في هذه الأيام يعلو الحديث والنقاش والجدال حول رفع قيمة الضريبة المضافة إلى %15، ولو قدر لك أن تدخل أحد المجالس العائلية، لسمعتهم يتهامسون بصوتٍ خافت، خمسطعش .. طعش .. ولشعرت أن العائلة موبوءة بالعطاس لكثرة ما تسمع خمسطعش ثم يرحمكم الله، ويصلح بالكم، اعلموا أنكم ستسمعون من المتعالمين الحاضرين في كل منصة، ادعاء بأنه قد وصلهم طرف علم بتأجيل الـ %15.
وقد يزايد أحد الراسخين في التعالم ويؤكد أن لديه طرف علم بإلغائها، والأمر في النهاية لا يعدو كونه حديث مجالس، لكن الأمانة تقتضي أن ما دار ويدور هذه الأيام من جدالات حول هذه القضية هو في صلب تنمية المعرفة والثقافة الاقتصادية عند أفراد المجتمع، كما أن ذلك الحراك الاجتماعي والنقاش الذي تسيد ساحات الوسائط الاجتماعية، إنما هو دليل وعي وإدراك عند كثير من أفراد المجتمع، خاصةً وقد تولى كثير من الخبراء الاقتصاديين الإدلاء بآرائهم ومسوغات اعتراض بعضهم، وكذلك تحفظ بعضهم الآخر، وهو ما سمح للأخذ والرد في منصات تويتر والواتس، وإذا كانت الـ %15 ماضية إلى التطبيق، فماذا عسانا أن نفعل؟.
إن لكل شيء في هذه الدنيا وجهين، وجه حسن وآخر غير حسن، وطالما أننا لسنا بالخيار وأننا ملزمون بالـ %15 بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها جائحة كورونا وهزت فيها الاقتصادات العالمية، فإن علينا إذاً أن نسعى للنظر إلى إيجابيات هذه الضريبة / الضربة وأهمها ما سيحدث اضطراراً من تغيير النمط الاستهلاكي لدينا وتخفيف أو التخلص من كثير من السلوكيات الاستهلاكية غير الضرورية، والتي قادت إلى كثير من المظهرة والتفاخر بالماركات والبراندات مما جعل القادرون، وهم الأقل، يثقلون على الغالبية من غير القادرين، وهو ما دفع البعض لمجرد المحاكاة أو المغايرة إلى إرهاق أنفسهم ومداخيلهم فيما ليس ضرورياً.
لكنه التقليد السلبي، بل لقد دفعت تلك النزعة الشكلية الاستهلاكية، لتملك السلع غير الضرورية، إلى اقتراف بعض الناس لخصيصة خسيسة، وهي الاقتراض المرهق والمضني، بدافع التلبس بمظهر وقتي ومتحول كما يحدث من تغيرات للموضة والماركات سنوياً.
ثم إن سعي الطبقة المتوسطة، وربما الأقل من المتوسطة إلى مجاراة طبقة الموسرين، لم يقتصر على الموضات والماركات، وإنما امتد إلى عادة السفر السياحي المتكرر وذلك من خلال منطق “وش زودهم!” ويساعد الضخ الإعلاني المتفاقم على تبني مثل هذه الممارسات الضارة، وكذلك بروزة النجوم من المطربين والمطربات والممثلين والممثلات وبعض المشاهير، وتزيد الوسائط والسنابات في انتشار هذه العادات.
لذلك أظن أن ضريبة الـ%15 ربما تفرمل وتصحح بعض إسرافنا الذي مضى والذي أحرق الأخضر واليابس في مدّخراتنا.