رأي

العامل الديموغرافي وخطط الأعمال

في حالة النمو الديمغرافي لدينا ننعم باتساع قاعدة الشباب واليافعين بشكل كبير، الأمر الذي يجعل تخطيطنا الاقتصادي والمالي يأخذ منحى إيجابيًا ومختلفًا عن المجتمعات أو الدول التي تعاني انحسارًا في قاعدة الشباب، واتساعًا في شرائح الأكبر سنًا، والتي يجعلها بذلك تشعر بقلق نحو المستقبل وتحاول جاهدة تعويض هذا النقص عبر مبادرات وحوافز أكثر للعائلات للمحافظة على توازن المجتمع خاصة فيما يتعلق بالقوى العاملة المنتجة التي تحرك الاقتصاد، وبما يتعلق أيضًا ببرامج التقاعد والرعاية الصحية التي يثقل كاهلها هذا الوضع الديموغرافي.

وحسب توقعات وإحصاءات الأمم المتحدة – وكل شيء بإذن الله – فقد ارتفع عدد سكان العالم بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنةً بما كان عليه في منتصف القرن العشرين؛ إذ بلغ 8 مليارات نسمة في منتصف نوفمبر 2022م، بعد ما كان يقدر بنحو 2.5 مليار شخص في عام 1950م، وازداد بمليار فرد منذ عام 2010م، وبمليارين منذ عام 1998م، ومن المتوقع أن يواصل على هذا المنوال ليرتفع بنحو ملياري فرد خلال السنوات الثلاثين المقبلة، ليصل إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050م.

هذه التوقعات تُبنى على معطيات حالية ودراسة تاريخية للبيانات، وهي قد تحدث وقد لا تحدث، والمتأمل في دول تتمتع بقاعدة كبيرة من الشباب يرى اليوم انحسارًا واضحًا في معدلات الإنجاب، فمثلاً لدينا في المملكة تراجع معدل الخصوبة إلى 2.7 وفقًا  لنشرة إحصاءات التقديرات السكانية لعام 2024م، وكان معدل الخصوبة للسعوديين في عام 2011م يبلغ 3.8، واستمر في الانخفاض التدريجي خلال السنوات العشر الماضية، وأحسب أن هناك مجتمعات كثيرة مثلنا وهو أمر متوقع نتيجة أنماط الحياة الحديثة وزيادة ما يسمى الفردانية أو الذاتية التي تركز على الاهتمام بالوجود الفردي والحرية والمسؤولية الشخصية، أي بعبارة أخرى يركز الفرد على نفسه أكثر مما يود التركيز على عائلة صغيرة ينشئها.

لا نعرف يقينًا كيف سيسير مؤشر الخصوبة في المستقبل القريب والبعيد، ولكن هذه العوامل تؤثر تدريجيًا في الأعمال والمنتجات والسلع، ولعل المتأمل بدقة يجد أن كثيرًا من أنواع التجارة والخدمات المرتبطة بالأمومة والأطفال أصبح نموها ضعيفًا، فمثلاً في الماضي القريب عندما يؤسس سوق تجاري مغلق يكون لأقسام الأطفال جزء كبير وملحوظ هو اليوم أقل حضورًا في المشاريع الجديدة، بل حتى أقسام الترفيه تتغير من الألعاب الحركية التقليدية إلى أقسام الألعاب الإلكترونية والرقمية.

وفي العقارات بات الطلب يزداد على الوحدات الأصغر وينحسر على الوحدات الكبيرة شيئًا فشيئًا، وأتوقع أن يطال ذلك السيارات العائلية الكبيرة، وعلى ذلك “قس”، لكن كل هذا لا يؤثر كثيرًا على الاقتصاد ككل في المدى المنظور، لأن هناك منتجات وسلع وخدمات تخص الشباب العزاب من الجنسين يرتفع الطلب عليها، فمثلاً إذا انخفض معدل استهلاك أطعمة الأطفال هناك ارتفاع كير في الطلب على الوجبات الشخصية الخاصة بفرد واحد في أماكن العمل والمعيشة حتى أن كثيرًا من المطاعم تستخدم في تخطيطها أو تسويقها كلمة “سولو” والتي تعني في الموسيقى العزف أو الغناء المنفرد كناية عن انتشار ظاهرة أكل الناس بمفردهم.

إجمالاً قد لا يستمر هذا الوضع وقد نشهد تغيرات اجتماعية في صالح مؤسسة الزواج ورفع معدلات الخصوبة، لكن رجل الأعمال الحصيف ينظر إلى أكثر من دراسات التسويق المعتادة ليتعمق في طبيعة المجتمع والتغيرات الثقافية والاجتماعية التي تحدث ويبني خططه على هذا الأساس.