رأي

مخاوف الاقتصاد: من التقنيات المالية إلى أسعار الذهب

توسعت دائرة مخاوف الاقتصاد العالمي من مستقبل الديون السيادية للبنوك المركزية العالمية، لتتجاوز مخاوف التضخم ونسب الفوائد، وتضمّ إليها مخاوف جديدة من أن الأنظمة التقنية، وشركات التكنولوجيا، والعملات المشفّرة، أصبحت تهدّد الاقتصاد العالمي باحتمالية المجازفة بمستقبل مالي يختطف القيمة الاقتصادية الإنتاجية إلى حواسيب مشفّرة رهينة للظروف الجيوسياسية والدولية..
وفي ظلّ ما يشهده العالم من انقسامات إقليمية وتحالفات اقتصادية بعيدة عن أحادية القطبية التي طغت على العقود الماضية، فإنّ الاختيارات القادمة مستقبلاً حتمًا ستضع في الاعتبار أن القيمة الاقتصادية تكمن فيما تستطيع المجتمعات إنتاجه وتطويره ليكون ذا قيمة اقتصادية ملموسة، تشفع لهذه المجتمعات بتحسين قدراتها المعيشية وتنميتها نحو ازدهار مجتمعاتها.
أما طباعة الأموال وإصدار الديون فيثبت يومًا بعد آخر أنه نموذج عالي المخاطر، خصوصًا في أوقات الدورات الاقتصادية الانكماشية. ما يميّز الفترة الحالية هو أنّ الحلول التقنية المالية والعملات المشفّرة تحوّلت من كونها وسائل تمكينية للممارسات التجارية إلى كونها مخاطر مالية في أيدي تنظيمات ضبابية على المستويين الدولي والإقليمي.
ومع تضاؤل فرص حلحلة أزمة الديون المتراكمة، والتي أصبحت تتفاقم مع ارتفاع نسب الفوائد، تتزايد أيضًا شكوك الأفراد والمؤسسات حول احتمالية استخدام الحلول التقنية كمخرج لما قد يهزّ الأسواق العالمية.
في فترات سابقة، كان الحديث يدور حول الركود التضخّمي، وهو حالة الاقتصاد العالمي المحاصر بركود اقتصادي مقترن بحالة من التضخّم الاقتصادي عند المستهلك. وهذه المخاوف أصبحت تتزايد مع توسّع نطاقات الحروب التجارية، وفرض التعريفات الجمركية، وتراجع الدبلوماسية الدولية في حلحلة الصراعات الإقليمية، إضافة إلى التهديدات المتزايدة لخطوط الإمداد والتجارة العالمية.
إنّ المؤشرات الأولية لتراجع اقتصادات كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، وتراجع التصنيفات الائتمانية للدول الصناعية الكبرى، ما هي إلا إشارات واضحة على أن استمرار حالة الركود التضخّمي سيؤزّم الاقتصاد العالمي بشكل أوسع، ما لم يُتدارك هذا المخاض الدبلوماسي المتأزّم.
ولم تكن تحركات أسعار الذهب الأخيرة في الأسواق العالمية متوقّعة بهذا الزخم في الأوساط المالية، خصوصًا أنها شهدت استمرارًا في الارتفاعات الأسبوعية، ما طرح تساؤلات عديدة حول دوافع هذه القفزات الكبيرة في الأسعار.
تعدّدت القراءات في الأسواق؛ إذ ذهب كثير من المراقبين إلى تبرير هذه الارتفاعات بأنها مدعومة بظروف إغلاق الحكومة الأمريكية، فيما أرجعها آخرون إلى تغيّر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبعض برر ذلك بتراجع أسواق الأسهم العالمية. وهناك من رأى أنها توجه إلى الملاذات الآمنة، وآخرون علّلوها بأنها استثمار في الأصول المادية.
غير أن الوصف الأدق لما حدث هو أنّ ارتفاعات أسعار الذهب جاءت نتيجة تهافت الأفراد والمؤسسات والصناديق والحكومات والبنوك المركزية، لا إلى التحوّط، ولا إلى الاستثمار أو المضاربة، بل إلى الخروج من النظام المالي المقوَّم بالعملات الورقية إلى نظام التقييم بالذهب والفضة كأموال وأصول ذات قيمة مادية ومعنوية.