انتعاشًا قويًا وملحوظًا، مع الجهود المتواصلة لتطوير قطاع الضيافة والترفيه والأحداث العالمية التي تستضيفها المملكة، بشكل يعزز من اتجاهات النمو المتواصلة للسفر الداخلي خلال السنوات المقبلة، مع توقعات بأن تواصل مساهمتها القوية في الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف، وأن تحتل مكانة بارزة في مشهد السياحة المتنامي.

انتعاش مذهل

حققت السياحة الداخلية في المملكة معدل نمو قويًا بنسبة %44 في عام 2024م، بنسبة مساهمة تزيد على %40، وبزيادة تقدر بنحو %11 في حصتها من قطاع السياحة، مقارنةً بعام 2023م، وفقًا لأحدث تقرير عن اتجاهات السفر لشركة “المسافر”، الذي أكد أن الوجهات السياحية ذات الإقامة منخفضة التكلفة والسفر الجوي، يعدان المحركان الرئيسيان لهذا النمو، لافتًا إلى أن مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والخبر والرياض مازالت تحتفظ بمكانتها كوجهات سفر رئيسية في المملكة، إلا أن هناك بعض المناطق الواعدة التي تكتسب زخمًا بين السياح، وأبرزها أبها والجبيل وحائل وتبوك وجيزان.

وتعكس هذه البيانات مواصلة مشهد السفر الداخلي ازدهاره خلال السنوات الأخيرة، فوفقًا لأحدث إحصاءات وزارة السياحة، لعام 2023م، مقارنةً بعام 2022م، بلغ عدد ليالي السياحة الداخلية 495.3 مليون ليلة، بمعدل نمو %34، وبلغ عدد السائحين حوالي 82 مليون سائح بمعدل نمو %5.4، ومتوسط مدة الإقامة 6.05 ليلة بمعدل نمو %27.4، بإجمالي إنفاق بلغ 114.4 مليار ريال، بمعدل نمو %6.6، وهي بذلك، تتفوق بشكل ملحوظ على السياحة الوافدة، التي سجلت 27.4 مليون سائح، و432.3 مليون ليلة، وإجمالي إنفاق بلغ 141.2 مليار ريال في عام 2023م.

وبحسب تقديرات دولية، فقد استحوذت الرحلات الترفيهية على أعلى عدد من الرحلات السياحية الداخلية في المملكة عام 2023م، بنحو 35 مليون رحلة، أي ما يقرب من %43 من إجمالي الرحلات السياحية المحلية البالغ 81.9 مليون رحلة، وأشارت إلى أن قطاع السياحة في المملكة يشهد تحولاً كبيرًا، مدفوعًا برؤية 2030م؛ حيث اتخذت الحكومة عدة مبادرات لتسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للسياحة، المتمثلة في جذب ملايين الزوار سنويًا، وزيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص العمل في مجال السياحة، ومن المتوقع أن تسهم صناعة السياحة في اقتصاد المملكة بأكثر من 86 مليار دولار بنهاية 2025م.

نمو متواصل

وثمة توقعات بأن تحقق مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو يبلغ إلى %16، لتصل إلى 836 مليار ريال بحلول عام 2034م، مقارنةً مع %11.5 عام 2023م، وفقًا لتقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة، التي أشارت أيضًا إلى أن القطاع سيقوم بتوظيف أكثر من 3.6 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، حيث يعمل واحد من كل خمسة أشخاص في هذا القطاع.

وفي السياق نفسه، تسير المملكة على مسارٍ تاريخي؛ حيث وضعت نفسها بقوة بين وجهات السفر الدولية في سباق السياحة العالمي، وأن صناعة هذا التاريخ الجديد كان في طريقه بالفعل خلال السنوات السابقة، لكن التركيز فقط على الزوار الوافدين لا يوفر الصورة الكاملة في المشهد السياحي المتنامي.

فقد زادت المملكة من سياحتها المحلية منذ عام 2015م، من حيث عدد الزوار، بمعدل نمو سنوي مركب بلغ %7، وسياحتها الوافدة بنسبة %5.4، وهما رقمان يمكن وصفهما بالمذهلين، فلم يشهد السفر المحلي خلال جائحة كوفيد (الفترة من عام 2019م إلى عام 2020م) سوى انخفاض بنسبة %11 على أساس سنوي، ومنذ ذلك الحين، سجل معدل نمو سنوي بلغ في المتوسط %23.5، مما يعكس “نضوج” قطاع السياحة الداخلية، الذي لا يزال جزءًا مهمًا من قصة نمو السياحة في البلاد.

وتوقع تقرير لشركة “ويجو”، المالكة للتطبيق الأشهر في مجال السفر، استمرار نمو السفر الداخلي في المملكة، مدفوعًا بالتزام المملكة بتطوير قطاع السياحة من خلال مبادرات مختلفة، بما في ذلك المشاريع الضخمة والأحداث الدولية وتحسين البنية التحتية.

فرص متنوعة

ويمتاز قطاع السياحة بمزايا تنافسية فريدة، أبرزها الفرص الاستثمارية الواعدة، وقد ذكر وكيل وزارة السياحة لتمكين الوجهات السياحية، المهندس “محمود عبدالهادي”، أن المملكة تبرز بسرعة كواحدة من أكثر الوجهات السياحية ديناميكية وسرعة في النمو على مستوى العالم، مشيرًا إلى أن رؤية المملكة لتحويل صناعة السياحة (الداخلية والدولية) لا تقتصر على زيادة أعداد الزوار فحسب؛ بل إنها تمثل حجر الزاوية لاستراتيجية أوسع تهدف إلى تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل وتعزيز التبادل الثقافي، ومع تطور هذا التحول، أصبح قطاع السياحة نقطة جذب للمستثمرين الذين يتطلعون إلى الاستفادة من سوق مليئة بالفرص وإمكانات النمو.

وأضاف أنه إلى جانب مبادراتها الاستراتيجية ومزاياها الجغرافية، تقدم المملكة فرصًا استثمارية متنوعة عبر قطاع السياحة، فمن مواقعها الثمانية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، إلى التطورات الرائدة والمشاريع العملاقة، توفر السمات الجغرافية الفريدة للمملكة، تجارب لا مثيل لها للسياح وآفاق جذابة للمستثمرين، مشددًا على أن قطاع السياحة في المملكة يقف كبوابة لفرص استثمارية لا مثيل لها، مما يدعو المستثمرين المحليين والدوليين للمشاركة في النمو المستمر ونجاح هذه السوق الديناميكية والمتوسعة باستمرار.

ما يشير إلى أهمية قيام شركة السفر المحلية بالتركيز على الترويج للمعالم السياحية التراثية والثقافية في المملكة، والتي تأتي على قمة العوامل المؤثرة في اختيار وجهات السفر الداخلية.

وكشف تقرير حديث لشركة “نايت فرانك” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للاستشارات، أن %65 من المواطنين يسافرون من مرة إلى 3 مرات شهريًا، لأسباب مثل رحلات العمل القصيرة (%16)، والأغراض الدينية (%16)، والترفيه والمعالم السياحية الموسمية (%12).

وأوضح الخبير المتخصص في السفر والسياحة بمجموعة بوسطن الاستشارية، “هانز كليمنت”، أنه بفضل إطلاق رؤية 2030م، شهدت صناعة الترفيه في المملكة زيادة في فرص الاستثمار، مما أدى إلى خلق مشهد ترفيهي سريع التطور، أسهم في تعزيز السياحة الداخلية بشكلٍ كبير، حيث تظهر منظومة جديدة ومثيرة لوجهات الترفيه، مما يضع المملكة كمركز ترفيهي عالمي للمقيمين والسياح، ويشمل هذا التحول، عديدًا من المبادرات الطموحة، بما في ذلك موسم الرياض؛ ومشروع حديقة الملك سلمان، وهي حديقة حضرية واسعة النطاق مصممة لدمج الفنون والثقافة والترفيه، مع عديد من أماكن الترفيه والفعاليات؛ ومشروع “ذا ريج”، وهو وجهة بحرية تقدم تجارب مثيرة وفريدة من نوعها.

أهم الوجهات السياحية

وأكد نائب رئيس التطوير لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في شركة “كلوب ميد” الفرنسية المتخصصة في تطوير وتشغيل المنتجعات السياحية، “ديفيد فيلي”، إن الخبراء في مجال الضيافة العالمية شهدوا عن كثب جهود المملكة واستثماراتها المستمرة ونجاحها في أن تكون واحدة من أهم الوجهات السياحية العالمية، مشيرًا إلى أن المملكة تركز في الوقت نفسه على زيادة إيراداتها من السياحة الداخلية، من خلال تطوير البنية التحتية ذات المستوى العالمي، وشبكة الطرق السريعة والمتقدمة والمطارات، فضلًا عن المواقع التاريخية والشواطئ الجميلة ومراكز الترفيه الحديثة.

ولفت “فيلي” إلى أن الخدمة الجيدة والتجارب التي لا تُنسى، إلى جانب الضيافة المهنية والدافئة، ضرورية للاحتفاظ بالسياح المحليين والدوليين وتعزيز السمعة الطيبة، متابعًا بقوله: “لقد لاحظنا جهود المملكة واستثماراتها المستمرة للوفاء بالمعايير العالمية ونجاحها في هذا الشأن، ونحن على ثقة من قدرتها على تحقيق، بل وتجاوز، الأهداف الطموحة لرؤية 2030م”.

وأوضح الخبير الدولي، أن استضافة المملكة لمعرض إكسبو 2030م يمثل فرصة مهمة لقطاع الضيافة، مما يدفع النمو والاستثمار، مشيرًا إلى أن المستثمرين سواء من الداخل أو الخارج، ينجذبون إلى الفرص المتاحة في مشاريع تطوير الفنادق والمنتجعات، نظرًا لإمكانات القطاع في تحقيق عوائد كبيرة على الاستثمار”، لافتًا إلى أن صناعة الضيافة المزدهرة تعمل على تعزيز جاذبية المملكة بشكل عام كوجهة استثمارية، وتعزيز الثقة بين المستثمرين الأجانب والمساهمة في جهود النمو الاقتصادي والتنويع في البلاد.

وكانت المملكة أعلنت عن نيتها لإطلاق 315 غرفة فندقية جديدة بحلول عام 2030م، ليصل العدد الإجمالي إلى 450 ألف غرفة، مع خطط لاستثمار أكثر من 500 مليار دولار لتطوير وجهات جديدة، فضلاً عن المبادرات المتنوعة واستضافة الأحداث العالمية، وذلك في صناعة الترفيه متسارعة النمو، حيث تدعم هذه التطورات المساعي المتواصلة لتعزيز السياحة الداخلية، جنبًا إلى جنب مع السياحة الدولية.

وقد أكتسب السفر الداخلي شعبية متزايدة خلال السنوات الأخيرة، حيث اختار المواطنون استكشاف المناظر الطبيعية الخلابة في العلا، أو الجبال الوعرة في الطائف بدلاً من الوجهات الدولية، كما توفر المدن الجنوبية، على وجه الخصوص، ملاذًا منعشًا من الحرارة، لكن جاذبية التجارب الأصيلة الغامرة هي التي أسرتهم حقًا، حيث تتيح لهم الانغماس في ثقافتهم وطعامهم وتقاليدهم العريقة والجمال الطبيعي لبلدهم، مع تحسن إمكانية الوصول وخيارات السفر بأسعار معقولة بشكل متزايد، حيث أصبحت الوجهات التي تم تجاهلها في السابق أماكن يوصى بزيارتها اليوم، مما يغذي طفرة السياحة الداخلية التي لا تظهر أي علامات على التباطؤ.