الهيدروجين لاڤندر

الطريق إلى الطاقة الوردية!

محطة نووية بقدرة 3 جيجاوات قادرة على إنتاج الهيدروجين الوردي لتشغيل 40 ألف حافلة.

253 مليار دولار حجم متوقع لسوق الهيدروجين الوردي بحلول عام 2033م بمعدل نمو %29.6.

 

تشهد أسواق الطاقة المتجددة تنوعًا كبيرًا، ويأتي الهيدروجين الوردي كأحد الخيارات الاستراتيجية في التحول الطاقي العالمي، حيث يتم توفيره من مصادر الطاقة النووية، مما يجعله بديلاً مستدامًا وأكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنةً بالطرق التقليدية، فوفقًا لدراسة صادرة عن جمعية الهيدروجين وخلايا الوقود البريطانية، يُمكن لمحطة نووية بقدرة 3 جيجاوات إنتاج ما يكفي من الهيدروجين الوردي لإزالة الكربون من تدفئة مليون منزل أو تشغيل 40 ألف حافلة.

سباق عالمي مُتسارع

ويحظى الهيدروجين الوردي باهتمامٍ متزايدٍ، في إطار مساعي معظم دول العالم إلى إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة، وقطاعات النقل، والطاقة، وهو بذلك يُعدّ خيارًا جذابًا بشكل خاص في المناطق ذات البنية التحتية النووية أو الدول التي تخطط لتقنيات نووية متقدمة مثل المفاعلات المعيارية الصغيرة، وفي مقدمتها المملكة.

وأوضح نائب الرئيس التنفيذي في شركة “بروس باور”، الكندية المتخصصة في توليد الطاقة النووية، “جيمس سكونجاك”، أن الهيدروجين الوردي هو نوع من الهيدروجين يُولّد عن طريق التحليل الكهربائي للماء باستخدام الطاقة النووية، وهو يُعتبر صديقًا للبيئة، نظرًا لانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج، مضيفًا: “يُفضّل الناس وصف الهيدروجين بألوان مُختلفة، ولكن بالنسبة لنا، يُعد الهيدروجين الناتج عن إنتاج الطاقة النووية هيدروجينًا أخضرًا بكل معنى الكلمة”، لافتًا إلى أنه يعد بديلاً واعدًا للوقود التقليدي، في صناعات عديدة، منها الأسمنت، الصلب، الطيران، النقل الثقيل، إذ يُمكن استخدامه كمادة خام ومصدر طاقة دون انبعاثات غازات دفيئة.

وبلغ حجم سوق الهيدروجين الوردي 24.4 مليار دولار عام 2024م، وثمة توقعات بأن يرتفع من 31.7 مليار دولار بنهاية عام 2025م، إلى 252.8 مليار دولار بحلول عام 2033م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %29.6 خلال الفترة المُتوقعة (2025م2033-م).

وتتصدر أوروبا باقي مناطق العالم في سوق الهيدروجين الوردي العالمية، مدفوعةً بأهدافها الطموحة في إزالة الكربون والتزامها بالطاقة المستدامة، حيث وضع الاتحاد الأوروبي هدفًا طموحًا لتحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050م، مما يحفز الاستثمارات الكبيرة في حلول الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة النووية وتقنيات إنتاج الهيدروجين، وتقود كلاً من فرنسا والمملكة المتحدة هذا التوجه، بفضل بنيتها التحتية النووية، مما يُسهّل دمج الهيدروجين النووي في مزيج الطاقة لديها، كما تعمل الدولتان بنشاط على توسيع قدراتهما النووية، مع خططٍ لإنشاء مفاعلات جديدة، مما يُسهم بشكل أكبر في جهود أوروبا لتطوير اقتصاد هيدروجيني منخفض الكربون.

فرص استثمارية مثالية

ووافق الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، على تقديم دعم حكومي بقيمة 6.9 مليار يورو لمشروعات البنية التحتية في مجال الهيدروجين، في إطار مساعيه لجذب استثمارات خاصة بنحو 5.4 مليار يورو، وهو ما يقدم حوافز وفرص استثمارية مثالية للشركات وخاصةً الصغيرة والمتوسطة على الدخول إلى عالم الطاقة النظيفة، ضمن برنامج دعم وتطوير صناعة الهيدروجين في أوروبا.

وأشار الخبير الأمريكي في مجال الطاقة المتجددة، “ماكس تشاتسكو” إلى أن محطات الطاقة النووية يُمكنها استخدام الكهرباء خارج أوقات الذروة، في تصنيع الهيدروجين الوردي بكفاءة أكبر وبكميات أكبر من الطاقة المتجددة، ليتم بيعه بعد ذلك، للعملاء الصناعيين لتحقيق مصدر دخل إضافي، لافتًا إلى أن مفاعل واحد بقدرة 1000 ميجاواط قادر على إنتاج ما يقرب من 500 طن متري من الهيدروجين يوميًا، وهو ما دفع شركة “بلج باور”، المتخصصة في تطوير خلايا وقود الهيدروجين، إلى الإعلان عن حاجتها إلى 13 موقعًا لإنتاج الهيدروجين خلال الفترة المقبلة.

وأضاف أن وزارة الطاقة الأمريكية تقدم ملايين الدولارات من خلال برنامج “طلقة الهيدروجين”، للتوسع في إنتاج الوقود النظيف بما فيه الهيدروجين الوردي، كما بدأت شركة الكهرباء والغاز في ولايتي أريزونا ومينيسوتا مشروعًا تجريبيًا في محطة برايري آيلاند للطاقة النووية، للحصول عليه، وبيعه إلى العملاء الصناعيين، وربما خلطه في شبكة توزيع الغاز الطبيعي الخاصة بها، مشيرًا إلى أن قانون البنية التحتية الذي تم إقراره عام 2021م، تضمن تخصيص 8 مليارات دولار لإنشاء أربعة مراكز إقليمية للهيدروجين النظيف في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويُمكن للمستثمرين أن يلعبوا دورًا محوريًا في هذه المراكز.

ووقعت شركة “نيل إيه إس إيه” النرويجية، اتفاقًا مع مجموعة “سامسونج سي آند تي” للهندسة والإنشاءات، لتوريد معدات التحليل الكهربائي بقدرة 10 ميجاوات، بقيمة 5.2 مليون دولار، وذلك لإنشاء أول مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الوردي في كوريا الجنوبية، وذلك باستغلال فائض الطاقة النووية الذي يتم إهداره عادةً في فترات فائض العرض.

جاستن دارجين

ويتوقع مختصون ارتفاعًا ملحوظًا في مشاريع الهيدروجين التي تعمل بالطاقة النووية في غضون السنوات المقبلة، حيث تسعى الحكومات مجددًا إلى زيادة قدرتها في مجال الطاقة النووية في إطار التحوّل الأخضر، ومن المُرجّح أن يكتسب الهيدروجين الوردي زخمًا مماثلاً لما اكتسبه الهيدروجين الأخضر، حيث تبحث شركات الطاقة والحكومات حول العالم عن بدائل للوقود التقليدي، نظرًا لكونه وقودًا متعدد الاستخدامات لمجموعة مُتنوعة من المجالات والقطاعات الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن الهيدروجين الوردي يتطلب استثمارًا أوليًا كبيرًا نظرًا لارتفاع تكاليف بناء المفاعلات النووية، إلا أنه بمجرد إنشائها، يوفر العديد من المزايا، فعلى سبيل المثال، يُمثل مصدرًا مستقرًا للطاقة يُمكن توفيره عند الطلب، دون أي انقطاعات ناتجة عن الموقع أو الظروف الجوية، على عكس الهيدروجين الأخضر.

وأشار مختصون إلى أن معظم مشاريع الهيدروجين الوردي تقع في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما تمتلك الصين مشروعًا واحدًا فقط، لكنها تحتل المرتبة الأولى من حيث الطاقة الإنتاجية، ومن المقرر أن يبدأ مشروع الهيدروجين التابع للشركة النووية الوطنية الصينية خلال عام 2025م، بطاقة إنتاجية قصوى تبلغ 39.4 ألف طن سنويًا.

ووفقًا لتقديرات دولية، يوجد ما يقرب من 2296 محطة هيدروجين في العالم حاليًا، ويمثل الهيدروجين الأخضر %90، والهيدروجين الأزرق %8، بينما يحتل اللون الوردي حوالي %1 فقط، بواقع 19 محطة.

وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بالسلامة والتي تعيق نمو سوق طاقة الهيدروجين الوردي، فإن الحكومات والشركات الغربية لا تزال تكافح لكسب الدعم الشعبي وجذب المستثمرين، ومع ذلك، فقد تحققت تطورات تكنولوجية كبيرة في بناء مفاعلات آمنة قادرة على تحمل درجات الحرارة القصوى والكوارث الطبيعية والصدمات والحروب، لذا فمن المتوقع أن تكتسب محطات الطاقة النووية، والهيدروجين الوردي تحديدًا، زخمًا متزايدًا، ومع تسريع الحكومات لعملية التحول في مجال الطاقة وتنويع مصادرها، سيتمكن الهيدروجين الوردي من توفير بديل فعال وموثوق من حيث التكلفة للوقود التقليدي، والأنواع الأخرى من الهيدروجين.

مكانة دولية في سوق الهيدروجين

ويؤكد مختصون أن المملكة لديها من القدرات ما يؤهلها لقيادة المنطقة في إنتاج وتصدير الهيدروجين بألوانه المختلفة إلى كافة دول العالم، خاصةً مع خططها لإضافة حوالي 17 جيجاواط من قدرتها النووية بحلول عام 2040م، وتشغيل مفاعلين بقدرات إجمالية تبلغ 3.2 جيجاواط خلال العقد المقبل، وهو ما أكده الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، أثناء مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي عام 2022م.

وأوضح الخبير البريطاني في مجال الطاقة، “كاري سبرينغفيلد” أن المملكة تعمل جاهدةً على تطوير عدد من مشاريع البنية التحتية للهيدروجين في جميع أنحاء البلاد، ويُعزى جزء كبير من الاستثمار في الإنتاج الجديد إلى قدرة الهيدروجين على تحقيق تخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون، حيث وقعت الحكومة عدة اتفاقيات مع جهات رئيسة عاملة داخل البلاد لتطوير قدرات صناعية قائمة على الهيدروجين، بما في ذلك مصنع الهيدروجين الأخضر بتكلفة 5 مليار دولار في مدينة نيوم العملاقة الخالية من الكربون، والمتوقع أن يبدأ تشغيله العام الجاري، بالإضافة إلى شركة البحر الأحمر، التي ستُمكّن من تطوير وسائل نقل قائمة على خلايا وقود الهيدروجين.

ووصف “سبرينغفيلد” رؤية المملكة 2030، بـ “الطموحة”، مشيرًا إلى أنها تؤكد صراحة على الأولوية القصوى للتوسع في مصادر الطاقة المتجددة، ومنها الهيدروجين، الذي يعد سوقًا متنامية ومستدامة في منطقة الشرق الأوسط، وهو بذلك يقدم فرصًا استثمارية واعدة للشركات والمستثمرين داخل المملكة، بالنظر إلى الاستثمارات الحكومية الكبيرة، فضلًا عن ضخامة مشروعات الهيدروجين في المنطقة، والتي تقدر بحوالي 44 مليار دولار، منها 35 مليار دولار تُستثمر في مشاريع من المتوقع أن تبدأ العمل بحلول عام 2030م.

وأضاف أن الشرق الأوسط مهيأ ليكون منطقةً حيويةً لإنتاج الهيدروجين خلال العقد المقبل، في وقتٍ يزداد فيه الطلب على الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم، ومع تنفيذ خطط المملكة الطموحة، خاصةً فيما يتعلق بالإنتهاء من مصنع نيوم، والتقدم الذي تحققه في تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، فستكون لدى المملكة فرصةٌ كبيرةٌ لتأمين مكانةً رائدةً في سوق الهيدروجين العالمي.

ومن جانبه، قال خبير الطاقة في جامعة أكسفورد البريطانية، “جاستن دارجين” إن المملكة تنظر إلى مستقبلها كدولة رائدة في توليد الطاقة المتجددة، وهي متحمسة للغاية للهيدروجين، آملةً في قيادة السوق”، معربًا عن اعتقاده بأن المملكة ستركز بشكل أكبر على تصدير الهيدروجين بألوانه المختلفة، لاسيما وأنها ملتزمة بتعزيز مكانتها كمورد عالمي للهيدروجين الأخضر.

وأوضح مختصون أن المفاعلين المستهدف تشغيلهما في المملكة خلال العقد المقبل، سيكونا لديهما القدرة على إنتاج حوالي 500 ألف طن من الهيدروجين الوردي سنويًا، والتي يمكن استخدامها لتوفير مصادر الطاقة لصناعات عدة، منها الأسمدة، وتكرير النفط، والصلب، ومن ثم انخفاض كبير في التكلفة التشغيلية لهذه الصناعات، مما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات.