التوظيف تقرير

“الخاص” يقود التوظيف!

القطاع الخاص يستوعب 2.4 مليون مواطن بمعدل نمو %17 وتراجع ملحوظ في معدل البطالة.

%37 زيادة في منشآت القطاع الخاص واستفادة 1.2 مليون مواطن من خدمات صندوق “هدف”.

نجاح مبادرة المقرات الإقليمية أسهم في تحويل المملكة إلى مركز أعمال عالمي وتوفير آلاف فرص العمل.

 

حققت المملكة إنجازًا مهمًا في مسيرة تحولها المستمر في سوق العمل، حيث استقطب القطاع الخاص نحو 2.4 مليون مواطن بنهاية عام 2024م، وهو أعلى رقم مسجل على الإطلاق، بزيادة %17 مقارنةً بعام 2023م، وارتفعت أجور المواطنين فيه بنسبة %45، وفقًا لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

كما شهد توظيف المواطنين في القطاع الخاص زيادةً ملحوظة في الربع الأول من عام 2025م، حيث تم توظيف 143 ألف مواطن ومواطنة بزيادة قدرها %93، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقًا لصندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، استفاد 1.2 مليون مواطن من خدمات التدريب والتمكين والتوجيه المهني، بزيادة قدرها %4 على أساس سنوي، فضلًا عن استفادة 98 ألف منشأة في القطاع الخاص من خدمات الصندوق (%93 منها خاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر)، بزيادة قدرها %37 مقارنةً بالفترة المماثلة من العام 2024م.

وأكد المدير العام لصندوق تنمية الموارد البشرية، “تركي الجعويني”، على الشراكة الوثيقة بين الصندوق وكافة الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، بهدف خلق فرص عمل للمواطنين السعوديين، مشيرًا إلى أن التحولات المستمرة داخل الصندوق، مدفوعةً بالتزام الحكومة بالاستثمار في رأس المال البشري.

يأتي ذلك في ظل تحسن ملحوظ لمؤشرات التوظيف في المملكة، فقد انخفض معدل البطالة الإجمالي، إلى مستوى قياسي بلغ %2.8 في الربع الأول من عام 2025م، بانخفاض قدره 0.7 نقطة مئوية عن الربع السابق، وفقًا للهيئة العامة للإحصاء.

سياسات حكومية داعمة

وتشهد المملكة تحولاً حقيقيًا في سوق العمل، وتوفير فرص عمل لائقة ومستدامة في مختلف القطاعات، فالمبادرات الحكومية، مثل برنامج “توطين” ومبادرة “نطاقات”، تلعب دورًا محوريًا في تشكيل هذا المشهد المتنامي، حيث شجعت هذه السياسات أصحاب العمل في القطاع الخاص على توظيف مزيد من المواطنين، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات البطالة.

فضلاً عن تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة، الذي أسهم بدوره في خلق سوق عمل أكثر شمولاً، في حين أدى التركيز الاستراتيجي على تطوير اقتصاد قائم على المعرفة، إلى زيادة الاستثمارات في برامج التعليم والتدريب المهني، حيث تُزود هذه المبادرات القوى العاملة السعودية بالمهارات اللازمة للنجاح في قطاعات مثل التصنيع المتقدم والرعاية الصحية والخدمات المالية، مما يُسرّع نمو فرص العمل.

أ. تركي الجعويني

مركز أعمال عالمي

وقال الشريك الإداري لمنطقة الشرق الأوسط في شركة “ريد سميث” العالمية للاستشارات والخدمات، “ساشين كيرور”، إن “أي شخص يدرس رؤية 2030 أو يزور المدن المهمة في المملكة، سيكون على درايةٍ تامة بمشاريع بناء المساكن وشبكات السكك الحديدية والطرق واسعة النطاق، والمطارات الجديدة، والبنية التحتية للأحداث الرياضية الكُبرى، ومنشآت الإنتاج الصناعي”، مشيرًا إلى أن قطاع الإنشاءات المرتبط بالسياحة شهد طفرةً كبيرةً خلال السنوات الماضية، حيث وظفت الفنادق والمنتجعات الجديدة مزيدًا من المواطنين، مضيفًا بقوله: “لا شك أن أي شخص زار فنادق المملكة مؤخرًا قد لاحظ عدد الموظفين السعوديين”، وأن السياحة تُعد من أسرع القطاعات نموًا ومرونة في الطلب على الوظائف، فمن مبادرات السياحة الدينية في مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى المشاريع الترفيهية، مثل: مشروع البحر الأحمر، يُسهم توسع القطاع في خلق آلاف الوظائف للمواطنين، مشيرًا إلى أن من أكبر المكاسب التي حققتها المملكة نجاح مبادرة المقرات الإقليمية، التي استقطبت أكثر من 540 شركة متعددة الجنسيات لتأسيس فروع لها في المملكة، في إطار الجهود المتواصلة لتحويل المملكة إلى مركز أعمال مزدهر، يزخر بالأفكار والفرص الجديدة، لافتًا إلى أن هذه الإنجازات تعطي زخمًا لقيام الشركات بتوظيف المواطنين السعوديين، بما يتماشى مع مكانة المملكة كمركز أعمال نامٍ.

أ. علي العيد

وأوضح أن سعي المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية، لا يقتصر على خلق فرص عمل فحسب، بل يعزز أيضًا نقل المعرفة وتنمية المهارات بين القوى العاملة المحلية، فمع جلب الشركات متعددة الجنسيات لأفضل الممارسات والخبرات العالمية، يكتسب المواطنون خبرة قيمة في العمليات التجارية الدولية، مما يضعهم في مكانة تنافسية في سوق العمل.

أهم القطاعات الاقتصادية

وأشار الخبير الاقتصادي ومحلل الأسواق المالية وعضو جمعية الاقتصاد السعودية، “سليمان الخالدي”، إلى أن التحول الرقمي والتقنيات الحديثة، من أهم القطاعات التي نجحت في خلق فرص عمل جديدة للمواطنين، وأضاف أن القطاعات التي شهدت أكبر انخفاض في معدلات البطالة، تشمل السياحة، والترفيه، وتجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات، مؤكدًا أهمية قطاعات رئيسية أخرى، تتمثل في التشييد والبناء، والصناعات التحويلية، والخدمات الإدارية، مشددًا على أن خطط المملكة واستراتيجياتها أسهمت أيضًا في تطوير الصناعات المحلية وإنشاء مصانع متنوعة، بما في ذلك مصانع السيارات، وتطوير البنية التحتية عالية المستوى، إذ تعمل المملكة على إنتاج 300 سيارة كهربائية سنويًا تحت العلامة التجارية “لوسيد”.

وأشار الخالدي، إلى أن برامج التوطين في مختلف القطاعات لعبت دورًا بارزًا في خفض البطالة بشكلٍ كبير، من خلال استهداف فرص العمل للمواطنين وتحفيز قطاع الأعمال، بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الشركات في توظيف المواطنين.

ساشين كيرور

وذكر مستشار الموارد البشرية، “علي العيد”، أن المملكة قد رسخت مكانتها كدولة رائدة إقليميًا وعالميًا في تطوير سوق العمل، بفضل إصلاحاتها الاقتصادية الطموحة، وأشار إلى أن سوق العمل شهدت تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، مدفوعة بزيادة الاستثمار الأجنبي، وتطوير المدن الاقتصادية، والسياسات الضريبية الجديدة، مثل ضريبة القيمة المضافة، مما عزز الاقتصاد المحلي، مبينًا أن تسارع التحول الرقمي أتاح فرص عمل جديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات، لافتًا إلى أن هذا التحول يؤكد  الحاجة المستمرة إلى زيادة الاستثمار في الكفاءات المحلية لمواكبة متطلبات سوق العمل المتطورة.

مارك بول

وأكد أهمية التعليم والتدريب المهني في سد فجوة المهارات، وجعل سوق العمل أكثر جاذبية، وتعزيز كفاءة القوى العاملة، مشددًا على أهمية بناء ثقافة عمل قوية تُولي الأولوية للمصالح المشتركة، والتطوير المهني، والاستقرار الوظيفي، بمثابة مفتاح نجاح توطين القوى العاملة، وأن القطاع الخاص يلعب دورًا حاسمًا في هذا المسعى، مشيرًأ إلى أن تحسين الرواتب والمزايا أمرًا أساسيًا لتعزيز جاذبية سوق العمل، إلى جانب توفير مسارات واضحة للتقدم المهني وخيارات عمل مرنة تُشجع على الابتكار.

طفرة التوظيف

وذكر المدير الإقليمي لشركة “هايز” البريطانية المتخصصة في أبحاث التوظيف والموارد البشرية، “مارك بول”، أن سوق التوظيف يشهد في جميع أنحاء المملكة ازدهارًا ملحوظًا، مشيرًا إلى أن شركته قامت بإجراء استطلاع رأي حول اتجاهات التوظيف في المملكة عام 2025م، وأفاد %79 من أصحاب العمل أنهم سيوظفون موظفين بشكلٍ دائم، وأشار الاستطلاع، إلى أن جميع القطاعات غير النفطية تواصل موجة التوظيف، مع تركيزها على تحقيق أهدافها المتمثلة في زيادة عدد المواطنين في القطاع الخاص، وقد أدى هذا، وفقًا لمستشاري التوظيف، إلى زيادات كبيرة في رواتب ومزايا الكفاءات.

وأضاف أن %51 من المهنيين في المملكة حصلوا على زيادة في رواتبهم عام 2024م، بينما أعرب %81 عن تفاؤلهم بزيادة رواتبهم هذا العام، وقال “بول”: “لا تزال جهود التوظيف المتعلقة بحصص التوطين تُمثل أولوية قصوى لمعظم الشركات، حيث أفاد %91 من أصحاب العمل أنهم يوظفون حاليًا مواطنين سعوديين”، بالإضافة إلى ذلك، أفاد %87 أنهم يخططون لزيادة عدد الموظفين السعوديين خلال عام 2025م.

وأوضح الاستطلاع، أن أصحاب العمل يبحثون عن أفراد ذوي خبرة، يتمتعون بالمهارات الشخصية والتقنية ذات الصلة، وتشير الشركات إلى تنوع النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة، وذكر مسؤول في إحدى شركات الإنشاءات: “بالنظر إلى مؤشرات مديري المشتريات الشهرية، تتحدث الشركات عن الحاجة إلى مواصلة التوظيف لتلبية الطلب”، كما يشهد قطاع الطيران ارتفاعًا ملحوظًا في التوظيف، فمع شركة طيران الرياض الجديدة وبرامج التوسع التي تنفذها شركات الطيران الحالية، يعج قطاع الطيران بفرص عمل جديدة، وينطبق الأمر نفسه على قطاع الفنادق.

وأضاف الاستطلاع: “بشكلٍ عام، تخطط %90 من المؤسسات الخاصة لمزيد من الوظائف، حيث تعتزم %79 منها توظيف موظفين على أساس دائم، و%23 على أساس عقد أو عمل حر أو مؤقت، وتابع “بول” بقوله: “بكل المقاييس، تشير هذه الأرقام إلى استمرار طفرة التوظيف في المملكة”.

غريس نجار

وحول مستقبل الوظائف في المملكة، رأت المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأمريكي لإدارة المشاريع، “غريس نجار” أن التطورات الاقتصادية “راسخة”، ومع استكمال البلاد لمشاريعها العملاقة خلال السنوات القادمة، ستواصل الحكومة استثماراتها الضخمة في مشاريع البنية التحتية العملاقة في مجالات النقل والسياحة، مما سيسهم بدوره في خلق فرص عمل جديدة، وأضافت بقولها إن المملكة ستواصل التركيز أيضًا في توسيع نطاق تقنية الجيل الخامس، وتطوير خدمات تكنولوجيا المعلومات، والارتقاء بالذكاء الاصطناعي، مشيرةً إلى بعض القطاعات التي ستشهد طلبًا كبيرًا على وظائف إدارة المشاريع، والتي تتضمن التصنيع والبناء، والتمويل والتأمين، والمعلومات والنشر، والإدارة والخدمات المهنية، وذلك على مدار السنوات العشرة القادمة، لافتةً إلى أنه في حين أن بعض الصناعات مهيأة لزيادة كبيرة في الوظائف المرتبطة بالمشاريع، فمن المرجح أن يكون معدل النمو في قطاعي النفط والغاز أقل قليلاً.