أسهت الإصلاحات الأخيرة في زيادة الثقة بالسوق، والقدرة على التغلب على التحديات، خاصة ارتفاع الأسعار.
زيادة القروض العقارية الجديدة للأفراد بنسبة %28.3 على أساس سنوي، مدفوعًا بإقراض الشقق.
توقعات بنمو حجم السوق العقارية من 241 مليار ريال عام 2023م، إلى أكثر من 353 مليار ريال بحلول عام 2028م.
في ظل الحراك الاقتصادي المتسارع الذي تشهده المملكة، يبرز القطاع العقاري كأحد أبرز روافد النمو والتحول، مدفوعًا برؤية 2030 الطموحة التي وضعت الإسكان والتنمية العمرانية في صميم استراتيجياتها، ومع تكثيف الاستثمارات في البنية التحتية، وتبني الدولة إصلاحات جوهرية في التشريعات والأنظمة العقارية، بدأت ملامح سوق أكثر نضجًا واستدامة تتشكل، ما يفتح الباب أمام فرص واسعة للمستثمرين والمطورين والمواطنين على حد سواء.
وتُعد التعديلات الأخيرة على رسوم الأراضي البيضاء، وتنظيمات البيع على الخارطة، وغيرها من المبادرات النوعية، مؤشرات قوية على أن السوق العقارية تدخل مرحلة جديدة من التوازن والإنتاجية، هذا التحول لا ينعكس فقط على حركة العرض والطلب، بل يمتد تأثيره إلى خفض الأسعار، وتوسيع نطاق التملك، وتعزيز الثقة بالقطاع كمجال استثماري طويل الأمد.
رسوم الأراضي البيضاء: آلية لإعادة التوازن
شهد القطاع العقاري خلال السنوات الأخيرة انتعاشًا ملحوظًا ساهم في جذب رؤوس الأموال نحو مشروعات التنمية العمرانية، وأسهمت الإصلاحات الأخيرة في رفع مستوى الثقة بالسوق، رغم التحديات المتمثلة في ارتفاع الأسعار وصعوبات التمويل؛ إذ من المتوقع أن تمنح تعديلات الجديدة على نظام رسوم الأراضي البيضاء انتعاشًا مضاعفًا للسوق، وضخ مزيد من قطع الأراضي فيه، خاصة بعد رفع الحد الأعلى لنسبة الرسم السنوي بما لا يتجاوز %10 من قيمة العقار بدلاً عن %2.5 سابقًا، كما تمت إعادة النظر في المساحات المفروض عليها الرسم في الأراضي البيضاء، على ألا تقل مساحة الأرض أو مجموع الأراضي داخل النطاق الخاضع للتطبيق عن 5000 متر مربع.
كما فرضت التعديلات الجديدة رسومًا على العقارات الشاغرة داخل النطاق العمراني المعتمد بنسبة من أُجرة المثل (الأجرة السنوية) بما لا يزيد على %5 من قيمة العقار.
وتعد التعديلات على نظام رسوم الأراضي البيضاء خطوة ذات أثر اقتصادي إيجابي على المديين المتوسط والبعيد، ودفعة لتنشيط قطاع التشييد والبناء، وتوفير فرص استثمارية جديدة، وجعل السوق العقارية أكثر إنتاجية واستدامة، إضافة إلى أنها ستحد من الممارسات الاحتكارية، وأمام ذلك أكد ماجد الحقيل وزير البلديات والإسكان أنَّ التعديلات التي تمت ستسهم في رفع كفاءة استخدام الأراضي والمباني غير المستغلة، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق العقاري، وتحفيز الاستخدام الفعّال للأصول العقارية ويُسهم في تحفيز تطوير الأراضي البيضاء وتوفير المعروض العقاري بشكل عام والسكني بشكل خاص.

تنظيمات جديدة تدفع نحو الشفافية والاستدامة
من جانبه، يؤكد الرئيس السابق للجنة العقارية بغرفة الشرقية، خالد بارشيد، أن الإجراءات التنظيمية الجديدة، كتنظيم البيع على الخارطة وتعديل الرسوم، تُحدث تحوّلًا نوعيًا في السوق العقارية وسيكون له انعكاسٌ إيجابيٌ كبيرٌ على السوق العقارية، ويقول إن هذه التغييرات تتمحور حول تعزيز الشفافية والاستدامة، من خلال ضبط آليات العرض والطلب، والحد من الممارسات غير المنتجة مثل المضاربة وتكدس الأراضي البيضاء، كما تسعى هذه التنظيمات إلى تحفيز استغلال الأراضي المطوّرة بشكلٍ فعّال، بما يحقق عدالة أكبر في فرص التملك والوصول إلى السكن الملائم والتي سوف تحقق التوازن في قطاع العقار.
وأشار بارشيد، إلى أن عديدًا من المطورين والمستثمرين فضلوا التريّث مؤقتًا إلى حين اتضاح الصورة بشكلٍ أكبر، لا سيما مع التغيّرات المرتبطة بالتراخيص والأنظمة التشغيلية، لافتًا إلى أن ذلك يأتي امتدادًا لمنظومة التشريعات العقارية التي تُحقق بشكل فاعل مستهدفات الرؤية والمبادرات والبرامج المنبثقة منها، التي تُطور البيئة التشريعية، والتنظيمية للقطاع العقاري وتواكب الحراك الاقتصادي والاستثماري بصورة عاجلة بما يكفل تعزيز المعروض العقاري بشكل مباشر من خلال توفير حلول فعالة وسريعة لمواجهة تحديات القطاع العقاري، كما لعبت دورًا محوريًا في تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني للاستثمارات المحلية والدولية، من خلال تحسين البيئة التنظيمية، وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز استراتيجية للمستثمرين، والتي تمثل تطورات كبيرة نحو تحقيق أهداف السعودية الطموحة في مختلف المجالات التنموية.

إجراءات تنظيمية لتعزيز حيوية السوق
وضمن الإطار التطويري، أطلقت الهيئة العامة للعقار حزمة تنظيمية جديدة تشمل 55 حالة تتعلق بالمشاريع العقارية وطرق التعامل معها، في خطوة تستهدف تعزيز الانضباط والشفافية، ويشير الرئيس التنفيذي لشركة “منصات العقارية”، خالد المبيض، إلى أن التوجيهات الأخيرة جاءت في توقيت مهم لتعزيز توازن السوق وخفض أسعار الإيجارات، ما ينعكس على خفض معدل التضخم وتحقيق مكاسب لكل من المالك والمستأجر، وأكد أن هذه الإجراءات من شأنها أن تسهم أيضًا في ديناميكية المشاريع الخاصة في التطوير العقاري للاستعداد للفعاليات الكبرى القادمة في المملكة، التي ستعزز من كبح أسعار العقارات واستمرار الحراك والتطوير العقاري وزيادة المعروض العقاري خلال الفترة المقبلة، وشدد على أن أهم أسباب ارتفاع الإيجارات هو عدم القدرة على شراء الأراضي وبالتالي سيقود زيادة المعروض من الأراضي لتوفير خيارات إضافية أمام المواطن لتملك العقار بالإضافة إلى الإيجار.

السوق العقاري السعودي الأسرع نموًا في المنطقة
وتشير التقارير إلى أن السوق العقاري السعودي يعد من الأسرع نموًا في المنطقة، مدعومًا برؤية 2030، وزيادة نسب تملك المواطنين، ووفق تقرير صادر عن شركة “سي بي آر إي”، فإن الطلب القوي على المكاتب في الربع الأول من عام 2025م أدى إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة %21، كما نمت قروض الرهن العقاري للأفراد بنسبة %28.3، وسجّل القطاع العقاري السكني ارتفاعًا بنسبة %5.1 مدفوعًا بزيادة قيمة الأراضي والفلل.
كما توقّع تقرير “مدى العقارية” أن يشهد القطاع تغيّرات جاذبة للاستثمارات العالمية، مع تباين الأسعار بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، ويستمر الطلب على العقارات السكنية والتجارية في الارتفاع، مدعومًا بالتوسع الحضري ومشروعات المدن الجديدة كالعلا وجدة الجديدة.
تحديات قائمة وفرص واعدة
ورغم التوقعات الإيجابية، ما تزال بعض التحديات قائمة، أبرزها ارتفاع الأسعار والتقلبات الاقتصادية العالمية، إضافة للتنافس الشديد مع زيادة عدد المشاريع العقارية، لتلبية احتياجات السوق خاصة في مستقبل العقار في الرياض وجدة، والدمام.
ومع ذلك، يبقى مستقبل السوق العقاري السعودي واعدًا، بشرط التخطيط الاستراتيجي ومواكبة التغييرات التشريعية والتكنولوجية.
ففي السنوات الخمس الأخيرة، شهدت المملكة تطورًا لافتًا في قطاع التطوير العقاري، مما جعلها وجهة مفضلة للمستثمرين المحليين والدوليين. وتعمل الحكومة على تنفيذ خطط لبناء 300 ألف وحدة سكنية بين عامي 2022م و2025م، ومن المتوقع أن ترتفع قيمة السوق العقارية من 241 مليار ريال في عام 2023م، إلى أكثر من 353 مليار ريال في عام 2028م.
وأكد الرئيس التنفيذي لشركة حلول العقارية، نواف الشمري، أن التعديلات الجديدة على رسوم الأراضي البيضاء ستعيد هيكلة السوق، وتشجع على تطوير الأراضي أو بيعها، مما يزيد المعروض ويقلل تكاليف التطوير، ويساعد في تخفيف أزمة الإسكان واستقرار الإيجارات، إذ تسهم في تصحيح اختلالات السوق العقارية، خصوصًا في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، قائلاً إن رفع الرسوم إلى %10، وتوسيع نطاق الأراضي المشمولة لتشمل كل أرض فضاء قابلة للتطوير داخل النطاق العمراني، يدفعان نحو جعل القطاع العقاري أكثر إنتاجية وفاعلية.
وشدد الشمري على أنه من المنظور الاقتصادي، تُسهم هذه التعديلات في تحسين كفاءة تخصيص الموارد من خلال تحفيز الملاك على تطوير أراضيهم أو بيعها، ما يزيد من المعروض ويخفض تكاليف التطوير، وبدوره، يخفف ذلك من أزمة الإسكان عبر تقليص تكلفة الأراضي، ويساعد على استقرار أسعار الإيجارات، ولا سيما في المدن التي تعاني فجوات بين العرض والطلب، بما ينسجم مع أهداف السياسات السكانية وتوسيع قاعدة التملك.
نمو متوقع رغم التحديات العالمية
وتتفق معظم التقارير مع تحليل “جيه إل إل” الذي توقع توسع السوق العقاري في المملكة خلال السنوات المقبلة، بفضل رؤية 2030 والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية. ورغم التقلبات الاقتصادية العالمية، لا تزال المملكة محافظة على نموها غير النفطي، المتوقع أن يصل إلى %5.8 في عام 2025م مقابل %4.5 في عام 2024م.

ويشير مدير مكتب “جيه إل إل” في المملكة، سعود السليماني، إلى أنه رغم التحديات الاقتصادية العالمية، تُعد المرونة وجهود التنويع الاستراتيجي في المملكة من الحوافز المهمة للتطوير العقاري التي تسهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية على حد سواء، مؤكدًا أن التوجه نحو العقارات عالية الجودة، ومحدودية المساحات الشاغرة في الأصول العقارية الرئيسة، والاستراتيجيات السياحية الطموحة، من العوامل التي تعزز الطلب المستمر في القطاعات الرئيسة، مما يوفر بيئة استثمارية جاذبة على المدى الطويل.
وأخيرًا يظل السوق العقاري في المملكة مرآةً للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد في ظل رؤية 2030، فقد أسهمت السياسات الحكومية، والتشريعات الحديثة، والمبادرات التنموية الكبرى في إعادة تشكيل ملامح هذا السوق وتعزيز جاذبيته للمستثمرين المحليين والدوليين، وبينما تستمر مشاريع الإسكان والبنية التحتية في التوسع، يبرز القطاع العقاري كأحد الركائز الأساسية في دفع عجلة التنمية وتنويع مصادر الدخل الوطني، ومن المتوقع أن يشهد السوق مزيدًا من النمو والتوسع خلال السنوات القادمة، بما يعزز ثقة المستثمر ويواكب تطلعات المواطنين نحو تملك سكني ميسر وجودة حياة متكاملة.