مضى على إنشاء سكة حديد الدمام الرياض ما يقارب من سبعين عامًا. خدمت خلالها المجتمع بما كان مُتاحّا لها من الإمكانات، ولاتزال. كانت حين إنشائها فكرة جريئة، نبتت في ذهن ملك كان قد تعدى طموحه وفكره ونظرته للمستقبل زمانه بعقود. وكان قبلها بما يقل قليلاً عن عقدين، قد أبرم مع الأمريكان، على ما بينه وبينهم من المسافة والاختلاف في العقيدة والبيئة الاجتماعية، وهو ابن الصحراء، اتفاقية البحث واستخراج البترول. كانت ثورة في بُعْدْ النظر ورؤية المستقبل، من إنسان كان لا يملك ـ رحمه الله ـ لتسيير أمور مملكته الفتية إلا قوة الإرادة والاتكال على الله، سبحانه وتعالى.
ولم يجد حينها جلالته أفضل من تكليف شركة الزيت العربية الأمريكية ـ أرامكو ـ لتنفيذ مشروع سكة الحديد من الدمام إلى الرياض، كنواة لخطوط حديدية تشمل معظم مناطق المملكة. وينتقل إلى جوار ربه ـ طيب الله ثراه ـ بعد اكتمال بناء الخط بثلاث سنوات. وتظل سكة الحديد اليتيمة كما هي عبر العقود الماضية، رغم التوسع الكبير في حركة النقل ودخول عصر الشاحنات التي أصبحت نفسها تمثل قطارًا متصلاً من الدمام إلى الرياض، تحمل الأثقال بدلاً من حصرها في القطار الحديدي، وهو الأمثل. وسنعود ـ بإذن الله ـ لاحقًا إلى هذا الموضوع المهم بمقال خاص.
كان القطار، خلال السبعة عقود الماضية وإلى عهد قريب، يسير فقط بين الرياض والدمام، مرورًا بالأحساء. وكأنَّ ذلك هو ما خُلِق له. ومع توسع عمليات البترول في المنطقة الشرقية وإنشاء المدن الصناعية فيها، تضاعفت حركة النقل بشكل غير طبيعي، ونمت حاجة مُلحَّة إلى ربط مدن وقرى المنطقة الشرقية بشبكة سكك حديدية محلية تسير بين المدن الرئيسة كل ساعة أو ساعتين. تخفف من الازدحام على الطرق وتسهل الانتقال وتقلل من الحوادث المرورية، إلى جانب إطالة عمر الطرق الرئيسة العامة. وقد طال التفكير في الموضوع، وكاد أن يكون لا وجود للفكرة رغم أهميتها.
إنشاء خطوط حديدية مستقلة بين مدن الشرقية الرئيسة، متفرعًا من الدمام أصبح ضرورة اقتصادية واجتماعية، إلى جانب حفظ الأرواح من حوادث المرور وتسهيل سبل التنقل اليومي في المنطقة. وليس بالضرورة ربط المشروع بسكة الحديد الحالية، ولا حتمية جعلها مرفقاً حكومياً في الوقت الحاضر. فمن الممكن فتح المجال للقطاع الخاص، والسماح لهم بمشاركات أجنبية لعقد أو عقدين من الزمن، من ذوي الخبرة في هذا المجال. والمطلوب من الدولة فقط، تسهيل إجراءات التأسيس وضمان وجود مسارات لا يتحكم فيها أصحاب ومُلَّاك الأراضي.
ولك أن تتخيل سهولة وسلامة تنقل المواطنين من الأحساء إلى الدمام، ومنها إلى الجبيل، مرورًا برأس تنورة والقطيف. مع النقل الخفيف من البضائع والمنتجات الزراعية. ومن الطبيعي والمؤمل أن يخلق المشروع عشرات الألوف من الوظائف التي نحن بأشد الحاجة لها. وسوف يكون مرفقًا حيويًّا ذا مردود اقتصادي، إذا أخذنا في الاعتبار جميع إيجابياته على مدى عمره الافتراضي الطويل وسهولة توطين وظائفه. وكذلك توفير استخدام المركبات التي نستوردها بالعملة الصعبة وتخفيض صيانة الطرق وتكلفة نسبة كبيرة من حوادث المرور الحالية، إلى جانب حفظ الأرواح الغالية التي تُزهق الآن، والتي لا تقدر بثمن.
نحن نعلم أن هناك أوجه كثيرة لفكرة تسهيل عمليات النقل والتنقل بين مدن الشرقية، من أجل الصالح العام وسلامة المواطنين. والباب مفتوح لمن لديه آراء بنَّاءة وأفكار عملية تسهم في خلق منافسة تؤدي في النهاية إلى إيجاد حل للوضع الحالي واستغلال الفرص الاقتصادية المتاحة. والتوفيق بيد الله.