مع دخولنا العام الميلادي الجديد 2020، يتأهب الاقتصاد العالمي معنا، استعداداً لمشهد جديد يستقبلُ فيه حالة فريدة، إذ تتحول المملكة إلى عنوان ثابت في الاقتصاد الدولي، طوال عام كامل، مع توليها رئاسة قمة مجموعة الـ 20، وما يتّصل بها من فعاليات.
حالة من التفاؤل يشهدها الاقتصاد العالمي باحتضان السعودية لأكثر من 140 اجتماعاً ولقاء ومنتدى وورشة عمل، تبحث كلها الملفات الأهم والأبرز على الأجندة الاقتصادية للعالم، على كافة الأصعدة، والأنشطة والقطاعات الحيوية، خاصة المرأة والشباب والبيئة والمبادرات والعمال والأعمال والمال والفكر، وتستمر جميعها على مدار عام كامل حتى موعد انعقاد قمة قادة المجموعة في نوفمبر المقبل 2020.
المجتمع الدولي يرى في المملكة مشعلاً لقناديل التفاؤل وحاملاً لآمال التنمية، داعية “لاغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع”، حيث تتخذ من تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض والتطلع لآفاق جديدة عبر الاستفادة من منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي، أبرز المحاور الاستراتيجية للقاءاتها.
حقيقة، لم يكن انضمام السعودية ضمن بلدان مجموعة العشرين عبثاً، ولم تأت الاستضافة، كما نراها، من باب الترتيب الأبجدي، بل لدواعي استحقاق السعودية، ذات الاقتصاد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، والتأثير الأبرز في محيطها العربي الإسلامي، وصاحبة الدبلوماسية الحاسمة على كل الساحات السياسية.
المملكة دخلت منظمة العشرين كنتاج طبيعي لتنمية اقتصادية، وتطوير سياسي واجتماعي تكاثف على مدى سنوات طويلة ليشكل منظومة فاعلة في مشهد التأثير العالمي. نقر ما يمثله الجانب الاقتصادي كحجر زاوية لانضمام السعودية إلى مجموعة العشرين، بيد أنه لا يعد العامل الوحيد، كيف لا، وهي الحلقة الأهم والأكثر موثوقية في صناعة الطاقة وإمداداتها، والمحور المميز للتجارة العالمية، بالإضافة لمكانتها في منظومة الدول المنتجة للنفط (أوبك). كل تلك العوامل جعلت السعودية القائدة عضوا فاعلا بين أكبر اقتصاديات العالم، واستحقت أن تكون من أكثر البلدان تأثيرا في السياسات الدولية.
في نظرنا، ستكون السعودية ــ مع بقية المجموعة والمشاركين من الدول والمنظمات ــ في تحد مع الذات لإيجاد حلول للملفات الصعبة المرتبطة بالاقتصاد العالمي، حيث يعاني النمو أزمة تباطؤ تهدد عملية نهوض الاقتصادات المتقدمة والناشئة مع تراجع الطلب الإجمالي. إضافة لذلك، يأتي ملف الأزمات السياسية والجيوسياسية التي تعرقل التدفق التجاري وعملية الإنتاج الصناعي، بجانب الحديث المستمر حول تشوهات القطاع المالي والأزمات المتلاحقة، مما يحمل المملكة عبء اقتراح مسارات وقنوات آمنة لاقتصاد متنام ومثمر.
وسيكون من بين التحديات: التطور التقني المتسارع واقتصاديات الابتكار، حيث لا يزال العالم متأخرا في التواؤم مع تداخلات وارتباطات الابتكارات والتقنيات الجديدة كالرقمنة والثورة الصناعية وإنترنت الأشياء مع الاقتصاد، وكيفية ربطها بالأنظمة والتشريعات التي تدعم التنمية وتقوي الاقتصاد.
ومن شأن عالمي تستضيفه المملكة، إلى شأن محلي يعيشه القطاع الخاص فيها، لقيت أنباء إعادة تقييم مراجعة الرسوم، بما فيها تلك المفروضة على العمالة، أصداء واسعة، إذ أفصح وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي عن وجود دراسة شاملة لجميع الرسوم ينتظر الإفصاح عنها قريبا.
لاشك أن مثل هذه التطورات تثير التفاؤل لدى شرائح واسعة من القطاع الخاص، ربما بدأت تتلمس بعض التداعيات التي تفرز أثراً على عملية الإنتاج أو مستوى أسعار الخدمات والسلع في المملكة.
وإذ نحن مع توجهات الدولة في إعادة الهيكلة الاقتصادية وتوسيع مواردها وخلق التوازن المالي، إلا أن الدولة دائما ما تقوم بمراجعات دائمة ومستمرة، وتعيد التدقيق والتحليل للنتائج والمآلات التي ترسمها في سياساتها وقراراتها. وعليه، نتطلع أن نرى توصيات الدراسة فيما يخص الرسوم على العمالة، بما ينعكس إيجابياً على القطاعات والأنشطة التجارية والصناعية، وعلى النحو الذي ينفع الصالح العام لاقتصادنا الوطني.