بلوغ التضخم %2.6 عام 2022م يمثل صك نجاح لحزمة التدابير الاستباقية التي اتخذتها الحكومة من أجل احتواء التغيرات العالمية
%9.7 تراجع معدل البطالة للمواطنين خلال الربع الثاني من العام 2022م مقارنة بـ %11.0 في نهاية عام 2021م
%43 نسبة نمو الصادرات السلعية غير النفطية حتى الربع الثاني من عام2022م مقارنة بعام2021م
150 صفقة استثمارية ضخمة شهدها النصف الأول من عام 2022م
أعلنت وزارة المالية البيان التمهيدي للميزانية، الذي تضمّن توقعات لما سيكون عليه الاقتصاد العام الجاري والنفقات والإيرادات ومعدلات النمو المتوقعة للعام القادم (2023م)، وهو إجراء استقرت عليه وزارة المالية وبات أحد عناصر سياستها في ترسيخ منهجية الشفافية والإفصاح، ما ينتج عنه إدراك واضح من قبل المستثمرين والمهتمين بالمؤشرات المالية والاقتصادية، وبالتالي تمكينهم من رسم خططهم وتوجيه سياساتهم وتحديد قراراتهم الاستثمارية على المدى المتوسط.
وكان البيان التمهيدي للميزانية، الذي أعلنته وزارة المالية أواخر شهر سبتمبر 2022م، قد توقع أن يبلغ إجمالي النفقات خلال العام القادم حوالي 1,114 مليار ريال، فيما يبلغ إجمالي الإيرادات نحو 1,123 مليار ريال، مُحققةً فوائض بنحو 9 مليارات ريال، ما يمثل %0.2 من الناتج المحلي الإجمالي.
السبيل الأنجح
تعكس مفردات البيان وأرقامه الاستثنائية، مدى نجاح المملكة في الوصول إلى (معادلة الاقتصاد القوي)؛ فعلى الرغم من الأزمات التي يشهدها العالم والتحديات المصاحبة لها وتأثيرها الواضح على تباطؤ الاقتصاد العالمي، متأثرة بتزايد الضغوط التضخمية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية التي ألقت بظلالها السلبية على سلاسل الإمداد العالمية، فإن قوة ومتانة الاقتصاد الوطني كان السبيل الأنجع في مواجهة مثل هذه الأزمات العالمية، وهو ما اتضح من معدلات النمو التي سجلت تراجعًا محدودًا أثناء الجائحة مقارنة بدول العالم الأُخرى عام 2020م، وبدأت في تسجيل النمو الإيجابي بحلول عام 2021م بنسبة %3.2، وأيضًا في النصف الأول من عام 2022م تُعد هي الأعلى منذ ما يزيد عن 10 أعوام.
اليقين والطمأنينة
واستنادًا على تلك التدابير التي اتخذتها الحكومة من دعم وتعزيز النشاط الاقتصادي، وتخفيف الأعباء المعيشية لاحتواء معدلات التضخم العالمية كتحديد سقف لأسعار البنزين وضمان وفرة المنتجات الغذائية في الأسواق المحلية، التي ساهمت في خلق نوع من اليقين والطمأنينة لدى المواطنين، وزيادة الاعتمادات لبرامج الحماية الاجتماعية، مع المواصلة ـ في الوقت نفسه ـ في تنفيذ خطط ومبادرات تحقيق رؤية المملكة 2030م، توقع البيان التمهيدي استمرار المحافظة على معدلات إيجابية مرتفعة للنمو الاقتصادي خلال عام 2023م وعلى المدى المتوسط من خلال عاملين رئيسيين للنمو الاقتصادي، وهما (الاستثمار والاستهلاك)، وذلك انعكاسًا للجهود القائمة في العديد من الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية ضمن رؤية المملكة 2030م.
نمو الأنشطة غير النفطية
وبالنظر إلى توقعات كامل عام 2022م، فوفقًا للبيان قد يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة %8.0 في عام 2022 م، مدعومًا بنمو كل من الناتج المحلي للأنشطة النفطية، وكذلك الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، الذي توقع بأن يحقق نموًا بمعدل %5.9 في ظل الأداء الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من العام الجاري.
وبشكل عام، فإن ما يقود نمو الأنشطة غير النفطية هو نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق مدفوعًا بقرار رفع الإجراءات الاحترازية المتعلقة بالجائحة وزيادة الطاقة الاستيعابية للأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك موسم الحج والعمرة ومواسم المملكة، التي انعكست إيجابًا على معدلات الاستهلاك الخاص خصوصًا بعد زيادة معدلات الحجاج والمعتمرين.
كما أشار البيان، إلى نمو نشاط الصناعات التحويلية مدفوعًا بالنمو في عدد المصانع التي بدأت في الإنتاج منذ بداية العام حتى شهر يونيو من العام الحالي بحوالي 721 مصنعًا بإجمالي استثمارات بلغت 19.1 مليار ريال، وهو ما ساهم في نمو الصادرات السلعية غير النفطية حتى الربع الثاني من عام 2022 م بنسبة %43 مقارنة بعام 2021م.
وفيما يتعلق بالاستثمار الخاص، أورد البيان أنه حقق خلال النصف الأول من عام 2022م نموًا على أساس سنوي بنسبة %21.9، فيما حقق الاستثمار الأجنبي المباشر نموًا على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2022م بمعدل %9.5، وبلغ عدد الصفقات الاستثمارية في النصف الأول من عام 2022م نحو 150 صفقة، ما سينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المحلي.
التضخم عند المستويات المقبولة
وكان البيان، قد توقع بأن يُسجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك “معدل التضخم” ارتفاعًا بحوالي %2.6 لكامل العام 2022م، وهو لا يزال عند مستويات مقبولة للغاية وذلك في حال مقارنته بالأوضاع العالمية، ويعد صك نجاح لحزمة التدابير الاستباقية التي اتخذتها الحكومة من أجل احتواء الارتفاع في الأسعار ووفرة المخزون الغذائي، بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم العالمية والتي تعزى إلى عودة الأعمال إلى طبيعتها بعد انحسار آثار الجائحة وما ترتب عليها من الزيادة المطردة في وتيرة الطلب نتيجةً للتوسع في السياسات المالية لبعض الدول، مقابل التحديات التي يواجها جانب العرض مدفوعةً بالتأثر في سلاسل الإمداد العالمية تزامنًا مع الأوضاع الجيوسياسية التي شهدها العالم في مطلع العام الحالي، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات اللوجستية عالميًا.
تراجع معدلات البطالة
وأظهر البيان كيف كان لتحسن الأداء الاقتصادي دور كبير في تراجع معدل البطالة للسعوديين خلال الربع الثاني من العام الحالي حيث بلغ %9.7 مقارنة بـ %11.0 في نهاية عام 2021م، حيث تُعد النسبة الأقل خلال الأعوام العشرة الماضية، والتي كانت نتيجةً للعديد من المبادرات مثل مبادرات التوطين، ومبادرة تمكين المرأة التي نتج عنها ارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل لتصل إلى نسبة %35.6 خلال الربع الثاني من العام الحالي، متجاوزة بذلك مستهدف الرؤية عند مستوى %30، ومقابل ما كانت عليه نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بداية رؤية المملكة عند %19.3 في عام 2016م، بالإضافة إلى مساهمات صندوق الاستثمارات العامة في استحداث قطاعات جديدة وواعدة، والذي بدوره انعكس إيجابًا على معدلات التوظيف من خلال زيادة فرص التوظيف المباشر وغير المباشر في هذه القطاعات.
الصندوق ركيزة تنويع أساسية
وأكد البيان على الدور الكبير الذي يلعبه صندوق الاستثمارات العامة في تحقيق معادلة الاقتصاد القوي، معتبرًا الصندوق أحد ركائز التنوع الاقتصادي في المملكة، والذي يستهدف بشكل مستمر الاستثمار في عدّة مجالات وقطاعات واعدة، منها قطاع السياحة والضيافة كمشروع “البحر الأحمر” الذي يستهدف الانتهاء من المرحلة الأولى والمتضمنة تشغيل المطار و 16 فندقًا خال عام 2023م، كذلك اطلاقه لمجموعة “بوتيك” المتخصصة في الضيافة الفندقية الفاخرة في يناير 2022م، إضافة إلى استثمارات الصندوق في قطاع الأغذية والزراعة في المملكة من خلال استثماراته في شركة “سالك” واطلاقه الشركة السعودية للقهوة في مايو 2022م، كما أن الصندوق عمل على تعزيز التحول الرقمي وتطوير القطاع العقاري المحلي عبر اطلاقه الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار في سبتمبر 2022م، فضلاً عن اطلاقه لاستراتيجية “صندوق التنمية الوطني” التي تستهدف أن يكون الصندوق داعما للتنمية المستدامة للقطاعات الاقتصادية من خلال توفير التمويل للصناديق والبنوك التنموية على المدى الطويل، وأن يكون الصندوق منصّة تمويلية تسهم في تنويع الاقتصاد وتطويره، ورفع مساهمة القطاع الخاص في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة.
امتداد لتطورات الأداء
ويمكن الجزم بأن هذه التوقعات الإيجابية المحتملة للاقتصاد الوطني للعام 2023م، هي امتداد للتطورات الإيجابية للأداء الفعلي في النصف الأول من العام 2022م، حيث تمّت مراجعة تقديرات معدلات النمو الاقتصادي في المملكة لعام 2023م والمدى المتوسط، إذ تشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة %3.1، مدعومًا بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية مع استمرار قيادة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، والمساهمة في زيادة خلق الوظائف في سوق العمل، بالإضافة إلى استمرار تحسن الميزان التجاري للمملكة، والاستمرار في تنفيذ برامج رؤية المملكة 2030م، وتحقيق الأنشطة الاقتصادية لمعدلات نمو إيجابية في العام 2023م وعلى المدى المتوسط.
نظام الاستثمار الجديد
وتبعًا للتطورات في الأنشطة الاقتصادية، يتوقع أن يساهم برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية “ندلب” وتنفيذ مبادرات الاستراتيجية الوطنية للنقل في تحقيق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد، إضافةً إلى الدور المهم لاستراتيجية الاستثمار التي تعزّز إسهامات مختلف المستثمرين في
منظومة الاستثمار.
بالإضافة إلى نظام الاستثمار الجديد، الذي بحسب البيان سيكون محفزا أساسيا في بيئة الاستثمار في المملكة، حيث يتيح النظام المساواة فيما بين المستثمر السعودي وغير السعودي، وتوحيد إجراءات إصدار التصاريح. إضافة إلى الجهود المستمرة في تنفيذ المشاريع الكبرى والمبادرات المعلنة مثل إنشاء الهيئة السعودية لتسويق الاستثمار والتي تهدف إلى تشجيع الاستثمار في البلاد، وإبراز الأنشطة الاستثمارية في كافة القطاعات، ومبادرة “السعودية الخضراء” التي تمثل توّجه المملكة نحو مكافحة التغير المناخي والتي ستوفر فرصًا استثمارية ضخمة للقطاع الخاص، إضافة إلى مبادرة “الاستثمار الجريء” التي تعدّ ضمن برنامج تطوير القطاع المالي والتي تستهدف دعم الاستثمارات في الشركات الناشئة القابلة للنمو السريع.