7.7 مليار دولار حجم سوق طاقة الرياح البحرية العائمة العالمية بنمو %31.5 بحلول عام 2034م.
فرص اقتصادية واستثمارية واعدة تقدمها مشروعات الرياح البحرية وتوقعات بنموها %15 في المملكة بحلول 2030م.
يُعد التحدي الأكبر الذي تواجهه البشرية في العصر الحديث هو السعي نحو تحقيق كوكب يتمتع بالاستدامة البيئية والازدهار الأخضر، وذلك من خلال الحد من الانبعاثات الضارة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتحقيق التوازن البيئي.
وفي هذا السياق، تبرز مصادر الطاقة المتجددة كعنصر محوري وأساسي في هذا التحول العالمي نحو مستقبل أكثر نظافة واستدامة، ويشهد قطاع الطاقة المتجددة تطورات متسارعة وجهودًا متواصلة في مجالات البحث والابتكار، مما يبث الأمل ويعزز من فرص تحقيق الأهداف البيئية المنشودة.
ومن بين أبرز هذه الابتكارات الواعدة تبرز تكنولوجيا توربينات الرياح العائمة، التي تُعدُّ من أكثر مصادر الطاقة النظيفة قابلية للنمو والتوسع، خاصة في المناطق البحرية العميقة، حيث يصعب استخدام التوربينات التقليدية المثبتة على الأرض.
مزايا تنافسية وتحولات غير مسبوقة
وتُعد طاقة الرياح في المحيطات أقوى منها في اليابسة، ومن هنا جاء تطور مزارع الرياح البحرية في السنوات الأخيرة، فحتى وقتٍ قريب، كان من الصعب تركيبها في مواقع معقدة أو عميقة في قاع البحر، نظرًا لاعتمادها على هياكل ثابتة، لكن تغير الأمر مع ظهور الهياكل العائمة، أما الآن، فيمكن تركيب توربينات الرياح على هذه المنصات، المثبتة في قاع البحر بواسطة مراسي مرنة أو سلاسل أو كابلات فولاذية.
وقد شهدت خلال السنوات الأخيرة تكنولوجيا توربينات الرياح العائمة تحولاً غير مسبوق، حيث تتجه الحكومات وشركات الطاقة بشكلٍ متزايد نحو حلول الطاقة المستدامة، ويتجلى هذا التحول بشكلٍ خاص مع بروز الهياكل شبه الغاطسة كخيار تكنولوجي، حيث باتت تُشكل ما يقرب من %80 من جميع المشاريع العائمة المُعلن عنها في مختلف دول العالم، وقد مكّن هذا النضج التكنولوجي من تطوير توربينات رياح عائمة أكبر وأنظمة توليد طاقة أكثر كفاءة.
وأوضح مدير حلول الطاقة المتجددة في شركة “هيتاشي” للطاقة، “ديدر ماليو”، أن طاقة الرياح البحرية بمثابة تقنيةً مذهلة، فهي تسمح بتطوير محطات طاقة ضخمة تستغل رياحًا أقوى وأكثر ثباتًا من تلك الموجودة عادةً على اليابسة، مما يؤدي إلى عوامل عالية السعة، أي توليد مزيد من الطاقة لكل ميجاواط مُركب، مشيرًا إلى أن الإمكانات التقنية العالمية لطاقة الرياح البحرية يمكن وصفها بأنها هائلة، إذ يُحتمل أن تُعادل ضعف أو أكثر، إجمالي الاستهلاك العالمي الحالي من الكهرباء، لافتًا إلى أن معظم المواد الرئيسة المُستخدمة في مزراع الرياح العائمة، مثل الفولاذ الخاص بالهياكل، والنحاس أو الألومنيوم للمكونات الكهربائية، متوفرةٌ نسبيًا وقابلةٌ لإعادة التدوير بدرجةٍ كبيرة.
وأضاف أن تقنية طاقة الرياح العائمة لها مزايا تنافسية، فعلى سبيل المثال، تعد عملية تفكيك مزرعة رياح عائمة في نهاية عمرها الافتراضي، أسهل بشكلٍ كبير، مقارنةً بالهياكل ذات القاع الثابت، حيث يُمكن فصل المنصة بأكملها عن مراسيها وسحبها إلى الشاطئ من أجل إيقاف التشغيل المُتحكم فيه واستعادة المواد، وهنا لابد من توعية المستثمرين إلى هذه الدورة الدائرية، التي تجعل هذا القطاع واعد بشكلٍ ملحوظ.
وثمة توقعات بوصول قيمة سوق طاقة الرياح البحرية العائمة العالمية إلى 7.7 مليار دولار بحلول عام 2034م، مقارنةً مع 367.7 مليون دولار فقط في عام 2024م، بمعدل نمو سنوي مركب قدره %31.5، ومن حيث الطاقة، من المتوقع أن تحقق نمو قدره %81.2، من 0.42 جيجاواط في عام 2025م إلى 8.13 جيجاواط بحلول عام 2030م.
انتشار التوربينات العائمة حول العالم
وكشفت الصين مؤخرًا، عن أكبر توربين رياح عائم في العالم، يحمل اسم “”تشيهانغ”، بقدرة إجمالية تصل إلى 20 ميجاواط، لديه القدرة على توفير حوالي 27.5 ألف طن من الفحم، وتخفيض انبعاثات الكربون بمقدار 68.5 ألف طن سنويًا، ويبلغ قطره الدوار 853 قدمًا، أي ما يعادل سبعة ملاعب كرة قدم، ويصل طول محوره إلى 495 قدمًا، وتدور شفراته الضخمة بسرعة قصوى تُضاهي القطارات عالية السرعة، حيث تكفي دورة واحدة منه لتزويد منزل بالطاقة لمدة يومين إلى أربعة أيام.
وفي اليابان، تم الإعلان عن دخول توربين الرياح العائم “هيبيكي” ثنائي الشفرات، مرحلة التشغيل التجاري، بقدرة 3 ميجاواط، والذي يقع على بُعد 15 كيلومترًا من ساحل مدينة كيتاكيوشو.
وفي بريطانيا، تعمل شركة “هافينتوس”، المُزوّدة لمرافق انتقال الطاقة، بالتعاون مع شركة “سارينز بي إس جي”، المتخصصة في النقل، على تمكين المُطورين من الحصول على قواعد وتوربينات عائمة مُجمّعة بالكامل في ميناء “أرديرسير” الاسكتلندي، وقال الرئيس التنفيذي لشركة “هافينتوس”، “لويس جيليس”، “يُمثل هذا الحل عالي الكفاءة تحولاً جذريًا عن الممارسات التقليدية، إذ سيُخفض بشكل كبير تكلفة طاقة الرياح العائمة، مما يُسهم في نهاية المطاف في خفض جميع فواتير الكهرباء لدينا”، وتعد اسكتلندا حاليًا الرائدة عالميًا في نشر طاقة الرياح البحرية العائمة، حيث تبلغ طاقة قاع البحر لديها حوالي 24.5 جيجاواط.
كما أعلنت شركة “سيرولين ويندز”، أن مشروع “أسبن” لإنشاء مزرعة رياح عائمة في بحر الشمال، سيجذب استثمارات إجمالية قدرها 10.9 مليار جنيه إسترليني على مدى 50 عامًا، فضلاً عن توفير أكثر من ألف فرصة عمل دائمة، مشيرةً إلى أن “أسبن” سيكون واحدًا من ثلاث مزارع رياح مُتصلة مُخطط لها في وسط بحر الشمال، والتي ستضم معًا 300 توربين، بقدرة إجمالية تصل إلى 3 جيجاواط من الكهرباء، وذلك على بُعد حوالي 62 ميلاً من الشاطئ، وكذلك تسعى فرنسا إلى بناء طاقة رياح بحرية مُركّبة بقدرة تبلغ 5 جيجاواط بحلول عام 2028م، وتُشكل طاقة الرياح العائمة جزءًا من هذه القدرة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعهد فيه الاتحاد الأوروبي بدعم وتطوير صناعة توربينات الرياح العائمة، لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050م، من خلال زيادة قدرة توليد طاقة الرياح البحرية لديه من 12 جيجاواط حاليًا إلى 60 جيجاواط على الأقل بحلول عام 2030م، و300 جيجاواط بحلول عام 2050م، بنسبة %25 من إنتاج الدول الأوروبية من الكهرباء.
وفي البرتغال، احتفلت شركة “أوشن ويندز” مؤخرًا، بعيد الميلاد الخامس، لمشروع “ويند فلوت أتلانتيك”، الذي يُعد أول مزرعة رياح بحرية عائمة شبه غاطسة في العالم، والتي قامت بتوفير 345 جيجاواط/ ساعة من الطاقة النظيفة (تبلغ طاقته القصوى 25 ميجاواط)، منذ بدء تشغيلها عام 2020م.
المملكة نموذج رائد لتطوير طاقة الرياح
ومن جانبها أعلنت المملكة عن برنامجها الوطني للطاقة المتجددة عام 2016م، والذي يتضمن خططاً لزيادة نسبة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة إلى %50 بحلول عام 2030م، من خلال تطوير 58.7 جيجاوات من سعة الطاقة المتجددة، منها 16 جيجاوات من توربينات الرياح، وبفضل سواحلها الطويلة وصحاريها الشاسعة، تتمتع المملكة بمكانة متميزة تُمكّنها من أن تُصبح نموذجًا يُحتذى به في تطوير طاقة الرياح في الشرق الأوسط، بحسب مختصين دوليين.
وتوقع تقرير حديث لشركة الاستشارات الأمريكية “إنفينيوم جلوبال ريسيرش”، أن تشهد سوق طاقة الرياح البحرية في المملكة نموًا هائلاً خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن الموقع الجغرافي يوفر إمكانات كبيرة لطاقة الرياح، والتي تصل سرعتها على طول ساحل البحر الأحمر إلى 8.5 متر/ ثانية، مما يجعلها موقعًا جذابًا لمزارع الرياح البحرية، فضلاً عن السياسات والحوافز الحكومية، التي تسهم بشكلٍ كبير في جذب الاستثمارات المحلية والدولية في مجال الطاقة المتجددة، علاوةً على التعاون الوثيق مع شركات الطاقة العالمية في مجال استكشاف مشاريع طاقة الرياح البحرية، والذي يسهم في توفير الخبرة ورأس المال والمعرفة التكنولوجية، ومع النمو السكاني السريع والتوسع الصناعي، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء في المملكة بشكلٍ ملحوظ، وتُقدم طاقة الرياح البحرية حلاً مستدامًا لتلبية هذا الطلب.
وأضاف التقرير أن مشروعات طاقة الرياح البحرية، توفر عديدًا من الفرص الاقتصادية والاستثمارية، أهمها خلق فرص العمل في مختلف القطاعات، خاصةً أثناء مراحل الإنشاء والتصنيع والصيانة، وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية، علاوةً على تشجيع الابتكار ونقل التكنولوجيا، بما يُعزز النمو الاقتصادي.
وتوقع التقرير نمو سوق طاقة الرياح البحرية بمعدل نمو سنوي مركب يزيد على %15 بحلول عام 2030م، مشددًا على أن دخول المملكة إلى مجال طاقة الرياح البحرية خطوةً مهمة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، وأن الجمع بين الموارد الطبيعية الوفيرة، والسياسات الداعمة، والتقنيات المبتكرة يضع المملكة في موقع الريادة في هذه السوق المتنامية عالميًا.
وأخيرًا تمثل توربينات الطاقة العائمة إحدى الحلول الواعدة لمواجهة تحديات الطاقة في المستقبل، حيث تتيح استغلال المساحات البحرية الواسعة لإنتاج طاقة متجددة ونظيفة دون التأثير على البيئة الساحلية أو استخدام الأراضي البرية. ومع التقدم التكنولوجي المستمر، تزداد كفاءة هذه التوربينات وتقل تكلفتها، مما يعزز فرص اعتمادها على نطاق واسع. إن الاستثمار في هذا النوع من الطاقة لا يسهم فقط في تقليل الانبعاثات الكربونية، بل يدعم أيضًا التحول العالمي نحو مستقبل أكثر استدامة.