أرباح طائلة تحققها الشركات من تحليل وجمع البيانات التي أصبحت “سلعة استراتيجية” تناظر النفط.
739 مليار دولار حجم سوق مراكز البيانات عالميًا وتوقعات بنمو مركب %7 بحلول 2030م.
الاستثمار في البيانات يوفر فرصًا واعدة وخطوةً ذكيةً للاستفادة من نمو قطاع البنية التحتية التقنية.
إذا كنت تعتقد بأن البيانات مجرد سلعة، فإنت بالفعل متأخر 10 سنوات على الأقل؛ ففي العصر الرقمي توصف البيانات بأنها “سلعة استراتيجية”، تزداد أهميتها بصورةٍ كبيرة، بالنظر إلى وفرتها وأهميتها الاقتصادية، إذ تشير تقديرات إلى أنه يتم إنشاء حوالي 329 مليون تيرابايت (تعادل 1000 جيجابايت) من البيانات يوميًا في العالم، ويتم جمعها ومعالجتها وتداولها كالنفط.
استثمارات ضخمة
أصبحت تحقق عديد من الشركات، أرباحًا طائلةً من تحليل وجمع البيانات، عن طريق بيعها لشركات أُخرى أو استخدامها في إنشاء إعلانات ومنتجات وخدمات، علاوةً على تنفيذ استراتيجيات مُستهدفة، كما تزايد اهتمام المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال المُغامرة بالشركات الناشئة والتقنيات المُركزة على البيانات، مما يعكس أهميتها المتزايدة، لذا تقوم كُبرى الشركات العالمية بضخ مليارات الدولارات في تطوير مراكز البيانات.
ومؤخرًا أعلن عملاق البحث “جوجل”، عن استثمارات بقيمة 25 مليار دولار، لتطوير البنية التحتية في مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي خلال العامين المقبلين، فضلاً عن توقيع اتفاقية لشراء الطاقة الكهرومائية، لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في مراكز بياناتها، كما كشفت “بلاكستون”، أكبر شركة أمريكية في إدارة الأصول، عن خطط لاستثمار أكثر من 25 مليار دولار لتطوير البنية التحتية الرقمية والطاقة في ولاية بنسلفانيا، بهدف جذب استثمارات إضافية بقيمة 60 مليار دولار إلى الولاية، حيث قامت شركة “كيو تي إس” المدعومة من “بلاكستون”، والتي تُوصف بأنها أكبر مُشغل مستقل لمراكز البيانات عالميًا، بالإعلان عن تطوير عدد من مراكز للبيانات في شمال شرق الولاية، مع خطط لإنشاء مراكز بيانات إضافية خلال الفترة المقبلة.
سعة مراكز البيانات
وتخطط شركة “أوراكل”، الرائدة في مجال تقنية المعلومات وقواعد البيانات، لاستثمار مليار دولار على مدى السنوات الخمسة المقبلة لتلبية الطلب المتنامي على خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في هولندا، وذكر نائب الرئيس والمدير الإقليمي للشركة، “ويلفريد شولمان”، أن الحكومة الهولندية لديها خطط طموحة لإنشاء منظومة متكاملة لصناعة التكنولوجيا، تستفيد منها بشكلٍ أكبر الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتدعم خططها على الابتكار باستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية والمرونة والنمو المُستدام.
هذا وتستثمر الحكومة الفيدرالية الكندية حوالي 700 مليون دولار، لدعم المشاريع التي تُنشئ حلولاً متكاملة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، والتي تستفيد منها كافة القطاعات الاقتصادية، من خلال بناء أو توسيع سعة مراكز البيانات التجارية، فضلًا عن تطوير حلول حوسبة مُبتكرة، بالإضافة إلى استثمار ما يصل إلى مليار دولار، لإقامة بنية تحتية عامة للحوسبة الفائقة، وكذلك شركة “سيفاي تكنولوجيز”، وهي شركة هندية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات، التي أعلنت عن ارتفاع ايراداتها بنسبة %14 وأرباحها بنسبة %18 على أساس ربع سنوي، مشيرةً إلى توسيع نطاق مراكز البيانات لديها، حيث ارتفع إجمالي السعة التشغيلية لمراكزها إلى 138 ميجاوات بعد إضافة 8.6 ميجاوات، وتم تشغيل مجمعين جديدين في مدينتي “دلهي وتشيناي”، بسعة تصميمية تبلغ 26 ميجاوات لكلٍ منهما، ويجري حاليًا إنشاء منشأتين إضافيتين في مومباي، كل منهما بسعة 52 ميجاوات، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيلهما في وقت لاحق من العام الجاري.

فرص واعدة
وثمة توقعات، بأن تصل إيرادات سوق مراكز البيانات عالميًا إلى 527.5 مليار دولار بنهاية عام 2025م، بمعدل نمو سنوي مركب حوالي %7، لتصل إلى 739 مليار دولار بحلول عام 2030م، ومن المتوقع أن تهيمن البنية التحتية للشبكات على السوق، بحجم متوقع يبلغ 255 مليار دولار، حيث تستحوذ الولايات المتحدة وحدها على %33 من الإيرادات المُتوقعة.
وبلغت قيمة سوق البيانات الطرفية (وهي مراكز بيانات صغيرة تقع بالقرب من المستخدمين بهدف تقليل وقت نقل البيانات)، حوالي 15 مليار دولار عام 2024م، ومن المتوقع أن تصل إلى 77.8 مليار دولار بحلول عام 2032م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %25.3 بين عامي 2026م و2032م.
ويعود النمو المتوقع لمراكز البيانات الطرفية، إلى الطلب المتزايد على الخدمات منخفضة زمن الوصول، وتزايد حجم البيانات المُولدة من الأجهزة المتصلة، ومع تزايد اعتماد المؤسسات على استراتيجيات التحوّل الرقمي، من المتوقع أن ترتفع الاستثمارات في البنية التحتية لهذه المراكز بشكلٍ ملحوظ، ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن تلعب مراكز البيانات الطرفية دورًا حاسمًا في مستقبل إدارة البيانات ومعالجتها، مما يضمن بقاء الشركات قادرة على المنافسة في ظلّ بيئة رقمية متطورة.

وتوفر مراكز البيانات خاصة الطرفية فرصًا استثمارية واعدة، إذ يُعد الاستثمار فيها خطوةً ذكيةً للراغبين في الاستفادة من قطاع البنية التحتية التقنية سريع النمو، فمع استمرار تزايد الطلب على الخدمات السحابية والبيانات الضخمة والبث عبر الإنترنت، أصبحت مراكز البيانات ضروريةً لدعم هذه التقنيات، ووفقًا للمدير التنفيذي لمجموعة “سي إند سي” الأمريكية للتكنولوجيا، “جوش ماهان”، أن مراكز البيانات تتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة ومواقع استراتيجية للعمل بكفاءة، لذا يجب على المستثمرين مراعاة الجوانب اللوجستية والبيئية عند تقييم الفرص، فعلى سبيل المثال، تُعد شركات مثل “جوجل” و”أمازون” رائدةً في هذا المجال من خلال الاستثمار بكثافة في مراكز البيانات الخاصة بها، واضعةً بذلك معايير للنجاح والابتكار.
وأوضح أن الاستثمار المباشر في امتلاك وإدارة مراكز البيانات، يعد الأنسب للشركات الكبيرة والتي تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، حيث تتمتع بتحكم أكبر في العمليات، مما يتيح لهم إمكانية تحقيق عوائد أعلى، لافتًا إلى أنه يتعين مراعاة تكاليف صيانة المرافق وتطويرها، فمع التطور السريع للتكنولوجيا، قد تكون إدارة هذه المراكز معقدة، وتتطلب معرفة بكفاءة الطاقة والأمن وأنظمة التبريد، وعلى الرغم من التحديات، تجد بعض الشركات أن هذا النوع من الاستثمار مجزي، نظرًا لإمكانية تحقيق مكاسب كبيرة، ولفت “ماهان”، إلى نوع آخر من الاستثمار، يتمثل في تطوير مراكز البيانات، حيث تقوم الشركات المطورة ببناء وتوسيع سعة مراكز البيانات لتلبية الطلب المتزايد، ويمكن للمستثمرين في هذا المجال الاستفادة من التطورات في منظومة مراكز البيانات، مشيرًا إلى أنه غالبًا ما ينطوي هذا النوع من الاستثمار على مخاطر أعلى، ولكنه يتضمن أيضًا إمكانية تحقيق عوائد كبيرة، حيث يعمل المطورون على إنشاء مرافق حديثة تجذب شركات التكنولوجيا الكبرى كمستأجرين، مضيفًا “يجب أن يكون المستثمرون مستعدين للتعامل مع تعقيدات البناء وتقسيم المناطق والتأجير، وعلى الرغم من هذه المخاطر، فإن الحاجة المتزايدة لتخزين البيانات تُمثل فرصًا مغرية للراغبين في تطوير مراكز البيانات”.
عالم رقمي لا ينام
وفي السياق نفسه، أوضح مدير تطوير أعمال مراكز البيانات العالمية في شركة “جونز لانج لاسال” البريطانية، “كولم شورتن”، أن الوظيفة الرئيسة لمركز البيانات الطرفي لا تتمثل في حفظ البيانات، بل في إكمال المهمة وإظهار النتائج بأسرع ما يمكن، مشيرًا إلى أن قطاع التصنيع والطاقة يعدان الأعلى طلبًا على هذه المراكز، حيث يتم توليد معظم البيانات من آلة إلى آلة بفضل تزايد مستويات الرقمنة والأتمتة، مضيفًا “في المستقبل القريب، من المرجح أن نحتاج إلى مواقع طرفية أكثر بعشر مرات من مراكز البيانات الضخمة أو المؤسساتية أو مراكز البيانات المشتركة”، فيما أشار رئيس معاملات مراكز البيانات في “جونز لانج لاسال”، “توم جلوفر”، إلى أن العالم الرقمي لا ينام أبدًا، مما يجعل مراكز البيانات بجميع أحجامها بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي.

التحديات والفرص
وذكر الخبير والشريك في شركة “نورتون روز فولبرايت كندا المحدودة”، “دومينيك بريستا”، الرائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار، أنه مع استمرار نمو قدرات الذكاء الاصطناعي، تشهد البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لدعمه توسعًا سريعًا، وقد أدى صعود الذكاء الاصطناعي إلى تطوير مراكز بيانات متخصصة مصممة لتلبية المتطلبات الحسابية العالية.
وأضاف أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، تتطلب كميات كبيرة من الكهرباء لتشغيل أجهزة عالية الأداء مثل وحدات معالجة الرسومات، ففي عام 2024م، بلغ استهلاك نقل البيانات (بما في ذلك البنية التحتية المرتبطة بها) ما بين 260 و340 تيراواط ساعة سنويًا، وهو ما يُمثل ما يقرب من %1 إلى %1.4 من إجمالي الاستهلاك العالمي من الكهرباء، ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2030م.
وبالإضافة إلى الطلب المرتفع على الكهرباء، أشار “بريستا”، إلى أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تُولد حرارة كبيرة نتيجة لتشغيل الأجهزة المرتبطة بها، وتُعد إدارة هذه الحرارة من خلال أنظمة التبريد، مثل تقنية التبريد السائل، أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على أداء النظام ومنع تعطل الأجهزة.

وأوضح الخبير الفرنسي في مجال التكنولوجيا، “إريك بينواست”، أن التبريد من أبرز المشكلات التي تواجه مراكز البيانات، والتي تشكل عادةً ما بين %25 و%40 من الطاقة المُستهلكة، ولكن هناك عدد من التقنيات قيد التطوير في الوقت الحالي، تسعى إلى تقليل الطلب على المياه، لافتًا إلى أنه يمكن خفض تكلفة الطاقة من خلال زيادة درجة حرارة التشغيل (تتراوح بين 22 – 27 درجة مئوية).
وثمة مشكلة أخرى تواجه المستقبل الواعد الذي ينتظر مراكز “السلعة الاستراتيجية”، فمع الاعتماد المتزايد على أجهزة إنترنت الأشياء، فإنه من المتوقع أن تولد كميات هائلة من البيانات التي تحتاج إلى تدابير أمنية مُحسنة، إذ من المتوقع أن يكون هناك 41.6 مليار جهاز إنترنت أشياء متصل بنهاية عام 2025م، تُولّد 79.4 زيتابايت من البيانات، وبالتالي تبدو الحاجة ملحة للتعامل مع المخاوف المتعلقة بخرق وانتهاك خصوصية البيانات، بحسب مختصون.