عاشت المملكة مؤخرا عرسا دوليا بحضور زعماء ورؤساء أكبر اقتصادات العالم وأكثرها تأثيرا في الاستراتيجية الدولية، حيث شاركوا افتراضيا في قمة قادة مجموعة العشرين برئاسة السعودية، هذه القمة تعد الحدث الدولي الأضخم وتنعكس نتائج أعماله جليا على المنظمات الدولية، وحركة السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
لم يكن حدث استضافة السعودية لمجموعة العشرين مجرد ترتيب أبجدي لدور الرئاسة، بل مضامينه أعمق من هذا بكثير، إذ جاء هذا الحدث ليسلط الضوء على هذه البلاد الفتية، وليتزامن مع تطبيقها لمشروع تحول استراتيجي سينقلها من زمن النفط إلى عهد الموارد المتعددة، مسترشدة بـ “رؤية السعودية 2030″، وهو ما انعكس صداه عمليا من خلال تقاطعات أهداف الرؤية مع الأهداف الاستراتيجية في منظومات عمل مجموعة العشرين.
المملكة أسدلت الستار عن رئاستها للعشرين بعد عام مفعم بالنشاط ـ رغم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم ـ عقدت خلاله ما يفوق 150 اجتماعا ولقاء رفيعا لمسئولي الدول الأعضاء والبلدان والمنظمات المدعوة، وبرغم غيوم كورونا على المشهد العالمي، كانت استضافة المملكة في الموعد، فبادرت بحشد العالم في لحظة حرجة خلال مارس الماضي حينما دعا خادم الحرمين الشريفين إلى قمة استثنائية افتراضية لرؤساء العشرين لإيجاد حلول ناجعة تخفف من وطأة كابوس وباء “كوفيد ـ 19” المتفشي وهو ما تم بالفعل.
أثبتت الاستضافة والمبادرات المطروحة منذ ذلك الوقت أن ما لدى المملكة من مكونات، يجعلها أحد محاور القوة في النظام العالمي الجديد، وأظهر مدى تأثير آرائها ومقترحاتها على العالم، حيث خرجت هذه الرئاسة بأولويات جوهرية، يتقدمها دعم الاقتصاد الدولي بأكثر من 11 تريليون دولار، وتوفير قرابة 21 مليار دولار دعما للأنشطة الصحية وإيجاد اللقاح وأدوات التشخيص لصد “كورونا”، فيما خصصت المجموعة 14 مليار دولار لتخفيف أعباء ديون البلدان الأكثر عرضة للخطر، وأخيرا مبادرة تأجيل خدمات سداد الديون حتى منتصف العام المقبل، وسط ترك خيار “إلغاء الدين” مفتوحا بين الأطراف.
أنهت السعودية استضافتها، لكنها أبقت باب العمل الجاد واستمرار الجهود مع بقية الدول، في ذات الوقت أكد خادم الحرمين الشريفين وولي العهد خلال القمة ضرورة “التعاون” كركيزة أساسية للمضي في تحقيق أهداف المجموعة في مواجهة التحديات، كحالة مواجهة كورونا الحالية، في نفس الوقت دعت إلى توفير اللقاح بشكل عادل وبكلفة ميسورة، إلى جانب مواصلة العمل على دعم الدول النامية، لكي لا تفقد مكاسبها السابقة. ولم تنس السعودية ملف الاستثمار والتجارة والأعمال، وكذلك المناخ والبيئة والطاقة، إذ بادرت بطلب تبني إطار الاقتصاد الكربوني الدائري الذي سيحدث ثورة في تخفيف الانبعاثات.
مخرجات القمة وفوائد الاستضافة ومكاسب الرئاسة لا يسع حصرها هنا، لكننا لا يمكن أن نغفل أن السعودية بهذه الرئاسة تحملت مسئولية ثقيلة، وانتقلت عمليا من دور المشارك في السياسات الدولية إلى طور جديد، حيث تفرض نفسها كلاعب محوري وقائد فاعل في المنظومة العالمية، في شتى الأصعدة ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، بل وحتى في إطلاق المبادرات الإنسانية وتحفيز مشاريع التنمية، وتعزيز روح التحول التعليمي والتقني والاجتماعي إلى العالم. قالتها منذ توليها رئاسة مجموعة العشرية “دعونا نلهم العالم”.