اخترت العنوان لأنني أكتب في فترة ما قبل انطلاق الاكتتاب في شركتنا الوطنية العالمية “أرامكو” أكبر شركة نفط في العالم، وبعد سنوات ستصبح ـ بإذن الله ـ أكبر وأهم شركة طاقة وصناعة وبعض المفاجآت ـ كما أحدس ـ في العالم، والتي لا جدال أن طرحها كشركة مساهمة عامة، أحد أهم النقلات الاقتصادية في تاريخ السعودية والعالم.
أوجه بوصلتي الكتابية إلى استثمار آخر، أرى بلادي تضع لبناته الأولى عمليا، وهو مشروع التشجير الذي يطمح وسيتجاوز طموحه بسواعد أبنائه إلى زراعة ستة ملايين شجرة في جميع أنحاء المملكة مع حلول الربع الثاني من العام المقبل 2020، عام التحول أو لعله عام المرحلة الأولى من الرؤية السعودية.
عندما رأيت صورة وزير البيئة والمياه والزراعة عبدالرحمن الفضلي يدشن مع الأهالي والمتطوعين والجهات الحكومية والأهلية هذا المشروع بزراعة 50 ألف شجرة في يوم واحد في متنزه ثادق الوطني، شابني شعور جميل، شعور كأنه يستبق الأيام ويجول بي فيزيائيا و”ما ورائيا” في غابة خضراء في مكان كانت صورته في الذهن بلون الرمل أو الصخور.
مثل هذا المشروع يحقق حماية البيئة والحد من التلوث، والوصول إلى بيئة وموارد مستدامة تحقق الأمن المائي، ويسهم في تحسين جودة الحياة، وتوثيق علاقة الإنسان بالأرض، وبالكوكب، ومن قبل ومن بعد تحسين تأمله في جزء من خلق الله البديع، سيتنفس أنقى، ولعله سيفكر أنقى، وغالبا أو لابد أن يعيش ويمارس حياته وعلاقاته البشرية العملية والشخصية أنقى.
قرأت كثيرا عن انعكاس الشجرة على حياة الإنسان، وبلغة يفهمها العالم اليوم ـ حتى وإن حاول تجاهلها ـ انعكاسها على الاقتصاد، والأرقام كثيرة، لكن يكفي فقط أن كل ما هو أخضر وطبيعي يجعل من حياة وإنتاج الإنسان أفضل، وصولا إلى الشفاء ـ بإذن الله ـ من علل النفس والروح.
قبل خمس سنوات، كتبت عن نوع شهير من أنواع نخيل الزينة اسمه “واشنطونيا”، ولا أعرف، ولا أريد أن أعرف إن كان هذا اسم النبتة فعلا، أو هو اشتقاق من انتشارها الأمريكي الذي وصل إلينا في حمى غريبة تناقض كل مبادئ الزراعة والغذاء.
كم تتوقعون عدد نخيل “الواشنطونيا” في الرياض وحدها، أزعم أنه عدد الفيلات مضروبا في اثنين على الأقل، وبعض الفنادق مضروبا في أربعة، والمقرات الحكومية مضروبا في عشرة، والشوارع الرئيسة مضروبا في مائة، وهكذا دواليك.
نتحدث عن ملايين الأشجار من هذا النوع، ودعوني أحدثكم عنها، إنها تبدو من بعيد وإذا طالت واستطالت جميلة المنظر، جمال لا يتحقق إلا بعد سنوات طويلة، ولنوع واحد من أنواعها الأربعة أو الخمسة الموجودة في السوق، ذو “الخصر” النحيل الجائع، والبقية التي غالبا ما ينغش بها الناس كما ينغش رجل بعروس من “البوتكس” لها جذع سميك، وتحتاج إلى التهذيب والتشذيب المكلف ماديا، وهي لا ظل يذكر لها، وبها أشواك بشعة، وعند نزعها ينوء بحملها العصبة من العمال.
كميات من الماء والسماد، والأموال، وما هي الثمرة؟ لا شيء، ومع انطلاق الحملة البيئية أعلاه أدعو لامتناع الناس والمقاولين عن غرسها في كل بيت جديد، وإلى نزعها من كل بيت قائم، كما فعلت، وبعض أصدقائي، الذين “دندرت” على رؤوسهم.
في بلد صحراوي يكلف برميل الماء المحلى كثيرا، يجب أن يكون ما نسقيه كل يوم شيئا نرجو حصاده، اغرسوا الليمون والأترنج والتوت، فإن لم تريدوا زراعة مثمرة، فاغرسوا أنواع الأشجار التي يقول عنها الخبراء ووزارة البيئة أنها الأفضل لبيئتنا وشح مياهنا، والأكثر قربا لتكون جزءا من الدائرة الحيوية ومؤثرا فاعلا أكثر في بيئتنا.
هذا ليس فقط مطلب بيئي واقتصادي واضح، إنما أيضا ضرورة تربوية، وجزء من تشكيل ثقافتنا المفقودة لدى الأجيال الجديدة، لا في الأشجار المثمرة، أو تلك التي من صميم بيئتنا داخل المنزل، دروس جميلة، واقتراب من الأرض، ورائحة أجمل للأوراق والثمار، والأهداف الأخرى متحققة، فهناك الظل، وهناك تقليص الغبار، أو الحد منه نسبيا، وهناك خبرة حياتية نحن دوما تواقون إليها.