الطاقة وعصر “الديجيتال”

أرامكو تخطط لاستثمار 1.9 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة في المجال الرقمي

أرامـكـــو ديجــتـــال (ADC) تدعـــم مستهدفات الوصول إلى منظومة طاقة صناعية مستدامة وتنافسية

الممر العالمي للذكاء الاصطناعي يهدف إلى دعم جيل جديد من الشركات الناشئة

“الروبوتات” والواقع الافتراضي يحدثان نقلة نوعية في قطاع النفط والغاز

 

تتبنى الشركات المنتجِة للطاقة اليوم أساليب جديدة للاستفادة من منافع الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي وتفعيل الاستثمار الأمثل من البيانات التي يوّلدها القطاع، سواءً لتطوير الخدمات والتنمية أو لضمان تلبية الاحتياج الحالي والمستقبلي. ويأتي ذلك انطلاقًا من كون الطريقة المثلى لإدارة هذه الشركات تتحقق من خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي يمكّن توظيف مفرداته في معالجة البيانات وإدارتها بكفاءة أعلى ووقتٍ وتكلفةٍ أقل، وبالتالي زيادة قدرة صناعة الطاقة على المنافسة في ظل الظروف الاقتصاديـــة غير المستقــرة، وتطوير أساليـــب تشغيليـــة أفضل واكتشاف رؤى جديدة.

حلول الذكاء الاصطناعي

ويستطيع الذكاء الاصطناعي إجراء تقييم منهجي للكم الكبير من البيانات ذات الصلة بتداول الطاقة، كما يمكنه أيضًا أن يساعد الشركات على تحديد أفضل طريقةٍ لشراء الطاقة من خلال دراسة اتجاهات السوق المعقّدة وتحليل البيانات لوضع خططٍ لإدارة الإنفاق بشكلٍ أفضل وتقليل المخاطر في أسعار الأسواق سريعة التقلب.

ويبدو أن العمل على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة بات من الضروريات لاسيما مع التحديات التي يواجها قطاع الطاقة بصورة كبيرة، ما دفع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، إلى توقيع مذكرة تفاهم العام الماضي مع شركة هاليبرتون الأميركية لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي في النفط والغاز محليًا وعالميًا، وأيضًا مع شركة سيمنس العالمية لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي لقطاع الطاقة من أجل الإسهام في زيادة كفاءة الطاقة وتعزيز تكامل مصادر الطاقة المتجددة.

أرامكو ديجيتال

وكشفت كذلك شركة أرامكو السعودية، في 30 يناير 2023م خلال فعاليات النسخة السابعة لبرنامج تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد “اكتفاء”، عن إطلاق شركة أرامكو ديجيتال (ADC) التي من شأنها تسريع التحول الرقمي في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتستهدف دفع الابتكار الرقمي وتنمية الاقتصاد الرقمي في المملكة عبر الشراكات والمشاريع لتعزيز مكانة أرامكو في قطاع الطاقة، وقال رئيس وكبير الإداريين التنفيذيين في شركة أرامكو السعودية، المهندس أمين الناصر، إن أرامكو تخطط لاستثمار 1.9 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة في المجال الرقمي، واصفًا ذلك بأنه أكبر استثمارات الشركة في هذا المجال حتى الآن، وأن إنشاء هذه الشركة هو تأكيد لموقع أرامكو السعودية القيادي في الذكاء الاصطناعي لقطاع الطاقة، وقيادة الابتكار الرقمي في قطاع الصناعة السعودي.

ووصف إطلاق أرامكو ديجيتال، بـأنه بمثابة مرحلة جديدة ومهمة في مجال التحوّل الرقمي لقطّاع الطاقة في المملكة، فإن أرامكو تواصل جهودها الرامية لأن تصبح شركة الطاقة الرائدة رقميًا على مستوى العالم، من حيث الابتكار وتحقيق القيمة، التي انطلقت مسيرتها نحو التحول الرقمي الشامل منذ إعلانها إطلاق برنامج التحول الرقمي (DTP) عام2017م بهدف تعزيز مكانة الأعمال الرقمية للشركة والاستفادة من أحدث الحلول الرقمية لتحسين أعمالها ومواءمة مختلف جوانب التطور الرقمي.

الممر العالمي

ويأتي الإعلان عن إطلاق أرامكو ديجيتال بعد قرابة الأربعة أشهر من إعلان أرامكو عن إطلاق مشروعها الاستراتيجي باسم الممر العالمي للذكاء الاصطناعي؛ الذي يهدف إلى دعم جيل جديد من الشركات الناشئة، ويضم عدّة عناصر، من بينها مركز تميّز لحلول الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الوطنية والعالمية، ويدعم المركز التعاون بين أرامكو والشركاء الرئيسيين في الذكاء الاصطناعي، مثل معهد كاليفورنيا للتقنية وشركة بيوند ليميتس؛ لتسهيل عملية الابتكار في المملكة وعلى مستوى العالم، وكذلك بعد الثلاثة أشهر من الإعلان عن خطط أولية لتعاون استراتيجي بين أرامكو وشركة (آي بي إم) الأمريكية، المدرجة في بورصة نيويورك لإنشاء مركز عالمي للابتكار الرقمي في المملكة، وذلك بهدف دعم النمو الاقتصادي في المملكة عبر التقنيات فائقة التطور من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحواسب الكمية في عدة مجالات، تشمل: الاقتصاد الدائري، وعلوم المواد، وسلسلة الإمداد، والاستدامة، والأمن السيبراني، والرقمنة.

نقلات نوعية

ويقود هذا التعاون مع (آي بي إم)، بحسب النائب الأعلى للرئيس للخدمات الفنية في أرامكو السعودية، أحمد السعدي، إلى تحقيق نقلات نوعية وقفزات محتملة في قطاع الطاقة سيكون لها عظيم الأثر على مستوى الصناعة الوطنية والعالمية، وأشار إلى أنه من خلال هذا التعاون تسعى أرامكو إلى الاستفادة من التطورات المتقدمة في مجال الحوسبة، بما يُسهم في دفع النمو الاقتصادي وتمكين الابتكار الرقمي، والاستدامة البيئية، وأكد أن أرامكو تعدُّ الشركة العالمية الرائدة في مجال الطاقة والكيميائيات، التي تدعم التوسع المستدام والمتنوع لاقتصاد المملكة، وتُسهم في إنشاء قطاع طاقة يتسم بالحيوية والاستدامة والقدرة على المنافسة عالميًا.

الاستخدامات الجديدة

ويهدف مركز الابتكار المخطط له إلى جمع خبراء (آي بي إم) للاستشارات والتقنية للعمل إلى جانب خبراء أرامكو السعودية في تحديد الاستخدامات الجديدة التي يحتمل أن تكون مؤثرة تقنيًا، ومحاولة إثبات الجدوى من خلال نهج مرن، ثم توسيع نطاق هذه الابتكارات، ويُعدُّ من أوائل المراكز في المنطقة التي ستطبق منهجية (IBM Garage) للمشاركة في إنشاء الحلول الرقمية وتطويرها مع أرامكو السعودية وغيرها.

وفي تأكيد على التزامها بتسريع خططها الرقمية دشَّنت أرامكو وشركة كوجنايت، إحدى الشركات الرائدة عالميًا في مجال البرمجيات الصناعية، في يونيو 2022م مشروعهما المشترك شركة كنتكست، التي تعتزم تقديم خدمات التحوّل الرقمي والحلول السحابية المتقدمة والبرامج الصناعية الرائدة، وهو ما يدعم شركات القطاعين العام والخاص على ضمان مستقبل البنية الأساسية لبياناتها وخفض التكاليف وتقليل المخاطر فضلاً عن زيادة الإيرادات وتعزيز الاستدامة التشغيلية والأمن.

التقنيات الإحلالية

وقد أسست أرامكو السعودية عام 2019م ضمن جهودها الرامية لأن تصبح شركة الطاقة الرائدة رقميًا على مستوى العالم، مركز الثورة الصناعية الرابعة في مدينة الظهران، وهو مرفقٌ متطور ومتخصص للابتكارات وتطبيقات جيل المستقبل من التقنيات الإحلالية في قطاع الطاقة، مثل الواقع المعزّز والطائرات دون طيار، الذي ساعد المركز فور تأسيسه في أن تحقق أرامكو قفزاتٍ هائلة في مجال التقدم التقني في القدرات الحاسوبية، والقدرة على التطوير والاختبار، مما مهّد الطريق أمام الارتقاء إلى مستوى جديدٍ في التميّز التشغيلي.

وبنهاية ديسمبر2021م أعلنت أرامكو السعودية وشركة الإلكترونيات المتقدمة إحدى شركات اس إيه أم آي (SAMI)، عن تعاونهما لتمكين توطين الشركات الرقمية في المملكة، ضمن توقيع مذكرة تفاهم تسرّع من تطوير النظام البيئي الرقمي في المملكة، وهو يدعم جهود تمكين تقنيات إنترنت الأشياء، والحوسبة، والاتصالات، والروبوتات، والطائرات بدون طيار، وأشباه الموصلات، وتعزيز استكمال أنظمة البيئة الرقمية في المملكة.

نماءات أرامكو

كما وأدرجت أرامكو السعودية الأعمال الرقمية الصناعية ضمن برنامج الاستثمارات الصناعية (نماءات أرامكو) الذي يستهدف استكمال شتى محاور البيئة الرقمية في المملكة، وزيادة المحتوى المحلي، والإسهام في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتسريع تنمية المواهب الرقمية، وتعزيز موثوقية أرامكو السعودية وكفاءتها التشغيلية.

وفي هذا الإطار، تضافرت جهود دائرة المشتريات وإدارة منظومة الإمداد، ودائرة تقنية المعلومات بالشركة لتقديم أول حلٍّ سحابي داخل المملكة، وتقديم تعاون رقمي مع الموّردين ككل.

الحوسبة السحابية

وتخطو تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل الروبوتات والواقع الافتراضي، بخطىً متسارعة لإحداث نقلة في قطاع النفط والغاز، إذ تُسهم في تعزيز السلامة، وتسريع الاستجابة والكفاءة التشغيلية، والحدّ من الانبعاثات الضارة ودعم أساليب التدريب، وزيادة الإنتاجية والاستدامة، وتخفيض التكاليف في ذات الوقت، وبحسب بيانات الشركة العالمية (IDC)لمعلومات السوق، فثمة توقعات بأن ينمو سوق الحوسبة السحابية في المملكة إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030م.

وتأمل أرامكو السعودية من خلال إطلاق المشاريع الرقمية الطموحة في المنطقة، والاعتماد على القدرات الحاسوبية الهائلة، وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، أن تساعد في تسريع توفير منصة قابلة للتطوير لدفع عجلة الابتكار والتحول الرقمي، فإن تدشين أرامكو ديجيتال يدعم مستهدفات المملكة نحو منظومة طاقة صناعية قادرة على الاستدامة والمنافسة العالمية ورفع مستويات الجودة وفتح الباب واسعًا للابتكار والتطوير بين الشركات السعودية الناشئة.