تحليل

هل سينكسر الدولار وتتراجع هيمنته على الاقتصاد العالمي؟

سيطر الدولار على حركة التجارة العالمية والاحتياطيات ولقب بـ “سيّد العملات” في المائة سنة الأخيرة، وأخذ مكانة الجنيه الإسترليني، الذي تأثر بقوة بالحربين العالميتين (الأولى، والثانية) وفقدت بريطانيا وهجها بسبب الحرب، التي اندلعت في أوروبا وأصبح الاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم وبعدها أخذ الدولار الصدارة.

نسمع كثيرًا حاليًا باحتمال إنزال الدولار عن عرشه وبداية فك هيمنته على الساحة العالمية، طبعًا حصلت بعض المكاسب على جبهة اليوان الصيني في مجال التبادل التجاري، ولكن هذا ليس كافيًا فالسيطرة ما زالت واضحة جدًا ومن المستبعد في المستقبل القريب أن يحصل ذلك إلا إذا حصلت تداعيات دراماتيكية تؤدي إلى انهيار النظام المصرفي العالمي.

هناك عدة أرقام مهمة تدعم الدولار من خلال موقعة كعملة أولى في العالم، فمثلا %70 من الفواتير التجارية هي بالدولار، وأيضًا يسيطر على %60 من الودائع والقروض بعملات غير محلية، والرقم الأهم على الاطلاق هو حيازته على حوالي %60 من الاحتياطيات الدولية مقابل أقل من %20 بالنسبة إلى اليورو و%5 بالنسبة إلى الين الياباني.

يذكر هنا، أنه منذ إطلاق اليورو (العملة الأوروبية الموحدة) في عام 1999 هبطت حصة الدولار من الاحتياطيات من %71 الى أقل من %60 أي خلال 24 سنة.

الدولة الأبرز التي محط الأنظار ستكون طبعًا الصين، والتي هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي رغم النمو الكبير الذي حققته، وعلى رغم أنها تعتبر أكبر مصنع في العالم، وأكبر زبون في عدة مجالات وأكبر شريك تجاري لدول عديدة، وبالتالي باستطاعتها أن تفرض عملتها كعملة للشراء والبيع والتبادل التجاري مع البلدان التي لديها مصلحة كبيرة معها، ولكن في المقابل يجب الإشارة هنا إلى أن تألق اقتصادها لن ينعكس على تألق عملتها، فالصين تعمل على تقييد حركة عملتها ونطاق تذبذبها لكي يبقى الموضوع تحت السيطرة، وبالتالي تفتقر حركة عملتها إلى العمق وأن يكون اتجاه الأسعار تحت تأثير العرض والطلب، بالإضافة إلى ذلك لطالما وجهت الولايات المتحدة الأمريكية اتهامات للصين في السنوات الأخيرة بأنها تتلاعب في معدل الصرف وإن عملتها مقيّمة بأقل من قيمتها بنسبة %30.

دول مجموعة بريكس، والتي تعني الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية من أسماء الدول الخمسة وهي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب افريقيا، هذه الدول تحاول إيجاد عملة موحدة على غرار تجمع دول منطقة اليورو، لكي يكون التبادل التجاري الكبير بينها من خلال هذه العملة، ولكن إلى الآن ليس هناك شيء جديد بخصوص هذا الموضوع.

وحتى لو أطلقت هذه العملة الخاصة بهذه الدول ليس بالضروري أن تأخذ من حصة الدولار فقط، لا بل أيضًا ستأخذ قسما من حصة اليورو، لكن بلا شك إذا ألقينا نظرة على اقتصادات هذه الدول نرى التطور الكبير الذي حصل منذ بداية تأسيس هذه المجموعة، فالاقتصاد الصيني حاليًا يقترب أكثر وأكثر من الاقتصاد الأمريكي، مع النمو القوي الذي سجله في العشرين سنة الماضية، بالإضافة إلى الصعود الكبير للاقتصاد الهندي، والذي تفوّق حجمه على حجم الاقتصاد البريطاني وأصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم، خلف الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وألمانيا ومن المتوقع أن يتخطى أيضًا اقتصاد ألمانيا في عام 2026 عدا عن انتزاع الهند من الصين لقب أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان مؤخرًا.

طبعًا تطورات كبيرة حصلت في الهند على جميع الجبهات وخصوصًا في مجال صعود الطبقة المتوسطة وارتفاع القدرة الشرائية عند هذه الطبقة وأصبحت هناك رواتب مهمة خصوصًا في مجال التكنولوجيا مع صعود منطقة السيليكون فالي الهندية.

بالإضافة إلى الهند والصين هناك الصعود المهم لاقتصاد البرازيل والذي رغم الاضطرابات السياسية التي رافقت البلاد في السنوات الأخيرة، ولكن تبقى البرازيل من أبرز الوجهات المفضلة للمستثمرين الأجانب نظرًا إلى ثروة البلاد الكبيرة في مجال سلع ومعادن متعددة، وأيضًا هناك التوقعات الإيجابية بالنسبة لمعدلات النمو المستقبلية، وأصبح هناك أيضًا مزيد من الاستقرار السياسي مما يساهم في بيئة اقتصادية مريحة لتدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، وفي الفترة الأخيرة شاهدنا مواقف تصعيدية من قبل المسؤولين هناك تشجع للخروج من هيمنة العملة الخضراء.

حركة الدولار في الدول النامية تؤثر بقوة على اقتصاداتها، فعند حصول ارتفاعات حادة للدولار يؤدي ذلك إلى انكماش الوضع هناك وممكن يؤدي أيضًا الى اضطرابات اجتماعية، وبالتالي التأثير السلبي للدولار قوي جدًا في هذه البلدان وخصوصًا التي لا تملك احتياطيات كافية للتدخل وحماية عملتها من السقوط، ويزداد الوضع خطورة عندما تكون لدى هذه الدول التزامات وديون بالعملة الخضراء، وبالتالي يصبح من الصعب التسديد في موعد الاستحقاق، ويؤدي ذلك إلى تراجع تصنيف هذه الدول إلى مرتبة متدنية وتصبح سنداتها في مهب الريح.

بالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة بالنسبة لواردات هذا البلد خصوصًا بالنسبة إلى الواردات الضرورية والأساسية، مثل الوقود والقمح، وأكبر مثال على ذلك العبارة الشهيرة التي أطلقها قبل 50 عامًا وزير الخزانة الأمريكي وقتهاجون كونالي، حيث قال: صحيح أن الدولار عملتنا.. لكن مشكلتكم.