اقتصاديات الطائرات المسيرة

الطائرات المسيرة.. “صُنع في السعودية“

.3 مليار دولار حجم متوقع لسوق المسيرات التجارية في المملكة بحلول 2033م بمعدل نمو %30.8.

1.4 مليار دولار إيرادات متوقعة لسوق المسيرات بمعدل نمو سنوي مركب قدره %13 بحلول 2030م.

مزايا تنافسية عدة للاستثمار في صناعة الطائرات المُسيرة واسترداد رأس المال يصل إلى عامين.

 

بات لافتًا تطور المملكة في صناعة المُسيرات وتصديرها إلى عديد من الدول، منها إسبانيا وجنوب إفريقيا وتركيا، إذ تُوفّر الاستثمارات الاستراتيجية والإصلاحات التنظيمية بيئةً مواتيةً لتقنية الطائرات بدون طيار، مما يضع المملكة في موقع الريادة الإقليمية والدولية، في صناعة استراتيجية تعتمد على الابتكار، اتساقًا مع رؤية 2030.

توقيع “أرامكو السعودية” مذكرة تفاهم مع “تيرا درون” اليابانية لتوطين تكنولوجيا الطائرات المسيرة

فرص استثمارية وتطور ملحوظ

وتقدم صناعة المُسيرات فرصًا استثمارية واعدة وابتكارات جديدة للشركات الوطنية، إذ يساعد التزام المملكة بتبني الأدوات التكنولوجية المتقدمة، فضلًا عن الاستثمارات الضخمة، والطلب الإقليمي والدولي المتزايد، على دمج الطائرات بدون طيار في مختلف القطاعات، فثمة توقعات بأن تصل قيمة سوق المُسيرات في الشرق الأوسط إلى 5.5 مليار دولار نهاية عام 2025م، حيث تقود المملكة معظم هذا النمو، وفقًا لـ”ربيع بو راشد”، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “فالكون آي درونز”، ومقرها دبي، وهي شركة رائدة في عمليات الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط.

ويُعد النفط والغاز والتشييد والبناء والزراعة والخدمات اللوجستية، على رأس القطاعات المستفيدة من تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، بالنظر إلى تعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف، وتقليل التدخل البشري خاصةً في البيئات الخطرة، كما أضاف “بو راشد”، مشيدًا في الوقت نفسه، بالجهود التي تبذلها الهيئة العامة للطيران المدني، في مجال مراجعة اللوائح لتحقيق التوازن بين السلامة والابتكار، وتبسيط التراخيص ووضع إرشادات ومعايير واضحة لعمليات المُسيرات التجارية.

وتوقع بأن يُحفز دمج الطائرات المُسيرة على خلق فرص العمل وتطوير المهارات البشرية في المملكة، لاسيما في مجالات، مثل التصنيع والصيانة وتحليل البيانات، فضلًا عن زيادة الفرص التعليمية، حيث تُقدم الجامعات برامج تركز على تكنولوجيا المُسيرات والروبوتات والذكاء الاصطناعي.

ربيع بو راشد

سوق واعدة وقادمة بقوة

ووقعت شركة “أرامكو السعودية”، مذكرة تفاهم مع شركة “تيرا درون” اليابانية، المتخصصة في مجال توفير خدمات المُسيرات، بهدف تدشين شراكة استراتيجية لاستكشاف الابتكار في هذا المجال، فضلًا عن الروبوتات، والحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي والمُصممة خصيصًا لقطاع النفط والغاز، مما يدعم جهود توطين هذه الصناعات في المملكة.

وذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “تيرا درون”، “تورو توكوشيغي”، أن المملكة تعد سوقًا واعدة، نظرًا لنموها الاقتصادي المتواصل، وجهودها المستمرة لتنويع الاقتصاد، مشيرًا إلى أن المُسيرات تسهم في إحداث قفزة هائلة في قطاع النفط والغاز، فعلى سبيل المثال، تتطلب عمليات تفتيش الخزانات التقليدية إيقاف العمليات لمدة أسبوعين، ودخول العمال إليها شخصيًا لتركيب أجهزة الاستشعار وجمع البيانات، وهو أمر مكلف وخطير، مضيفًا: “لقد أحدثت حلول الطائرات المُسيرة نقلة نوعية في هذه العملية، حيث تسمح بجمع البيانات في الوقت الفعلي دون توقف أو مخاطر تتعلق بالسلامة”.

وتعد المملكة من أبرز المستفيدين من النمو المتزايد والمُنتظر لسوق المُسيرات في العالم، والمُتوقع أن تحقق معدل نمو سنوي مركب بنحو %11.4، من 32.6 مليار دولار في عام 2024م، إلى 85.8 مليار دولار بحلول عام 2033م.

تورو توكوشيغي

وتُرجح تقارير دولية، وصول حجم سوق المُسيرات التجارية في المملكة إلى 3.3 مليار دولار بحلول عام 2033م، مقارنةً مع 297 مليون دولار عام 2024م، بمعدل نمو سنوي مُركب قدره %30.8، مشيرةً إلى أن التطور المتسارع في التكنولوجيا المستخدمة، مثل تحسين عمر بطاريات تخزين الطاقة وأجهزة الاستشعار وقدرات معالجة البيانات والحمولة، يُسهم في دفع عجلة نمو السوق بصورةٍ كبيرة.

وفيما يخص إيرادات سوق المُسيرات في المملكة، فمن المتوقع أن تصل إلى 1.4 مليار دولار بحلول عام 2030م، مقارنةً مع إيرادات بلغت 694 مليون دولار عام 2024م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %13 بين عامي 2025 و2030م، حيث جاءت الأجهزة في المرتبة الأولى لتحقيق الإيرادات، وقطاع الخدمات الأكثر ربحية، وفيما يتعلق بالمُسيرات التي تستخدم لأغراض عسكرية ودفاعية، فقد حققت إيرادات بلغت 492.8 مليون دولار في عام 2024م، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.8 مليار دولار بحـلــــول عام 2030م، بمعدل نمو سنــــوي قــــدره %16 خلال الفتــــــرة (2030-2025م)، بحسب مجموعة “جراند فيو” للأبحاث الأمريكية.

وثمة توقعات دولية، بأن يصل حجم سوق المُسيرات في القطاع الزراعي وحده، إلى حوالي 140 مليون دولار بحلول 2033م، من 42.3 مليون دولار عام 2024م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %14.2 خلال الفترة (2033-2025م)، مدفوعًا بالاهتمام المتزايد بأساليب الزراعة المستدامة والذكية، والسياسات الحكومية الرشيدة التي تُشجع على تبني التكنولوجيا الزراعية في المملكة.

توطين صناعة المُسيرات

وذكر الخبير في مجموعة “شمال” الرائدة في صناعة الطيران والدفاع، “باري ماكجين”، أنه مع التطور السريع الذي يشهده قطاع البناء في المملكة، مدفوعًا برؤية 2030، ومشاريع رائدة مثل مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر، تبرز تقنيات جديدة لتلبية الطلب المتزايد على أساليب بناء فعّالة ومستدامة وقائمة على البيانات، ومن بين هذه التطورات، الطائرات المُسيرة التي باتت أحد أهم الأدوات الأساسية، فمن خلال توفير بيانات دقيقة وآنية من الأعلى، تُحدث الطائرات بدون طيار نقلة نوعية في كيفية تخطيط مشاريع البناء وتنفيذها وإدارتها في جميع أنحاء المملكة، مشددًا على أن المُسيرات تلعب دورًا محوريًا في دمج البيانات في سير عمل نمذجة معلومات البناء، ونظم المعلومات الجغرافية، مما يُمكّن فرق البناء من العمل بدقة واستشراف غير مسبوقين.

وتسعى المملكة جاهدةً إلى توطين صناعة المُسيرات، إذ تقدمت خطوات رائدة وبارزة في هذا المجال، سواء للاستخدام المحلي أو التصدير إلى الخارج، ففي عام 2024م، افتتحت شركة “إنترا” لتقنيات الدفاع، مصنعًا للطائرات المُسيرة في الرياض، بدعم من الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على هذه التقنية المتطورة، حيث تصل طاقته الإنتاجية إلى 120 طائرة سنويًا، وهو بمثابة إنجاز مهم للمملكة ومنطقة الشرق الأوسط.

وشهد العام نفسه، افتتاح أول مصنع لتصنيع الطائرات المُسيرة في منطقة القصيم بخبرات وطنية، وأطلق صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن عبدالعزيز، أمير منطقة القصيم، اسم “العارض” على أول طائرة “درون” تصنع في المنطقة.

وأوضح الخبير الدولي في شؤون الأمن، “ستاسا سالاكانين”، أن المملكة نجحت في تطوير قدراتها في مجال الطائرات المُسيرة بشكلٍ سريعٍ ولافت خلال السنوات الأخيرة، ونتيجة لذلك، كشفت شركة “إنترا” عن أحدث طائراتها المُسيرة، وهي “سموم”، مشيرًا إلى وجود تعاون وثيق مع تركيا في مجال تطوير هذه المُسيرات.

الأمير فيصل بن مشعل بن عبدالعزيز يطلق اسم “العارض” على أول طائرة صنعت بدون اّيّطر بمنطقة القصيم

وفي السياق نفسه، تستعد شركة “فرونت إند”، التي تتخذ من الخُبر مقرًا لها، لإطلاق مسيرات كهربائية لنقل الركاب، بالتعاون مع شركة “إي هانج” الصينية، المتخصصة في تطوير مركبات الإقلاع والهبوط العمودي، وأوضح “ماجد الغسلان”، الرئيس التنفيذي للشركة، أن الرحلات المُستهدفة قادرة على السفر لمدة تصل إلى 30 دقيقة مع راكبين، بحمولة تصل إلى 250 كيلوجرامًا، ومع بطاريات أكثر تطورًا، يمكن زيادة المسافة، مشيرًا إلى أن رؤية المملكة 2030، والاستراتيجيات الوطنية، شجعت عديدًا من الشركات على الدخول والاستثمار في قطاع النقل الجوي.

وأكد المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط في شركة “سكاي بورتس” المتخصصة في أنظمة النقل الجوي المتقدم، “دانيال أونيل”، أن المملكة أصبحت سوق رئيسة للشركات العالمية الرائدة في صناعة الطائرات المُسيرة، بفضل تركيزها القوي على البنية التحتية المُبتكرة والتنقل، مشيدًا بجهود الهيئة العامة للطيران المدني، ووزارة النقل والخدمات اللوجستية، في تهيئة بيئة تنظيمية متقدمة، والتي لعبت دورًا أساسيًا في إطلاق عمليات الطائرات بدون طيار في البلاد.

يأتي ذلك، في الوقت الذي تستعد فيه شركة “ماترنت”، الأمريكية، لتقديم خدمات التوصيل باستخدام الطائرات المُسيرة في المملكة، وذلك بعد حصولها على تصريح من هيئة الطيران المدني، حيث أعلنت الشركة أنها ستوفر خدمات التوصيل فائق السرعة والخالية من الانبعاثات للشركات والمقيمين في الرياض.

مزايا تنافسية للاستثمار

وثمَّة مزايا تنافسية عدة تقدمها سوق الطائرات المُسيرة للمستثمرين، خاصةً مع النمو الملحوظ في الوقت الراهن والتوسع المتوقع في مختلف القطاعات خلال السنوات المقبلة، بما في ذلك الزراعة والخدمات اللوجستية والمدن الذكية، والتي تتضمن القدرة على خفض التكاليف التشغيلية في عديد من الصناعات، على سبيل المثال، في قطاع الزراعة، يُمكن للطائرات بدون طيار تحسين مراقبة المحاصيل ورشها، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وخفض النفقات.

فالتطورات التكنولوجية المستمرة في المُسيرات، يُمكن أن تقدم تطبيقات جديدة ومبتكرة، إذ ستحقق الشركات الرائدة في هذه التكنولوجيا عوائد استثمارية كبيرة، كما يتيح الاستثمار في الشركات التي تُطوّر الطائرات بدون طيار لمهام البحث والإنقاذ، فرصًا استثماريةً واعدة أيضًا، فضلًا عن الفرص التي توفرها للشركات المتخصصة في تحليل البيانات، حيث أصبحت عملية اتخاذ القرارات القائمة على البيانات ذات أهمية متزايدة.، لافتين إلى أن عملية استرداد رأس المال تصل إلى عامين في هذا القطاع الواعد.

ومع التزام المملكة بتحقيق أهداف رؤية 2030، أصبحت الطائرات بدون طيار قوة دافعة للابتكار والكفاءة في مختلف القطاعات الرئيسة، مشيرين إلى أن الجهود المتواصلة لتطوير بيئة تنظيمية داعمة وفتح الباب أمام القطاع الخاص يُبشّر بمستقبل واعد لهذه الصناعة، مع إمكانية ريادتها ليس فقط في الشرق الأوسط، بل عالميًا، حيث تتمتع المملكة بمكانة جيدة، تُمكنها من تسخير كافة إمكانات تكنولوجيا الطائرات بدون طيار كعامل تمكين رئيس للتحول الاقتصادي.

ويمكن القول بأن المملكة قطعت شوطًا كبيرًا في إطار مساعيها لتوطين كافة الصناعات، وخاصةً الاستراتيجية، وأبرزها الطائرات المُسيرة، ونجحت في تعزيز قدراتها الوطنية وشراكاتها الدولية، لتقدم نموذجًا يحتذى في التنمية الاقتصادية الشاملة، والمضي بخطوات متسارعة نحو تنفيذ مستهدفات رؤيتها الطموحة.