كلّفه الملك المؤسّس بالإشراف على الجبيل حتى وصول محمد بن ثنيان أميرا لها فزاد التكليفُ قدرَه ومكانته عند أهلها
أهداه غازي القصيبي صينية عليها عبارة: “شركة الظهران برئيسها عبدالرحمن السحيمي كانت نموذجا يحتذى“
بدأ عمله التجاري في الدمّام بتجارة المواد الغذائية وحفر الآبار والاستثمار في الأراضي واستيراد السيارات الفورد
تم اختياره رئيسا لمجلس إدارة شركة الكهرباء منذ تأسيسها حتى إنشاء الشركة السعودية الموحدة للكهرباء بالشرقية
استأجر محلا صغيرا بدأ فيه تجارته الخاصة جُملة وقَطّاعي واشترى “جالبوت” لشحن البضائع من الكويت
هو من الرعيل الأول للسعوديين الروّاد، ومن جيل المؤسّسين الذين شاركوا في بناء الوطن، وساروا معه مسيرة التنمية منذ أعطى الملكُ المؤسّسُ إشارتَها الأولى.. وكان اسمه كافياً، لكي يثق الناس في نجاح أيّ عمل يُسنَدُ إليه.. فقد كان يكفي لنجاح أيّ مشروع أن يتولّى هو مسؤوليتَه، ومن هنا كان “السحيمي” اسماً مطروحاً عند “البدايات”، بداية تأسيس، أو بداية انطلاق.. وغالباً ما كان يحظى بالثقة، وكان نموذجاً في الإدارة الناجحة، وأداء المسؤولية.. تجليّاتُها تبدّت واضحة في فوزه بثقة الملك المؤسّس عندما اختاره ليشرفَ على الجبيل، حتى يختار لها أميرا.. عبدالرحمن السحيمي أحد أبرز الرواد الناجحين، في التجارة، وفي الصناعة، وفي الإدارة، وهي ثلاثة وجوه صنعت نجاحه في رحلة طويلة من الكفاح والعمل الجاد والشاق، وخبرة واسعة صنعتها رحلاته وأسفاره وتنقلاتُه من عنيزة في القصيم إلى الكويت والبحرين وبغداد والبصرة وعبدان والجبيل والأحساء والدمّام، حيث ألقى عصا الترحال.. رحلة طويلة من التّعب والعرق قدم خلالها جهدا مُخلصاً في خدمة الوطن.. هنا بعض فصول من مراحل كفاح ونجاح ابن عنيزة “الراحل” الحاضر عبدالرحمن بن صالح السحيمي..
عندما نتحدث عن الجبيل وبدايات الحركة التجارية فيها يتبادر إلى الذهن عدد من الأسماء الذين بدأوا تجارتهم من هذه المدينة الصغيرة، التي تحولت إلى واحدة من أكبر مدن العالم الصناعية.. ومن هذه الأسماء عبدالرحمن بن صالح السحيمي الذي كانت الجبيل بداية انطلاقته التجارية، بعد أن غادر مسقط رأسه عنيزة بالقصيم إلى الكويت، ليستقر بالجبيل، حيث بدأ تأسيس مجموعة شركاته، قبل أن يلقي عصا الترحال في الدمام بعد أن أصبحت العاصمة الإدارية للمنطقة الشرقية وكون مع أبنائه وشقيقه محمد عددا من الأنشطة التجارية والصناعية في السعودية والبحرين.
الولادة والنشأة:
ولد عبدالرحمن بن صالح السحيمي عام 1319هـ في عنيزه بمنطقة القصيم، وترعرع في كنف والديه، وتربى مع قرناء الطفولة من أبناء العائلات المعروفة في عنيزه، مثل القاضي والخنيني والزامل والسعدي والسليم والخليف والعليان والتميمي وغيرهم.
وفي السادسة من عمره أرسله والده إلى أحد أساتذة التعليم في ذلك الوقت حيث كان المعلم يقوم بتجهيز غرفة تعليميه في بيته يعلم فيها الطلاب القرآن الكريم والقراءة والكتابة وبعض العلوم الدينية، حتى بلغ عبدالرحمن الثانية عشرة من عمره، وبعد ولادة شقيقه محمد في العام 1330هـ، رحل والده صالح إلى الكويت لطلب الرزق وقد ركز في تجارته على البيع والشراء في الملابس والأقمشة الخاصة في الاستخدامات الأمنية والجيش.
حياته العمليه:
بلغ عبدالرحمن السابعة عشرة من عمره في 1337هـ، فأخذه والده معه إلى الكويت، ليبدأ حياة العمل والجد، وكانت الكويت حينذاك مركز التجارة في منطقة الخليج العربي، نظراً لموقعها الجغرافي ووجود ميناء بحري بها، مما سهل لها أن تكون مركزا تجاريا يستقبل الواردات القادمة إلى الكويت، ويرسل الصادرات من مختلف البضائع من الكويت إلى الجزيرة العربيه، وخاصة المنطقة الوسطى ومنطقة الأحساء، التي كانت تفتقر إلى وجود التجهيزات الموجودة بالكويت.
وكانت هذه المرحلة فرصة طيبة وثمينه ليتدرب عبدالرحمن من خلالها على العمل مع والده، خاصة وأنه كان يتمتع بخصال جيدة منها الذكاء وحسن الخلق واحترام الناس وبناء العلاقات المميزة معهم مما أكسبه ثقة الجميع، وكذلك معرفة التجار من خلال والده.
وبدأ والده يرسله إلى أسواق خارج الكويت مثل بغداد والبصرة والعمارة وغيرها من المدن العراقية وكذلك إلى المدن الإيرانيه مثل عبدان وغيرها من المدن المجاورة، وأصبح لدى التجار الكويتيين الجرأة لاستيراد بضائع أكثر من حاجة السوق الكويتي، وتخزينها في المستودعات، استعدادا لأي طاريء، واستمر الحال على هذا المنوال، حتى عام 1341هـ، فعندما زار الملك عبدالعزيز الأحساء في ذلك العام طلب منه أهلها السماح لهم ببناء فرضة (مرسى) للسفن، ليتمكنوا من نقل بضائعهم من البحرين إلى فرضة العقير، وتوفير الكثير من الوقت والمال، بدلاً من جلبها من الكويت، وتم لهم ذلك في 1342هـ، إذ بدأوا نقل بضائعهم من البحرين إلى العقير مباشرة، ومن هنا بدأ سوق الكويت بالتأثر إذ انخفض حجم الصادرات من الكويت إلى المملكة إلى قرابة %60، وفي نفس العام طلب آل أبوعينين من الملك عبدالعزيز فرضة مماثلة في الجبيل وكان لهم ذلك. وكانت هذه الفرضة أساسا لأغراض الغوص واستخراج اللؤلؤ وصيد الأسماك، ومدخلا تجارياً وقد ساهم ذلك بحصول كساد كبير للتجارة في الكويت التي كانت تعتمد بشكل كبير على تصدير البضائع إلى وسط وشرق المملكة، وبدأ التجار يشحنون بضائعهم من البحرين إلى الجبيل، بدلاً من الكويت، موفرين بذلك الوقت والمال، وأصبح سوق الكويت متعطلا إلى حد كبير، وسميت تلك السنة سنة الكساد التجاري في الكويت.
وكيل تجار الكويت:
عندما شعر التجار الكويتيون أن بضاعتهم تكدست، تناسوا خلافاتهم ومنافساتهم واجتمعوا لعلاج المشكلة، ومن أشهر هؤلاء التجار الغانم والعيسى والحميضى والبحر والمضيان وبودي. قرروا نقل مخزوناتهم إلى الجبيل لتصريفها، واتفقوا على تعيين ثلاثة مرشحين كان عبدالرحمن السحيمي في مقدمتهم، واستقر الرأي عليه وبعد مناقشات معه اقترح عليهم العمل لفترة ثم الاتفاق على كيفية احتساب قيمة دوره، وكان الاتفاق معهم أن يبيع بضائعهم بالجملة لتجار المملكة، وبدأ عبدالرحمن السحيمي التواصل مع من تعرف عليهم من تجار الكويت وعرف “الجمّالين” ــ الذين ينقلون البضائع بواسطة الجمال التي كانت وسيلة النقل المعتمدة حينها ــ وبعد وصول البضائع إلى ميناء الجبيل، شهدت سوق الجبيل انتعاشاً وقوة سوقية، وبدأ بشحن البضائع إلى جهتها. وتزامنا مع ذلك استأجر عبدالرحمن محلا صغيراً ليبدأ به تجارته الخاصة وصار يصرف البضائع من جهتين جملة وقطاعي، وبنفس الوقت اشترى سفينة صغيرة (جالبوت) وبدأ بشحنها بالبضائع من الكويت، وفي نهاية سنة 1345هـ اكتمل تصريف بضائع تجار الكويت ليتفرغ بعدها لعمله الحر.
تكليف الملك عبدالعزيز:
في منتصف العام 1343هـ وصل إلى الجبيل مندوب من الملك عبدالعزيز يبلغ عبدالرحمن بأنه مكلف من الملك بأن يكون مشرفاً على الجبيل وأوضاعها لحين وصول أمير لها، فرحب عبدالرحمن بثقة الملك مجيبا باستعداده لخدمة ولي الأمر، وقد زاد هذا التكليف من مكانة السحيمي وقدرَه عند أهالي الجبيل الذين كانوا في الأصل يكنون له الاحترام واستمر مشرفاً على أوضاع الجبيل حتى وصول محمد بن ثنيان منتصف 1344هـ أميراً على الجبيل.
بداية تأسيس المجموعة:
في أواخر عام 1345هـ وصل والده صالح إلى الجبيل، برفقة ابنه محمد شقيق عبدالرحمن، ليبدأ الشقيقان معاً مرحلة جديدة من مراحل رحلة العمر، وكان عبدالرحمن قد أسس شركته 1343هـ الموافق 1921م، وبعد وصول شقيقه محمد اعتمد مسمى شركتهما “شركة عبدالرحمن ومحمد الصالح السحيمي”، وقرر عبدالرحمن أن يتولى شقيقه محمد مهام عمل الشركة بالبحرين، حيث الاستيراد بالسفن الكبيرة يتم عن طريق البحرين ثم يشحن البضائع إلى الجبيل ومتابعة البضائع الواردة إلى السوق المحلية، وأثناء وقت فراغه طلب من الشيخ سليمان الحمد البسام إيجاد شغل له بلا مرتب ليتدرب على الأمور المالية، وتم ذلك وتعرف على تجار البحرين، كما تعرف على الموردين والتجار من أهل عنيزة بالبحرين، حتى أصبح جزءا من مجتمعهم.
مرحلة الدمام:
في العام 1371هـ بدأ عبدالرحمن السحيمي نشاطه التجاري بمدينة الدمام التي أصبحت العاصمة الإدارية للمنطقة الشرقيه، بعد انتقال مقر إمارة المنطقة الشرقية من الأحساء إلى الدمام، وعمل في تجارة المواد الغذائية وأعمال حفر الآبار والاستثمار في الأراضي، واستيراد سيارات فورد غير المجمّعة، كل ذلك امتداداً لما كان يعمله في الجبيل يساعده في ذلك ابناه عبدالعزيز وخالد. وبدأت الأعمال التجارية تزدهر وتنمو خاصة مع قدوم العديد من التجار للمنطقة، وافتتاح فروع لشركاتهم بها وشعر بضرورة تطوير أبنائه تعليمياً، فخصص لهم مدرسا خاصاً لتعليمهم اللغة الإنجليزية ليواكبوا التطور المطّرد بالمنطقة، وبدأ أعمال الاستيراد من الدول الأوروبية وأمريكا والشرقين الأدنى والأقصى، فكان أول استيراد له من أوروبا، ومن هولندا الحليب المجفف والسائل المعلب والسمن النباتي والأصباغ، ومن إيطاليا معجون الطماطم، ومن بلجيكا السكر، ومن الهند وباكستان وتايلاند الأرز والطحين والشاي والقهوة والعديد من المواد الغذائية، كما بدأت شركة السحيمي باستيراد الأسمنت والأخشاب والحديد، إضافة إلى تنشيط العمل والاستثمار في العقارات.
واستمرت علاقة السحيمي بشركة أرامكو التي كانت بدايتها بالسيارات وأعمال حفر الآبار، وقد وجه ابنه عبدالعزيز ليكون مسئولا عن الإشراف على الحفارات وأعماله مع أرامكو، ووجه ابنه خالد ليتولى الإدارة المالية، ووجه ابنه سليمان للأعمال الخارجية مبتدئاً بتخليص البضائع الواردة للشركة بجمرك الملك عبدالعزيز بالدمام.
تأسيس كهرباء الدمام
بعد التطور الذي شهدته مدن المنطقة الشرقية وتوسع أعمال أرامكو ونشوء عدد من الأعمال التجارية، بفعل قدوم عدد من التجار للمنطقة، والانتهاء من مشروع السكة الحديد من الدمام إلى الرياض، وكذلك الانتهاء من مشروع ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام وافتتاحه عام 1371هـ، جاءت الحاجة إلى تأسيس شركة للكهرباء، ولم تكن فكرة أهالي الدمام، بل فكرة رجال الأعمال الذين قدموا من خارج المنطقة، أمثال الشيخ صالح الراجحي وأخيه سليمان الراجحي من الرياض، والشيخ حسن شربتلي من جدة، والبنك الأهلي التجاري ممثلا بالشيخ محمد بابطين والشيخ علي بن محفوظ. وعرضت أرامكو دعم الفكرة بتزويدهم بمولدات كهرباء، إضافة إلى الدعم الفني من خلال تزويدهم بالفنيين المهره وتدريب العاملين السعوديين على تشغيل المولدات وصيانتها ومد الشبكة الكهربائية، وبدأ المستثمرون من رجال الأعمال من المنطقة الشرقية وخارجها بدعم المشروع، ولعدم تواجد مؤسسي مشروع الكهرباء بالمنطقة، فقد رأوا تأسيس مجلس إدارة لشركة الكهرباء، يضم عددا من رجال الأعمال بالمنطقة الشرقية، إضافة إلى المؤسسين، وطلبوا من عبدالرحمن السحيمي تولي رئاسة مجلس إدارة الشركة، وفي المقابل كانت هناك شركة مماثلة للكهرباء بالخبر، وبعد دمجهما أصبحت شركة كهرباء الدمام والخبر، وذلك باقتراح من أرامكو ليصبح اسمها شركة كهرباء مقاطعة الظهران (دبكو) وانضم إلى مجلس إدارتها كل من عبدالعزيز القصيبي وعبدالعزيز أباحسين وعبدالرحمن البسام وعبدالرحمن المنصور، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الإدارة من الدمام عبدالرحمن السحيمي رئيس المجلس وسعد المعجل وعبدالرحمن العبدالكريم وعيسى آل بنعلي وسعيد غدران وكل من صالح الراجحي وإخوانه، وعباس شربتلي ومحمد بابطين وعلي بن محفوظ من قبل البنك الأهلي. واستمر السحيمي رئيسا لمجلس إدارة شركة الكهرباء، منذ تأسيسها في بداية السبعينيات الهجرية حتى بداية عام 1390هـ عندما تأسست شركات الكهرباء الموحدة ومن بينها الشركه السعودية الموحدة للكهرباء بالشرقية، وكان الدكتور غازي القصيبي حينها وزيراً للصناعة والكهرباء، وقد أشاد بإدارة الشركة، وأهدى رئيس مجلس إدارتها عبدالرحمن السحيمي صينية من الفضة كتبت عليها عبارة: “مادمنا بالحديث عن شركات الكهرباء بالمملكة فتجدر الإشارة إلى شركة مقاطعة الظهران برئيسها عبدالرحمن السحيمي التي كانت نموذجاً يحتذى”.
الغرفة التجارية:
كان عبدالرحمن صالح السحيمي ضمن أول مجلس إدارة للغرفة التجارية الصناعية، في عام 1952 شكل المجلس باقتراح تم تداوله بين أمير المنطقة الشرقية سمو الأمير سعود بن جلوي – رحمه الله – وبين تجار المنطقة، وتم رفعه إلى المقام السامي، وصدر قرار بتعيينه من معالي وزير التجارة محمد علي زينل، كما جدد تعيينه للدورة الثانية، وقد تم اختيار حمد أحمد القصيبي رئيسا للمجلس، وعبدالله الصالح أبا الخيل نائبا لرئيس المجلس وسكرتير الغرفة، وعضوية كل من إبراهيم صالح العطاس، وحمد عبدالكريم المعجل، وعبدالرحمن صالح السحيمي، وعبدالهادي عبدالله القحطاني، وعلي حسن المصطفى، وعيسى ناصر البنعلي، ومبارك يوسف الخاطر، ومحمد عبدالرحمن السعيد.
الاتجاه للصناعة:
مع انطلاق خطط التنمية للمملكة بداية السبعينيات الميلادية، كانت مجموعة السحيمي تستورد الأصباغ المنزلية من هولندا، وطرحوا على الشركه إنشاء مصنع في الدمام، وقد عرضَ هذا المشروع الصناعي على أرامكو لتأمين احتياجاتها من المنتج، كما درس إنتاج الأصباغ البحرية وصيانة الأنابيب تحت الماء وغيرها من أعمال الصيانة، بالإضافة للأصباغ المنزلية، وتم اختيار شركة همبل الدنماركية، واتخذ القرار بإنشاء مصنع في الدمام، بعد الحصول على امتياز الشركة الدنماركية، وموافقة وزارة التجارة، وبدأ العمل بالمصنع، الذي يعد أحد المصانع الكبرى في هذا المجال، وقد افتتح المصنع معالي وزير التجارة آنذاك محمد العوضي.
حياته الشخصيه ووفاته:
تزوج عبدالرحمن بن صالح السحيمي ثلاث زوجات، ولم يرزق بأبناء إلا من زوجته الأخيرة، حيث أنجب ثلاثة أبناء هم عبد العزيز وخالد وسليمان وأربع بنات، وكان طيلة حياته مثالا لرجل الأعمال الذي يحرص على أن يترك خلفه سيرة حسنة وذكراً جميلاً، من خلال تعاملاته الطيبة مع الجميع وفي كافة المجالات الإنسانية والاجتماعية والتجارية منذ دخوله عالم التجارة في ريعان الشباب حتى وفاته في الدمام عام 1403هـ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه جنته.
ونعم الرجال .. هؤلاء من كدّوا وعملةا من الصفر ليس فقط لأنفسهم ايضاً قدموا خدمات لبلادهم .. قصصهم عبّر تقدم للشباب والاقتداء بهم…