ماذا تحمل الأيام والشهور المقبلة للاقتصاد العالمي؟ يطرحُ سؤالُ السّاعة نفسَه بقوة وبإلحاح على الخبراء والاقتصاديين العالميين وكبريات الشركات العالمية والمُنتجين، تفرضُه على الجميع حالةُ التباطؤ الاقتصادي التي تعانيها، وتُعاني بسببها غالبية دول العالم، ولعوامل وظروف عدّة، تارة بسبب استمرار الانخفاض النسبي في أسعار النفط، وأخرى بسبب الصراعات التجارية خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو بسبب النزاعات السياسية بين التكّتلات الكبرى حول المصالح الاقتصادية، ولغيرها من العوامل والظروف والأسباب.. ويستدعي سؤال «الاقتصاد العالمي» سؤالاً آخر في غاية الأهمية، يطرح نفسه بالقوة نفسها، بل وأكثر قوة وإلحاحاً: ما الذي تحمله الفترة المقبلة للاقتصاد السعودي؟ وهل سيدخل دوامة التباطؤ مثل بقية دول المنطقة، أم أنه سوف يستمر في السباحة ضد «تيار التباطؤ» قادراً على مقاومة تداعياته، والنجاة منها بنجاح، كما نجح في تجاوز الزلزالين اللذين ضربا الاقتصاد العالمي في 1998 و2008؟ «الاقتصاد» ترصد حالة التباطؤ التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ومستقبل الاقتصاد السعودي خلال الفترة المقبلة..
الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم تخطت مرحلة التكهنات والرؤى المستقبلية إلى واقع مرير رصده صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير «آفاق الاقتصاد العالمي 2019»، والذي يرجح من خلاله أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي، ليصل إلى %3.3 خلال العام الجاري بدلاً من %3.6 في 2018 ونحو %4 في 2017، وتوقع التقرير أن يشهد النصف الثاني من العام الجاري مزيداً من التباطؤ بفعل التوترات التجارية، واحتمال خروج مضطرب لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانعكاس ذلك على اقتصاد القارة العجوز (أوروبا) والاقتصاديات المرتبطة بها، كما تمتد حالة التباطؤ الاقتصادي لتشمل كلاً من الصين وأمريكا بسبب تشديد الإجراءات التنظيمية، وزيادة التوترات التجارية فيما بينهما. أما بالنسبة لتقديرات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري، فمن المتوقع أن لا يتجاوز الاقتصاد الأمريكي نسبة %1.8، بينما ألمانيا %0.8، وإيطاليا %0.1، وبريطانيا %1.2، وروسيا %1.6، والمكسيك %1.6.
أسرع نسبة نمو لاقتصاد المملكة في الـ 3 سنوات الماضية %3.59 في الربع الأخير من 2018
أما المملكة التي تتواجد في قلب الشرق الأوسط المشتعل بالنزاعات والاضطرابات، فقد باتت تغرد خارج سرب التباطؤ الاقتصادي، وهو ما تؤكده لغة الأرقام والبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، التي أكدت أن اقتصاد المملكة نما في الربع الأخير من العام الماضي 2018 بأسرع وتيرة خلال ثلاثة أعوام مضت وحقق نمواً بنسبة %3.59 في الربع الأخير من 2018، وذلك على الرغم من تراجع أسعار النفط، مما يؤكد أن المملكة تسير في الاتجاه الصحيح.
كما أكدت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية على تصنيفها الائتماني للسعودية عند (A-/A-2) مع نظرة مستقبلية مستقرة. وعلقت على ذلك بأنها ترى أن المملكة ستحافظ على وتيرة لنمو اقتصادي معتدل في العامين المقبلين، ورجحت أن تسعي حكومة المملكة إلى تنويع مصادر الدخل غير النفطي خلال الفترة المقبلة. أيضاً، وكما سبق أن أكدت وكالة «موديز» على قوة التصنيف الائتماني للمملكة (A1) مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما أعلنت مؤخراً عن عزمها تقديم تصنيفات على النطاق المحلي في المملكة وذلك لتوفير إمكانية أكبر للمفاضلة بين الائتمانات المحلية، مما هو متاح على النطاق العالمي.
صندوق النقد الدولي أيضاً أشاد في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي WEO، بالإصلاحات الاقتصادية في المملكة، مؤكداً أنه يتوقع نمو اقتصاد المملكة بنسبة %1.8 هذا العام، ويرتفع إلى %2.1 في العام المقبل 2020. وهي نسبة أعلى من المتوقع لنمو اقتصاد المنطقة، والتي يرجح صندوق النقد الدولي ألا تزيد على %1.3 بسبب العقوبات على إيران، وانخفاض نمو النفط والأزمات السياسية التي تعاني منها غالبية دول الشرق الأوسط.
البنك الدولي يُشيد بجهود الإصلاح الاقتصادي السعودية ويصفها بـ «رابع» أكبر اقتصاد إصلاحي في الـ 20
التقرير الصادر عن صندوق النقد العربي توقع نمو الاقتصاد السعودي بنسبة %2.6 في العام الجاري، وترتفع النسبة إلى %2.7 في العام المقبل 2020، ورجح التقرير أن يساعد التحسُّن المتوقع في مناخ الأعمال على زيادة مشاركة القطاع الخاص في الناتج تدريجياً، على ضوء الإصلاحات الاقتصادية الكثيرة التي تبنتها المملكة وفقاً لرؤية 2030، لحفز الاستثمار وتعزيز ثقة المستثمرين وتنفيذ برامج للتخصيص.
كما توقَّع صندوق النقد العربي أن تجد أنشطة القطاع غير النفطي في المملكة دعماً من واقع استمرار الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية والاستثمارية والمشروعات المرتبطة بخطط التنويع الاقتصادي، وهو ما سيدعمه التحسن المتوقع في مستوى الإيرادات الكلية التي من المرجح أن تشهد ارتفاعاً بنسبة %9 خلال العام الجاري 2019. كما رجح الصندوق، تراجع عجز الموازنة العامة بالدولة إلى 131 مليار ريال خلال العام الجاري، بما يمثل %4.2 من الناتج المحلي الإجمالي.
كذلك أشاد التقرير الأخير للبنك الدولي بجهود الإصلاح الاقتصادي بالمملكة، ووصفها بأنها رابع أكبر دولة إصلاحية في مجموعة العشرين، وذلك نتيجة سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي شملتها رؤية تطوير السعودية لعام 2030.
الإشادة الدولية باقتصاد المملكة تمتد لتشمل أيضاً الإشادة بالشركات السعودية الكبرى وفي طليعتها «أرامكو السعودية»، أكبر منتج للنفط في العالم، والتي حصلت مؤخراً على تصنيف A+ من وكالة فيتش وA1 من وكالة موديز وذلك في أعقاب نجاح أرامكو السعودية في تحقيق أرباح قبل الفائدة والضرائب بلغت 224 مليار دولار في عام 2018، متخطية شركات عملاقة عالمية مدرجة مثل: (إكسون موبيل، رويال داتش، شل، توتال، بي. بي). كذلك شركة الاتصالات السعودية (STC) ارتفع تصنيفها من قبل وكالة «موديز» في الإصدار طويل الأجل من الفئة A2 إلى الفئة A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة وذلك بفضل التحسن في البيئة التشغيلية والسيادية للشركة.
توقعات بتراجع النمو العالمي إلى %3.3 في 2019 من %3.6 في 2018 و%4 في 2017
التقارير الصادرة عن تلك المؤسسات الدولية وغيرها تؤكد جميعها أن الاقتصاد السعودي يسير في الاتجاه الصحيح وفقاً للخطة التي تلتزم بها الحكومة لتحقيق رؤية 2030 والتي أثمرت عن تحقيق نتائج مالية متميزة خلال الربع الأول من العام الجاري 2019 أبرزها تحقيق فائض في ميزانية الدولة بقيمة 27.8 مليار دولار، وذلك لأول مرة منذ عام 2014 ووصلت الإيرادات غير النفطية إلى 76.3 مليار ريال، كما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمملكة بنسبة %28 نتيجة للدور الكبير الذي تقوم به اللجنة الوطنية للتراخيص الاستثمارية في تحسين البيئة التشغيلية الاستثمارية، مما ساعد في جذب استثمارات أكبر إلى المملكة في الفترة الأخيرة بعدما انخفضت متطلبات التراخيص لأكثر من النصف.
وعلى صعيد النتائج المالية للشركات المدرجة في هيئة السوق المالية (تداول) فقد ارتفع إجمالي الأرباح المجمعة للشركات الـ 174 المدرجة خلال العام 2018، إلى 105.42 مليار ريال، مقارنه بأرباح قدرها 104.23 مليارات ريال تحققت في العام السابق 2017 وذلك في وقت شهدت فيه عديد من أسواق المال في المنطقة العربية تراجعاً لافتاً في أرباح الشركات مما يعكس المرونة الكبيرة التي يتمتع بها اقتصاد المملكة في مواجهة الأزمات العالمية والإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها حكومة المملكة وفقاً لتوجيهات ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – رعاه الله – والتي أثمرت وجهاً آخر مرناً للاقتصاد السعودي لا يرتكز فقط على النفط، وإنما يستند لمنظومة شاملة، حيث تواصل القطاعات غير النفطية تسجيل معدلات نمو جيدة، مع زيادة الانفتاح للتجارة والاستثمارات الأجنبية، وتحديث البنية التحتية، وتعزيز الإنتاجية باستخدام التكنولوجيات الحديثة، وتشجيع المعرفة، وإيجاد مناخ أعمال أكثر تنافسية أمام المستثمرين. وفي الوقت نفسه نجح الاقتصاد السعودي في السيطرة على معدلات التضخم، وخفض نسب البطالة بين أبناء المملكة، وتوفير الآلاف من فرص العمل، وتيسير فرص الحصول على التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما أثمر عن انخفاض معدل البطالة لإجمالي السعوديين (15 سنة فأكثر) إلى %12.7 خلال الربع الأخير من عام 2018، مع توقعات بانخفاض تلك النسبة خلال 2019 بحسب الهيئة العامة للإحصاء السعودية، مما يمثل مؤشراً قوياً على أن اقتصاد المملكة يمضي بخطى ثابته نحو تحقيق التنمية المستدامة.