بالقراءة الأمينة والواعية لصفحات “الاقتصاد” خلال الـ 50 عاماً الماضية من عُمرها، يستطيع الباحث المُتابع، والمراقب المهتم، والقارئ المحايد والمُنصف والموضوعي أن يكتشفَ بسهولة ويُسر أن “الاقتصاد” كانت ــ وستظل ــ شريكاً مهما في أيّ تغيّر أو تطوّر اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي بالمنطقة الشرقية.
فقد شكَّلت المجلة جزءاً مهماً من تاريخ المنطقة لا يمكن فصله عمّا حدث في المنطقة من تغيّرات عميقة، كانت فاعلة فيها ومؤثّرة، كما كانت عاملاً من عوامل التطوير الذي طرأ على كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والعلمية، بما حققته من تراكمات على صعيد تطوير الوعي الجمعي، إضافة إلى دورها في إشاعة ونشر الاهتمام بكل قضايا المجتمع بكل فئاته وشرائحه في المنطقة الشرقية..إنها ــ بحق ـ شريك فاعل في التطور الذي شهدته مدن المنطقة وحواضرها، ومحافظاتها وقراها.
ما ملامح هذا الدور؟ وكيف ترجمته إلى خرائط عمل؟ الإجابة في السطور التالية..
عندما صدر العدد الأول من الاقتصاد عام 1968، كان قد مرّ ثلاثون عاماً بالضبط على بدء إنتاج النفط عام 1938.
ثلاثون عاماً كان قد تحقق فيها الكثير، فمدن الظهران والخبر والدمام ــ التي نشأت بنواتها الأولى لخدمة صناعة النفط ــ صارت لها متطلبات تنموية واحتياجات إضافية هائلة غير مرتبطة مباشرة بصناعة النفط، قدر ارتباطها بتلبية الاحتياجات اليومية لمواطنيها، فراحت هذه الاحتياجات تكبر وتتعاظم طوال العقود التالية تُغذي صناعة النفط وتتغذى عليها.
العطاس: المجلة صدرت برغبة تُجَّار ورجال الأعمال في المنطقة لخدمتهم وتقديم صورة صادقة عن نشاطاتهم
ومنذ ذلك الوقت، وقبل صدور مجلة الاقتصاد بثلاثين عاماً، أدركت مجموعة من ثاقبي النظر الفرص الجديدة المتاحة لخوض غمار التجارة والصناعة بأسلوب عصري، فأسسوا شركات تجارية ثم صناعية، حملت ــ في معظم الأحيان أسماءهم التي صارت ــ ولا تزال ــ من ألمع الأسماء في عالم الأعمال على المستوى الوطني، وحتى العالمي.
ومع ذلك، لم تكن ثلاثون سنة كافية لإشباع قطاعي التجارة والصناعة، حيث وجدنا أنه وبعد ثلاثة عقود على اكتشاف النفط، كان طموح التنمية في أوج اندفاعه، وما كان مطلوباً من التجارة والصناعة كان لايزال أضخم بكثير مما تحقق، فإذا كان عام 1938، هو عام ولادة النهضة في المنطقة الشرقية، ووقتنا الحاضر هو ذروتها، يمكننا أن نصف ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بأنها كانت فترة «فتوة» هذه النهضة، تهمس بعمرها أرقام الهاتف التي كانت تتألف آنذاك من أربعة أرقام بدلاً من العشرة التي نعرفها اليوم.
مع أنه من شبه المستحيل على من لم يعش تلك المرحلة من النهضة الفتية أن يتخيل ما كان عليه فعلاً الحراك الاقتصادي في المنطقة، وما انطوى عليه من نشاط وفرص وجهود وتحديات وإنجازات، لكن الرحلة عبر صفحات المجلد الأول من «الاقتصاد»، تعطي صورة صادقة عما كانت عليه أحوال فترة لا تشبه غيرها في شيء.
في افتتاحية العدد الأول من «الاقتصاد»، كتب رئيس مجلس إدارة ٍغرفة التجارة والصناعة بالمنطقة الشرقية إبراهيم بن صالح العطاس، – يرحمه الله-، كلمة جاء فيها:»إن هذه المجلة لم تصدر إلا بناءً على رغبة تُجَّار ورجال أعمال هذه المنطقة، وخدمة لهم، ولإعطاء صورة صادقة عن نشاطاتهم وفعالياتهم في هذه النهضة الاقتصادية الشاملة، ولتعتمد كثيراً في أداء رسالتها على إسهام الجميع فيها، كل في اختصاصه.. ولهذا فإني أهيب بكل أخواني وزملائي في هذه المنطقة خاصة، وفي المملكة المزدهرة عامة، المشاركة البنَّاءة في سبيل تحقيق الأهداف الطيبة المرجوة من وراء هذه الخطوة..». وفي هذا الكلام لمسة قلق خفية مما قد تؤول إليه مغامرة إصدار مجلة اقتصادية متخصصة في ذلك الزمن وبالإمكانات المهنية المتواضعة آنذاك.
ما يجدر التوقف أمامه في كلمة رئيس الغرفة، هو إتيانه على ذكر «تُجَّار ورجال أعمال هذه المنطقة» وغياب ذكر الصناعيين نراها جاء على الأرجح «عفواً» وليس «عمداً»، ولكن الأمر يكشف عَرَضاً أن الحيّز الأكبر من الحراك الاقتصادي في المنطقة الشرقية كان يتركز آنذاك في قطاعي التجارة والخدمات، وليس في الصناعة. وهذا ما سيتجلى بوضوح عبر صفحات المجلة في أعدادها التي تعود إلى تلك الفترة. وأكثر من ذلك، هذا ما يؤكده محتوى الصفحات الإعلانية في السنة الأولى من الصدور. إذ لا نجد من الصناعيين المعلنين غير عدد قليل تضم على سبيل المثال «شركة الغازات الصناعية» و«مصنع الألبان الوطني» وصناعات قليلة أخرى، مقابل بروز واضح للشركات التجارية ولحركة الاستيراد والتجزئة والخدمات. كما أننا، إذا وضعنا صناعة الزيت جانباً، لا نجد من البحوث الرئيسة التي نشرتها المجلة في سنتها الأولى، غير واحد عن «التعليم المهني وحجمه وأثره في المجتمع» كتبه عبدالرحمن العبيد، ونُشر في العدد التاسع.
الأبواب والتقارير اتخذت طابعاً تنويرياً وتثقيفياً عاماً يفيد أي قارئ من خارج دائرة التُجَّار والصناعيين
ولكن هذا لا يعني أن المجلة فصلت ما بين هذين القطاعين، ولا أنها حصرت اهتمامها بواحد منهما ولا بكليهما، فهي جاءت لتلبية احتياجات عند رجال الأعمال في مختلف القطاعات، وخاصةً الجيل الصاعد من الروَّاد الذين كان رأسمالهم الأول طموحهم ونظرهم الثاقب، فتناولت من جوانب عالم الاقتصاد أقصى ما يمكن تناوله على صفحاتها، وتنوَّعت طبيعة محتوياتها وتلوّنت بما ينسجم فعلاً مع الاسم الذي تحمله وهو «الاقتصاد» وليس «التجارة والصناعة» اسم الغرفة التي تصدرها كما كان رائجاً في أماكن أخرى من البلاد العربية.
أكبر وأكثر من أن يضبطها التبويب الصحافي
تميّزت الأعداد الأولى للمجلة بتعدّد الاهتمامات، ولا يمكن الاعتماد على التبويب لتناول هذه الاهتمامات بدقة، فقد كان كثير من أبوابها يتقلّب ويتبدّل، إذ ظهرت أبواب في بعض الأعداد ثم اختفت بعد عدد واحد أو اثنين، واستحدث غيرها، كما كانت هذه الأبواب تتحرّك عبر صفحات المجلة، وأحياناً تقصر أو تطول، وإن كان الأمر طبيعياً إلى حدٍ ما في كل مجلة ناشئة، فإنه أيضاً يوحي بحيوية ميّزت السعي إلى تغطية أكبر قدر ممكن من الشؤون الاقتصادية، الأمر الذي يكشف بدوره عن اتساع وحيوية القطاع الذي سعت المجلة في خدمته وتعدد جوانبه.
وما تقدّم لا ينفي وجود اهتمامات مستمرة، عبّرت عنها أبواب ثبتت طوال الفترة التأسيسية وحتى ما بعدها. وبشكل عام، يمكننا أن نقسِّم محتويات أعداد السنة الأولى إلى فئتينٍ: فئة الموضوعات «التثقيفية» إذا جاز التعبير، وكانت في معظمها من المواد الطويلة نسبياً وتتراوح من حلقة واحدة على صفحتين، وعدة حلقات تنشر على خمسة أعداد أو أكثر، وفئة ذات طابع خدماتي وتمس رجال الأعمال بشكل مباشر، وأتت في معظمها ضمن زوايا ثابتة استقرت على حالها منذ العدد الأول.
صناعة الزيت كانت المظلة.. وفي ظلّها كانت ألف صناعة
لم تكن الغاية من إصدار «الاقتصاد» خدمة عملاق صناعة الزيت (أرامكو)، بقدر ما كانت لخدمة قطاعات الأعمال المتنوِّعة الناشئة، وأيضاً احتياجات الحاضرة العمرانية النامية بسرعة بفعل الازدهار المتعاظم آنذاك، ولكن ــ لألف سبب وسبب ــ لم يكن بإمكان مجلة اقتصادية تصدر في المنطقة الشرقية أن تغفل صناعة الزيت، المظلة الملهمة للأعمال الجديدة في المنطقة، لذا لم تغب الموضوعات المتعلّقة بهذه الصناعة عن أعداد المجلة.
ولم تكن مهمة المجلة سهلة في هذا المجال. فقد كان لشركة أرامكو مجلتها الثقافية التي تتضمَّن أبواباً ثابتة ذات طابع توعوي حول صناعة الزيت، وكان على «الاقتصاد» أن تتجنّب تكرار الموضوعات نفسها، ونجحت إلى حد بعيد في ذلك، فبعدما اقتصرت الموضوعات عن الزيت في العدد الأول على مقالة من صفحة ونصف الصفحة، ذات طابع إنشائي وأدبي كتبها محمد عارف يونس حول الأبحاث الجارية على استخلاص البروتين الغذائي من البترول، وخبر على صفحة أخرى حول ندوة عُقدت في الظهران، تضمّن العدد الثاني تقريراً أدق وأهم من ذلك بعنوان «أعمال الزيت في المملكة عام 1967» وهو عبارة عن ملخص للتقرير السنوي لأرامكو، بعدها وبسرعة، ازدادت البحوث والتقارير حول صناعة الزيت عمقاً، ومن أبرز ما نُشر في هذا المجال ستة بحوث حول عقود الامتياز التي منحتها الحكومة للشركات العاملة في هذا القطاع أعدها إسماعيل الناظر المحامي، – رحمه الله-، والتي يمكننا الجزم بأنها لا تزال تشكِّل حتى اليوم مرجعاً دقيقاً ومفصّلاً لكل باحث مهتم بهذا الموضوع، إضافة إلى موضوعات عديدة أخرى في الشأن نفسه، مثل «مستقبل صناعة الزيت» بقلم الدكتور محسون بهجت جلال، و«البحث العلمي وتصنيع الزيت» بقلم علي حسن قناديلي في العدد العاشر، وأخبار كثيرة متفرقة في زاوية «الاقتصاد في سطور»، وما أن حلَّ العدد الثاني عشر، حتى بات للزيت ركنه الخاص والثابت في المجلة تجتمع فيه كل أخبار هذه الصناعة.
وبحوث في الإدارة.. قادها مدير التحرير شخصياً
ومنذ العدد الأول، وبدلاً من أن يتولّى مدير التحرير عبدالله ناصر الدحيلان – يرحمه الله-، كتابة افتتاحية العدد، نراه وقد ترك هذا الشأن في بضعة أعداد لرئيس الغرفة وبعض القيادات الاقتصادية أو الرسميين، وانصرف هو لكتابة باب بعنوان «خطوات على الطريق» استمر بلا انقطاع حتى العدد الثاني عشر. واللافت أن محتوى هذه المقالات، جاء على مستوى لا يزال حتى اليوم صالحاً للقراءة ومفيداً للقارئ، فقد تناول الكاتب -على سبيل المثال- صفات الإدارة الجيّدة والفرق بينها وبين القيادة، وهو موضوع لا يزال يطالعنا حتى اليوم في المجلات المتخصّصة، من دون أن نلحظ أية إضافة تستحق الذكر على ما كتبه الدحيلان قبل خمسين سنة، أو مثل «التنظيم الإداري» الذي تناوله في العدد الرابع وأرفقه برسم بياني يُظهر تسلسل الرتب الإدارية، وهو التنظيم الذي لا يزال معمولاً به حتى اليوم بلا تعديل يُذكر، ولا غرو في ذلك عندما نعرف أن مدير التحرير وكاتب هذه المقالات القيّمة كان هو نفسه مدير غرفة التجارة والصناعة بالمنطقة الشرقية (وهو الاسم الرسمي لغرفة الشرقية في ذلك الوقت).
وإضافة إلى ما كتبه الدحيلان، نجد أيضاً بعض البحوث في الإدارة وتحديداً في مجالي التسويق والإعلان كتب معظمها فؤاد الريس، وهي ــ وإن كانت جيدة بالنسبة إلى معارف ذلك الزمن ــ فإنها لا ترقى أبداً إلى مستوى «خطوات على الطريق».
حضور قوي لشؤون العملات والأعمال المصرفية
ومن الموضوعات الرئيسة التي لم تغب عن الأعداد الأولى، تبرز موضوعات النقود والأوراق التجارية والأعمال المصرفية. وأتى بعضها على حلقات طويلة، مثل موضوع «الشيك» الذي كتب فيه مروان الفاهوم خمس حلقات طويلة بدءاً من العدد الأول، فــ «الشيك» يكاد أن يكون اليوم في طريقه إلى الانقراض، بفعل وسائل الدفع والتحويل المالي الإلكترونية، بعدما كان طوال القرن العشرين وسيلة دفع المال الأولى، حتى أن دفتر الشيكات كان من اللوازم المحمولة في الجيب على ما يذكر كل كبار السنٍ، ولكن هؤلاء الذين عاصروا الشيك، وتعاملوا معه ببساطة شديدة، قد يندهشون للمفاعيل القانونية لأبسط التفاصيل، مثل أهمية ذكر مكان الدفع، وتحديد جنسية العملة، وما يعنيه «اشتراط إعفاء الساحب من ضمان الوفاء» و»تأثير المسحوب عليه باعتماد الشيك»… إلخ، ولكن هذه التفاصيل، وعلى الرغم من تعقيدها البالغ، كانت ذات أهمية قصوى ليس فقط للمصرفيين، بل أيضاً لرجال الأعمال.
وعلى مستوى عالٍ من الخبرة أيضاً، كتب المستشار القانوني محي الدين أبو الشامات كثيراً من الموضوعات الخاصة بالأعمال المصرفية، منها ما هو عام مثل «النقد ووظائفه» في (العدد الرابع)، و«جولة حول المصارف والأعمال المصرفية» في (العدد السادس)، وبعضها شديد التخصُّص مثل «الخصم والتسليف على الإسناد»في (العدد الرابع). كما كتب هشام أبوالسعود حلقتين حول «إدارة الاستعلامات في البنوك».
بدءاً من العدد الثاني اكتمال دائرة الموضوعات الكبيرة
كما ولو أن العدد الأول كان «بروفة» كما يقال في مهنة الصحافة، ومادة للبحث في ما ينقص المجلة، أطلّت بدءاً من العدد الثاني موضوعات في ثلاثة مجالات أو قطاعات تكمل دائرة الموضوعات الرئيسة التي يجب على مجلة اقتصادية شاملة أن تتناولها.
ضمن باب الاقتصاد ظهرت مقالات مختلفة المستويات، من أبرزها أول مقالين: («الاقتصاد العالمي» و«الاقتصاد العالمي، مثال من الاستثمار المشترك في اليابان»)، كتبهما سالم مبارك، ومقالتين عن السكة الحديد، كتبهما محمد صفوة، الأولى بعنوان «السكة الحديد وفعاليتها الاقتصادية» والثانية بعنوان « الفعاليات الاقتصادية للسكة الحديد في المنطقة الشرقية».
والفئة الثانية من الموضوعات الرئيسة التي أطلَّت في العدد الثاني هي الدراسات والبحوث النظرية في التجارة، مثل ثلاث مقالات في «مبادئ الاستثمار» كتبها عبداللطيف القباني، الذي كتب أيضاً «وسائل الدعاية التجارية» و«الرسالة الإعلانية». فيما تولّى مدير التحرير نفسه الكتابة عن «التقرير التجاري»، وكتب الدكتور عباس شافعي في «التحليل المحاسبي»، وغير ذلك.
أما الفئة الثالثة فٍفي شؤون الشحن والمواصلات، وهنا أيضاً كان المساهم الأكبر في الكتابة في هذا المجال محي الدين أبو الشامات نفسه. ومن الموضوعات البارزة هنا نذكر «القطر والإرشاد البحريين»، «حول شحن البضاعة وتفريغها»، «الملاحة الداخلية والشحن بالسيارات»، وصولاً إلى استطلاع حول «النقل الجوي» كتبه هادي عيد واحتل غلاف العدد الثاني عشر.
تبقى الإشارة إلى أن قطاع الزراعة الذي حضر في العددين الأول والثاني في تقرير من حلقتين حول زراعة النخيل كتبهٍ الخبير الزراعي سامي لبان، حضر بتقطع في بعض الأعداد اللاحقة، وأحياناً في موضوعات بعيدة نسبياً عن اهتمامات المجلة، إلى أن كان العدد الثاني عشر، حيث تمثل هذا القطاع في ثلاثة تقارير مهمة، وهي حول: «تصنيع الألبان» بقلم المهندس أمين داود أبوالهوى، و«تجارب زراعية» و«البنك الزراعي السعودي» (لم يُذكَر اسما كاتباهما).
ولِدت لتلبية احتياجات رجال الأعمال والتجَّار وخدمة أنشطتهم بالدرجة الأولى
حيوية الأبواب الثابتة الصغيرة وتخصُّصها في خدمة رجال الأعمال
يتخذ كثير من الأبواب والتقارير الطويلة طابعاً تنويرياً وتثقيفياً عاماً، يمكنه أن يفيد أي قارئ من خارج دائرة التجار والصناعيين، وينطبق هذا على مجموعة الندوات والتحقيقات والمقابلات التي كانت تُنشر بشكل غير دوري وغير منتظم، ولكن المجلة التي أخذت على نفسها أن تكون في خدمة رجال الأعمال مباشرة، ووسيطاً لهم، تمكّنت من تأدية هذا الدور عبر مجموعة من الأبواب الصغيرة الثابتة وشبه الثابتة منذ أعدادها الأولى.
من هذه الأبواب نذكر: «شريط الأخبار» الذي كان يتضمَن أخباراً من المنطقة والمملكة على تماس مع الحياة الاقتصادية، و«المعجم التجاري» الذي تضمَّن طائفة من المصطلحات التجارية مما يهم رجال الأعمال في ميادين عملهم، وباب «التحريات» الذي كانت تعلوه ترويسة تقول: «لمقتضيات المصلحة العامة، ترجو غرفة التجارة والصناعة بالمنطقة الشرقية من السادة التُجَّار ورجال الأعمال تزويدها بأية معلومات تتوافر لديهم عن وجود عملاء أو وكلاء للشركات المبينة أدناه»، وتحت هذه الترويسة كانت هناك قائمة من الشركات مع نبذة عن جنسيتها ونشاطها وعنوانها.
وفي باب «إحصاءات»، كانت المجلة تنشر قوائم بالواردات الواصلة إلى ميناء الدمام، نقلاً عن منشورات مصلحة الإحصاءات العامة، كما كانت «حركة البواخر بميناء الملك عبدالعزيز بالدمام» من الأبواب الثابتة في المجلة، وتتضمَّن في كل عدد تحديداً واضحاً للوكالات التي تتبع لها هذه البواخر، غير أن بعض هذه الأبواب الصغيرة كان من الأهمية بحيث لا يترك القارئ يمر أمامه بسرعة، ونذكر منها بشكل خاص:
“الفُرص التجارية” من لوازم كل مجلات التجارة والصناعة
من أبرز الأبواب الثابتة في المجلة، المعبّرة أكثر من غيرها عن جانب مهم مما كان يُتوخى تحقيقه من خلال إصدارها، باب يحمل اسم «فرص تجارية»، وعرفنا من خبر نشرته مجلة غرفة تجارة وصناعة الكويت في يوليو 1968م حول صدور «الاقتصاد»، أنه «الباب المميّز لكل مجلات غرف التجارة والصناعة».
يعلو هذا الباب تعريف به كان يتكرّر هو نفسه في كل عدد، ويقول: «ترغب الشركات المبينة نشاطاتها وعناوينها أدناه في إقامة علاقات تجارية مع تجار ورجال أعمال المملكة.. لمزيد من التفصيلات يرجى الاتصال بالغرفة». وتحت هذا التقديم، كانت هناك مجموعة من 7 إلى 10 أخبار إعلانية، يتألَّف كل منها من فقرتين: واحدة تشير باختصار شديد إلى طبيعة أعمال الشركة، وتحتها فقرة ثانية تحدد عنوانها.
وشملت التخصصات كل شيء، من الفاكهة اللبنانية إلى الورق والقرطاسية من ألمانيا والآلات من اليابان والمصنوعات الجلدية والقطنية من باكستان، فالنهضة في بداياتها النشيطة أوجدت احتياجات من كل نوع ولون، وكان الزمن فعلاً زمن الفرص التجارية المميزة.
ومن خلال جولة سريعة على جنسيات الشركات في هذا الباب، نلحظ أن الغلبة في الحضور كانت بالدرجة الأولى لباكستان، يليها لبنان وتركيا والهند والعراق وألمانيا واليابان وإنجلترا، ولكن لا شيء منع معدّ هذا الباب من الوصول إلى بورتوريكو، فظهر ٍفي العدد الثامن خبر يستحق إعادة النشر لطرافته، يقول: «مؤسسة الأشغال اليدوية العالمية ستفتح قريباً دكاناً في بورتوريكو لبيع جميع أنواع الأشغال اليدوية من جميع أنحاء العالم، فعلى من يرغب في تمثيل هذه الأشغال الاتصال بالغرفة».
«الجديد في السوق» زاوية حول مفهوم الابتكار
من الزوايا القليلة التي بقيت حاضرة في كل أعداد السنة الأولى (وأكثر لاحقاً)، واحدة بعنوان «الجديد في السوق»، كان يعدّها رجل أعمال معروف من مدينة الخبر هو علي الشيخ، تضمَّنت هذه الزاوية عدداً يتراوح بين أربعة وستة أخبار حول اختراعات أو ابتكارات جديدة، وكانت تعلوها مقدِّمة تتكرَر هي نفسها تقريباً في كل عدد، وتقول «السرعة في وسائل الاتصال والسرعة في وسائل الانتقال والسرعة في الكشف عن المجهول والسرعة في استنباط الأشياء، قد جعلت مواكب الاختراعات تتوالى وتطالعنا كل يوم بابتكارات تلو ابتكارات وآلات تلو آلات.. تذلِّل للإنسان مشكلات حياته وتيسِّر له سبل معاشه، تختصر له الأزمان، وتقارب ما بين الأبعاد حتى أصبح شعار التكنولوجيا (في كل يوم جديد)». وبغض النظر عن الأسلوب الأدبي الذي كُتِب به هذا التقديم، فإن مضمونها هو نفسه الذي نكرّره اليوم، متوهمين أننا نعيش مرحلة لا سابق لها في التاريخ من حيث كثرة الابتكارات والاختراعات.
مفهوم “الابتكار” من الزوايا التي بقيت حاضرة في أعداد السنة الأولى و”الفرص التجارية” من ثوابت المجلة المهمة
للوهلة الأولى، يبدو أن الغاية من هذه الزاوية العلمية كانت تقتصر على التثقيف وترويج المعلومات العامة، ولكن بدءاً من عدد شهر أغسطس 1968، طرأ تعديل في السطر الأخير من التقديم يقول: «…مع إمكانية الرجوع إلى الغرفة التجارية بالدمام لمزيد من التفاصيل». وفي هذا ما يشير على الأرجح إلى وظيفة أخرى لهذه الصفحة، وهي لفت انتباه التجار والمستوردين إلى وجود سلع جديدة وإطلاعهم عليها، فلربما أثارت اهتمام بعضهم، وتتعزّز صحة هذا الانطباع بأن معدّ الصفحة راح في الأعداد اللاحقة يذكر في أسفل كل خبر اسم الشركة المصنّعة للمنتج المبتكر.
لا نعرف على وجه الدقة إن كانت المبتكرات والاختراعات التي شملها باب «الجديد في السوق» قد أصبحت فعلاً في الأسواق السعودية، أم كانت أخبارها مجرد نقل لأخبار جديدة واردة من بلدان مخترعيها، ولكننا بتصفح بعضها، نلحظ فوراً أن كثيراً منها راج لاحقاً ولا يزال قيد الخدمة والاستعمال حتى اليوم، مثل اختراع المجيب الصوتي لجهاز الهاتف الذي ورد خبره في عدد أغسطس 1968، أو «الصوف الكيماوي» الذي «صنع مؤخراً في بريطانيا وله شكل وملمس التويد ولكنه مصنوع من المواد الكيماوية %100، وسيعرض في معرض الأزياء هذا الشتاء بواسطة شركة توتال.» كما جاء في عدد فبراير 1969.
ثمة أخبار عن ابتكارات واختراعات تحيلنا إلى المناقشة الخالدة حول قيمة الابتكار ومفهومه، ففي عدد يوليو 1968، تضمّن هذا الباب خبر ابتكار تلفزيون الجيب، الذي يبلغ قطر شاشته 1.5 إنش، ويعمل ببطارية صغيرة، والذين عاشوا في تلك الفترة يذكرون أن هذه التلفزيونات القزمة طُرحت فعلاً في الأسواق (بعد نحو أربع سنوات من تاريخ نشر الخبر عنها)، ولم يُكتب لها أي رواج أو نجاح يُذكر. وينطبق الأمر نفسه على «الراديو على شكل ساعة» الذي ابتكرته شركة «ماتسوشيتا» اليابانية، ونشرت الاقتصاد خبراً عنه (أكتوبر 1968).
أبواب ثابتة صغيرة ذات طابع عملي لخدمة رجال الأعمال والإعلانات تروي فصولاً من التاريخ
«الاقتصاد في سطور»
ومن الزوايا الثابتة التي برزت منذ العدد الأول، وكانت تضم أخباراً متفرقة وقصيرة من الصحف والمجلات حول المستجدات الاقتصادية، بعض هذه الأخبار فقد بريقه أو أية قيمة معرفية اليوم، ولكن بعضها أصبح وثائق تاريخية قد لا يجد المؤرخون الباحثون في تاريخ المنطقة ما يغنيهم عنها، مثل الآثار الاقتصادية لإغلاق قناة السويس على اقصاد لبنان والأردن (في العدد الثالث)، أو «أول خطة وطنية» وضعتها أبو ظبي للتنمية في عام 1968 وما تضمنته من تفاصيل ومشاريع (العدد الثاني). وعلى الرغم من اقتصار هذا الخبر على ربع صفحة، فإنه يعطينا بشكل غير مباشر صورة واضحة عما كانت تفتقده مدينة أبوظبي آنذاك، وبالتالي كيف كانت أحوالها عشية نهضتها الكبرى التي نعرفها اليوم.
وفي العدد الثاني نفسه، ثَمَّة خبر لو عرف معدّ الزاوية أهميته لخصّه بغلاف العدد، ويقول الخبر حرفياً: «في ندوة خبراء الزيت بالظهران، ذكر المستر شمدت من شركة موبل أن الشركة وغيرها من الشركات تقوم بأبحاث تستهدف اختراع محرِّك للاحتراق الداخلي يدار بالبنزين، من شأنه أن يقضي كلية على تلوث الهواء من طرد الغازات التي تطلقها محركات السيارات العادية، وقد تنبأ المستر شمدت بنجاح هذه الأبحاث وقال إنها ستعود بالنفع على ملايين الناس من الناحيتين الصحية والاقتصادية، كما ستكون ذات أهمية عظيمة بالنسبة للبلدان المنتجة للزيت في الشرق الأوسط».
كلمات أشبه بتذاكر لرحلة عبر الزمن
والواقع أننا وأينما توقفنا ملياً أمام صفحات «الاقتصاد» في تلك المرحلة المبكرة من عمرها، استوقفنا سطر فيه معلومة ما، قد تكون قريبة جداً منا في يومنا الحاضر، أو قد تذهب بالذاكرة إلى حدث تاريخي ذي شأن، أو تعود بالوجدان إلى ما كانت عليه الحياة آنذاك. ففي ختام تقرير مطوّل عن سكة الحديد، في أحد الأعداد، بقيت مساحة صغيرة فارغة، ملأها المخرج بخبر يقول: «علمت الاقتصاد أن السادة حمد أحمد القصيبي وأولاده قد قاموا بالاتفاق مع إحدى كبريات الشركات العالمية، ذات الشهرة الدولية في صناعة الفنادق وذلك من أجل إقامة فندق من الدرجة الأولى في مدينة الخُبر». وواضح أن أهمية الخبر، قد جعل المحرِّر يجتهد في الإسراع بنشر الخبر في اللحظات الأخيرة.
وفي ختام زاوية «حركة البواخر»، ظهر في أحد الأعداد تنبيه يقول: «البواخر الآتية من أوروبا الغربية وأمريكا ستأتي إلى الدمام عبر رأس الرجاء الصالح، وستصل متأخرة 15 يوماً»، الأمر الذي يوقظ في الذاكرة إغلاق قناة السويس ومفاعيله، وكان يجرى التباهي بوجود «تلفونات أوتوماتيكية لتيسير الاتصال بالخارج».
ومثل هذه الشذرات كانت كثيرة جداً في أعداد المجلة الأولى، وكانت حيوية وذات قيمة استعمال كبيرة قبل نصف قرن، وبقيت لنا أشبه بتذاكر للرحيل بالوجدان إلى زمن جميل مضى.
رغم تحديات المرحلة التأسيسية.. الحماسة والطموح يعوّضان النقص في الإمكانات ويهزمان العوائق والمشكلات
في الذكرى الخمسين لصدور هذه المجلة، لا بد من التوقف أمام ما اعترض نشأتها من صعوبات وتحديات، فتتجلّى بوضوح الجهود التي بذلتها أسرة تحريرها ومن ورائها الغرفة ككل.
لم يكن من الصحافة في المنطقة الشرقية آنذاك غير «قافلة الزيت»، وهي مجلة ثقافية تصدرها أرامكو شهرياً، وجريدة «اليوم» التي كانت تصدر في 12 صفحة مرة واحدة في الأسبوع، وكلتاهما كانتا تعتمدان على الاستكتاب الخارجي، واستقدام الكتّاب والمحررين من خارج المنطقة الشرقية والمملكة. وهذا ما كان وراء لمسة القلق التي ظهرت في افتتاحية العدد الأول، ومناشدة رجال الأعمال وأصحاب الاختصاص التعاون لإنجاح المجلة.
صدر العدد الأول بـ42 صفحة، أما العدد الثاني عشر فصدر بـ100 صفحة، ما يؤكد أن المجلة الجديدة على السوق كانت تستجيب فعلاً لحاجة مُلحّة وضاغطة فرضت عليها زيادة صفحاتها، إلا أن الطريق إلى ذلك كان حافلاً بالعوائق والتحديات، بسبب محدودية المهارات الصحافية، ونقص الإمكانات المتوافرة في المحيط المباشر، كما أن الاعتماد في الدرجة الأولى على رجال الأعمال وأصحاب الاختصاص في الشؤون الاقتصادية لم يكن كافياً لدرء المتاعب التي واجهتها المجلة على مستوى إنتاجها في مرحلة نشأتها، رغم ما كان لذلك من أثر إيجابي في جودة المواد والنصوص المنشورة ودقتها.
زاد عدد الصفحات من 42 إلى 100 بالتدريج، لكن باضطراب ملحوظ، فقد صدر العدد الثاني في 50 صفحة، وبعد أن وصلت صفحات العدد السادس إلى 84 صفحة، عادت وتضاءلت في الأعداد اللاحقة إلى 58 صفحة، قبل أن تقفز بعد أشهر قليلة إلى 100 صفحة في عدد ممتاز لمناسبة الاحتفال بمرور عام على الصدور. والأغرب من كل هذا هو غياب العدد الثالث الذي كان مرتقباً في شهر يونيه، فجاء في شهر يوليو، ومن دون أي إشارة تفسّر سبب الاحتجاب في الشهر السابق.
ولعل في الاضطراب الظاهر بوضوح في اختيار أبواب المجلة وزواياها، ما يؤكد أنها كانت تتلمَّس طريقها في ظل مصاعب للوصول إلى الصيغة الأفضل.
تنوّع في الموضوعات من الاقتصاد العالمي والمصارف إلى الزراعة والشحن والنقل وصناعة الزيت والأعمال الناشئة
في العدد الأول، كانت هناك زاوية من صفحة واحدة بعنوان «المعارض والأسواق الدولية»، ولكنّها اختفت تماماً في الأعداد اللاحقة، والسبب، على الأرجح، هو الإقرار أن لا وظيفة عملية فعلاً لهذه الصفحة، لأن المعنيين بالمعارض الدولية لم يكونوا في انتظار هذه الصفحة ليتحركوا، فكان القرار بتخصيصها لشأن على تماس أكبر مع الاهتمامات المحلية. وينطبق الأمر نفسه على زاوية «أسعار الأسهم» التي ظهرت في أربعة أعداد فقط ما بين الثالث والسادس، قبل التسليم بعدم جدوى نشر أسعار الأسهم شهرياً، وهي تتقلب باستمرار من لحظة إلى أخرى. (وبالمناسبة، كانت أسهم خمس شركات فقط هي: شركة الإسمنت السعودية، شركة كهرباء مقاطعة الظهران، شركة كهرباء الرياض، شركة الغاز والتصنيع الأهلية، وشركة الأسمدة العربية «سافكو»). والأمر نفسه ينطبق على تخصيص زاوية ثابتة لأسعار العملات.
من شبه المؤكد أن «الاقتصاد» مرَّت بأزمة ما في أواسط سنتها الأولى، وأسباب هذه الأزمة وحيثياتها باتت في طي النسيان، كما لا يفوتنا هنا أن نعود بالذاكرة إلى ما كانت عليه التقنيات المتوافرة آنذاك، وأهمها على الإطلاق وسائل التواصل.
فإذا كان الهدف من إصدار «الاقتصاد» هو تعزيز قنوات الاتصال ما بين أرجاء عالم التجارة والصناعة الشاسع، فإن أحوال قنوات التواصل والاتصال بمعناها المحدَّد كانت مصدر تحدٍّ شديد، وخاصة في العمل الصحافي، إذ كانت تقتصر على الهاتف الذي لم يكن متوفراً في كل مكان، وعلى جهاز «التلغراف» الذي لم يكن عملياً في نقل أكثر من البرقيات الصغيرة نظراً لتكلفته الباهظة، بل وحتى جهاز «التلكس» الذي كان قد دخل الخدمة التجارية قبل سنوات قليلة من ذلك التاريخ، لم يكن متوفراً للكُتَّاب والعاملين في المجلة، فإذا كانت الشركات التجارية التي تعلن عن نفسها في باب فرص تجارية، لا تضع في تصرف الراغبين بالاتصال بها غير عنوانها البريدي، يمكننا أن نتخيل ما كان عليه الحال في مجلة ناشئة، تردها المواد من الكتّاب بخط اليد في معظمها، بعد أسبوع أو اثنين أو ثلاثة من كتابتها، إذا لم تُفقد في البريد.
ولا يفوتنا الانتباه إلى أن «الاقتصاد» صدرت في فترة كان الإعلام العربي عموماً يعاني فيها من أزمة ثقة، بسبب أدائه السيء خلال نكسة يونيو 1967. فكان على هذه المجلة الفتية أن تستعيد هذه الثقة المفقودة، ونجحت في ذلك بتخصصها في الشأن الاقتصادي، وبتوخيها أقصى ما يمكن من الدقة وتلافي المسائل المثيرة للجدل والشكوك.
هذا غيض من فيض، عن الصعوبات التي واجهت هذه المجلة عند ولادتها.
ومع ذلك، نقرأ في كلمة العدد التي كتبها مدير التحرير عبدالله ناصر الدحيلان للجزء الإنجليزي من المجلة، فنفهم أن عدد قرّائها فاق الألفين، وهو رقم ضخم بمقاييس ذلك الزمن، وخاصة بالنسبة لمجلة متخصصة، فالمؤكد أن الدحيلان- يرحمه الله- كان من دون شك أهلاً للمهمة التي أوكلت إليه، وعلى الرغم من أنه كان متخصصاً في الإدارة وليس في الصحافة، فإن غزارة إنتاجه منذ السنة الأولى، حيث كان يكتب أحياناً ثلاثة موضوعات مختلفة في العدد الواحد، تكشف عن حماسته لمشروع إصدار هذه المجلة، وأيضاً عن رضاه بالنقد والأخذ بآراء الآخرين، بدليل التحسُّن الواضح الذي طرأ على أبواب المجلة واستقرارها النسبي ما بين العدد الأول والعدد الثاني عشر، فاستطاع بذلك أن يبحر بها في بحر متلاطم الأمواج، لتعبر المرحلة التأسيسية بسلام.
أغلفة السنة الأولى.. علاقة الصورة بالمحتوى
اختيار “الغلاف”.. التوازن بين الشكل والمضمون
لأننا اعتدنا في تعاملنا مع صحافتنا الحديثة على التطلع إلى غلاف المجلة بوصفه إعلاناً للموضوع الأبرز الذي يتضمَّنه هذا العدد، يمكن لمتصفح أغلفة «الاقتصاد» في سنتها الأولى أن يقع في ارتباك يحتّم عليه أن يجتهد كي يتمكن من فهم أسباب اختيار هذه الصورة أو تلك لتكون غلافاً.
خصصت المجلة غلاف عددها الأول لجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز – يرحمه الله-، فنشرت صورته الرسمية بالأسود والأبيض ضمن إطار أزرق فيروزي، وهو اختيار يمكن تفهمه بسهولة على أنه تحية سياسية ووطنية، رغم أن علاقة موضوع الغلاف بمحتوى العدد اقتصرت على الفقرة الأخيرة من الافتتاحية التي كتبها رئيس مجلس إدارة الغرفة آنذاك إبراهيم بن صالح العطاس وجاء فيها:»لا يفوتني هنا، بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن زملائي أعضاء مجلس إدارة هذه الغرفة ومنتسبيها، أن أرفع لمقام صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز، رائد هذه النهضة وقائدها، أسمى آيات الشكر والامتنان، لتفضّله بتشجيعه السامي على إصدار هذه المجلة توخياً لما يرجى بها من نفع لأبنائه البررة في هذه المملكة التي نرجو لها بهدي وتوجيه جلالته مزيداً من الرقي ومزيداً من السؤدد والله ولي التوفيق».
وفي العدد الثاني، ورغم احتوائه على بعض التقارير المهمة، يتطلب اكتشاف العلاقة المباشرة ما بين الغلاف ومحتوى العدد قراءة أصغر الأخبار، فقد احتلت الغلاف صورة سمو الأمير عبدالمحسن بن جلوي أمير المنطقة الشرقية (حينها) في مجلسه مع بعض أعضاء وفد من شركة الصناعات الكويتية زار المنطقة الشرقية، وفي داخل العدد نشر خبر موسَّع يشمل كل نشاطات الوفد. وفي العدد الثالث الذي احتل غلافه رسم هندسي لمبنى غرفة التجارة والصناعة بالمنطقة الشرقية، وداخل العدد مجرد خبر صغير حول اعتزام الغرفة إنشاء مبنى جديد. أما في العددين الرابع والخامس، فلم يكن هناك أي حديث يُذكر عن ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام ومطار الظهران الدولي اللذين احتلا غلافي العددين.
بداية اختيار الغلاف المعبِّر
بدءاً من العدد السادس، يبدو أن إدارة التحرير تنبَّهت إلى أن صورة الغلاف يجب أن تكون معبّرة عن الموضوع الأبرز داخل العدد، فجاءت أغلفة الأعداد السادس والسابع والعاشر والثاني عشر حول تقارير واستطلاعات موسّعة، وهي على التوالي: (شركة سافكو، قطار المؤسسة العامة لخطوط الحديد، معمل تكرير الزيت في رأس تنورة، وتطوُّر صناعة الطيران). أما أغلفة الأعداد الثامن والتاسع والحادي عشر، فقد ارتبطت بحلول شهر رمضان في ذلك العام، وعيدي الفطر والأضحى، وحملت على التوالي صور مئذنة قديمة، وقبة الصخرة، والحرم المكي الشريف، وكانت أقرب إلى بطاقات معايدة منها إلى أغلفة مجلة، وذلك لخلو المادة التحريرية من أي موضوع حول هذه المناسبات، باستثناء إعلانات المعايدة الموجَّهة إلى الملك فيصل – يرحمه الله- وقيادات البلاد.
توازن للتعبير عن العام
عندما نتأمَّل ملياً في طبيعة الاهتمامات كما عكستها أغلفة السنة الأولى، نجد أن البُعد السياسي والوطني احتل غلافين، وقطاع النقل احتل غلافين، وقطاع صناعة الزيت الوطنية غلافين، وغرفة الشرقية غلاف واحد، وثلاثة أغلفة للمناسبات الدينية، وواحد هو الأخير لصناعة أجنبية وعالمية كبرى.
ومثل هذا التوازن في التعبير عن القيم والاهتمامات التي كانت في صلب ركائز النهضة التجارية والصناعية آنذاك، يؤكد أن «الاقتصاد» ولدت واعية تماماً لطبيعة رسالتها، فالتطلع إلى مجمل هذه الأغلفة دفعة واحدة يُبدِّد كل الانتقادات «المهنية» التي يمكن للبعض أن يوجِّهها لكل غلاف على حِدَة.
بين قطاع المقاولات والمغسلة.. خدمات تتكامل وأخرى تتجزأ
مما تكشف عنه أعداد «الاقتصاد» في سنتها الأولى، هو كيفية نشوء بعض الخدمات والأعمال تحت ضغط الحاجة الملحّة، وما يفرضه النمو والتطوُّر الطبيعي، ففي العدد الأول، روى رجل الأعمال الشيخ محمد المانع – يرحمه الله- تاريخ نشأة المقاولات في المنطقة الشرقية بشكل وثائقي مدهش في دقته، هذا القطاع الذي ظهرت نواته الأولى بهدف تلبية احتياجات المشروعات الإنشائية لشركة أرامكو، بدءاً بالروّاد الخمسة الأوائل الذين وقّعت معهم أرامكو عقود مقاولات رسمية في عام 1937، وهم «السادة علي السيهاتي ولطفي ناجي ومحمد عبدالمطلوب وعبدالعزيز أباعود ومحمد بن ناصر البنعلي».
وبعد أن يستعرض نمو قطاع المقاولات غداة الحرب العالمية الثانية، ماراً بذلك على الشركات التي تأسست آنذاك ومنها شركة المانع خزيم وعثمان، توالت الأعمال التي كانت تقوم بها شركة بكتل، ومن ثم العليّان وشركاؤه، والتميمي باحسين.. يقول:»ولكن عدد المقاولين (المتعاقدين مع أرامكو) ازداد بسرعة، بحيث بلغ في أوائل الخمسينيات ما يقرب من سبعمائة مقاول، ثم ألف مقاول فيما بعد. وبالطبع، كان لا بد من أن تسير أعمال الإنشاء لدى الشركة نحو التكامل،الأمر الذي يتبعه تناقص في المقاولات وبالتالي في أعداد المقاولين الذين أصبح عددهم الآن لا يزيد على المائتين والخمسين مقاولاً، يتوزعون في مختلف أنواع المقاولات…».
وإذا كان «التكامل» ينطوي على توسعة ما هو قائم عبر الدمج والتطوير والتوسعة، فإن قطاعات خدماتية أخرى نشأت أولاً، وتحت ضغط الحاجة دائماً، بمقاييس عملاقة، وكان لا بد لها في السنوات اللاحقة من أن تتجزأ، استجابة لحاضرة الدمام النامية والمتوسعة بسرعة صاروخية.
في العدد الثاني من السنة الأولى ظهر إعلان لافت على صفحة كاملة، يعلوه السؤال «مَنْ هؤلاء؟» وتحت السؤال صورة فوتوغرافية لنحو مائة رجل مصطفين جلوساً ووقوفاً أمام مبنى حديث، والجواب تحت الصورة يقول: «إن هذا الحشد الكبير من الموظفين المدرَّبين تدريباً خاصاً فنياً وعلمياً جنّدته المغسلة الوطنية للعمل على أحدث آلاتها الأوتوماتيكية في خدمة زبائنها في طول المنطقة الشرقية وعرضها».
وعلى ضوء ما نعرفه عن المغاسل المنتشرة في مختلف الأحياء اليوم، ولا يزيد عدد عمالها على الثلاثة أو الأربعة، يمكننا أن نذهب بخيالنا إلى تلك الأيام عندما كانت الحاجات والفُرص كبيرة، حاجة الآلاف من سكان المنطقة الشرقية إلى وجود مغسلة في الحاضرة الناشئة والنامية بسرعة هي التي كانت وراء إنشاء هذه المغسلة الرائدة بمقاييسها العملاقة التي تخاطب المنطقة الشرقية بأسرها. وبطبيعة الحال، ومع استمرار نمو حاضرة الدمام، كان من الطبيعي أن يتجزأ لاحقاً هذا النوع من الخدمات بدلاً من البقاء محصوراً في المغسلة الوطنية في الدمام التي ظلَّت لعدة سنوات من المعلنين الدائمين في «الاقتصاد».
لولا الدعم الذي قدَّموه لما كانت “الاقتصاد”.. شركاء النجاح
المؤكد أن «الاقتصاد» لاقت استقبالاً حافلاً، وحماسة شديدة في الترحيب بإصدارها من رجال الأعمال في المنطقة، منذ أن كانت مجرد فكرة، يدل على ذلك أن عددها الأول الذي تألَف من 42 صفحة، تضمَّن 10 إعلانات على صفحة كاملة ومادتين صحافيتين من المرجّح أنهما كانتا مدفوعتي الأجر.
وتستوقفنا هذه الإعلانات لسببين: أولهما من باب التحية والاعتراف بالجميل لدور هؤلاء في ضمان استمرارية المجلة وتطورها، وثانيهما أن هذه الإعلانات توثّق بوضوح الصورة العامة لطبيعة الأعمال التي كانت قائمة آنذاك، حتى ولو لم تكن كافية لتقديم كشف كامل بكل الأعمال.
وعندما نطالع أسماء المؤسسات المعلنة عبر أعداد السنة الأولى، نجد أن معظمها كان من الشركات الرائدة في دنيا التجارة والصناعة، وباتت في السنوات التالية أضخم وأشهر من أن تحتاج إلى تعريف، وفي ظل عمالقة الاقتصاد هؤلاء، تضمَّنت قائمة المعلنين في السنة الأولى بعض المؤسسات الصغيرة التي كانت تُطل برأسها في المجلة من وقت لآخر، وخاصة في المناسبات، مثل الأعياد أو اليوم الوطني. ومن هؤلاء الشركاء في النجاح، نذكر، على سبيل المثال لا الحصر:
شركة عبدالهادي عبدالله القحطاني وأولاده
على الغلاف الخلفي من عدد الاقتصاد الأخير إعلان لـ“شركة القحطاني لصناعات تغليف الأنابيب» التي تفرّعت عن «شركة عبدالهادي عبدالله القحطاني وأولاده». وفي العدد الأول من «الاقتصاد»، نجد ثلاثة إعلانات لهذه الأخيرة، أحدها احتل بطن الغلاف الأمامي، وآخر الغلاف الخلفي، وثالث بينهما، وبذلك تكون هذه الشركة من أقدم المعلنين في المجلة وكبار داعميها.
ومعلوم أن الشركة التي أسسها عبدالهادي القحطاني، -يرحمه الله- في عام 1940، توسَّعت منذ ذلك الحين لتغطي عديداً من المجالات الاقتصادية، بما فيها الصناعة والتجارة، في الأغذية والمواد الكيماوية والدهانات، وأعمال البنية التحتية، وغير ذلك، وتفرعت إلى عدة شركات يديرها أبناء المؤسس الراحل – يرحمه الله-.
شركة حمد أحمد القصيبي
عندما صدر العدد الأول من الاقتصاد، كان قد مرَّ نحو 27 سنة على تأسيس «شركة حمد أحمد القصيبي وأولاده» كشركة تجارية بدأت في مجال خدمات الصرافة، وكانت هذه الشركة في رحلة نموها وتوسعها من أقدم داعمي المجلة، إذ تضمَّن العدد الأول إعلاناً لمبيعاتها من بطاريات وإطارات السيارات ومضخات البنزين، وسرعان ما تبدَل محتوى الإعلان ليشمل منتجات أخرى تعكس توسَّع أعمال الشركة التي أسسها الشيخ حمد أحمد القصيبي (أول رئيس لغرفة الشرقية) – يرحمه الله-، بحيث باتت أنشطتها تشمل العقارات، والصناعة، والفندقة، وتجارة المواد الغذائية، وتقديم خدمات حقول النفط لشركة أرامكو السعودية، والاستثمارات في المصارف والتأمين و الشحن والتفريغ، والتمويل، ثم تحوَّلت إلى شركة قابضة.
شركة بقشان التجارية
ارتبط اسم شركة بقشان التجارية بمجلة الاقتصاد، كواحد من أقدم المعلنين فيها، كانت بداية الشركة كوكيل لإطارات بريجستون، وبعض المنتجات الإلكترونية، لكنّها تطوّرت وتوسع نشاطها، وهي اليوم واحدة من أكبر الشركات التجارية في مجال المقاولات وتجارة المعدات الخاصة بشركات المقاولات، وكذلك تجارة العطور ومواد التجميل.
مصنع الألبان الوطني
لسنوات طويلة، ظل مصنع الألبان الوطني واحداً من أهم المعلنين في المجلة منذ الأعداد الأولى، فكانت الاقتصاد النافذة التي يطل منها على عملائه، مقدماً لهم منتجاته الجديدة، بخطاب إعلاني مباشر حتى الطرافة جرياً على ما كان رائجاً في تلك الأيام، «يطمئن» المستهلكين أن منتجاته «..مصنوعة بأحدث الآلات الأوتوماتيكية، وأنها على جانب عظيم من النظافة لأن اليد لا تمسها…». ويعد مصنع الألبان الوطني أول مصنع سعودي لإنتاج مشتقات الحليب، أسسه المرحوم عبدالله المطرود (الذي كان عضواً في مجلس إدارة الغرفة لأكثر من دورة).
شركة الغازات الصناعية السعودية
قبل نحو خمسين عاماً، كانت شركة الغازات الصناعية السعودية تخطو في عالم بالغ الصعوبة، لكنّها وجدت في صفحات «الاقتصاد» فرصة للخروج للنور، وإيجاد عملاء جدد، وتحوّلت الشركة لاحقاً إلى واحدة من أكبر شركات الغازات الصناعية، تملك فروعاً في شتى مدن ومحافظات المملكة ومحافظاتها.
المغسلة الوطنية
نعم، كانت المغسلة من كبار المعلنين، نظراً لضخامتها وريادتها في تقديم هذه الخدمة، وقد أشرنا إلى ما كان يعنيه إعلانها في مكان آخر من هذا التقرير.
شركة صالح وعبدالعزيز أباحسين المتحدة
خلال خمسة عقود، تطوَّرت شركة صالح وعبدالعزيز أباحسين من مقاول كهربائي إلى شركة توزيع للكهرباء. تأسست هذه الشركة في عام 1947، للأخوين صالح وعبدالعزيز أباحسين، وكانت من أوائل المعلنين في السنة الأولى من صدور الاقتصاد، ونمت وتطوّرت حتى أصبحت واحدة من أفضل 50 شركة على مستوى المملكة.
محمد محمود زاهد وإخوانه (جنرال موتورز)
كانت شركة محمد محمود زاهد وإخوانه وكيلاً لشركة «جنرال موتورز» الأمريكية في الأربعينيات من القرن الماضي، واعتمدت على الإعلان في «الاقتصاد» لتسويق منتجاتها وسياراتها. تُعرف الشركة الآن باسم «شركة التوكيلات العالمية للسيارات» بعد أن اندمجت مع «العربية للسيارات» عام 1997 وتطوّرت الشركة خلال تلك الفترة لتعيِّن وكلاء لها في عدد من البلدان المجاورة مثل الأردن والكويت والبحرين.
التوكيلات العمومية للآلات
لسنوات طويلة، ظلت التوكيلات العمومية للآلات واحدة من أهم شركاء المجلة، ونجحت خلال الفترة الماضية في توسيع نشاطها، لتشمل مناطق المملكة، ولتصبح واحدة من أكبر شركات توريد الآلات الضخمة.
عبدالله هاشم (هوندا)
بدأت الشركة أعمالها ببيع بعض منتجات شركة “هوندا” اليابانية مثل الدرّاجات النارية والمولدات، مضخات المياه، والآلات الزراعية، وجزّازات العشب والرشاشات. وبدءاً من العدد الثالث من “الاقتصاد”، تم تذييل إعلانها بعبارة تقول: انتظروا قريباً مفاجأة الموسم: سيارات هوندا”. وبالفعل، أصبحت هذه الشركة وكيل سيارات هوندا، وبعدما كان لديها أربعة فروع عند بداية علاقتها بالمجلة، باتت تمتلك أكثر من 20 صالة عرض، إضافة إلى أكثر من 30 موزعاً معتمداً، وهي تُعد من أبرز شركاء “الاقتصاد” في النجاح.
عبدالعزيز وسعد المحمد المعجل
ارتبط اسم شركة عبدالعزيز وسعد المحمد المعجل التي تأسست في 1928، بمجله “الاقتصاد” منذ السنة الأولى لصدورها، وتطوّرت الشركة التي كانت تعمل في مجال المواد الغذائية بشكل خاص، لتصبح واحدة من أهم شركات التعهدات والوكالات في السعودية، وتوّسع نشاطها ليضم توريدات أنابيب الحديد والبلاستيك ومعدات صناعة الزيت والمواد الكيماوية، إضافة إلى المواد الغذائية ومواد البناء.
مفروشات المطلق
مفروشات المطلق اليوم من أكبر معارض الأثاث في السعودية، بدأت علاقتها مع “الاقتصاد” منذ السنة الأولى، واستمرت لفترة طويلة.
وعلى المنوال نفسه…
لا يمكننا أن نغفل الدعم الذي قدّمته شركة أرامكو (أرامكو السعودية لاحقاً) بدءاً من العدد الثالث من السنة الأولى عندما راحت تنشر إعلانات توجيهية وتوعوية تحت عنوان “أرامكو في سطور”، وكان محتواها عبارة عن نص طويل حول صناعة الزيت، وكان أولها عن الغاز المصاحب للزيت وأهمية فصلهما عن بعض.
وتقتضي الأمانة أن نشير إلى أن المعلنين عند انطلاقة المجلة لم يكونوا جميعاً بمقاسات الأسماء الواردة أعلاه أو بالانتظام والديمومة نفسيهما، فمن المعلنين بتقطع منذ السنة الأولى يمكننا أن نذكر فندق مطار الظهران الذي بقي معلناً منتظماً لفترة طويلة، وفندق الخاجة في الخبر، وبنك هولندا العام، ومصانع الدمام التعاونية، وشركة الملاحة الباكستانية، وصولاً إلى بعض المتاجر الصغيرة في الخبر.
الورق والطباعة..
كانت «الاقتصاد» تُطبع في «مطابع المطوع» الحديثة جداً آنذاك، وكانت قد تأسست قبل صدور المجلة بخمس سنوات (1963م). وكان العدد الأول بالأسود والأبيض بشكل كامل على ورق فاخر نسبياً، مصقول ونصف لمّاع. أما الغلاف فحمل لوناً إضافياً واحداً إلى الأسود والأبيض. لكن بدءاً من العدد الثاني، صار لون الغلاف يدخل على بعض الصفحات الداخلية، ولاحقاً تعدّدت الألوان ضمن العدد الواحد، ولكنها اقتصرت على عناوين الأبواب وبعض الإعلانات التي كانت تُصوّر بالأسود والأبيض وتُطبع بلون واحد.
وبعدما كان غلاف العدد الأول مماثلاً لورقه الداخلي، ازداد سماكةً بشكل ملحوظ، وصولاً إلى المستوى المقبول في العدد الثاني عشر، ولكنه بقي صورة بالأسود والأبيض يحيط بها إطار يغطي باقي الصفحة بلون واحد.
..وبالإنجليزية أيضاً
بدءاً من العدد الثالث، راحت الاقتصاد تنشر جزءاً من مادتها باللغة الإنجليزية، في تسع أو عشر صفحات تقع في نهاية العدد، الأمر الذي يدل على وجود حاجة لتنشيط التواصل الذي كان قائماً مع المؤسسات التجارية الأجنبية، وحاجة الوافدين من رجال الأعمال الذين كانوا في المملكة للاطلاع على ما يجري حولهم، وخاصة ما يتعلق بالقوانين وإجراءات وضوابط العمل وأمور كثيرة يمكن أن تعنيهم مباشرة أو بشكل غير مباشر.
من الأبواب الثابتة في الجزء الإنجليزي، الافتتاحية التي كان يكتبها مدير التحرير، وهذه لم تكن ترجمة للافتتاحية الرئيسة المكتوبة بالعربية، بل تختلف عنها تماماً، حتى وإن لامست في بعض الأعداد الشأن المطروح في الافتتاحية العربية.
وشملت قائمة الأبواب الثابتة: القوانين التجارية والجمركية، الإحصاءات (حول أحجام الواردات)، الأخبار الاقتصادية، والمناقصات.
كما ظهرت في بعض الأعداد أبواب ما كان مكتوباً لها أن تستمر: مثل «من هو» الذي ظهر في ثلاثة أعداد فقط، وحاول التعريف ببعض الشركات التجارية والصناعية. كما ظهرت بتقطع بعض البحوث المطوّلة مثل العلاقات الدانماركية العربية، بترومين، التربية والتعليم في المملكة، وتاريخ الجزيرة العربية بشكل عام.
أسعار العملات.. شهرياً!
من أكثر زوايا المجلة إثارة للاستغراب والتساؤل زاوية «أسعار العملة» التي ظهرت بدءاً من العدد الرابع، واستمرت حتى العدد الثامن، وتحت عنوان الصفحة هناك إشارة تقول: «مأخوذة من البنك الأهلي التجاري في الدمام»، فأية فائدة كان يمكن أن يحملها عرض أسعار العملات مرة في الشهر، ونحن نعرف أن أسعار العملات تتقلب من دقيقة إلى أخرى؟
صحيح أن المضاربة على أسعار العملات بالمفهوم الذي نعرفه اليوم (الفوركس) لم تكن موجودة آنذاك، كما أن رجال الأعمال من تجار وصناعيين كانوا يكتفون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بالاطلاع على أسعار العملات كما تتحدد في البورصات من خلال الصحف في اليوم التالي، أما البنوك فكانت تتلقى قوائم الأسعار بواسطة جهاز التلكس المنقرض حالياً، ولكن السؤال حول جدوى هذه الزاوية يبقى قائماً، خاصة وأن أعداد الاقتصاد نفسها تناولت بكثير من التفصيل نتائج تخفيض قيمة الإسترليني في العام السابق، وأيضاً موقف الرئيس الفرنسي شارل ديغول من تخفيض قيمة الفرنك، أي أنه كان هناك حراك يطيح بجدوى أي تسعير للعملات على أساس شهري.
التفسير الوحيد لوجود هذه الزاوية (ويبقى غير مقنع تماماً) قد يكون في إعطاء «فكرة تقريبية» عن أسعار العملات للتجار والصناعيين الذين هم على وشك الدخول في علاقات خارجية جديدة، والإشارة إلى مصدر هذا التسعير، يمكنه أن يكون بمثابة إحالة إلى البنك الأهلي التجاري للمزيد من الدقة في التسعير، وغير ذلك، لا نجد مبرراً لنشر هذه الزاوية إلا الحاجة إلى أي مادة لتعبئة صفحة فارغة خلال فترة الاضطراب الطبيعية التي تمر بها أي مجلة طليعية في مجالها خلال انطلاقتها. المؤكد، أن إدارة التحرير أدركت في وقت لاحق أن لا فائدة من هذه الزاوية، فحذفتها بعد العدد الثامن.