في مقبل الأيام ستكون الاستدامة والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة نقطتي ارتكاز في مجال الاتصال المؤسسي، ذلك أن هذه الاتجاهات ليست فقط سمة عالمية حديثة، إنها أيضًا ضمن برامج التحول والرؤية السعودية التي ركزت كثيرًا على الاستدامة، وعلى المسؤولية الاجتماعية، ويمكنني الإشارة إلى الاستراتيجية الوطنية للمسؤولية الاجتماعية التي تطمح إلى “تحوير عطاء الشركات من عمل عفوي إلى عمل مُمنهج ومُستدام”
في الرؤية السعودية تلحظ بوضوح التركيز على ابعاد البيئة وتشمل الأمن المائي والمناخ والحياة الفطرية، والاقتصاد ويشمل المحتوى المحلي، والريادة الاجتماعية التي تقع تحتها المدن المُستدامة، والمجتمع، وغيرها كثير.
سأركز اليوم على البيئة ومبادرات “السعودية الخضراء” و” الشرق الأوسط الأخضر” التي تبناهما ولي العهد جنبًا إلى جنب مع مبادرتين عالميتين للبيئة عُرضت في قمة العشرين التي ترأستها المملكة، وستواصل القمة المقبلة التي ترأسها إيطاليا تبنيها لأهميتها الكبيرة.
أكتب في أوائل أكتوبر، وإذا لم يتغير البرنامج فيفترض أن الأسبوع الأخير من أكتوبر 2021م شهد ثلاث مؤتمرات مهمة الأول عن السعودية الخضراء، والثاني عن الشرق الأوسط الأخضر، والثالث سيكون مؤتمر الشباب، وفيها تناقش 39 مبادرة محلية، وست مبادرات خاصة بالشرق الأوسط، والمبادرتين العالميتين المذكورة أعلاه.
كما تفخر كل شركة أو منشأة بجهودها في السعودة أو توطين التقنية أو المساهمة في المحتوى المحلي، ستفعل المثل عن مساهمتها البيئية وعن تبنيها مفهوم الاستدامة في أعمالها الأمر الذي سيجعل اتصالها وإعلامها يرتبط تدريجيًا بذلك، وستضاف البيئة إلى رسائلها وربما رؤيتها ومهمتها وقيمها المعلنة والمطبقة داخليًا، والموجهة لعملائها وجميع أصحاب المصلحة المرتبطين معها.
مع الوقت، ومع تطبيق المعايير البيئية ستزداد علاقة الاتصال المؤسسي بالاستدامة، كون الاستدامة تُركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وكون تقديم المنشأة كفاعل بارز في هذه المجالات هو ما سيميز الاتصال، وسيضاف لذلك بالطبع المسؤولية الاجتماعية التي كانت وستظل جزء أساس من الاتصال المؤسسي، وهي اليوم ستكون نقطة الارتكاز لمعياري البيئة والمجتمع.
هذه التحولات تحدث في كل مكان تقريبًا مع اختلافات مفاهيمية وتطبيقية يمكن اعتبارها طبيعية لتمايز البيئات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ولاختلاف خطط وطموحات الدول والشعوب التي تؤثر بالضرورة على أداء القطاع الخاص ممثلاً في الشركات في كل المجالات.
تحسين البيئة والحياة الفطرية في المملكة والمنطقة سيرتكز على كلمة “خضراء”، وستكون الشجرة المناسبة لطبيعتنا هي سيدة الاستدامة لأهميتها الأكبر في المنظومة البيئية ولأن فقدان شجرة لا يعني خسارتها وحدها فقط، بل يعني فقدان “منظومة ” كاملة، لأن هناك كائنات من مختلف الأنواع تعيش فيها، وكائنات تتبادل معها الأدوار، وأخرى تقتات عليها والقائمة طويلة، والأهم أن 75% من المياه العذبة عن طريق الأمطار مرتبطة بالنبات، ولعلنا نلحظ أن الأماكن ذات الغطاء النباتي تحظى بأمطار أكثر، وحرارة أقل.
توقعي الشخصي، أنه كما تحور مسمى العلاقات العامة إلى “الاتصال المؤسسي” وهو مسمى أشمل وأكثر واقعية لمن يُطبق مفاهيمه بالشكل الصحيح، سنشهد في المستقبل القريب تغير مسميات جديدة حيث ستكون إما إدارة “الاستدامة ” أو ” الاستدامة والاتصال المؤسسي” وسيندرج معها جنبًا إلى جنب أو تحتها المسؤولية الاجتماعية والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
المهم أن لا يكون التغييـر في المسميات فقط، وأن نحقق طموحات رؤيتنا في مجال البيئة والتي ستؤثر على كل شيء حولنا بشكل إيجابي، وبالطبع ستؤثر إيجابيًا على الاتصال المؤسسي، وعلى الأعمال، فالنمو سيكون حليفًا قويًا لأصحاب هذه المعايير ممن يفهمونها، ويطبقونها بحب وإخلاص.
سيكون من محددات الأداء والنجاح ليس فقط كم وظّفت واضّفت في الاقتصاد، بل أيضًا كم شجرة غرست، وبيئة حفظت، وكم وكيف ساهمت في اخضرار وطننا وكوكبنا.