دائمًا ما يُشار إلى الذهب كعامل مهم في التصدي للأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية وأيضًا هو عنوان التحوط مقابل موجات التضخم العالية، وفي هذا المقال نعرج على هذه النقاط ونتناول أيضًا العوامل المؤثرة التي تُحرك المعدن الأصفر.
البداية ستكون مع، كيف تعامل الذهب مع اندلاع أزمة كورونا؟؛ فإذا عدنا إلى الرسوم البيانية للعام الماضي نجد أن الذهب مثله كالأسهم انهار معها وتراجع بنسبة %10 وكسر مستوى 1500 دولار، المهم والذي يعتبر من أهم الحواجز النفسية وكان ذلك مقابل انزلاق الداو جونز بحوالي 10 آلاف نقطة وتسجيل الأسهم العالمية قاعًا لها في شهر مارس قبل أن تعود وتنهض وتمحي خسائرها وتتابع بعدها بتحطيم الأرقام القياسية.
أما الذهب فكان له أيضًا ارتدادًا قويًا وذهب بعيدًا وحطم رقمه القياسي السابق عند 1921 دولارًا ولم يكتف بذلك بل صعد لأول مرة فوق مستويات 2000 دولار بعدما وصل إلى رقمه الجديد 2079 دولارًا.
ويذكر أن الذهب كان استبق الأزمة بصعودٍ لافتٍ لأول مرة منذ عدة سنوات واعتبر وقتها أول ارتفاع جدي بعد عدة محاولات سابقة انتهت بالفشل.
والجدير بالذكر أنه تعرض لأكثر من مرة في الأشهر الأخيرة إلى تقلبات عالية مع الفضة تصل إلى أكثر من %10 في جلسة واحدة ولكن ما يلبث أن يعود إلى الاستقرار بعد عدة جلسات، وفي مقارنة مع الأزمة العالمية السابقة تقريبًا كان هناك نفس السلوك فمثلًا في البدايات إنهار الذهب بحوالي %30 وكسر مستوى 1000دولار وسجل قاعًا عند 681 دولارًا قبل أن يعود ويتألق في رالٍ صعودي استمر سنتين وسجل في سبتمبر 2011م رقمه القياسي الثاني بعد قمة الثمانينيات عند مستويات 1921 دولارًا، وفي جردة أخيرة على الأسعار نجد أن الذهب في الـ 12 سنة ارتفع 7 أمثال من 250 دولارًا إلى 1921 دولارًا، ومنذ عدة أشهر يعادل 3 مرات كلفة إنتاجه في بعض المناجم وجاء ذلك بعدما طرأ تغيير كبير على ترتيب كبرى الدول المنتجة حيث كانت جنوب إفريقيا تتربع على العرش لسنوات طويلة قبل أن تتراجع بشكل دراماتيكي بسبب النضوب الذي ضرب مناجمها وانهارت حصتها من %70 في السبعينيات إلى حوالي %4 في الوقت الحالي، وفي المقابل كان هناك صعود قوي للصين في أزمة 2008م مع اكتشاف مناجم جديدة وتربعت بسهولة على الترتيب وخطفت لقب أكبر منتج للذهب عالميًا، ورغم ذلك ما زالت جنوب إفريقيا من كبار منتجي بلاديوم عند حوالي %40 وحوالي %75 من بلاتينيوم.
وفي موضوع علاقة الذهب مع الفضة هناك النسبة المهمة بين سعر أونصة الذهب وأونصة الفضة وتُعطي بعض الإشارات حول ما إذا أصبحت سعر أونصة الفضة رخيصة مقابل أونصة الذهب؛ في سبيل المثال إذا كانت تعادل 75 فهذا يعني أن الأونصة الواحدة من الذهب تشتري 75 أونصة فضة.
فمثلًا خلال فقاعة الثمانينيات وصلت النسبة إلى 17 بينما وصلت في عام 1991م إلى مستويات 100 ما يعني أن سعر الفضة أصبح رخيصًا مقابل سعر الذهب وفي أثناء أزمة كورونا تخطينا هذه النسبة أيضًا.
وبالنسبة إلى العوامل التي تؤثر على أسعار الذهب بشكلٍ كبير يأتي الدولار في طليعة المؤثرين، ويعتبر ذلك مهمًا بكون أونصة الذهب مثلها كأي سلعة مُسعرة بالدولار، وبالتالي فطبيعي أن يكون المؤثر الأول في الأسعار وأن تكون قرارات الفيدرالي الأمريكي محط اهتمام من قبل الذين يستثمرون بالذهب.
كما أن عائد 10 سنوات للسندات الأمريكية وارتفاع الفائدة هو أيضًا من العوامل المؤثرة بحكم أن الذهب لا يُعطي أي عائد وبالتالي عندما لا يرتفع سعر الذهب لن يكون هناك مكاسب للمستثمرين بينما في المقابل تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر الذي لا يدر عائدًا، بالإضافة إلى ذلك يجب أيضًا مراقبة مؤشر التقلبات في الأسواق والذي يعطي صورة عن حجم مشاعر الخوف الموجودة في الأسواق وما إذا كانت الأرقام مرتفعة وتُشير إلى قلق أتى بشكل مفاجئ إلى الأسواق.
بالنسبة إلى السؤال الأهم دائمًا، هو هل الذهب أداة للتحوط من التضخم؟، التاريخ يُشير إلى خلاف ذلك أحيانًا، فمثلًا حقق المستثمرون ربحًا كبيرًا بلغ نحو %35 من عام 1973م إلى عام 1979م، عندما بلغ معدل التضخم السنوي %8.8، وقتها سجل الذهب طفرة كبيرة وسجلت أول قمة في بداية العام 1980م عندما وصلت الأسعار إلى 875 دولارًا قبل أن ينفجر بعدها ويذهب إلى حوالي 250 دولارًا خلال 20 عامًا.
وفي مقارنة أُخرى خسر مستثمرو الذهب %10 في المتوسط من العام 1980م إلى 1984م، عندما كان التضخم عند مستويات %6.5، وفي مقارنة أُخرى أيضًا حيث كانت معدلات التضخم مرتفعة حقق الذهب عائدًا سلبيًا بـ %7.6 في الفترة من 1988م إلى 1991م وهي الفترة التي بلغ فيها التضخم %4.6، ويذكر أن الفدرالي يحاول إبقاء معدل التضخم عند حوالي %2 سنويًا وبالتالي يتحرك الذهب بقوة عند وجود توقعات مستقبلية وبيانات تشير إلى تخطي هذه الحاجز المهم من ارتفاع الأسعار.
وأخيرًا كان لافتًا في المرحلة السابقة ارتفاع الدولار وأونصة الذهب والأسهم العالمية بشكل متناغم، فمثلًا الدولار سجل أرتفاعات مهمة من بداية العام والذهب كان قد قفز فوق مستويات 2000 دولار قبل أن يشهد بعض التراجعات وسوق الأسهم تسابقت في تحطيم الأرقام القياسية من فترة إلى أُخرى.