شهد هذا العام الكثير من التقلبات والصدمات والهزات القوية على الأسواق وخصوصًا في بعض من الفترات التي تعتبر تاريخيًا مشهورة بحدوث هذه التحركات الكبيرة. لكن رغم كل شيء استطاعت أسواق الأسهم أن تُسجل مستويات قياسية جديدة رغم أن الاقتصاد العالمي ما يزال غارقًا في مشاكل الخروج من أزمة كورونا.
وكان بارزًا دائمًا استعادة النفط مستويات 70دولارًا و80دولارًا، وفي المقابل لوحظ أن الذهب لم يلعب دوره الكامل بين الملاذات الآمنة الموجودة، والتي يلجأ إليها المستثمر في الأوقات العصيبة أو في أوقات تصاب فيها الأسواق بحالة من الهلع، وكان لافتًا أيضًا في هذا العام الحركة القوية التي سجلتها عملة بتكوين، وأيضًا كان هناك التدهور الكبير الذي حصل في الليرة التركية خصوصًا في القسم الأخير من السنة.
ونستعرض هنا في هذا المقال ما الذي حصل مع عملة تركيا وصعود بتكوين رغم تعرضها لأعنف هجوم من وارن بافيت؛ إذ سجلت الليرة التركية أسوأ أداء عملة في العالم بعدما تراجعت العملة بأكثر من %75 منذ بداية العام مما يعني لم يبق منها إلا ربع قيمتها.
وبمقارنة ما قبل 5 سنوات كان الدولار يشتري ليرتين، حاليًا الدولار وقت كتابة المقال يشتري حوالي 14 ليرة، خلال هذا العام تدهورت قيمة الليرة عدة مرات ولكن طريقة تسارع الهبوط كانت تختلف في كل مرحلة، فمثلاً مدة التراجع من مستويات 8 إلى 9 ليرات دامت 6 أشهر بينما من مستويات 9 إلى 10 ليرات أخذت أقل من أسبوعين، ثم تسارعت الحركة أكثر فأكثر فمن مستويات 10 إلى 12 أخذت بضعة جلسات، ومن 12 إلى 13,50 فعلت ذلك فقط في 4 ساعات.
لماذا حصل ذلك؟ فإذا تطرقنا إلى الأسباب التي أدت إلى هذا الانزلاق، من المؤكد أن السبب الأول والرئيسي لذلك هو التدخل المستمر للرئيس التركي في السياسة النقدية والضغط المتواصل على البنك المركزي والتغييرات والإقالات الكثيرة التي حصلت هناك وتصريحات وقرارات شعبية تناقض مع علم السياسات الاقتصادية مثل العلاقة بين الفائدة والتضخم مثل تخفيض معدل الفائدة بدل من الرفع في أوقات تنتظر الأسواق ذلك.
وفيما يتعلق بالبتكوين والعملات المشفرة، فقد شهدت هذه السنة تحطيم الأرقام القياسية بالنسبة لـلبتكوين والتي وصل سعرها إلى حوالي 69 ألف دولار طبعًا مع تقلبات وتذبذبات حادة لا تناسب جميع المتداولين وعدا أنها تتعرض لحملة قوية من الصين والتي تحاول بقدر الإمكان عدم السماح بالانتشار.
واللافت أيضًا هجوم شرس من وارن بافيت الذي يعتبر أهم مستثمر في العالم، هجوم يدعمه فيه أيضًا نائبه تشارلي مانجر ويستعملان عبارات حادة على العملات المشفرة، وإذا استعرضنا بعض من هذه المواقف في السنوات الأخيرة، فمثلاً في عام 2017م، وصفها بافيت، بأنها الفقاعة الحقيقية وقتها كانت عند مستويات الـ 6 آلاف دولار، وقال إن التداولات عليها سوف تكون نهايتها سيئة، رغم أن الكثيرين منبهرون من تحركات أسعارها وأنه من الصعب التكهن بالسعر التي ستصل إليه أو تقدير قيمتها لأنها ليست من الأصول المنتجة للقيمة، ثم عاود الهجوم عليها في نهاية العام نفسه ووصفها بأنها مجرد أصل بلا أي قيمة وكانت تسجل مستويات قريبة من 16 ألف دلار.
وفي العام التالي وصف التداول فيها بأنه نوع من المقامرة وقال أنه لا يوجد خطأ في ذلك، إذا كنت تريد المقامرة سيأتي شخص آخر ويدفع المزيد من المال غدًا، فهذه هي طبيعة اللعبة، لكنه ليس استثمارًا، وأن المستثمر يدخل عليها فقط لأنه يأمل أن يدفع المشتري التالي له أكثر.
وفي عام 2019م، قال المستثمر الكبير بأن بتكوين لا تمتلك أي قيمة فريدة من نوعها على الإطلاق بل هي مجرد تضليل، أما تشارلي مونجر شريك بافيت ونائبه وأقرب شخص له والذي يشاركه قراراته الاستثمارية فكان أشد حدة في مواقفه تجاه بتكوين وكان واضحًا ذلك بالعبارات التي نعت فيها بتكوين التي تعتبر قائدة العملات المشفرة وصاحبة القيمة السوقية الأعلى بين تلك العملات.
فقد صرح مؤخرًا، بأنه معجب بالصينيين، ويعتقد بأنهم اتخذوا القرار الصحيح، وهو ببساطة حظر العملات المشفرة، وبأن كراهيته للبتكوين زادت وسط جائحة كورونا، وأضاف قائلاً: “بالطبع أنا أكره نجاح بتكوين، أنا لا أرحب بعملة مفيدة جدًا للمختطفين والمبتزين وما إلى ذلك، ولا أحب مجرد تحويل المليارات الإضافية من المليارات من الدولارات إلى شخص اخترع للتو منتجًا ماليًا جديدًا من فراغ، أعتقد أنني يجب أن أقول بتواضع إن التطور اللعين برمته مثير للاشمئزاز ويتعارض مع مصالح الحضارة”.
وفي مقارنة مع المعدن الأصفر قال مونجر، بأن بتكوين هي بديل اصطناعي للذهب، وبما أنه لم يشترِ ذهبًا من قبل، بالتأكيد فأنه لن يشتري بتكوين اطلاقًا، أما في عام 2017م فقال عن المقارنة بين الذهب وبتكوين بأنه لا يمكن اعتبارها بديلاً عن الذهب الذي يعد مخزنًا رائعًا للقيمة، حيث لا يمكن للبشر اختراعه أو الحصول عليه بسهولة.
وزاد من حدة عباراته الهجومية عليها إذ وصفها بالفقاعة والجنون التام وإنه من الغباء التوقف لثوان للتفكير في هذه العملات، وأنها فكرة سيئة تستهدف إغراء العامة بمفهوم الثروة السهلة دون عمل، وأنه من الضروري تجنبها، وانتشارها يشبه انتشار مرض الطاعون.