توسعت دائرة الحديث عن فقدان الدولار الأمريكي مكانته في الاقتصاد العالمي مع مستجدات الأزمة البنكية التي لحقت بعدد من البنوك الغربية، الكثير من الأطروحات تناولت أيضًا التحركات الصينية على الساحة الدولية وإمكانية دعم الصين لعملتها كبديل للدولار سواء في تداولات السلع الرئيسية أو كعملة خزينة للاقتصادات النامية والناشئة.
واقعيًا فإن حرب العملات بدأت منذ صيف عام 2022م والتناول الحالي هو نتيجة لما تشهده الخريطة العالمية من تغيرات استراتيجية وإعادة ترتيب التحالفات الدولية في ظل انتقال العالم إلى عالم متعدد القطبية.
محتمات استخدام العملات العالمية للدولار الأمريكي ليست مبنية على معايير تفضيلية بل مرتبطة بحالة استخدام الدولار كركيزة للنظام المالي العالمي، شهدنا ممارسات متعددة مثل فرض المحظورات الاقتصادية ومحاولات العزل السياسي لدول منتجة للموارد الطبيعية عن المجتمع الدولي والأسواق العالمية، لاحظنا أيضًا تأزم عدد من الاقتصادات النامية تعاني من فقدان أفضلية تصدير سلعها الخدمية والزراعية نتيجة عدم قدرة خزينتها على مخزونات المال الداعمة لعملاتها الوطنية وبالتالي انهيار عملاتها أمام الدولار الأمريكي.
كل ذلك والعديد من الظروف الاقتصادية التي بدأت بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مرورًا بأزمة سلاسل الامتدادات وتراجع التجارة العالمية وانتهاءً بجائحة كورونا كلها ظروف فرضت على الدول إعادة النظر في استخدام الدولار كصمام أمان اقتصادي.
السياسات النقدية التي صاحبت الأزمات الاقتصادية الأخيرة واندفاع الاقتصادات المتقدمة إلى ضخ سيولة عالية في الأسواق أدت إلى دفع مستويات التضخم إلى نسب مرتفعة وبذلك أثقلت السياسات النقدية كاهل السياسات المالية للدول.
في هذا الجانب تحديدًا أدى ذلك إلى فقدان الدولار الأمريكي ميزته الرئيسية كمصدر للثروة والرخاء إلى كونه مصدرًا للتضخم، فالسياسات النقدية والسياسات الدولية الأمريكية أثبتت أن الخطر المحدق بالدولار لا تعود مسبباته إلى قوة أو قدرة العملات الأُخرى على منافسة الدولار بل أن الخطر يكمن فيما يمثله الدولار من عبء على مستخدميه.
القوى التجارية المتمثلة في عولمة الأسواق والاقتصادات وجدت نفسها في صدام مباشر مع أروقة السياسات الدولارية وبالتالي نشأت تحركات خفض الاعتمادية على الدولار الأمريكي وتقليل صدمات المتغيرات النقدية للفيدرالي الأمريكي، أسواق الطاقة وبالتحديد أسواق النفط والغاز تمثل المثال الأبرز حاليًا لتعددية العملات المستخدمة نظير الأهمية الاستراتيجية لسلع الطاقة.
شهدت الأسواق العالمية خلال عام 2022م تدخلات حكومــية غربية في الأسواق العالمية بوسائل متعددة مثل فرض السقوف السعرية على أسعار السلع وفرض حظر استخدامات النقل والتأمين البحري للنفــــــط والغـــــاز واستخــــدام المخزونات الاستراتيجيــــة النفطيــة للتأثــــر على الأسواق العالمية وهو ما أفرز خللاً واسعًا في القوى السوقية نرى عواقبها حاليًا برغبة الدول في عدم الاعتماد الكلي على الدولار الأمريكي وحده كعملة تشغيل للاقتصادات المحلية.