تأتي الذكرى التسعون لليوم الوطني لتأسيس المملكة، وهي تخوض غمار رحلة مصاعب، وتحديات شائكة، نجحت وبكل اقتدار في تخطيها، والوقوف على أرض صلبة في ظل مشروع التنمية والتطور والتحول إلى دولة متقدمة من دول العالم الأول.
يحتفل السعوديون هذه المرة، لكن في ظروف استثنائية، يلفها وباء فيروس كورونا المستجد، الذي فرض واقعا قهريا جديدا على البشرية جمعاء، فكدست ما يفوق من 4 مليارات إنسان في حظر إلزامي لشهور عديدة، وفقد الاقتصاد العالمي ما يفوق الـ 10 تريليونات دولار من مقدراته، وتعطلت مشروعات واستثمارات ضخمة لأجل غير مسمى، وسط تقديرات بانكماش اقتصادات العالم بقرابة الـ %5.
المملكة، كبقية دول العالم، طالها من تشظيات الفيروس، فسعت إلى بذل جهود كبيرة لتجنيب صحة الإنسان واقتصاد البلاد التداعيات السلبية، مسجلة نجاحا جديدا من الصمود في وجه الوباء، يمكن أن يكون عنوانا رئيسيا للاحتفال باليوم الوطني هذا العام.
ذهبت الدولة في تحركاتها الاحترازية من كوفيد ـ 19، إلى تجربة تاريخية فريدة، كانت محط إعجاب واقتفاء، في لحظة استباقية، سنّت خلالها بروتوكولات وإجراءات مشددة، بدأت من حظر تجوال جزئي إلى منع كلي إلى جزئي إلى فتح متدرج، وصولا إلى رفع الإغلاق الاقتصادي بالكامل. وفرضت من خلال وزارة الصحة ووزارة الموارد البشرية قواعد إلزامية لبروتوكولات الوقاية والتباعد الاجتماعي في القطاعين العام والخاص والأماكن المفتوحة والمغلقة، كما تكفلت بالمسحات الطبية والمعالجة على حسابها الخاص في إطار عشرات الإجراءات الأخرى في هذا الصدد.
اقتصاديا، وعند الحديث عن هذا الجانب، لا يمكن إلا الوقوف احتراما لجملة ما تبنته الحكومة من سياسات مالية ونقدية كلية، حققت معها توازنا مثاليا من المعالجة، خاصة لظروف القطاع الخاص وتحديدا المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بلغت تكلفتها الإجمالية قرابة الـ 218 مليار ريال، ضمن حدود دنيا ضمنت من خلالها بقاءها صامدة في وجه الوباء الساحق. لم يكن ذلك فحسب، بل نجحت في استقطاب استثمارات خارجية لتستفيد من الظروف الحالية في زيادة جاذبية فرصة الدخول للسوق السعودية، الأمر الذي أثبتته مؤشرات الاقتصاد الوطني، كما ننشر في هذا العدد.
كما كشفت المملكة عن ميزانية أداء ماليتها للربع الثاني، حيث ظهر تفاقم في فجوة عجز الميزانية وصل إلى 143 مليار ريال خلال النصف الأول، وبحجم مصروفات قوامها 469 مليارا وبمجمل إيرادات بلغت 326 مليار ريال خلال الستة الأشهر الأولى من 2020.
ومع اليقين بأن تأثيرات كورونا وضحت جليا على أداء ميزانية الربع الثاني، إلا أن ما يلفت النظر فيها هو جانب استمرار الإنفاق، إذ تواصل الدولة الالتزام بجانب المصروفات بأولوية قصوى للرعاية الصحية من جهة واستمرار برنامج التحفيز الاقتصادي، لضمان استدامة القطاع الخاص وتقوية قدراته.
وما يمكن الإشارة إليه بوضوح، كذلك في خضم بنود الميزانية، هو الإنفاق المعتدل، إذ تتسلح السياسية المالية السعودية وسط الظروف القهرية التي يفرضها الفيروس الوبائي بآثاره السلبية، بتوجيه المصروفات نحو مسالك ذات أولوية واحتياج جوهري – كما وصفت وزارة المالية – وضع الإنسان أولا في اعتبارات الصرف العام.
وبين حديث اليوم الوطني السعودي ونتائج ميزانية المملكة للنصف الأول، يخرج التفاؤل من قلب الأوضاع الحالية حيث نهنئ أنفسنا وقيادتنا باختتام موسم حج هذا العام، بلا تسجيل أية إصابة بفيروس كورونا، في سابقة وقائية لا مثيل لها، يفخر بها كل السعوديين. الحمد لله كثيرا وكل عام والوطن بأمن وأمان ورخاء.