لا زالت المؤشرات المالية العالمية تشير إلى حالة من الاحتقان وعدم اليقين في تعافي الاقتصاد الدولي على المدى القريب، فالتوقعات تنحو باتجاه تباطؤ النمو الاقتصادي في شرق قارة آسيا وفي الصين تحديدًا نتيجة حالة الإغلاق المتقطعة وأثر الحرب الروسية الأوكرانية وإفرازات التنافس الدولي التي تستهدفها (تستهدف الصين معدل نمو سنوي %5.5 في عام 2022م مقارنة بمعدل نمو %8.1 لعام 2021م).
وعلى الجانب الآخر من القارة انكمش الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأول من هذا العام بمعدل %1.5 مقارنة بمعدل نمو %6.9 في الربع السابق ورغم ذلك فأن مسؤولي الخزانة الأمريكية متفائلون باستمرار ازدهار معدل النمو خلال العام الجاري عطفًا على تعافي الاقتصاد في العام المنصرم وتحقيقه معدل نمو %5.7 إلا أن هذا التفاؤل ليس بالضرورة أن يكون في محله فقد خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل النمو في أمريكا إلى %3.7 لعام 2022م، كما حذّرت بعض المؤسسات المالية من أن الاقتصاد الأمريكي يسير بوتيرة متسارعة نحو التباطؤ وإلى احتمالية دخوله بحالة من الركود خلال العامين القادمين خاصة مع التزايد المطرد في معدل التضخم والذي يُحاول أن يخفف منه برفع وتيرة أسعار الفائدة وكلاهما عاملان يشكلان تحديًا لنمو الاقتصاد وللناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، علاوة على أن الحرب الروسية الأوكرانية إلى الآن لا يعرف حجم عواقبها السلبية على الاقتصاد العالمي ككل وبالذات إن طالت فترتها أو أتسعت رقعتها!
وفي منطقة دول اليورو فالحال ليس بأفضل، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل النمو فيها إلى %2.8 مقارنة بـ %3.9 في يناير 2022م تحت وطئة زيادة معدل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وأثر العقوبات الاقتصادية الموجهة إلى روسيا عليها.
تحاول بعض التقارير والتصريحات الدولية تركيز سهامها نحو ارتفاع أسعار الطاقة مؤخرًا كمُسبب رئيس لنشوء وزيادة عامل التضخم في العالم وبالتالي تدني معدلات النمو الاقتصادي في الدولة! وهذا الأمر يجانب الحقيقة، فمعدل التضخم بدأ بالارتفاع التدريجي منذ سنوات طويلة حتى قبل جائحة كورونا فضلاً عن أن ارتفاع أسعار الطاقة في الآونة الأخيرة كان مجرد “نتيجة” لعدة عوامل اقتصادية وسياسية سبقتها وهيأت الأرضية لارتفاعها، بينما تجارب السياسة النقدية والمالية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008م -أثر فقاعة الرهن العقاري الأمريكي- كالتيسير الكمي وتخفيض أسعار الفائدة لقرب الصفر وبالتالي تأكل قيمة الدولار الشرائية بشكل متواتر وارتفاع نسبة القروض حول العالم مقارنة بناتجه المحلي الإجمالي حيث ارتفعت الديون العالمية حتى شهر مايو 2022م إلى أكثر من (305) تريليونات دولار النصيب الأكبر منها لأمريكا والصين وأصبحت نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي %348 حسب بيانات معهد التمويل الدولي، هي من كان لها عظيم الأثر بتحفيز زيادة معدل التضخم في العالم.
بإيجاز يمكن القول إن العالم يمر بأزمة اقتصادية وسياسية متجددة و”خطرة” تتمحور حول الهيمنة الأمريكية حول العالم ـ المكتسبة من بعد الحرب العالمية الثانية ـ ومحاولة بعض دول الكتلة الشرقية الحد منها وتعديل ميزان القوى لصالحها لتململها من انفراد الأولى بالحلول والقرارات الدولية والتي غالبًا ما انعكس أثرها السلبي على البقية بمن فيهم بعض حلفائها، فكلفة الإنتاج وقيمة الموارد والتنافسية بين دول العالم في أحيان كثيرة لا يوازيه على الجانب الآخر سوى طباعة المزيد من الدولارات والتلويح بسلاح العقوبات.
وقفات:
• من البديهيات الاقتصادية تشخيص المشكلة الأساسية بموضوعية ووضع الحلول المناسبة لها للخروج من أثارها السلبية تدريجيًا بينما التركيز على أحد إرهاصاتها لتقويمه دون البقية فلن يلغي المشكلة من أساسها.
• كرّر وزير الطاقة السعودي ملاحظاته المحقة بشأن أحد الأسباب الوجيهة لارتفاع أسعار الطاقة في العالم والتي عزاها الى قلة الطاقة الاستيعابية لمصافي التكرير حول العالم إضافة إلى ارتفاع نسبة الضرائب المحلية التي تفرضها حكومات تلك الدول.