تراجعت قيم وأحجام التداول وبلغت القيمة المتداولة 270 مليار ريال بانخفاض %50 على أساس سنوي
الاكتتابات سلاح ذو حدين، تضيف سيولة لحجم السوق، ولكنها تؤثر على سيولة التداول اليومي
ما بين العودة للانتعاش وتعميق الركود، يمر سوق الأسهم في المملكة بمفترق طرق خلال الأشهر الستة المتبقية من العام 2023م؛ فخلال النصف الأول من العام الجاري تأثر السوق بعدة عوامل أبرزها التغيير الحاصل في أسعار النفط العالمية، واستمرار ارتفاع معدل الفائدة الذي كان سببًا في تراجع السيولة من 14 مليار لمستويات الستة مليارات ريال فقط، ورغم عدم وضوح الرؤية حول الاقتصاد العالمي ومدى قدرة الدول الصناعية الكبرى في كبح جماح التضخم وعبور الركود الاقتصادي، جعل بعض التوقعات تذهب إلى أن سوق الأسهم بالمملكة ستستمر في مسارها العامودي، بعد أن وصلت أسعار الأسهم القيادية فيه للقيمة العادلة لها.
وقد أعطت مؤشرات عدة سواء لاقتصاد المملكة أو الاقتصاد العالمي المزيد من التفاؤل للمستثمرين، كتوقعات صندوق النقد الدولي بأن يتحاوز معدل نمو الاقتصاد في المملكة العام الجاري حاجز الــ %3.1، بحسب تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي”، ونظرة الصندوق لنمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمملكة في العام الحالي مقارنة بتقديراته السابقة الصادرة في شهر يناير التي بلغت %2.6، فضلاً عن التوقعات المتصاعدة نحو انحسار التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية والخروج من رفع أسعار الفائدة المستمر منذ قرابة العام، مع تحسن الطلب على النفط في ظل خروج الصين من الحظر الذي تفرضه بسبب “كوفيد19-“.
فيما تأتي احتمالية دخول العالم في ركود اقتصادي بسبب إجراءات البنوك المركزية، وبطء عودة عمل الصناعة إلى الحالة التي سبقت الجائحة من تعطل في خطوط الإنتاج وارتباك شديد في سلاسل الإمداد، واستمرار تراجع أسعار النفط بسبب تقلبات الطلب، بأسوأ التوقعات بالنسبة لسوق الأسهم بتعميق ركوده الحالي.
وكانت قيم وأحجام تداول سوق الأسهم في المملكة قد تراجعت في الربع الأول من 2023م وبلغت القيمة المتداولة 270 مليار ريال بانخفاض %50 على أساس سنوي، وانخفض عدد الأسهم المتداولة إلى 10 مليارات سهم، بنسبة %27 على أساس سنوي، فيما بلغ عدد الصفقات المنفذة 20 مليون صفقة بانخفاض %15 على أساس سنوي.
رهينة لأسعار النفط
ويؤكد الخبير في الأسهم العالمية وعضو جمعية الاقتصاد السعودية تركي فدعق على أن توقعات سوق الأسهم قبل بداية العام، كانت رهينة لأسعار النفط، وهو ما جعل الواقع مختلفًا عما تم توقعه، بسبب تغير أسعار النفط عالميًا وتراجعها، ولأن التغيير يؤثر على موازنة الدولة وسوق الأسهم، وبالتالي على أرباح شركات البتروكيماويات.
ويتوقع فدعق أن يكون السوق في وضع أفضل، لأنه استمر لفترة طويلة عند مستويات متدنية، وأن يتجاوز مستويات المقاومة التاريخية، ولكن مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة حتى منتصف العام المقبل، سيكون السوق على مفترق طرق، أما تعميق الركود الذي سيحدث عالميًا، أو العودة للانتعاش الاقتصادي عالميًا، لافتًا إلى أن مسار الأسهم في المملكة مختلف عن مسار الأسهم العالمية، بسبب نسبة تأثير التغيير العالمي في أسعار النفط والطلب على النفط، مضيفًا بأن هذا التغيير كان إيجابيًا عندما كانت أسعار النفط فوق الــ 100 دولار وعندما انخفضت عن ذلك، تغير الحال.
وعلى الرغم من هبوط مستويات السيولة لنحو ستة مليارات ريال، يتوقع المستثمرون تقييمات مغرية إذ يتداول مؤشر “تداول” بمكرّر ربحية عند 13.4 مرة، وهو المستوى الأدنى منذ مارس 2020م ودون المتوسط البالغ 14.7 مرة المسجل في العقد الماضي، كما أن “المكرّرات والأسعار الأرخص تجذب مزيدًا من الاهتمام من الصناديق المخصصة للأسواق الناشئة، التي لا تزال مراكزها الاستثمارية في المملكة وأسواق دول مجلس التعاون الخليجي أقل من المتوقع.
ولكن يقابل ذلك تشاؤم لدى متعاملين في السوق، وذلك في ظل استمرار ارتفاع أسعار الفائدة الشهري، وترتبط سياسة البنك المركزي السعودي ارتباطًا وثيقًا بسياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بسبب ربط الريال بالدولار والأخير لا يبدو أنه وصل للمستويات المستهدفة من الفائدة، ونتيجة لذلك خفض بنك “مورغان ستانلي” في نوفمبر الماضي توصيته للأسهم السعودية إلى “أداء يعادل أداء فئة الأصل” مرجحًا استمرار قيود التمويل بين البنوك وإصدار السندات محليًا وسط ارتفاع الفائدة، وضعف التعافي في الأسواق الناشئة المتأثرة بالدورات الاقتصادية.
وقد تسببت كل هذه الأمور السلبية في ضغط على معنويات المستثمرين في أسواق المال، في الوقت نفسه لعب النفط الدور الأكبر في تزايد قلقهم في شأن آفاق الاقتصاد العالمي، بعد أن هبط سعر خام برنت إلى مستويات 75 دولارا في النصف الأول من العام الجاري، ما يؤكد بأن مستوى أسعار النفط سيكون حاسمًا في تحديد التوقعات بشكل عام للاقتصاد وأرباح الشركات، التي تؤثر في أسواق المال في نهاية المطاف.
تدني السيولة
وعلى الرغم من هبوط مؤشر “تاسي” بنحو %10 فإنه بقى متفوقًا على مؤشر “أم أس سي أس” للأسواق الناشئة، الذي تراجع بنسبة %22، مدعومًا بأن المملكة في طريقها لتسجيل أسرع نمو بين اقتصادات دول مجموعة الــ 20 خلال العام الحالي، إلا أن المحلل المختص في سوق الأسهم علي المزيد يؤكد على أن أداء الأسهم قد يكون عرضيًا ومن الصعب التأمل بارتفاعه متى ما استمرت أسعار الفائدة مرتفعة، مؤكدًا بأن السوق ما تزال متأثرة بارتفاع معدلات الفائدة، وعندما تكون الفائدة متدنية، فهذا يغري المستثمرين بالاقتراض والمضاربة في السوق، ويحقق ربحا صافيا مغريا، ولكن عندما تكون الفوائد مرتفعة فالمخاطرة تكون أكبر وهامش الربح سيذهب للبنوك، وهنا يفضل المستثمر إيداع أمواله في البنوك وتحقيق أرباح ثابتة”، لافتًا إلى أن الأمر المهم هو أسعار النفط، التي تنعكس على الاقتصاد ونموه وبالتالي نمو السوق.
ويرى المزيد أن المشكلة الأكبر هي تدني السيولة حاليًا، موضحًا إن الفائدة عندما كانت مدنية كانت السيولة قرابة الـ 11 مليار، بينما هي اليوم في حدود الخمسة والستة مليارات فقط، ومعظم المحافظ وخاصة الكبيرة منها تعمل بالقروض، والآن من الصعب الاستمرار في ذلك، مشيرًا إلى أن السوق الآن في القيمة العادلة، ما يعني أن سعر السهم منطقي وليس مرتفعًا ولا متدنيًا، وهي قيمة لا تعطي حافزًا للشراء أو البيع، وهذه القيمة تتحقق بعدة قياسات منها الأرباح الموزعة، مثلا سعر سهم الراجحي بحدود 75 ريالا، وهي قيمة متوازنة مع الأرباح الموزعة والتي كانت بحدود 1.5 ريال، وأمام كل هذا، من المتوقع أن تستمر السوق على وضعها الحالي، دون توقع بارتفاع كبير في القريب المنظور.
17 اكتتابًا
وكانت السوق قد شهدت خلال الأشهر الماضية نحو 17 اكتتابًا بلغت حصيلتها المجمعة 37 مليار ريال فيما سجلت السوق “الموازية” طرح 40 شركة، منها 12 شركة إدراجًا مباشرًا، و28 شركة اكتتابًا للمستثمرين المؤهلين، غير أن بعض الشركات التي كانت تنوي طرح جزء من أسهمها قرّرت تأجيل هذه الخطوة بسبب تقلبات السوق، مثل شركة “الريّان المتقدمة للصناعة” التي كانت تنوي النزول بـ %20 من رأسمالها، وهو ما يعادل مليوني سهم بسعر 72 ريالاً للسهم، كما ألغت “الرمز للعقارات” طرح %10 من رأسمالها وهو ما يعادل 3.3 مليون سهم بسعر يتراوح بين 61 و67 ريالاً للسهم، والسبب كان عدم تغطية الاكتتاب لانسحاب البعض، ومثل هذه الإلغاءات تزيد من مخاوف المستثمرين من أن يستمر الأداء المتذبذب للسوق.
ويتفق المختص في سوق الأسهم محمد الشميمري مع المزيد في وجود سيولة شحيحة في السوق، معتبرًا أن هذا الأمر موجود في معظم الأسواق العالمية، بسب ارتفاع معدلات الفائدة، قائلاً: إن مختلف الأسواق العالمية تعاني شحًا في السيولة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، في ظل التراجع المستمر للتداولات اليومية التي تكاد تلامس الأرقام الأدنى في العام، ولم تشذ سوق المملكة عنها، مما دفع “هيئة السوق المالية” مع نهاية العام 2022م الموافقة على اللائحة المقدمة من شركة “تداول” لتنظيم إجراءات “صانع السوق”، التي تهدف من وجوده ضمان توفير السيولة وتعزيز كفاءة تحديد الأسعار في التعاملات، ومن شروطه أن يكون عضوًا في (تداول)، وهو ملزم بتوفير أوامر البيع والشراء بشكل مستمر طوال فترة جلسة التداول، حيث يحصل على محفزات من بينها عمولة تداول مخفّضة، موضحًا بأن الاكتتابات تلقي بظلالها على السوق، ولكنها سلاح ذو حدين، حيث تضيف سيولة لحجم السوق، ولكنّها في المقابل تؤثر على سيولة التداول اليومي وبخاصة في حالة الهبوط.
مؤشرات أفضل
ويرجح أكثر من محلل أن يتجاوز السوق هذا الوضع، وأن يحقق مؤشرات أفضل في النصف الثاني من العام الجاري، في ظل استمرار الآفاق الإيجابية للاقتصاد ونمو الناتج المحلي الإجمالي وظهور آثار تطبيق برامج وخطط رؤية 2030م على الاقتصاد الوطني مما يدعم نتائج شركات سوق الأسهم، هذه التوقعات ـ التي أتفق عليها فدعق والمزيد وكذلك الشميمري ـ مدعمة بعدة عوامل رئيسية أهمها أن تظل أسعار النفط خلال عام 2023م أعلى من 80 دولارًا مما يدعم نتائج الشركات المتعاملة بالنفط وأيضًا الإيرادات الحكومية التي تنعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الأكبر في المنطقة العربية.
وفي حال تحقق ذلك، من المتوقع أن تميل السوق بالمملكة للارتفاع، تزامنًا مع الحذر حول المناخ الاستثماري العالمي، وهو ما يؤكده فدعق، بأن ثبات أسعار النفط عند مستويات جيدة ومرتفعة سيكون من العوامل الرئيسية التي تدعم السوق في تلك الفترة حيث شهدت تقلبات كبيرة مع تشديد السياسة النقدية من قبل الفيدرالي الأميركي التي تهدف للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، الأمر الذي أدى إلى أخذ الخطوات نفسها من قبل العديد من البنوك المركزية العالمية، متوقعًا مع المزيد بأن تشهد السوق هدوءًا في سوق الاكتتابات خلال العام الجاري.