تحليل

كيف يحرك الدولار الأسهم والنفط والذهب؟

سنتناول في هذا المقال تأثير الدولار على أسواق الأسهم والذهب والنفط الخام، ولكن البداية ستكون مع سوق الأسهم الياباني والاقتصاد الياباني.

السوق الياباني نجم أسواق آسيا هذا العام ويواصل لفت الأنظار، بعدما قفز مؤشر نيكاي 225 فوق مستويات 41 ألف نقطة وحطم الرقم القياسي السابق الذي سجله في الصيف الماضي في شهر يوليو، مرتدًا من القاع الأخير والذي كان فوق مستويات 33 ألف نقطة.

الجيل الجديد لا يتذكر شيئًا من فقاعة الأسهم والعقار اليابانية في نهاية الثمانينات، عندما وصل مؤشر سوق الأسهم إلى مستويات 39 ألف نقطة وكان وقتها سوق الأسهم الياباني يعادل وحده حوالي نصف قيمة الأسواق العالمية وتحديدًا %45 بينما السوق الأمريكي كان عند نسبة %33، أما من ناحية العقار، جنون الأرقام وصل إلى أن القيمة العقارية للعاصمة طوكيو تفوقت على القيمة العقارية الكاملة للولايات المتحدة.

أما بالنسبة للجيل الذي عاصر انفجار الفقاعة، فما زالت ذكريات انفجار فقاعة الأصول، عالقة في أذهانهم، وعدد كبير منهم وخصوصًا من كبار السن، يتجنب الاستثمار في الأسهم ويلجأ إلى أدوات مالية أخرى.

من جهة أخرى ما زال الاقتصاد الياباني يسجل تقدمًا ملحوظًا مع بيانات اقتصادية جيدة، وطبعًا يبقى الين الياباني تحت الأنظار بسبب تأثير معدل سعر الصرف على حركة الاقتصاد، وتولي اليابان عناية خاصة، لسعر الين عبر مراقبة مستمرة لبنك اليابان، وشاهدنا تدخلات في الفترة الماضية عندما يكون هناك مغالاة في تحركات الأسعار، فيتدخل البنك عبر ضخ عشرات المليارات من الدولارات لدعم عملة البلاد.

من البابان نذهب إلى الدولار الأمريكي، والذي يحظى بمراقبة الأسواق لمعرفة خريطة الطريق بالنسبة لمسار أسعار معدلات الفائدة، وخصوصًا مع الهجوم المستمر من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاحتياطي الفيدرالي ومطالبته المستمرة بتخفيض سعر الفائدة.

أهمية الدولار وسعر الفائدة، موجود على جميع الجبهات، إن كان بالنسبة تلقي وول ستريت الخبر، وتأثير ذلك على نشاط الشركات الأمريكية وتوقعاتها بالنسبة لنمو حجم أعمالها وإيراداتها.

بالإضافة إلى الشركات التي لديها معدلات دين مرتفعة، تخفيض أسعار الفائدة سيتيح لها التعامل بطريقة أفضل مع تكلفة التشغيل وتقوية معايير الكفاءة المالية، مما يؤدي إلى تصنيفات جديدة لاسهم هذه الشركات، من قبل كبرى البيوت المالية العالمية.

هذا على جبهة الأسهم، أما على جبهة الدولار مع أسعار الذهب، تقليديًا تخفيض سعر الفائدة يدعم أسعار المعدن الأصفر، لكن الأسواق لا تعرف قاعدة ثابتة، مثلاً إذا ارتفعت أسعار الفائدة تراجعت أسعار الذهب، وإذا انخفضت أسعار الفائدة ارتفعت أسعار الذهب، فليس هكذا تدار الأمور، وأكبر دليل على ذلك ما حصل في الفترة الماضية، عندما كانت أسعار الفائدة ترتفع والذهب يسجل ويحطم الأرقام القياسية، مدعومًا بمعدلات تضخم عالية في العالم، بالإضافة إلى توترات جيوسياسية، وطلب عالي للبنوك المركزية ومشتريات مستمرة للذهب، ولجوء بعض هذه البنوك إلى تنويع احتياطاتها والهروب من الدولار شيئًا فشيئًا.

بالنسبة إلى أسعار النفط، سعر الدولار لا يلعب دورًا كبيرًا في التأثير على أسعار الخام، فكما هو معروف العرض والطلب هو اللاعب الأول، من ناحية الطلب نجد معدلات النمو وخصوصًا الأرقام الأتية من الصين تؤثر كثيرًا لأن الصين تستورد حوالي 11 مليون برميل يوميًا من اقتصادها وبالتالي تمثل لاعبًا كبيرًا في مجال الطلب، بالإضافة إلى الهند التي تستهلك أكثر من 5.6 مليون برميل يوميًا مع التوسع الكبير في اقتصادها الذي يسجل معدلات نمو قياسية، سمحت له بتخطي الاقتصاد الفرنسي والاقتصاد البريطاني وأصبح حاليًا خامس أكبر اقتصاد في العالم.

وأكثر من ذلك أعلنت في شهر مايو الماضي، أنها حتى تخطت اليابان وأصبحت رابع أكبر اقتصاد في العالم، بعدما قفز ناتجها المحلي الإجمالي إلى ما فوق حاجز 4 تريليونات دولار، إذًا في مجال الطلب الهند والصين تلعبان دورًا محوريًا لذلك الأسواق تراقب أي بيانات اقتصادية تصدر عن هذين البلدين. أما بالنسبة للعرض يلعب تحالف أوبك بلص بقيادة المملكة العربية السعودية الدور الأول في تزويد الأسواق، لذلك نرى الاجتماعات المتتالية بالنسبة إلى التخفيض أو رفع الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك هناك التوترات الجيوسياسية تؤثر بقوة أيضًا على الأسعار لأنها تؤثر على المعروض، وشاهدنا ذلك عدة مرات عبر النفط الروسي كيف حلقت الأسعار إلى مستويات تاريخية في أوقات احتدام الحرب الروسية الأوكرانية، أو العقوبات القوية لحظر النفط الروسي.

بالإضافة إلى ذلك هناك الأحداث التي تحدث فجأة مثل الكوارث الطبيعية وخصوصًا إذا وقعت في أماكن مهمة لإنتاج الخام أو إذا أيضًا عرقلت الإمدادات ووصول الخام إلى الأسواق. ولا ننسى أيضًا التغيرات الموسمية والتي تكون أحيانًا في مواعيد ثابتة ويكون طابعها تقني أو يختص من ناحية الصيانة.

هذا على الأرض من ناحية العرض والطلب، ولكن هناك عامل مهم أيضًا وهو المضاربة في الأسواق المالية، والصناديق التحوط والتي تقلص أو تزيد من مراكزها على النفط الخام، وتدخل أحيانًا في مضاربات شرسة، عبر عشرات الآلاف من العقود وبالتالي يحصل تذبذبات وتقلبات عالية تؤثر على الأسعار بشكل كبير، وبالتالي لا يكون هناك علاقة للعرض والطلب أحيانًا، وتكون التقلبات محصورة بالمضاربات الشرسة فقط.

هذه كانت جولة على مختلف جبهات الدولار من ناحية الأسهم إلى الذهب إلى النفط الخام.