أصول الصندوق قفزت من 152 مليار دولار في 2015م لتتجاوز 1.15 تريليون دولار بنهاية 2024م.
ليس مجرد صندوق سيادي آخر، بل قوة اقتصادية صاعدة، تنسج ملامح التغيير من كل زاوية. فهو من يقود التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد تنافسي متنوع، فإنه أداة المملكة لضخ الحياة في قطاعات واعدة، من الطاقة المتجددة إلى الذكاء الاصطناعي، ومن المعادن النادرة إلى الترفيه والسياحة، ومن البنية التحتية إلى الفضاء والطيران.
ففي عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لا مكان للجمود، ولا بقاء لاقتصاد لا يُجدد مصادر قوته. وبينما تتهاوى الاقتصادات التقليدية تحت وطأة الاعتماد على مورد واحد، تنهض المملكة، بقوة الرؤية وجرأة القرار، لترسم لنفسها ملامح مستقبل مختلف، مستقبلٌ تُكتب فصوله بعيدًا عن براميل النفط، وتُروى قصصه من خلال استثمارات ذكية، ومشاريع عملاقة، وشراكات عالمية، ويقف في قلب هذا التحول التاريخي كيانٌ لا يُمكن تجاهله، إنه “صندوق الاستثمارات العامة السعودي”.
رابع أكبر الصناديق السيادية في العالم
ويحظى صندوق الاستثمارات العامة بدعم غير محدود من القيادة، بوصفه الذراع الاستثمارية الرئيسة للدولة، وأحد أبرز الآليات لتحقيق تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.
وخلال العقد الماضي، حدثت تطورات كبيرة، جعلت صندوق الاستثمار السعودي، رابع أكبر الصناديق السيادية في العالم؛ إذ ارتفعت أصول الصندوق من حوالي 570 مليار ريال نهاية عام 2015م، إلى 1.5 تريليون ريال عام 2020م، بالتزامن مع تطبيق رؤية 2030، وفي 2021م، تم الإعلان عن استراتيجية طموحة بهدف الوصول إلى أكثر من 4 تريليونات ريال بحلول نهاية عام 2025م، وتعزيز 13 قطاعًا استراتيجيًا محليًا ينتج عنها 1.8 مليون وظيفة.
وبالفعل، فقد ارتفعت الأصول في عام 2022م، إلى 2.27 تريليون ريال، ووصلت قيمة الأصول بنهاية عام 2023م إلى 3.47 تريليون ريال، قبل أن تصل في نهاية عام 2024م إلى 4.32 تريليون ريال ليتجاوز الصندوق بذلك، المستهدفات التي كان مخططًا الوصول لها في عام 2025م.
إنشاء أكثر من 90 شركة جديدة
وقد توسع الصندوق في الاستثمار بقطاعات استراتيجية، مثل التقنية، والطاقة المتجددة، والنقل، والسياحة، والخدمات المالية، سواء داخل المملكة أو خارجها، كما أطلق شركات كبرى وأسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني وخلق آلاف الفرص والوظائف، ونجح الصندوق فعليًا في إنشاء أكثر من 90 شركة جديدة، واستثمار عشرات المليارات في مشاريع نوعية داخل وخارج المملكة.
وأصدر في أكتوبر عام 2022م، أول سندات خضراء تصدر من قبل الصناديق السيادية العالمية، منها سندات خضراء تصدر لأول مرة وتُستحق بعد 100 عام، فيما خصص الصندوق 19.4 مليار دولار لمشروعات خضراء، منها 5.2 مليار دولار في مجالات الطاقة المتجددة والمباني الخضراء وإدارة المياه المستدامة حتى يونيو عام 2024م.
الأول عالميًا في الالتزام والأداء لمعايير الحوكمة
وحصل الصندوق على تصنيفات ائتمانية قوية، ومنها تصنيف Aa3 من وكالة “موديز” مع نظرة مستقبلية مستقرة، وتصنيف +A من وكالة فيتش مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ووفقًا لأحدث التقارير الصادرة عام 2025م، عن مؤسسة SWF Global، احتل الصندوق المركز الأول عالميًا، في الالتزام والأداء لمعايير الحوكمة والاستدامة والمرونة (GSR)، من بين (200) مستثمر سيادي، مع نسبة التزام بلغت (%100).
ويظهر تصنيف “براند فاينانس” لعام 2025م أن صندوق الاستثمارات العامة حافظ على صدارته كأعلى الصناديق السيادية قيمة من حيث العلامة التجارية، بقيمة بلغت 1.2 مليار دولار، بارتفاع قدره %11 مقارنة بعام 2024م، وهو ما يجعله الأسرع نموًا والأكثر قيمة بين نظرائه عالميًا.
قيادة التحول الاقتصادي بالمملكة
ويشير ذلك إلى أن الصندوق عازم على المضي قدمًا لتحقيق أهدافه، وقيادة التحول الاقتصادي بالمملكة والقيام بدور كبير في الاستثمار عالميًا وضخ استثمارات مستدامة تسهم في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي عن طريق الاستثمار محليًا وعالميًا، وتعزيز دور الصندوق في التنويع الاقتصادي بالمملكة، وتعظيم أثر استثماراته من خلال تأسيس شراكات اقتصادية وطيدة لتعميق دور المملكة وأثرها على المستويين الإقليمي والعالمي.
ويعتمد الصندوق على استراتيجية بعيدة المدى ترتكز على عدة محاور رئيسة، أولها: تحقيق الاستدامة المالية، وثانيها: تعظيم العائد الاستثماري طويل الأجل، وثالثها: إطلاق مشاريع تنموية ضخمة في قطاعات جديدة وواعدة، ورابعها: خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، بما يعزز المشاركة المجتمعية ويطور الكفاءات، وخامسها: إقامة شراكات اقتصادية دولية، تعزز مكانة المملكة عالميًا.
أربعة مصادر وراء تمويل الصندوق
وفيما يتعلق بمصادر تمويل الصندوق، فإن هناك 4 مصادر رئيسة، هي: ضخ رؤوس الأموال من قبل الحكومة، والأصول الحكومية المحولة إلى صندوق الاستثمارات العامة، والقروض وأدوات الدين، والأرباح المحتجزة من الاستثمارات، ويتم تحديد الإنفاق التشغيلي للصندوق بشكل دوري من خلال ميزانيته السنوية، ووفقًا للتفويض الداخلي المنوط به، وبصفته كيانًا مستقلًا، أما فيما يتعلق بإعلان توزيع الأرباح، فإن ذلك يتم بشكل أساسي وفقًا لرؤية تأخذ في اعتبارها مهمة الصندوق وأهدافه وخططه واستدامته على المدى الطويل.
كما تجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن الصندوق في إطار إدراكه لأهمية معايير الحوكمة والقرارات الاستثمارية، دشَّن نموذج حوكمة تشغيليًا وفقًا للممارسات العالمية المتبعة، من أجل تعزيز ودعم مستوى الشفافية والفعالية.
ويمتلك صندوق الاستثمار السعودي، محفظة استثمارية تتكون من استثمارات محلية وإقليمية ودولية في حوالي 13 قطاعًا، ويدير الصندوق تلك المحفظة بالتعاون مع جهات عالمية لديها خبرات كبيرة.
6 محافظ استثمارية محلية عالمية
وقد طور الصندوق 6 محافظ استثمارية، أربع محافظ منها محلية، واثنتان عالمية، ويمكن الحديث إجمالاً، في هذا السياق، عن نوعين من المحافظ، الأولى، وهي المحفظة الاستثمارية المحلية، ومن خلالها يسعى الصندوق للقيام بدور المحرك لجهود التنويع الاقتصادي الاستراتيجي المستدام، في إطار السعي لتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
كما يسهم الصندوق في تطوير القطاعات الأساسية، بخلق مزيدًا من الفرص الاستثمارية، وهو ما يحفز نمو القطاع الخاص، ويساعد على ذلك امتلاك الصندوق محفظة قوية ومتنوعة من الاستثمارات في المملكة بالاستثمار في الشركات المدرجة أو غير المدرجة.
ومن الواضح اهتمام الصندوق بالاستثمار في الشركات المحلية، من أجل تعظيم القيمة المستثمرة والسوقية في الشركات السعودية، والارتقاء بمعايير الحوكمة وإدارة رأس المال وسياسات توزيع الأرباح، إلى جانب متابعة تنفيذ خطط الفرص المتاحة للقطاعات.
أما النوع الثاني، فهو المحفظة الاستثمارية العالمية؛ حيث يضخ الصندوق استثماراته في محفظة متنوعة تشمل عديداً من القطاعات والأصول وفي كبرى الشركات الابتكارية في العالم، وفقًا للتوجهات الاقتصادية الحديثة عالميًا.
ومن خلال محفظة الاستثمارات العالمية، يهدف الصندوق لتعزيز مكانة المملكة اقتصاديًا على الساحة العالمية، بعقد شراكات استراتيجية عن طريق الاستثمارات طويلة الأمد والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.
ويهدف الصندوق من الاستثمار عالميًا لتحقيق التوازن وتنويع مصادر الدخل والسيولة والحفاظ على الثروة، خاصةً أن الاستثمارات العالمية تعتمد على الأصول الاستراتيجية طويلة الأجل، وعلى القطاعات المرتبطة بالصناعات المستقبلية.
القطاعات الاستراتيجية التي يستثمر فيها الصندوق
- الطاقة المتجددة والمرافق
يُعد هذا القطاع من أبرز اهتمامات الصندوق، حيث أطلق أول سندات خضراء عالمية بقيمة مليارات الدولارات، وأعلن عن مشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بجانب مبادرات لإعادة التدوير وتحويل النفايات إلى طاقة.
- الصحة والدواء
استثمر الصندوق بشكل كبير في تطوير قطاع الرعاية الصحية، بما يشمل تصنيع الأدوية وتحسين جودة الخدمات الصحية، مما يضع المملكة على خارطة التقدم الطبي إقليميًا.
- الزراعة والأمن الغذائي
يسعى الصندوق إلى تحويل المملكة إلى مركز رئيس للمنتجات الحلال وسوق للمنتجات الزراعية، بالتوازي مع دعم سلاسل التوريد الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
- المعادن والتعدين
يستثمر الصندوق في مشاريع التعدين الكبرى والمعادن النادرة، من الذهب والنحاس إلى الفوسفات، مستهدفًا تطوير قطاع التعدين كمصدر دخل غير نفطي مستدام.
- الصناعة وصناعة السيارات
تم إطلاق مبادرات لتوطين صناعة السيارات، بما في ذلك إنشاء مصانع وتطوير البنية التحتية اللازمة للصناعات الثقيلة، مما يسهم في زيادة المحتوى المحلي وتقليل الواردات.
- الدفاع والفضاء
يولي الصندوق اهتمامًا خاصًا بصناعات الدفاع والطيران، حيث يسعى إلى توطين هذه الصناعات الاستراتيجية، وبناء شراكات دولية لتعزيز القدرات التقنية والعسكرية للمملكة.
- السياحة والترفيه
في ظل النمو السياحي غير المسبوق، أطلق الصندوق مشاريع كبرى مثل: “نيوم” و”البحر الأحمر” و”القدية”، بهدف تنويع تجربة الزائر وتحقيق عوائد اقتصادية ضخمة.
- التقنية والتحول الرقمي
يُعد هذا القطاع من أهم القطاعات المستقبلية التي يركز عليها الصندوق، من خلال دعم الشركات الناشئة، وتحفيز الابتكار الرقمي، وتوطين التقنيات الحديثة.
دعم قطاع الخدمات المالية واللوجستيات
يعمل الصندوق على تطوير القطاع المالي، وتعزيز التحول إلى مجتمع غير نقدي بالتعاون مع البنك المركزي، بجانب ضخ استثمارات في مشاريع لوجستية ضخمة تهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي.
كما يدعم توسيع شبكة السكك الحديدية، وتطوير الموانئ، ومشاريع الإسكان والنقل، وهو ما يعزز البنية التحتية ويرفع من كفاءة الاقتصاد الوطني. وقد حقق صندوق الاستثمارات العامة خلال السنوات الأخيرة إنجازات استثنائية، تمثلت في: تجاوز الأصول المستهدفة للعام 2025م قبل أوانها، وتنويع الاستثمارات في أسواق عالمية ناشئة ومتقدمة، ودعم الاقتصاد الوطني بخلق أكثر من مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وتفعيل مبادرات الاستدامة والمناخ، وتصدّر الجهود الدولية.