أسواق عملات

صحوة “الكريبتو”

البيتكوين يسجل انخفاضًا أقل من 17 ألف دولار في نوفمبر2022م بعد وصوله لأعلى مستوى على الإطلاق بأكثر من 68 ألف دولار

موجة الارتفاعات النسبية بخاصة لأكبر العملات الرقمية كالبيتكوين والإيثريوم يمكن إرجاعها إلى التوقعات بخفض وتيرة رفع أسعار الفائدة الأميركية خلال الربع الأول من العام الحالي

عمليات الاختراق والاحتيال وصلت إلى ما قيمته 1.9 مليار دولار في سوق العملات المشفرة

 

بعد عام من الانهيار والتراجع في قيمته السوقية إلى ما دون التريليون دولار، وحالات الإفلاس الدراماتيكي التي أصابت العديد من منصاته وعلى رأسهم منصة إف تي إكس (FTX) التي كانت واحدة من أكبر بورصات العملات المشفّرة عالميًا، يشهد “الكريبتو” أو العملات الرقمية “صحوة جواد” بتداولات مرتفعة نسبيا خلال شهري يناير وفبراير 2023م.

فقد سجلت عملة “البيتكوين” في يناير الماضي أفضل أداء شهري لها منذ أكتوبر 2021م، لترتفع بأكثر من %40 منذ بداية العام، ويتم تداولها قرب الـ 23 ألف دولار، وتصل قيمتها السوقية إلى 439 مليار دولار.

وكذلك عملة “الإيثريوم” التي تحقق ارتفاعًا شهريًا بنسبة %29 وبنسبة %36 منذ بداية العام، ليقفز سعرها من مستوى 1218 دولار في نهاية ديسمبر 2022م، إلى نحو 1582 دولار في نهاية تعاملات يناير 2023م، وصعدت قيمتها السوقية من مستوى 149.1 مليار دولار إلى نحو 193.5 مليار دولار، لتستحوذ بذلك على نحو %18 من القيمة السوقية المجمّعة للعملات التي يجري التداول عليها.

جيمس ديمون، رئيس بنك جيه بي مورغان

القيمة السوقية

وتزامن ارتفاع أسهم شركات تعدين “بيتكوين” وصناديق العملات المشفّرة مع الارتفاع الهائل في سعر عملة “البيتكوين”، فارتفعت أغلب أسهم التعدين بنسبة قوية اقتربت من حاجز %200، ما يؤشر بأن الهبوط الكبير الذي حصل في طريقه للهدوء وأن قاع الدورة قد حدث بالفعل وإنها ربما تتعزز ثقة المستهلكين في العملات المشفّرة بشكل عام خلال العام الجاري.

وكانت القيمة السوقية لمختلف العملات المشفّرة، قد قفزت بنهاية يناير وبدايات فبراير العام الجاري بما نسبته %25.8 بأرباح بلغت نحو 215 مليار دولار، بعدما ارتفعت قيمتها السوقية الإجمالية من مستوى 832 مليار دولار في تداولات نهاية العام الماضي، إلى نحو 1047 مليار دولار في نهاية تداولات شهر يناير العام الجاري.

الجنون التجاري

ويذكر أن العملات الرقمية، قد شهدت خلال العام الماضي انهيارًا كبيرًا في قيمة أصولها، فبعد وصول عملتها الأولى “البيتكوين” إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بأكثر من 68 ألف دولار في نوفمبر 2021م لتنخفض قيمتها لأكثر من ثلاثة أرباع، مُسجلة أقل من 17 ألف دولار في 15 نوفمبر 2022م، مما أدى إلى إثارة المخاوف حول سوق العملات المشفّرة بشكل عام ومدى استقراره وطرح العديد من الأسئلة حولها، بل وقادت روادها إلى نوبات من الجنون التجاري، الذي على أثره ظهرت مراكز إعادة تأهيل فاخرة لمعالجة ما أسمته إدمان العملات الرقمية.

تشارلي مونجر، نائب رئيس شركة بيركشاير هاثاواي

اختراق واحتيال

وكشف كذلك الانهيار للعملات المشفّرة أواخر العام الماضي العديد من عمليات الاختراق والاحتيال، ففي تقرير نشره موقع “فوربس أدفايزور”، أبان إن ثمة تحليلا أصدرته شركة “تشين أناليسز”، توصل إلى أن ما قيمته 1.9 مليار دولار من العملات المشفّرة قد سُرقت في عمليات الاختراق والخداع مما أدى إلى خسائر بقيمة 1.6 مليار، فضلاً عن العديد من التعاملات المريبة سواء قروض غير مضمونة أو إقراض الشركات لنفسها وغيرها بالعملات المشفّرة، وما ساعد في عدم ظهور هذه الاختلالات عدم خضوع سوق العملات المشفّرة للرقابة المالية من قبل البنوك المركزية مثل بقية الشركات والمؤسسات المالية الأُخرى، وأن معظم منصّاتها مسجل في خارج النطاق الجغرافي.

ارتفاعات نسبية

وبالعودة إلى موجة الارتفاعات النسبية بخاصة لأكبر العملات الرقمية كــ “البيتكوين” و”الإيثريوم”، يمكن إرجاعها إلى التوقعات بخفض وتيرة رفع أسعار الفائدة الأميركية خلال الربع الأول من العام الحالي، فبحسب رويترز ربما يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة خلال اجتماعه في فبراير الجاري إلى 25 نقطة في استمرار لوتيرة تخفيف رفع سعر الفائدة فمن 75 نقطة إلى 50 نقطة ديسمبر 2022م، وذلك بعد بيانات أشارت إلى تراجع التضخم بالولايات المتحدة نوفمبر الماضي، لاسيما وأن الزيادة المستمرة في رفع أسعار الفائدة الأمريكية كانت سببًا في ارتفاع شهية المستثمرين نحو الاستثمار في السندات طويلة الأجل، وبالتالي العزوف عن الاستثمار في العملات المشفّرة التي فقدت جاذبيتها بسبب رفع أسعار الفائدة من ناحية، والتضارب والتلاعب والسقوط المدوي لمنصة (FTX)، وانهيار عملتي “تيرا” و”لونا” من ناحية أُخرى، وهو ما أثار مخاوف المنظمين الأمريكيين في وزارة الخزانة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي حينها، نظرًا لارتباط عملة “تيرا” بالدولار الأمريكي.

تنظيم التداول

ويبدو كذلك أن الإعلان عن قانون تنظيم تداول العملات الرقمية الأوروبي لعب دورًا كبيرًا في عودة الأمل لسوق العملات الرقمية، بعدما كان ينازع في ظل الارتفاع القياسي لمعدلات التضخم، فضلاً عما يبدو في الآفق من اتجاه للاعتراف بالعملات المشفّرة كخيار استثماري طويل الأجل قابل للتطبيق، حيث أقر كبار المستثمرين بأن العملات المشفّرة فئة أصول تستحق الاستثمار فيها، على الرغم من أنها شديدة المخاطر ومتقلبة للغاية، وثمة حوار متزايد بين بعض كبار التشفير حول اعتماد صناعة التشفير كوسيلة استثمارية للتقاعد، ودعوات لمزيد من حماية المستهلكين والتنظيم لقطاع صناعة العملات المشفرة، بأن علقت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين مع انهيار منصة (FTX) يعزز وجهة النظر بأن سوق الأصول الرقمية يتطلب تنظيمًا دقيقًا للغاية، وكان البيت الأبيض قد أصدر أواخر العام الماضي أول إطار لتنظيم الأصول الرقمية بما في ذلك العملات المشفّرة والطرق التي يجب أن تتطور بها صناعة الخدمات المالية لتسهيل المعاملات بلا حدود، وكيفية القضاء على الاحتيال في الأصول الرقمية.

مسارات حكومية

ودعا صندوق النقد الدولي إلى زيادة التنظيم لأسواق العملات المشفّرة بخاصة في القارة السمراء التي تعد من أسرع الأسواق نموًا في العالم في الأصول الرقمية، مؤكدًا بأن مخاطر الأصول المشفّرة واضحة وإنه حان وقت تنظيمها.

هذا واتجهت الكثير من الدول حول العالم نحو تنظيم عمليات التداول والاستثمار في العملات الشفرة ووضع مجموعة من اللوائح القوانين لتقنينها، ففي أكتوبر العام الماضي، كما أوضحنا أقرّ الاتحاد الأوروبي مشروع قانون من شأنه تنظيم الأصول المشفرة، الذي اعتبره الخبراء تشريعًا تاريخيًا يدعم تقنين سوق العملات المشفرة، وكذلك اعترف مجلس النواب البريطاني بالأصول المشفّرة كأدوات مالية منظمة.

وتخطو الجمهورية الصينية خطوات كبيرة نحو برنامجها لـ “اليوان الرقمي” الذي ربما يشهد انطلاقه الكامل العام الجاري، والهند التي أطلقت نسختها التجريبية من عملتها الرقمية ديسمبر الماضي بعد أن سمح بنكها المركزي بتسوية بعض معاملات السوق الثانوية من خلال العملات الرقمية، فضلاً عن البرازيل التي أقرّت مؤخرًا مشروعًا قانونيًا يضفي الشرعية على استخدام العملات المشفّرة كوسيلة شرعية لإجراءات عمليات الدفع.

 

الأثر الاقتصادي

وثمة دول أُخرى تبحث بجدية حول الأثر الاقتصادي وجاهزية السوق والتطبيقات الفعالة والسريعة الممكنة لحلول الدفع باستخدام العملة الرقمية، كالمملكة العربية السعودية، التي أعلنت عن مواصلة مشروع اختبار العملة الرقمية للبنك المركزي، الذي يعمل حاليًا بالتعاون مع البنوك وشركات التقنية المالية على إحدى مراحل المشروع، المعنيّة بدراسة حالات استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي المخصصة للمؤسسات المالية محليًا، باستكشاف المنافع والمخاطر المحتملة لاستخدام العملة الرقمية، علمًا بأن المملكة قد نجحت عام 2019م في اختبار العملة الرقمية للبنك المركزي من خلال برنامج عابر وبالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مدى إمكانية استخدام تقنية السجلات الموزعة لتسهيل المدفوعات عبر الحدود.

أمد التنظيم

ولكن تظل العملات المشفّرة تدور في إطار حزمة من المشكلات التي ربما تطيل أمد تنظيمها فلم يقدم المنظمون في الولايات المتحدة الأمريكية لوائح واضحة حول العملات المشفّرة من شأنها حماية المستهلكين، فتنظيم سوق العملات المشفّرة يحتاج إلى تنظيم مجموعة كبيرة من المنتجات المالية بما في ذلك الإقراض والتداول بالهامش والبيع على المكشوف والأدوات الأخرى التي تكون قانونية تمامًا كتلك المنظمة في الأسواق المالية التقليدية، فضلاً عن الانتقادات الواسعة للمشتقات المشفرة؛ إذ يرى رئيس بنك جيه بي مورغان، جيمس ديمون، أن عملة “البيتكوين” ليست سوى عملية احتيال مفرطة ومبالغ فيها، مؤكدًا بأن العملات المشفّرة ما هي إلا مجرد إهدار للوقت، كما طالب تشارلي مونجر نائب رئيس شركة بيركشاير هاثاواي، الحكومة الأميركية بحظر العملات المشفرة؛ إذ يرى أن نقص اللوائح التنظيمية مكّن أصحاب عقلية المقامرة، وأشار إلى أن العملات المشفّرة ليست عملات أو سلعا أو أصولا.