في خطوة مدروسة، حقق طرح شركة أرامكو السعودية لسندات دولية نتائج أذهلت المراقبين والمتابعين بحجم التغطية، والإقبال الذي تخطى عشرة أضعاف المطروح، في خطوة استباقية يمكن وصفها برمي حبل التجربة أمام المستثمرين العالميين، لقياس مدى جاذبية الشركة. وهبّ المستثمرون حول العالم لشراء سندات «أرامكو» في إشارة واضحة ودلالة ظاهرة على جاذبية الشركة ورغبة المستثمرين فيها. نسعى في «الاقتصاد» لتتبع دلالات هذا الحدث وانعكاساته.
الطرح والتاريخ
خلال شهر أبريل، أعلنت شركة الزيت العربية السعودية – أرامكو السعودية – عن إطلاقها حزمة سندات دولية في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الشركة للتوجه نحو سوق الدين العالمي، كاشفة عن تحديد سعر الطرح الأولي لسنداتها بقيمة 12 مليار دولار، ضمن برنامج عالمي تتبناه في خطتها لطروحات سندات متوسطة الأجل خاصة بالشركة.
وتضمَّن الطرح خمس دفعات ذات أولوية وغير مضمونة، ومسعّرة بالدولار الأمريكي، موزَّعة على 6 شرائح بآجال استحقاق بين 3 سنوات و30 عاماً، في وقت تُعد هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها عملاق النفط العالمي «أرامكو» إلى أسواق الدين الدولية.
وفي بداية أبريل، عقدت أرامكو لقاءات مع المستثمرين عبر جولة ترويجية عالمية للتعريف بالسندات قبل الإصدار، استهدفت الشركة من ورائها جذب مستثمري الأسواق الناشئة ومشتري السندات ذات التصنيف الممتاز، إذ إن وضع أرامكو كأكبر شركة نفط في العالم يضع سنداتها على قدم المساواة مع كبرى شركات النفط العالمية المستقلة.
الفالح: سندات أرامكو مؤشّر لقياس اهتمام المستثمرين المحتمل بالطرح العام الأولي المزمع للشركة
وسوف تكون السندات مقبولة للتداول في السوق المالية المنتظمة في لندن، ومدرجة في القائمة الرسمية لدى هيئة الإدراج بالمملكة المتحدة.
وقبيل فترة الطرح، كشفت «أرامكو» لأول مرة، عن تفاصيل مالية تتعلق بها، جاء ذلك في نشرة متزامنة مع ترتيبات طرح السندات، حيث أظهرت أنها حققت أرباحاً بلغت 111 مليار دولار خلال العام الماضي، الأمر الذي يصنفها بين الشركات العالمية من حيث حجم الربح.
مسببات التوجه
ولأنها المرة الأولى التي تذهب إليها «أرامكو» نحو سوق الدين، تعدَّدت مسببات هذا التوجه، على الرغم من إعلان الشركة مسبقاً عن برنامج مختص بالسندات ضمن خططها، إلا أن من بين أبرز الأسباب التي طرحت: البحث عن تمويل جزء من صفقة شراء حصة صندوق الاستثمارات العامة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، حيث تعد هذه الصفقة ضخمة الحجم على نحو يقدر قيمتها بـ 69.1 مليار دولار، حيث يمكن لبرنامج السندات أن يكون الحل الملائم والأنسب لإيجاد السيولة اللازمة، لاسيما مع ارتفاع تقييم أرامكو الائتماني، فيما اكتفت الشركة بالتأكيد على أنها ستستخدم عائدات بيع السندات للأغراض العامة.
أما الشخصية الحكومية الأولى على صعيد النفط، وهو وزير الطاقة السعودي المهندس خالد الفالح، فقد لفت إلى أن الطلب على أول سندات دولية من أرامكو السعودية يُنظر إليه كمقياس لاهتمام المستثمرين المحتمل بالطرح العام الأولي المزمع، الأمر الذي يُعدُّ سبباً جوهرياً ومنطقياً. ورغم أن الفالح في حينه قدَّر أن الطلب على السندات سيبلغ أكثر من 30 مليار دولار، جاءت النتائج أعلى من ذلك وبكثير، إذ تداولت المعلومات الواردة بأن إجمالي الطلب التي تلقته «أرامكو» تخطى حاجز 100 مليار دولار، وهو ما يعني قرابة عشرة أضعاف الحجم المعروض، ما يؤكد على دلائل أخرى بخلاف أهمية الشركة وجاذبيتها.
السديري: نجاح إصدار «أرامكو» ينعكس إيجابياً على الإصدارات السعودية اللاحقة
النتيجة المذهلة
سجل الإصدار الأول للسندات الدولية لـ «أرامكو»، رقماً قياسياً إذ كشفت وثيقة أصدرها أحد البنوك المرتبة للعملية عن تلقي الشركة قرابة 100 مليار دولار، أي ما يمثل 10 أضعاف المطلوب، مما يؤكد الثقة العالمية بالتدفقات المالية لـ «أرامكو» واقتصاد السعودية ومؤسساتها التي تعمل تحت ظله.
ويمكن الربط هنا، بأن طرح تجربة السندات الدولية الناجح، يبرهن على موثوقية توجه الدولة نحو الطرح العام لشركة «أرامكو» بنسبة %5، والمتوقع أن يسفر عن 100 مليار دولار لدعم الاقتصاد الوطني للعقد المقبل، حيث إن الإقبال على سندات «أرامكو» بهذه التغطية، عكس بقوة ثقة المستثمرين بالشركة وتدفقاتها النقدية الإيجابية. واعتبرت وكالة الأنباء العالمية المعروفة «رويترز» أن الطلب على سندات «أرامكو» يُعد الأكبر بالنسبة للأسواق الناشئة.
الانعكاس الاقتصادي
وعلى الرغم من أن الثقة كانت ظاهرة بمدى جاذبية «أرامكو» للمستثمرين العالميين، إلا أن دلائل مثل هذه الرغبة الطاغية من المستثمرين تعطي مؤشراً واضحاً على متانة الاقتصاد الوطني الذي تعيش تحت ظله هذه الشركة، كما يجمع على ذلك مختصون ماليون واقتصاديون.
ويرى رئيس الأبحاث في شركة الراجحي المالية مازن السديري أن هذا الطلب القوي على سندات «أرامكو» يعكس بوضوح تام مدى ثقة مستثمري العالم الذين أقبلوا بكثافة على هذا الإصدار، مورداً ما قوله: «الثقة في أرامكو تنبع من التصنيف الائتماني القوي للشركة، ومن القدرات الضخمة لها، كما أن صناعة النفط تعتمد على التدفقات النقدية، ولدى أرامكو أعلى ربحية وأقل تكلفة وأضخم احتياطي نفطي مثبت بالعالم المقدر بنحو 266 مليار برميل».
ويتوقع السديري أن يسهم نجاح إصدار «أرامكو» بشكل إيجابي على الإصدارات السعودية وإصدارات أرامكو اللاحقة المرتقبة لتمويل صفقة استحواذها على حصة %70 من «سابك» التي أبرمت اتفاقية شرائها مع صندوق الاستثمارات العامة، لافتاً إلى توقعاته بمزيد من اعتماد شركة «أرامكو» على سوق السندات في تمويل صفقة شراء حصة «سابك» لتوفير 24 مليار دولار هذا العام.
من جهته، علَّق راشد الفوزان وهو الكاتب الاقتصادي المعروف أن حجم التغطية الدولية للطرح بما يقارب 10 مرات، لها دلالات اقتصادية واستثمارية جوهرية، حيث بجانب أنها كشفت بجلاء رغبة وقوة المستثمرين في الاستثمار بهذه السندات ذات العائد المرتفع والمضمون، إلا أن المهم هو أن المستثمر لن يضخ أمواله حتى وإن كانت ذات عائد مرتفع، ما لم يملك الثقة والأمان بهذه السندات «كشركة» و«دولة» حين تكون سيادية.
الفوزان: «أرامكو» تخطَّت دور شركة النفط التقليدية.. ونتائج طرحها تؤكد الثقة باقتصاد المملكة
ووفقاً لما أشار إليه الفوزان، فإن التغطية المقدرة بأكثر من 100 مليار دولار هي مؤشر على قراءة مستقبلية، حين يكون التوجه بطرح نسبة من «أرامكو» للاكتتاب العام مستقبلاً وقريباً، مفيداً بالقول: «هذه التغطية تصويت وتعبير عن رغبة المستثمرين وثقة بها، والأهم أيضاً أن السندات جاءت بأفضل الأسعار لأرامكو، ما يعزز قوة الملاءة المالية والاستثمارية للشركة».
ويعتقد الفوزان أن «أرامكو» باتت حالياً خارج نطاق شركات البترول التقليدية، إذ تخطت بأدائها دور شركة النفط الكلاسيكية وأصبحت تستحوذ، وتتوسع، وتتنوَّع في نشاطها، وتستهدف تحقيق تكامل مع شركات عالمية، وهو ما يجعلها أكثر قوة وتوسعاً ونفوذاً في الأسواق الدولية.