لا تزالُ تداعيات كورونا تضربُ العالم على كافة الأصعدة، وعلى رأسها خسائر بعشرات الآلاف في أرواح البشر، بينما يأتي أكثر الأصعدة تضررا، الاقتصاد العالمي الذي اهتز تحت تأثير ضربات الفيروس القاتل.
فقد ضرب فيروس “كورونا ـ كوفيد 19” العالم على حين غرة، فترك ومازال يترك آثارا اقتصادية كبيرة على جميع الأصعدة وفي جميع القطاعات، المحلية، والإقليمية، والعالمية، ولم ينجُ أحد من هذه الآثار.
وقد قدمت هذه الأزمة “دروساً” عدّة للجميع، كما أظهرت مدى تماسك وتلاحم القيادة والشعب، حيث سارعت القيادة بتحمل الكثير من تبعات هذه الأزمة، وظهر ذلك في الأمر الملكي بتحمل الدولة ولمدة ثلاثة أشهر %60 من رواتب العاملين السعوديين في منشآت القطاع الخاص المتأثرة من تداعيات الإجراءات الاحترازية والوقائية، للحد من انتشار فيروس كورونا، وكذلك حزمة المبادرات العاجلة التي أطلقتها الدولة لمساندة القطاع الخاص، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثرًا، حيث تم تخصيص أكثر من 170 مليار ريال، منها 50 مليارا قدّمتها مؤسسة النقد العربي السعودي، ضمن مجموعة مبادرات عاجلة ومكثفة متعددة البنود والأهداف، لدعم ومساندة القطاع الخاص في هذه الظروف الطارئة.
شملت حزمة المبادرات إعفاء أو تأجيل بعض المستحقات الحكومية على القطاع الخاص، وحققت الأمان ليس للمؤسسات فقط ولكن للأفراد أيضا، فهي تدعم المنشآت وتساعدها على البقاء وممارسة الأعمال في هذه الأيام الاستثنائية، كما أنها تدعم المواطنين وتؤمن لهم استمرارية مرتباتهم مما يمكنهم من تلبية احتياجاتهم ومساعدتهم على قضاء حوائجهم.
ما قامت به القيادة من دعم كبير بكل المقاييس للمؤسسات السعودية كبيرها وصغيرها يضع على عاتق هذه المؤسسات مسئولية كبيرة في التخلص من آثار وباء كورونا، والعودة للإنتاج بكامل طاقتها لتعويض ما فات، وعلينا أن نسابق الزمن لإعادة القوة الاقتصادية لدفع عجلة الاقتصاد بأقصى سرعة.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كانت له لفتات إنسانية، لا تقدر بكنوز الأرض، حين قرر تقديم العلاج من “كورونا” مجانا ـ رغم تكلفته المرتفعة جدا ـ لجميع المتواجدين على أرض المملكة سواء من أبنائها، أو المقيمين، أو الزائرين، أو المخالفين لنظام الإقامة، فكل من على أرض المملكة يحصل على العلاج مجانا، رغم أن دولا أخرى، رفضت تقديم العلاج لغير أبنائها، لكن ملك الإنسانية، أصر على أن تتحمل المملكة نفقات العلاج عن الجميع، قادرين وغير قادرين، لتكون المملكة النموذج الأمثل الذي تمنى العديد من الجنسيات الأخرى المصابين بـ “كورونا” أن يكونوا داخل المملكة، ليحصلوا على العلاج بعيدا عن المن والأذى.
القيادة السعودية لم تنكفئ على الداخل لمعالجة آثار “كورونا”، لكنها حملت الهم العالمي، خاصة في الاقتصاد، حيث دعا الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى قمة استثنائية افتراضية لقمة العشرين، حيث ترأس هذه المجموعة في دورتها الحالية، انطلاقا من التزامها بضرورة العمل المشترك وتوحيد الجهود العالمية لمواجهة الآثار المدمرة لـ “كورونا” صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وكما قال الملك سلمان بن عبدالعزيز إن الخروج من هذه الأزمة عالميا لا يكون إلا بالتكاتف، والتعاون، والعمل المشترك، وتسخير كافة الإمكانات لرفع الجاهزية العالمية، سواء في مواجهة هذه الأزمة أو أية وبائيات أُخرى قد تتفشى مستقبلاً.
هذه القمة الاستثنائية الطارئة تختلف عن بقية القمم السابقة كونها خصصت للحفاظ على الجنس البشري، ومنحت البشرية الأمل ـ بعد الله ـ في التصدي لهذا الوباء، حيث انطلقت المملكة في هذه القمة من الدور المسؤول الذي تقوم به تجاه العالم، هذا الدور الذي ينبع من التزامها الديني والإنساني واستشعارها للأزمة وآثارها الصعبة وما تتطلبه من اتخاذ تدابير مشتركة، لإنقاذ العالم من وباء “كورونا” وتبعاته، والحد من آثاره الاجتماعية والاقتصادية.
نجحت المملكة نجاحا كبيرا، في مواجهة الأزمة، كما نجحت في التصدّي للوباء القاتل، على أكثر من صعيد، انطلاقاً من موقفها “المبدئي” الذي يُعلي من قيمة الإنسان، وإدراكاً لمسؤوليتها الإنسانية والاستراتيجية عن سلامة واستقرار الاقتصاد العالمي، والتزامها بتحقيق الانضباط والأمان في أسواقه العالمية.