فيصل الشماس: بنوك المملكة على موعد بمستويات أكبر من الربحية وارتفاع قيمتها المالية، بسبب حالة النمو المتواصل التي يعيشها الاقتصاد الوطني
عبدالله المغلوث: عندما تتوفر السيولة من خلال البنوك سيكون هناك حراك اقتصادي أكبر من خلال الشركات وقطاع الأعمال
محمد الشميمري: التطورات الكبيرة التي يعيشها القطاع البنكي انعكست بشكل إيجابي على سوق الأسهم وكان لها تأثير جيد
ارتفعت أرباح بنوك المملكة دون فروعها الخارجية خلال 10 أشهر من عام 2022م %28 بما يعادل 12.5 مليار ريال
الاندماجات التي حصلت العام الماضي أوجدت كيانات أكبر، يمكن أن تطور قطاع الأعمال بشكل أكبر
بلغ إجمالي أصول بنوك المملكة حتى نهاية الربع الثاني لعام 2022م نحو 3.5 تريليون ريال (933مليار دولار)
برهنت بنوك المملكة على قوة القطاع المصرفي ومتانته في البلاد، الذي بات واحدًا من أكثر القطاعات المالية قوة في المنطقة؛ إذ يعيش القطاع البنكي اليوم فترة ذهبية، تزايدت فيها أرباحه بالتزامن مع ارتفاع قيمة أصوله التي تجاوزت لأول مرة حاجز 3.5 تريليون ريال بنهاية يونيو 2022م، بزيادة قيمة الموجودات في عام كامل بما يعادل 414.9 مليار ريال، بما يعادل %13.32 مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي 2021م إذ كانت الموجودات آنذاك نحو 3.11 تريليون ريال.
وفي عام 2022م واصل القطاع نموّه الإيجابي، وذلك على الرغم من التراجع الاقتصادي الذي يهيمن على العالم جراء العديد من العوامل، مستفيدة من الدعم الحكومي والإصلاحات المالية التي اتخذتها وزارة المالية، وتنامي الإقراض العقاري والتجاري لمستويات قياسية، وهو ما يعكس إلى حد كبير التأثير الطفيف نسبيًا للأزمات العالمية على القطاع البنكي في المملكة.
مؤشرات السلامة المالية
كشف بيان للبنك المركزي نشره بمناسبة إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي لعام 2023م، أن مؤشرات السلامة المالية في القطاع المصرفي سجلت أداءً جيدًا، حيث بلغ معدل كفاية رأس المال ما نسبته %19.4 للربع الثالث من العام 2022م بينما سجلت نسبة تغطية السيولة ما يقارب من %174.2 للفترة نفسها، وبلغ إجمالي أصول بنوك المملكة ـ بحسب وزير المالية محمد بن عبد الله الجدعان ـ حتى نهاية الربع الثاني لعام 2022م نحو 3.5 تريليون ريال (933 مليار دولار)، وهو ما يعني الاقتراب من المستهدف بزيادة إجمالي أصول القطاع المصرفي إلى أكثر من 4.5 تريليون ريال.
تسارع في نمو الإقراض
وثمة توقعات لوكالات خدمات مالية كوكالة “ستاندرد آند بورز” بأن تقود المملكة التسارع في نمو الإقراض بدول الخليج، الذي ارتفع حجمه بنسبة %9.5 على أساس سنوي خلال النصف الأول من عام 2022م، مرجعةً ذلك إلى مسارات المملكة المتبعة في إقراض المؤسسات والاندماجات البنكية التي حصلت والاستمرار في تقديم الرهون العقارية، رغم أن ارتفاع الفائدة ربما يقلِّل نوعًا ما من حجم الطلب عليها.
وكانت بنوك المملكة دون فروعها الخارجية بحسب وحدة التقارير في صحيفة “الاقتصادية”، قد ارتفعت أرباحها خلال 10 أشهر من عام 2022م %28 بما يعادل 12.5 مليار ريال، لتبلغ 57.3 مليار ريال، مقابل 44.8 مليار ريال في الفترة نفسها من عام 2021م، وهو ما يعد الأعلى على الإطلاق في تاريخ البنوك وفق البيانات المتاحة.
مستويات أكبر من الربحية
وأجمالاً، تتمتع بنوك المملكة برسملة جيدة بحسب المعايير العالمية، ومن المتوقع بقاء الرسملة لدى البنوك المصنّفة قوية، قياسًا بنسبة رأس المال المرجح بالأخطار المستخدمة، وأن ثمة مجموعة من العوامل حافظت على معدلات نمو القطاع البنك كإقراض المؤسسات وحركة الاندماجات والقروض العقارية، فضلاً عن النهج المبني على السياسة الاستثمارية المتزنة الذي يتبعها البنك المركزي واستخدامه لأحدث التقنيات المالية وتطبيقه لأفضل الممارسات الدولية في إدارة الأصول وقياس الأداء والمخاطر.
ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة ريادة المالية/ فيصل الشماس، أن بنوك المملكة على موعد مع مستويات أكبر من الربحية وارتفاع قيمتها المالية، بسبب حالة النمو المتواصل التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مضيفًا بأن الاندماجات التي حصلت بين كبار البنوك في الفترة الأخيرة شكلت خطوة مهمة في مسار تقويتها، مع أن النمو في القطاع البنكي لا يمكن إرجاعه إلى الاندماجات بقدر إرجاعه إلى حزمة الفرص التي أوجدتها مشاريع صندوق الاستثمارات العامة، وما تحتاجه هذه المشاريع من إقراض ضخم، وكذلك إلى النمو السكاني الحاصل وما تبعه من تمويل عقاري وغيره من خطط الإقراض.
الاندماج ضرورة
وقال بأن هذه النوعية من المشاريع تحتاج لخطط إقراض ضخمة، لهذا كان للاندماج ضرورة حتى تمتلك البنوك قدرة أكبر على الإقراض، لافتًا إلى الانفتاح الاقتصادي الحاصل وتداعياته من تحفيز الأجانب على الاستثمار في السوق من خلال تخفيض الاجراءات وتخفيض الرسوم وغيرها، ساهم في تقوية مسارات النمو للقطاع البنكي.
وقسَّم الشماس، البنوك إلى صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وأُخرى بنوك ضخمة، وثمة منافسة قوية قادمة من بنوك عالمية هي أكبر من بنوكنا حاليًا، التي يغلب عليها الطابع الصغير والمتوسط والكبير، ولكي تنجح البنوك في المنافسة أمام العالمية الضخمة عليها أن تكون مندمجة، لافتًا إلى أن هناك توجها حكوميا كبيرا للاستثمار الداخلي، لهذا قرر ملاك الحصص الأكبر الاندماج لتوسع نشاطها بشكل أكبر، مؤكدًا بأن حجم المشاريع المتوقع الصرف عليها الفترات الحالية تحتاج لبنوك أكبر حتى من الموجودة حاليًا.
حسابات مصرفية
ويُعتبر قطاع التجزئة المصرفي بالمملكة هو الأقوى في منطقة الخليج العربي، وذلك نظرًا للكثافة السكانية التي بلغت نحو 34.110 مليون نسمة حتى منتصف عام 2021م ومن المتوقع أن تتخطى حاجز الـ 39 مليون نسمة بحلول 2030م، وتكشف بيانات هيئة الإحصاء الرسمية أن نحو %75 من السكان لديهم حسابات مصرفية ما يجعلها أكبر سوق للتجزئة المصرفية في المنطقة، فضلاً عن أن لدى المملكة أقل نسبة لقروض التجزئة إلى الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة ما يجعل هناك فرصة كامنة للنمو.
وقد لعب النمو المطرد لقطاع التجزئة المصرفية دورًا رئيسًا في نمو الائتمان بالبنوك وبات محركًا رئيسًا للنمو، وهو ما دفع معدلات الائتمان للنمو، التي بلغت ما نسبته %11.5 في عام 2021م بسبب ارتفاع القروض العقارية خلال تلك المدة لنحو %41.
سوق التجزئة المصرفي
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، قد أكدت في تقريرها لعام 2021م أن سوق التجزئة المصرفي بالمملكة يعد الأقوى في الخليج، متوقعةً أن يواصل القطاع دعم البنوك السعودية خلال الفترة المقبلة بعد أن دعم القطاع بالفعل أداء البنوك العاملة بالمملكة خلال السنوات الماضية، وكان محركا رئيسا للنمو حتى في زمن جائحة كوفيد19-.
هذا وعزا التقرير ارتفاع القروض العقارية إلى الخطة الطموحة التي تنفذها الحكومة لزيادة تملّك المواطنين من خلال برامج عدة تقدمها وزارة الإسكان تسببت في ارتفاع مطرد في معدلات القروض العقارية بالبلاد.
ويعود تحول اهتمام بنوك المملكة بقوة نحو قطاع التجزئة، بعد أن عمدت المصارف نحو تغيير استراتيجيتها بما يضمن فوزها بحصة أكبر في هذا القطاع الحيوي؛ ويتوقع الأمين العام السابق للجنة الإعلام والتوعية المصرفية/ طلعت حافظ، أن تواصل بنوك المملكة تحسن نتائجها المالية، بفضل استمرار تعافي الاقتصاد الوطني، بشكل أسرع من المتوقع مدفوعًا بالميزانية القياسية للعام الجاري والمتوقع أن تستمر لعامين قادمين، مشيرًا إلى أن اندماج أربعة بنوك كبيرة في كيانين قويين أعطي القطاع قوة أكبر؛ إذ أوجد بنوكا قوية قادرة على تمويل المشاريع التنموية الكبيرة التي تخوضها المملكة، قائلاً إن الاندماج لا يفرق بين بنك صغير وآخر كبير، فهو في كل الحالات يعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ولعملاء البنوك في توسع الخدمات.
حراك اقتصادي أكبر
ويتفق المحلل الاقتصادي عبدالله المغلوث، مع تقرير فيتش وغيرها من التقارير الإيجابية عن القطاع البنكي في المملكة، معتبرًا أنه عندما تتوفر السيولة من خلال البنوك سيكون هناك حراك اقتصادي أكبر من خلال الشركات وقطاع الأعمال، قائلاً: هناك حراك كبير من خلال الدعم الحكومي اللامحدود للشركات وهذا يجعل بنوك المملكة أكبر وأقوى مما سبق، فهناك قوانين وأنظمة تدعم البنوك في حفظ حقوقها، وهذا يجعلها أكثر استقرارًا سواء في سيولتها للنقد المحلي أو الأجنبي، مؤكدًا بأن بنوك المملكة من أكبر البنوك الخليجية والأكثر امتلاكها للموجودات ولديها ربحية عالية.
ولفت إلى أن الاندماجات التي حصلت كانت لتكوين كيانات أكبر للصمود أمام المنافسة العالمية المتوقعة، ولكي يكون لديها حراك تمويلي وتوسع في التشغيل أكبر من السابق، خاصة عندما يكون الدمج واضحا وشفافا يجعل القطاع أكثر استقرار.
السوق يتطلب
وقال المغلوث إن ثمة حرصا من البنوك على تمويل المشاريع الكبيرة المستقبلية، ذلك لأن السوق يتطلب وجود بنوك كبيرة حتى يستطيع المنافسة خلجيًا وعالميًا وأن الفرصة متاحة لبنوك أخرى للاندماج، ورغم عدم وجود شيء واضح على السطح حاليًا ولا توجد مؤشرات لذلك، ولكن الفكرة تظل قائمة، وقد يكون هناك حراك لم يظهر للعلن بعد.
وثمة عدة عوامل تدعم ارتفاع العوائد من بينها هوامش الربحية الجيدة لقروض التجزئة وخطة الحكومة لزيادة نسب تملك المواطنين والتي تأتي واحدة من أهم أهداف الرؤية وهو ما سيؤدي إلى وجود حزمة كبيرة من برامج الإقراض المدعومة حكوميًا والتي عزّزت هوامش الربح والضمانات على حد سواء للقروض العقارية منذ العام 2017م.
نمو الودائع
وتتفق التقارير المالية مع البيانات الشهرية الصادرة من البنك المركزي السعودي، الذي كشف أن الودائع في البنوك اخترقت حاجز تريليوني ريال للمرة الأولى في مايو 2021م، وأظهرت البيانات التي نشرت في العام نفسه نمو الودائع بنسبة %7.5 على أساس سنوي، ومن ضمنها 1.3 تريليون ريال من الودائع تحت الطلب، أي ما يعادل %66 من قاعدة الودائع.
وأشار المركزي إلى ارتفاع مطلوبات المصارف من القطاع الخاص %15 على أساس سنوي، لتصل إلى 1.904 تريليونات ريال، فيما ارتفعت %1 قياسًا على مستويات أبريل 2021م، وأفاد بأن نسبة القروض إلى الودائع ارتفعت إلى %95 على مستوى القطاع، ووصلت الموجودات الأجنبية للبنك المركزي في مايو 2021م إلى نحو 1.690 تريليون ريال، بينما هبطت %5 على أساس سنوي، وارتفعت كذلك القروض العقارية التي منحتها البنوك التجارية السعودية للأفراد والشركات بنهاية الربع الثاني لعام 2021م بنسبة قدرها %40 لتصل إلى نحو 502.7 مليار ريال، مقارنة بـ359.9 مليار ريال بنهاية الربع الثاني 2020م.
ارتفاع قيمة القروض للأفراد
وحسب البيانات التي نشرها البنك المركزي السعودي، يبدو ارتفاع قيمة القروض الممنوحة للأفراد -التي تشكل %77 من إجمالي القروض العقارية- بنسبة %54 خلال الربع الثاني لعام 2021م، لتصل إلى نحو 384.7 مليار ريال، وذلك مقارنة بنفس الفترة من عام 2020م والتي بلغت آنذاك 250.3 مليار ريال، كما بلغت القروض العقارية الممنوحة للشركات نحو 118.1 مليار ريال بنهاية الربع الثاني لعام 2021م مرتفعة بنسبة %8 عن الربع الثاني لعام 2020م.
ووفقًا لتقرير المركزي شهدت القروض الاستهلاكية ارتفاعًا بنحو %17 بنهاية الربع الثاني لعام 2021م مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020م لتصل إلى 394.2 مليار ريال.
وتضم القروض الاستهلاكيةـ بالإضافة إلى قروض ترميم وتحسين العقارات ـ قروض السيارات ووسائل النقل الشخصية، والقروض الاستهلاكية للتعليم والصحة والسياحة والسفر والأثاث والسلع المعمرة وقروضًا أخرى.
الانعكاس الإيجابي
وبفضل ذلك، حققت أكبر ثلاثة بنوك تجزئة والتي تمثل نحو ثلثي إقراض التجزئة في القطاع متوسط نسبة أصول مرجحة بالربح التشغيلي إلى المخاطر بنحو %2.9 فيما بلغ متوسط القطاع %2.2 فقط خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020م.
كل هذه التقارير والنتائج تصب في صالح البنوك السعودية، وتنعكس بشكل إيجابي على سوق الأسهم، الذي يعد السوق الأكبر في الشرق الأوسط.
ويؤكد الخبير في الأسواق المالية/ محمد الشميمري على أن التطورات الكبيرة التي يعيشها القطاع البنكي انعكست بشكل إيجابي على سوق الأسهم، وكان لها تأثير جيد، قائلاً: من الواضح أن التحركات والأرباح كانت مؤثرة بشكل إيجابي على السوق، لأن القطاع البنكي هو أكثر قطاع حيوي ويؤثر على جميع القطاعات، وأن ما يحصل إيجابي ويتوقع أن يكون أفضل على المدى البعيد، فاندماج عدة بنوك أوجد كيانات قوية، وهذا يعني إضافة عمق لسوق الأسهم، وعمق للمضاربات، داعيًا إلى المزيد من الاندماجات لما يتبعه من تطور أكبر وأسرع.
وشدّد الشميمري، على أن كثرة الكيانات قد يكون إيجابيا للمستهلك وللشركات، سواء قطاع الأعمال أو الأفراد، ولكن الاندماجات التي حصلت العام الماضي أوجدت كيانات أكبر، يمكن أن تطور قطاع الأعمال بشكل أكبر، ويضيف: هذه الكيانات ستسعى للاستحواذ أكثر على قطاع الأعمال، خاصة وأن بنكي سامبا والأهلي كانا من الأساس يستهدفان قطاع الأعمال عكس بنك الراجحي الذي يستهدف قطاع الأفراد، متوقعًا بأن يشكل الاندماج كيانا كبيرا جدًا، ويستحوذ على حصة كبيرة من قطاع الأعمال، وسيكون له دور كبير في تغيير جغرافية البنوك المحلية، وسيكون له دور فعال في تطوير قطاع الأعمال.